عناصر الخطبة
1/ محبة الجمال أمر فطري 2/ الجمال المحمود والجمال المذموم 3/ الجمال الحقيقي 4/ المفهوم الخاطئ للجمال وآثارهاقتباس
إن المفهوم الخاطئ للجمال جعل بعض الناس يفعل أشياء خاطئة يحسبها من الجمال، ويتصرف تصرفات شوهاء وهو يظنها جميلة، فهذا يقلد أعداء الله في لباسهم وحركاتهم وقصاتهم وهو يظن أن هذا من الجمال، وينسى أن هذا من ..
الخطبة الأولى:
الحَمْد لله ذي العظَمة والجَلال، الذي تفرَّد بِكُلِّ جمالٍ وكمالٍ، وأشْهد أنْ لا إله إلا الله، وحْده لا شريك له، ولا نِدَّ ولا مِثال، له الأسْماء الحُسْنى والصِّفات العُلى، وهو الكبير المُتَعال، وأشْهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبْده ورسوله، كريم الأخْلاق، وطَيِّب الخصال، وخيْرُ منْ تقرَّب إلى الله بالإعْظام والإكْبار والإجْلال، صلَّى الله وسلَّم عليْه وعلى آله وصحْبه خيْر صحْبٍ وآل، وعلى مَنْ تَبِعهم بإحْسانٍ ما تجدَّدت البُكور والآصال.
أما بعد:
أيها الناس: من الصفات الجبلِّية التي طبع عليها الإنسان، ومن الفطرة التي فطر الله الناس عليها أن الناس يحبون الجمال، ويسعى كل واحد منهم إلى أن يكون جميلاً في مظهره ومخبره. ولكن مفهوم الجمال عند الناس مختلف، ونظراتهم إليه متفاوتة، خاصة وأننا في زمن تغيرت فيه المفاهيم، واضطربت فيه المسلمات، واختلفت عند الناس الرؤى والقناعات، ولكن رؤية الأشياء بمنظارٍ سليم كفيل بأن يبقيها داخل أطرها الثابتة بدون تغيّر، وبمفهومها الواضح دون غبش، مهما طال الزمان أو تغيّر المكان.
إن المسلم الحريص على دينه المستمسك به يقيس الأمور دائماً بمقياس الشرع، وينظر إليها بنظرة شرعية ربانية، فإذا كان الناس قد اختلفوا في مفهوم الجمال ومعاييره فإنه ينظر بماذا يقيس الشرع الجمال؟ وما الجميل في الشريعة الإسلامية وما القبيح؟!.
إن الشرع ما جاء ليعارض الجمال، أو يقول للإنسان لماذا تحب الجمال؟ كلا، فكون الإنسان رجلاً أو امرأة يحب الأشياء الجميلة هذا أمر فطري لا يلام عليه الإنسان، لكن هذه الطبيعة يمكن أن تتحول إلى طبيعة إيجابية، ويمكن أن تتحول إلى طبيعة سلبية.
عباد الله: روى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ" [مسلم:91].
إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- بيّن في هذا الحديث العظيم مفهوم الجمال ومعاييره، فالجمال لا يكون في الأشر والتكبر، ولا يكون في الترفع والبطر، وإنما الجمال الحقيقي هو في الجمال المعتدل المنضبط الذي يحبه الله ويأمر به ويحث عليه.
إن حب الإنسان لأن يكون ثوبه حسناً وهيئته جميلة ومظهره مناسباً ليس أمراً مذموماً، أو قبحاً من الفعل، كما يتصور بعض الناس أن المسلم أو الملتزم لا يكون إلا خشناً في شكله، قبيحاً في مظهره، لا يهتم بنفسه، ولا يحب أن يكون جميلاً ولا نظيفاً؛ بل على العكس من ذلك فالله -جل جلاله كما سمعتم في الحديث- جميل، ويحب من عباده أن يكونوا جميلين، والإسلام قد أمر بالنظافة وحث الناس جميعاً عليها.
إن الجمال المذموم الذي ذمه النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث هو الجمال المتصنع المبالغ فيه، والذي يكون في الغالب ناتجاً عن شعور بالرفعة، وإحساس بالكبرة، وحب للزهو وعلو المنزلة.
فالله لا يريد من المسلم أن يكون بدنه متسخاً، أو نعله متقطعاً، أو ثيابه غير نظيفة، ولكنه في المقابل أيضاً لا يأمره بالمبالغة في التجمل البدني الذي يصل إلى حد التأنث والتخنث، أو لبس الكعب العالي الذي يلبس عن تكبر وعلو، ونهاه عن لبس الملابس المحرمة كثياب الشهرة، وملابس الخلاعة والتقليد لأعداء الله وإن رآها الإنسان في نفسه أنها جميلة.
تأملوا قول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف:26]. فقد نبه الله الناس في هذه الآية الكريمة إلى أن اللباس الحقيقي والجمال الحقيقي هو في الأساس في لباس التقوى، لا في اللباس الظاهر والشكل الخارجي دون جمال الباطن والمخبر.
فالله يقول لنا البسوا من الملابس أجملها وارتدوا أفضلها، ولكن اعلموا أنكم مهما لبستم من الملابس الجميلة والثياب النظيفة فإن لباس التقوى هي أجمل و أفضل من كل هذه الملابس الجميلة التي ترتدونها، ولهذا قال: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف:26].
نعم إن الجمال الحقيقي لا يكون بلبس الثياب الغالية، ولا بارتداء الألبسة الملفتة، وإنما الجمال الحقيقي هو في الخصال الحميدة، والأفعال الصالحة، والكلمات الطيبة، والبشاشة والابتسامة، والقول الحسن والشهامة.
يقول عَمْرُو بن مَعْدِ يكَرِبَ الزبيدي:
لَيْسَ الْجَمالُ بِمِئْزَرٍ *** فَاعْلَمْ وَإنْ رُدِّيتَ بُرْدَا
إنَّ الْجَمالَ مَعَادِنٌ *** وَمَناقِبٌ أوْرَثْنَ مَجْدَا
إن كثيرا منا ينظر إلى مفهوم الجمال بمنظار قاصر وفهم ناقص، فيقتصر فهمه في موضوع الجمال على الجمال الظاهر والشكل الخارجي، دون التركيز على الحقيقة، والصفات المعنوية، والمعاني الباطنية.
لهذا نرى كثيرا من الشباب حين يريد أن يتزوج أو يعزم على خطبة امرأة فإنه أول ما يسأل عن جمالها، ويكون من أول شروطه أن تكون جميلة حسناء، ثم إذا به يصطدم بتكبرها ورفعتها على غيرها، وسوء أخلاقها مع أهله وأخواته، وكثرة مشاكلها معهم، والسبب أنه ركز على جانب معين من الجمال، ولم ينظر إلى الجمال بمفهومه الشامل الحقيقي. يقول النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" [البخاري:5090، مسلم:1466]. فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ هذا هو الجمال الحقيقي، وليس جمال الشكل، والمال، والحسب، والنسب.
ومن الأخطاء كذلك إن بعض الشباب يقعون في نقيض ذلك، فبعض الشباب إذا حدثتهم بهذا الحديث يقول: أنا لا يهمني الجمال! أنا يهمني أن تكون امرأة متدينة! أنا لا أكترث بالجمال ولا أهتم به، فيتزوج فتاة قد تكون متدينة، فاضلة، خلوقة؛ لكن فيها شيء من الدمامة أو التشوه، وبعدما يتزوجها يعرض عنها، وربما يؤذيها، وربما يطلقها، فيكون سبباً في شقائها أو في تعاستها؛ لأنه لم ينظر إلى موضوع الجمال نظرةً معتدلة متوازنة، وكان المفروض من الشاب أن يكون معتدلاً ومتزنا في النظرة لهذا الموضوع.
عباد الله: لقد ذم الله المنافقين؛ لأنهم كانوا يهتمون بظواهرهم، ويحسنون أشكالهم الخارجية على حساب بواطنهم وسرائرهم، فقال: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون:4]. فأجسامهم وأقوالهم جميلة، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدي الصالح شيء، ثم بيَّن تعالى أن جمال الأجسام وعذوبة اللسان ليس مقياساً ولا معياراً، فقال: (هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
أيها الناس: إن المفهوم الخاطئ للجمال جعل بعض الناس يفعل أشياء خاطئة يحسبها من الجمال، ويتصرف تصرفات شوهاء وهو يظنها جميلة، فهذا يقلد أعداء الله في لباسهم وحركاتهم وقصاتهم وهو يظن أن هذا من الجمال، وينسى أن هذا من التشبه المذموم الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس من الجمال في شيء، قال عليه الصلاة والسلام: "وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" [أحمد:5114].
إن جمال المسلمين في التزامهم بدينهم، وتمسكهم بعزتهم، وانقيادهم لأمر ربهم، وليس في تشبههم باليهود والنصارى، فيلبسون كلبسهم، ويتجملون بحلق لحاهم، وقص شعورهم كما يفعلون ويحلقون.
أما في جانب النساء فحدث ولا حرج عن الموضات والتقليعات والأفعال السيئة التي يقمن بها ويحسبن أنها من الجمال، حتى أن بعضهن جعلت وجهها كأنه لوحة زيتية، ملون بالأصباغ المزركشة من هنا ومن هناك، حتى اختفت بشرتها الحقيقية، واختفى جمالها الحقيقي وراء هذه الأصباغ الوهمية المصنوعة المتكلفة.
إن التي تبالغ في التجمل وتسرف فيه وتجاوز المشروع والمعقول هي في الحقيقة تظلم نفسها، وتصبح مثل الذي يهتم بالقشر وينسى اللباب، أو كمن جاء بكوب مصنوع من شيء من المعادن، ثم وضع فيه خمراً أو شيئاً مضراً. وربما تكون هذه المرأة نفسها حين تكون متزوجة إذا كانت في بيتها وعند زوجها لا تهتم بجمالها مثلما تهتم به إذا كانت خارجة للسوق، أو إلى حفل زواج، أو إلى مناسبة، فهذا لاشك أنه جانب سلبي في العناية بالجمال.
وبعض النساء تقضي أوقاتاً طويلة في التجمل وتسريح الشعر، وتغيير الثياب وتبديلها وتزيينها، وتصرف وقتها في العناية بالجمال في مظهرها، وفي شكلها، وفي وجهها، وفي شعرها، وفي ثيابها، وفي كل شيء، وربما بسبب انشغالها بالجمال الشكلي وأغفلت الجمال الحقيقي؛ جمال الروح، وجمال الأدب، وجمال العقل، وجمال العلم.
فيجب على المرأة المسلمة أن تهتم بمظهرها بقدر مشروع معقول، وأن يكون اهتمامها بهذه المظاهر لزوجها وفي مجالاتها الخاصة، فأما إذا خرجت لمجالات الرجال، كما إذا اضطرت للخروج إلى السوق مثلاً أو غير ذلك فإن عليها أن تتستر وتخفي مفاتنها، لا أن تهتم بمظهرها الاهتمام الذي يلفت الأنظار إليها، فتبوء بإثمهم وإثمها. (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب:59].
الخلاصة -ياعباد الله- إن الجمال في مفهوم الشرع هو جمال الظاهر والباطن، وجمال الباطن أولى وأعظم من جمال الظاهر، وكلاهما في الشرع مطلوبان.
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم جملنا بدينك، وزينا بالإيمان وحببه إلينا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
اللهم حسنّ خلقنا كما حسنت خلقنا، وارزقنا جمال الظاهر والباطن، يا رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم