الجمع والقصر للصلاة

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-06-21 - 1445/12/15 2024-06-26 - 1445/12/20
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/من محاسن الشريعة الإسلامية 2/تعظيم شأن الصلاة 3/حكم الجمع والقصر 4/أحوال الجمع بين الصلاتين 5/أخطاء ومسائل في الجمع بين الصلاتين.

اقتباس

هذَا رمضان هبَّت عليكم نسائمه، وأقبلت عليكم أيامه ولياليه، فما أنتم مستقبلي هذَا الضيف الكريم، ضيفٌ جعله الله -جَلَّ وَعَلَا- موسمًا لعباده وأوليائه، يتنافسون فيه بالخيرات، ويتسابقون فيه بالعمل الصالح والصلوات، فما...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا)[الكهف: 1]، و(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)[الأعراف: 43]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ونبيه وخليله، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، إِلَى يوم الدين، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ -عباد الله- فاتقوا ربكم حق التَّقْوَى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى؛ فإنَّ أجسادنا عَلَى النَّار لا تقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا المؤمنون: شريعة الإسلام شريعة عظيمة، راعت مصالح النَّاس في الدنيا، وراعت أسباب سعادتهم فيها، وحقَّقت لهم أسباب الفلاح في الآخرة، وإنَّ من أعظم فرائض الدين بعد توحيد رب العالمين: هذِه الصَّلَاة، وَالَّتِي من شأنها العظيم أنها عمود هذَا الدين، فلا قيام للدين إِلَّا بقيام عموده.

 

ومن شأنها -يا عباد الله- أن الله افترضها عَلَى نبيه مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في أشرف المقامات، في علوه، لمَّا عُرج به -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِلَى السَّموات السبع الطباق، ثُمَّ ما زال في عروجٍ وصعود إِلَى أن بلغ الجبار -جَلَّ وَعَلَا- وافترض عليه هذِه الصَّلَاة.

 

وإنَّ من أحكام الصَّلَاة -يا عباد الله- حكم الجمع والقصر؛ فإنَّ القصر مع الجمع لا يكونان إِلَّا في السفر سفر المباح وسفر الطَّاعَة، ما خلا سفر المعصية، فلا جمع فيه ولا قصر، ولا ترخُّص فيه بأحكام السفر؛ (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)[النساء: 101].

 

وَأَمَّا الجمع بين الصلاتين جمعًا بلا قصر؛ فهو من سعة رحمة الله بنا، من تعظيم الرخصة علينا، وَهذَا يكون في أمورٍ ثلاثة: في المطر الَّذِي يبل ثوب أقرب جيران المسجد، وكذلك -يا عباد الله- في شدة البرد، إذا جاءتكم الريح الشمالية، أو الريح النسرية، فإنه يجوز الجمع بين المغرب والعشاء فيها خاصة، وكذلك في حال الخوف.

 

 فالجمع إذًا متنقل بين السفر المباح وسفر الطَّاعَة، وبين البرد الشديد وبين المطر، سواء كان نازلاً من السماء، أو يخوض فيه النَّاس في مشيهم إِلَى المساجد، أو في حال الخوف.

 

يقول الفقهاء -رَحِمَهُمُ اللَّهُ-: "ويجمع بين المغرب والعشاء خاصةً في ريحٍ باردةٍ، أو مطر يبلّ الثياب، وكذلك المريض والعاجز وكبير السن، ومن به سلس البول، أو بها من النساء النزيف، فإنه يجوز لهم الجمع بين الصلاتين جمعًا بلا قصر، فيصلون الظهر أربعًا، ثُمَّ يقيمون ويصلون العصر بعدها أربعًا، وكذلك المغرب يصلونها ثلاثًا، والعشاء بعدها أربعًا، إن شاءوا جمع تقديم، وإن شاءوا جمع تقصير، وإن شاءوا جمع تأخير، رخصةً من الله -عَزَّ وَجَلَّ- لعباده، ورحمةً من الله بهم، وتشوفًا من هذِه الشَّرِيعَة بأداء الصَّلَاة جماعةً في المساجد مع المسلمين، فاللهم لك الحمد كَثِيرًا، ولك الشكر كَثِيرًا، كما تُنعم يا ربنا كَثِيرًا".

 

يقول النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّ الله يحب أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه".

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يوم رضوانه.

 

أَمَّا بَعْدُ: -عباد الله-؛ فقد ثبت في الصحيح -صحيح مسلم- من حديث عبد الله بن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: "جمع النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بين المغرب والعشاء في المدينة من غير مرضٍ ولا سفر"، قيل: يا ابن عباس ما أراد من ذلك؟ قَالَ: "أراد ألَّا يحرج أمته".

 

وفي الجمع بين الصلاتين تقطع أغلاطٌ يا عباد الله، ننبه عَلَى بعضها:

من ذلك: ظن بعض النَّاس أنَّ الجمع بين الصلاتين ملازم لقصر الرباعية؛ وَهذَا خطأ شائع، يقع فيه حَتَّى بعض الأئمة، فإنَّ الجمع إذا كان للمرض أو كان الجمع للخوف، أو كان الجمع بين الصلاتين للمطر؛ فإنَّه لا تُقصر الصَّلَاة في الحضر، وَإِنَّمَا تُقصر الصَّلَاة وتُجمع إذا كانت في السفر -سفر طاعةٍ، أو سفر مباح-.

 

ومن الأغلاط -يا عباد الله- في هذَا الباب: أنهم يجمعون بين الصلاتين عند أدنى برد، أو عند أدنى رش من المطر، وَهذَا توسُّع في استخدام هذِه الرخص، وَإِنَّمَا يُجمع بين المغرب والعشاء خاصة، إذا كان المطر يبل الثياب، فإذا بل ثوب أقرب واحدٍ من المسجد؛ فإنَّ الأبعد من باب أولى، وبلل الثياب إِمَّا بمطرٍ نازل، وَإِمَّا بمطر كامنٍ في الأرض يخوض فيه النَّاس، وكذلك البرد لا يُجمع في أدنى برد، وَإِنَّمَا في بردٍ شديد يضر النَّاس، مع ريحٍ باردة، كما نصَّ عَلَى ذلك الفقهاء رَحِمَهُمُ اللَّهُ.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ عزًّا تعزُّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلُّ به الكفر وَالشِّرْك وأهله، اللَّهُمَّ أبرم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدَى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خذ بنواصيهم للبر وَالتَّقْوَى.

 

اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، نستغفرك اللَّهُمَّ إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم من ذنوبنا، ونستغر الله العظيم من شر سفهائنا، ونستغفر الله العظيم الَّذِي لا إله هو الحي القيوم ونتوب إليه، اللهم أغثنا.

 

اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الرُّكَّع، وهؤلاء البهائم الرُّتَّع، وهؤلاء الأطفال الرُّضَّع، ولا غنى لنا عن فضلك يا رب العالمين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.

 

سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

المرفقات

الجمع والقصر للصلاة.doc

الجمع والقصر للصلاة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات