التحذير من الثقة بالكفار والتشبه بهم

ناصر بن محمد الأحمد

2010-04-20 - 1431/05/06
عناصر الخطبة
1/ حقيقة الكفار وما يكيدونه بنا 2/ من مجالات ثقة المسلمين بالكفار الابتعاث 3/ الثقة بالكفار أدت إلى التشبه بهم 4/ من مفاسد التشبه بالكفار 5/ درجات التشبه وأحكامها 6/ دين الإسلام عام شامل صالح لكل زمان ومكان 7/ أثر التمسك بالدين وعدمه على المسلمين 8/ كيف ننظر للكفار ولما في أيديهم من متاع الدنيا؟

اقتباس

اعلموا -رحمكم الله-، بأن الله -عز وجل-، حذرنا من الثقة بالكفار، والاطمئنان إليهم، وبين -عز وجل-، أنهم لا يريدون لنا الخير بأي حال من الأحوال، وأنهم يبغضوننا أشد البغض، وإن كانت تخرج منهم بعض الابتسامات أمامنا، وأيضاً فإن الكفار يحسدوننا أشد الحسد، وأنهم لا يألون جهداً في إنزال الضرر بنا والقضاء على ديننا، وإرجاعنا إلى الكفر

 

 

 

إن الحمد لله.

أما بعد:

أيها الناس: كان حديثنا معكم في الجمعة الماضية عن الكفار، والأمر بمخالفتهم، وبينا من خلال آيات القرآن، والأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن مخالفة الكفار أمر مقصود في الشرع.

وأن هناك بعض الأمور أمرنا بفعلها، والبعض نهينا عن فعلها، من أجل المخالفة، أن نخالف الكفار.

أيها المسلمون: هناك قضية ثانية-أيضاً- لابد أن نعلمها من طبيعة هذا الدين، وهي تتعلق أيضاً بالكفار، وقد حذرنا الله -عز وجل- منه ألا وهو الثقة بالكفار، والاطمئنان إليهم.

اعلموا -رحمكم الله-، بأن الله -عز وجل-، حذرنا من الثقة بالكفار، والاطمئنان إليهم، وبين -عز وجل-، أنهم لا يريدون لنا الخير بأي حال من الأحوال، وأنهم يبغضوننا أشد البغض، وإن كانت تخرج منهم بعض الابتسامات أمامنا، وأيضاً فإن الكفار يحسدوننا أشد الحسد، وأنهم لا يألون جهداً في إنزال الضرر بنا والقضاء على ديننا، وإرجاعنا إلى الكفر؛ لو استطاعوا ذلك.

استمعوا -أيها الأخوة-، إلى كلام ربكم، لتعلموا حقيقة الكفر، ولتدركوا ما يوده الكفار بنا، فليس هناك أصدق ولا أحسن ولا أوضح من كلام الله -عز وجل-.

هو الذي يقول: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً) [النساء: 87]. قال الله تعالى محذراً لهذه الأمة، من الثقة بالكفار، فقال عز من قائل: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) [البقرة: 105]، وقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) [البقرة: 109] وقال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89]، وقال تعالى: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة:2].

وقال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120]، وقال تعالى: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة: 217]. إلى غير ذلك من الآيات، التي تحذر من وضع الثقة بالكفار، وتبين مكائدهم.

فما زال الكفار منذ بعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يخططون للقضاء على الإسلام والمسلمين (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:32].

فالكفار تارة يحاولون القضاء على الإسلام بالغزو المسلح، وتارة ببث الدسائس في صفوف المسلمين، وتارة بالمكر والخديعة وإظهار النصح والصداقة، وهكذا، كلما عجزوا من باب، جاءوا من باب آخر، وإذا لم يتمكنوا من إنزال الضرر بكل المسلمين، حاولوا إضرار بعضهم ولو بلد واحد، فإن لم يتمكنوا من ذلك، حاولوا إنزال الضرر بأفرادهم.

هذا وديننا واضح كل الوضوح، ببيان مكائدهم وفضح دسائسهم، لكن قد يصيبون من المسلمين غرة، بأمر الله -عز وجل-، ولحكمة يريدها الله، فيقذفون سمومهم في جسم الأمة الإسلامية، فإذا تنبه المسلمون لهم، رجعوا إلى دينهم، رد الله كيدهم في نحورهم وكفى المسلمين شرهم.

عباد الله: إن كيد الكفار للمسلمين في هذه الأزمنة، قد تزايد، وتأثيرهم عليهم قد تضاعف؛ نتيجة لغفلة المسلمين عنهم، وتساهلهم في شأنهم، ووضع الثقة فيهم، وهذا مصداق ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم، كما تتداعى الأكلة على قصعتها"، قالوا: أمن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله، قال: "لا؛ أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل".

عباد الله: إن من المجالات التي وثق المسلمون بها في الكفار- وما أكثر مجالات الثقة بهم- مجال البعثات.

صار المسلمون يدفعون أولادهم إلى بلاد الكفار؛ ليكسبوا من خبراتهم، ويتعلموا في مدارسهم، وهذا بحكم الواقع؛ لما لهم من تقدم ملحوظ في مجال العلم التقني، وفي مجال الصناعة والتنظيم، وهذا أمر لا ينكر، بل لهم السبق في ذلك.

فقصد المسلمين من إرسال أولادهم إلى الكفار هو التعلم، لكن الكفار لهم مقصد يخالف قصد المسلمين، وهو إفساد أولاد المسلمين وسلخهم من دينهم، وتلقينهم الإلحاد والزندقة، وإغراقهم في الشهوات المحرمة، حتى يرجع كثير منهم إلى بلادهم بلا دين ولا خلق، وهذا ما يريده الكفار بالمسلمين.

وهذا هو الواقع والغالب أنهم يرجعون بلا علم مفيد أيضاً، صحيح أنهم يأتون بشهادات، لكن حقيقة ومضمون هذه الشهادات ليست معهم، فيترأسون في هذه الوظائف، والواحد منهم أجهل من حمار أهله؛ لأنه لا يعقل أصلاً أن يعطيك الكافر، علماً مفيداً؛ لأنهم يريدون أن نبقى دائماً في حاجتهم، وأن نكون نحتاج إليهم دائماً.

وهذا هو الواقع، أسألكم، كم قدم من أبناء المسلمين من الخارج، ممن يحملون هذه الشهادات وفي شتى التخصصات، ثم استغنينا عن الكفار في هذا المجال؟ في حد علمي أنه لا يوجد أبداً.

تخرج الألوف كما يقال مهندسين، لكن هل استغنينا بمن عندنا، من الكفار في مجال الهندسة؟، لم يحصل هذا بعد، وقل ما تجد دائرة أو وزارة أو جهة رسمية أو غير رسمية، إلا وكبار مستشاريها من الأجانب الكفار.

هذا الكلام في الهندسة، وقس عليه بقية، بل كل المجالات؛ لأنه -كما قلت لكم يا عباد الله-، لا يعقل أن يعطوننا ما عندهم؛ لنستغني عنهم، هذا لا يصدقه مجنون، فضلاً عن أن يقتنع به عاقل. هذا من ناحية العلم.

أما من جهة مساوئ وسيئات البعثات الأخلاقية فحدث ولا حرج، قليل جداً من أولاد المسلمين، من يعود من هذه البعثات وهو محافظ أشد المحافظة على دينه وخلقه.

الغالب أنهم يكونون حربة في نحور المسلمين وصدق الله العظيم، حيث يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118].

كم أرسل المسلمون أولادهم الأفواج تلو الأفواج، فماذا استفادوا من تلك البعثات؟! لقد خسروا أولادهم، ولم تسدد حاجاتهم، ولم يستغنوا عن الكفار.

كم أرسل المسلمون أولادهم، ثم رجعوا من ديار الكفر، وقد ابتلوا بالمسكرات والمخدرات، وصاروا وبالاً وشراً على أهليهم وعلى بلادهم؟!

أيها المسلمون: إذا كنا لا نستطيع أن نثق بالكفار في مجال التعليم، وإذا كان ديننا قد نهانا وحذرنا من الثقة بهم، كما سمعتم في الآيات في أول الخطبة؛ فهل تعتقدون أنه يمكن الثقة بهم في مجالات أخرى، كالنواحي الأمنية، والمحافظة على الأمن وعلى الأعراض هل يمكن الثقة بهم؟!

 

الأعراض -أيها الأخوة- أعراض نساءنا وبناتنا ومحارمنا، هل يمكن وهل يعقل أن يحافظ عليها كافر بمقابل ما نعرفه عنهم من الغدر والخيانة.. وتاريخهم الأسود المعروف؟!.

أيها المسلمون: إن القرآن الذي بين أيدينا، لم يترك صغيرة ولا كبيرة تتعلق بالكفار، إلا وضحه لنا، ودلنا عليه، وما هذه القصص في القرآن، إلا لنأخذ ونتعرف من خلالها على تاريخ الكفر والشرك، أفعاله وأعماله، ونواياه وشروره.

أسأل الله -عز وجل-، أن نكون قد تنبهنا لخطر الكفار، وأن نكون علمنا، بأنه لا يجوز بل يحرم الثقة بهم، والاعتماد عليهم. والله المستعان.

عباد الله: إن قضية الثقة بالكفار فتحت باباً آخر، وشراً آخر، ومصيبة عظمى دخلت من باب الثقة بهم والاطمئنان إليهم.ألا وهي قضية التشبه بهم.

إن الثقة بالكفار، جعل كثير من المسلمين يتشبهون بالكفار، وهذه مصيبة أخرى، وطامة عظمى، فتحت أبوابها على بلادنا.

أيها المؤمنون: يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال:قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم".

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "هذا الحديث أقل أحواله، أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم؛ كما في قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة: 51]"

إن التشبه بالكفار يجر إلى مفاسد عظيمة، وعواقب وخيمة، منها:

أن التشبه بهم يدل على تعظيمهم، لأن المتشبه بغيره يرى أنه أكمل منه، وإلا لماذا تشبه به، وهذا من المسلم شعور بالنقص وضعف في الشخصية، وهذا يجر إلى الخضوع للكفار وتعظيمهم، وهذا أمر خطير.

ومن مفاسد التشبه -أيضاً- أنه هبوط وسفول، لأن المسلم أعلى من الكافر، فإذا قلده هبط من عليائه ومنـزلته، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وهذا كفران للنعمة، وإهانة للإسلام -والإسلام يعلو ولا يعلى عليه-.

ومن مفاسد التشبه -أيضاً- أنه يزيل الفارق بينه وبينه، والله تعالى قد فرق بين المؤمنين والكفار في الأحكام والأجسام في الدنيا والآخرة، ولو كانوا من أقرب القرابة، وأمر المؤمنين بالهجرة من بلاد الكفار، وحرم السفر إلى بلادهم بلا حاجة معتبرة.إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة التي يصعب حصرها في هذه الخطبة القصيرة.

عباد الله: اعلموا -رحمكم الله- أن التشبه بالكفار على درجات، وبعضه أعظم من بعض؛ فما كان من خصائص دينهم فهذا لا شك في تحريم التشبه بهم، وأقل أحواله أنه من الكبائر، وقد يصير كفراً، بحسب الأدلة الشرعية.

وأما ما كان من أعمالهم، ولم يكن من خصائص دينهم؛ فهذا العمل إن كان في الأصل مأخوذاً عنهم -أي أن هذا العمل في الأصل من أعمالهم لا يفعله غيرهم- فهذا -كما يقول شيخ الإسلام- ينبه صاحبه عليه، ويعرف حكمه، فإن لم ينته صار حكمه كالقسم الأول، وهو أنها كبيرة من الكبائر وقد يصير كفراً.

 

وأما ما لم يكن في الأصل أنه من أفعالهم، لكنهم يفعلونه؛ كبعض أنواع اللباس الذي ليس من خصائصهم - فهذا ليس فيه محذور المشابهة، لكن تفوت بذلك مصلحة عظيمة، وهي المخالفة؛ لأن مخالفتهم أمر مقصود في شرعنا كما فصلنا ذلك في الأسبوع الماضي، فهذا الفعل فيه كراهة، بخلاف مشابهتهم فيما كان مأخوذاً عنهم؛ فإن الأصل فيه التحريم.

اللهم علمنا ما ينفعنا..

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

أما بعد:

إضافة إلى ما تقدم، فلابد أن نعلم، بأننا خير أمة أخرجت للناس.كما قال سبحانه، كنتم خير أمة أخرجت للناس، يحتاج الناس إليكم، لبيان العلم والهدى، ولا تحتاجون إليهم.

إن ديننا -أيها الأخوة-، غني بالعقيدة الصحيحة، والشريعة العادلة، والأخلاق الفاضلة، والقدوة الحسنة، متضمن لهداية البشرية كلها إلى طريق الرشاد، وحصول السعادة العاجلة والآجلة، في الدنيا والآخرة؛ فهو دين عالمي، صالح لكل زمان ومكان، ولكل فرد، ولكل أمة، ولكل جيل، قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الاسراء: 9]، وقال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان:1] وقال تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الانبياء:107]

أيها المسلمون: لما تمسك المسلمون الأوائل بهذا الدين سادوا العالم، وفتحوا البلاد شرقاً وغرباً، وملؤها بالعلم والحكمة والعدل، وصاروا أئمة يقتدى بهم أعزة يخافهم عدوهم، أغنياء عما سوى الله، يجودون بالخير على البشرية، وما ذاك إلا لأن هذا الدين تنزيل من حكيم حميد،: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14]

ولما ضعفت صلة المسلمين بدينهم، وركنوا إلى غيرهم - صار حالهم في ذيل القافلة، واعتمادهم على غيرهم، يعني التبعية لهم، والتشبه بأعدائهم، من الكفار والمنافقين وغيرهم، قال الله تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:3] وقال تعالى: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) [هود:113].وقال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[الحشر:19].

إن المسلم يجب عليه أن يعتز بدينه، وأن يرفع به رأسه، أينما كان، لا تأخذه في الله لومة لائم، كما قال سبحانه: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]. وقال -عز وجل-: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8].

لا يجوز للمسلم أن ينظر للكفار، نظرة احترام، وإكبار وإعظام؛ لأن الله قد أهانهم بالكفر (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) [الحج: 18]. فكيف يحترمون ويقدرون، وقد أهانهم الله، كيف يعظمون وقد أذلهم الله، ثم فوق ذلك، كيف يؤتمنون وقد خونهم الله.

أيضاً -أيها الأخوة-، لا يجوز للمسلم أن ينظر إلى ما في أيدي الكفار من متاع الدنيا، نظرة إعجاب، ولكن يعتبر ذلك استدراجاً لهم، وفتنة ومتاعاً إلى حين كما قال الله تعالى لهم: (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) [إبراهيم: 30]. وقال سبحانه: (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طـه:131].

بل المسلم يعتبر بما في أيدي الكفار عذاباً لهم في الدنيا، يشقون في تحصيله وجمعه، ويهتمون بحفظه ومنعه، ثم يؤخذون منه، وهم على الكفر دون أن يستفيدوا منه لآخرتهم، كما قال تعالى: (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) [التوبة:85].

المؤمن سعيد بإيمانه؛ وإن أعطي من الدنيا شيئاً فهو في زيادة خير، وعون على الطاعة، وإن لم يعط منها فما عند الله خير له وأبقى. والمؤمن سعيد في الدنيا والآخرة؛ سعيد في الدنيا؛ لأنه استفاد من حياته فيها بالأعمال الصالحة، وسعيد بالآخرة؛ لأنه فاز بالجنة الباقية، خالداً فيها.

والكافر شقي في الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين؛ فهو شقي في الدنيا؛ لأنه لم يستفد منها، إلا ابعاداً نفسه عن الله وعن جنته، وشقي في الآخرة، لأن مأواه النار خالداً فيها وبئس المصير..

إذن كيف يليق بالمؤمنين الذين أعزهم الله بهذا الإسلام، ورفعهم به فوق الأنام، أن يثقوا أو يتشبهوا بالكفار؟! كيف يثق ويتشبه العالي بالسافل؟! كيف يعتمد ويثق الصاعد بالنازل؟!

اللهم..

 

 

 

 

 

المرفقات

من الثقة بالكفار والتشبه بهم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات