التنزه وإماطة الأذى

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-05-03 - 1445/10/24 2024-05-13 - 1445/11/05
عناصر الخطبة
1/عمل يسير وأجر عظيم 2/فضل تنحية الأذى عن الطريق 3/من العادات الخاطئة في المتنزهات 4/الحث على ترك المتنزه نظيفًا 5/نعمة الأمطار وإحياء الأرض 6/خطأ عقدي في نسبة الأمطار للنجوم والكواكب.

اقتباس

وإنَّ مما يغلط النَّاس في هذَا غلطًا عظيمًا: أن ينسبوا المطر إِلَى المنخفضات الجوية، أو إِلَى الأنواء والأجرام والكواكب السماوية، وَهذَا -لمن يتعمده ويعلم حكمه الشرعي- كفرٌ بمنزِّل الخير والأمطار رب البرية.

الخطبةُ الأولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

 

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، والعبد لا يُعبد، كما الرسول لا يُكذَّب.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم وأحبهم وذَبَّ عنهم إِلَى يوم الدين، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فاتقوا الله حق التَّقْوَى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسادنا عَلَى النَّار لا تقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا المؤمنون: ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أن النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "رَأَيتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، بسبب شوكٍ أزاحه عن طريق المسلمين، فشكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- له فأدخله الجَنَّة".

 

عملٌ يسير، شكر الله لفاعله حَتَّى أثابه الفضل العظيم بأن أدخله جنانه، أتدرون لِمَ؟ لأنَّ جزاء الله -عَزَّ وَجَلَّ- من جنس عملك -أَيُّهَا المُكلّف-؛ (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن: 60]، (جَزَاءً وِفَاقًا)[النبأ: 26]، شكر الله له فعله، لمَّا أزاح الأذى عن طريق المسلمين.

 

 وفي الصحيحين أَيضًا من حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً"، وفي رواية فيهما: "بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فأعلاها: قول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان".

 

والأذى -يا عباد الله- يكون أذًى حسيًّا بشوكٍ أو بحجرٍ أو بغيره مِمَّا يؤذي النَّاس، يزيله عن طريقهم، فلا يتأذون به.

 

وأعظم منه -يا عباد الله- الأذى المعنوي في معصية الله -جَلَّ وَعَلَا- والمجاهرة بها؛ ولهذا شُرع في ديننا: شعيرة الأمر بالمعروف، وَالنَّهْي عن المنكر.

 

واعلموا -يا عباد الله- أن النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اتقوا اللاعنين: الَّذِي يبول في طريق النَّاس، وَالَّذِي يتخلَّى في طريقهم"؛ كل ذلك عناية من الشَّرِيعَة بخلقك وأدبك أَيُّهَا المؤمن، في برك وفي حضرك، في تنزهك، وفي محل إقامتك.

 

 فلا تؤذِ غيرك؛ فدينك لا يعودك عَلَى الأنانية، ولا عَلَى نفسي نفسي، وَإِنَّمَا عليك أن تعيش مع إخوانك ومع النَّاس عيشةً هنية بالتواصي عَلَى الخير، والتدافع إليه، والكف عن الشر والبعد عن أهله.

 

كل هذَا عناية من الشرع المطهر بك أَيُّهَا المُكلَّف، ولتقوم بهذه الدنيا خليفةً لله -عَزَّ وَجَلَّ- في أرضه، بنشر الخير وإذاعته، لا بنشر الشر وإذاعته.

 

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41].

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وأشهد أن نَبِيَّنا مُحَمَّدًا عبده ورسوله، ذلكم الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم وأحبهم وذَبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فاتقوا الله حق التَّقْوَى، بتعظيم أوامره، والمبادرة إليها، وتعظيم نواهيه والكف عنها في أنفسكم وفي غيركم، في التواصي بينكم وبين أهليكم وإخوانكم، فَهذَا هو ديدنكم أهل الإيمان.

 

واعلموا -عباد الله- أنَّ الله منَّ علينا بهذه الأمطار، ومنَّ علينا بهذه الخيرات، فهو -سُبْحَانَهُ- الَّذِي أولاها، وهو -سُبْحَانَهُ- الَّذِي يُحمد ويُشكر عليها، كما قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28]، أولانا هذِه النعم، وهو الَّذِي يجب أن يُحمد ويُشكر عليها.

 

 وإنَّ مما يغلط النَّاس في هذَا غلطًا عظيمًا: أن ينسبوا المطر إِلَى المنخفضات الجوية، أو إِلَى الأنواء والأجرام والكواكب السماوية، وَهذَا -لمن يتعمده ويعلم حكمه الشرعي- كفرٌ بمنزِّل الخير والأمطار رب البرية.

 

ففي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الغداة بِالحُدَيبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ وأقبل علينا بوجهه حمد الله وأثنى عليه ثُمَّ قَالَ: "أتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟"، قلنا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "قَالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ؛ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا؛ فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي، مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ".

 

 وفي صحيح مسلمٍ عن أبي مالك الأشعري -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أربعٌ من نذور الجاهلية في أمتي لا يتركونهن"، وفي رواية : "لا يدعونهن: الِاسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ"؛ أي: نسبة نزول المطر إِلَى النَّجْم الفلاني والبرج الفلاني، ينسبها أحدهم إِلَى المنازل القمر، وَإِلَى النُّجُوم، ومن قائلٍ: هذَا مطر منخفض الفلاني، والمرتفع العلاني، والرياح الهابطة، والرياح المرتفعة، ولا ينسب المطر إِلَى المولي به، وَإِلَى من أنعم به، وهو ربنا -جَلَّ وَعَلَا-.

 

وهذا ما حذر النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- منه؛ فقال: "أربعٌ من نذور الجاهلية في أمتي لا يتركونهن؛ الِاسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ، والطَّعْنُ بالأنساب".

 

فاتقوا الله عباد الله: واشكروا ربكم عَلَى نعمه، فهو الَّذِي أولاكم هذِه الخيرات، وهو الَّذِي يُحمد عليها -جَلَّ وَعَلَا-.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ عزًّا تعزُّ به أولياءك، وذِلاً تذلُّ به أعداءك، اللَّهُمَّ أبرم لهذِه الأُمَّة أمر رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولاياتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، نستغفرك اللَّهُمَّ إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم من ذنوبنا، ونستغر الله العظيم من شر سفهائنا، ونستغفر الله العظيم الَّذِي لا إله هو الحي القيوم ونتوب إليه.

 

 اللهم أغثنا، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الرُّكَّع، وهؤلاء البهائم الرُّتَّع، وهؤلاء الأطفال الرُّضَّع، ولا غنى لنا عن فضلك يا رب العالمين.

 

 رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.

 

سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 

 

 

المرفقات

التنزه وإماطة الأذى.pdf

التنزه وإماطة الأذى.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات