عناصر الخطبة
1/ تحذير القرآن الكريم من اتباع خطوات الشيطان 2/ ماهية خطوات الشيطان 3/ عداوة الشيطان للإنسان وجديته في إضلاله 4/ مداخل الشيطان للإنسان 5/ الأخذ بأسباب النجاة 6/ الأمر السامي بتوسعة المسجد النبوي الشريفاقتباس
والواجب على العبد المؤمن أن يكون يقظًا عارفًا بهذا العدو، مستعيذًا بالله منه، آخذًا بأسباب النجاة، مجاهدًا نفسه على الفكاك والخلاص؛ (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، ومَن يجاهد نفسه في طاعة الله والبعد عن ..
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، ما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أيها المؤمنون.. عباد الله: اتقوا الله -تعالى- فإن في تقواه خلَفًا من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف. وتقوى الله -تعالى-: عملٌ بطاعة الله، على نورٍ من الله؛ رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله، على نورٍ من الله؛ خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون، عباد الله: لقد أنذرنا ربنا -جل في علاه- من اتباع خطوات الشيطان في أربعة مواضع من القرآن الكريم؛ موضعين في سورة البقرة، وموضع في سورة الأنعام، وموضع في سورة النور.
قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 168]، وقال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة:208]، وقال الله -تعالى-: (وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الأنعام:142]، وقال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:21].
أيها المؤمنون: وخطوات الشيطان هي نزغاته وما يدعو إليه من كفرٍ أو بدعةٍ أو معصيةٍ لله، وكلُّ عاصٍ لله أيًّا كانت معصيته فهو متبعٌ لخطوات الشيطان، والناس في ذلك متفاوتون بين مقلٍّ ومستكثر.
أيها المؤمنون.. عباد الله: لقد كان إنذار الله للعباد من اتباع خطوات الشيطان، وتحذيره لهم من السير وراءه واتخاذه إمامًا فيما يدعو إليه؛ لأن الشيطان عدو للإنسان: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6].
والشيطان -أيها المؤمنون- حريصٌ أشد الحرص، باذلٌ كل الجهد والوسع في إغواء الإنسان وصدِّه عن طاعة الرحمن، وهو قاعدٌ لابن آدم بطرقه صدًا وإغواءً وصرفًا عن طاعة الله -تبارك وتعالى-، روى الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَصْبَحَ إِبْلِيسُ بَثَّ جُنُودَهُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَضَلَّ الْيَوْمَ مُسْلِمًا أَلْبَسْتُهُ التَّاجَ، فَيَخْرُجُ هَذَا فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَيَقُولُ: أَوْشَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَيَجِيءُ هَذَا فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى عَقَّ وَالِدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَوْشَكَ أَنْ يَبَرَّ، وَيَجِيءُ هَذَا فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى أَشْرَكَ فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ، وَيَجِيءُ هَذَا فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى زَنَى فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ، وَيَجِيءُ هَذَا، فَيَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى قَتَلَ، فَيَقُولُ: أَنْتَ أَنْتَ، وَيُلْبِسُهُ التَّاجَ".
إنها -أيها الناس- منافسةٌ يجريها الشيطان كلَّ يومٍ إذا أصبح بين جنوده وشياطينه وأعوانه لإغواء بني الإنسان، وصدهم عن طاعة الرحمن، وإيقاعهم في شراك الذنوب ووحل المعاصي؛ بل ونقْلهم إلى الإشراك بالله والكفر به -سبحانه-.
والشيطان -أيها الناس- ينصِب بين يدي الإنسان عقبات يريد أن يوقعه فيها مهتمًّا بأعظمها عنده ثم التي تليها، وأولى تلك العقبات الإشراك بالله والكفر به -سبحانه-، والسخرية من دينه، وتكذيب أنبيائه ورسله، والخروج من طاعته -جل في علاه-؛ فإن لم يتمكن من إيقاع الإنسان في هذه العقبة نقله إلى عقبة البدع، إما البدع الاعتقادية بأن يعتقد ما لم يشرعه الله، أو البدع العملية بأن يتقرب إلى الله بما لم يأذن به، فإن لم يتمكن من ذلك نقله إلى الكبائر وعظائم الذنوب، وزيَّنها في عينيه حتى يقع فيها ويكون من أهلها، فإن لم يتمكن نقله إلى الصغائر، وهكذا عدو الله يتدرج بالإنسان تنقلاً بين هذه العقبات إغواءً وصدًّا للإنسان عن طاعة الله -جل وعلا-.
أيها المؤمنون، عباد الله: وللشيطان مدخلان على الإنسان: مدخل الشهوة، ومدخل الشبهة، ولا يبالي عدو الله بأيِّ الأمرين ظفر، فإن رأى في الإنسان تدينًا وطاعة دخل عليه من مدخل الشبهات حتى يوقعه في الغلو في الدين وممارسة البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإن وجد في الإنسان تفلتًا زيَّن له الشهوات حتى يوقعه في حمأتها.
والواجب على العبد المؤمن أن يكون يقظًا عارفًا بهذا العدو، مستعيذًا بالله منه، آخذًا بأسباب النجاة، مجاهدًا نفسه على الفكاك والخلاص؛ (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 101]، ومَن يجاهد نفسه في طاعة الله والبعد عن الشيطان الرجيم يهده الله -جل وعلا- ويكفه.
ونسأل الله -جل في علاه- بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى، وبأنه السميع العليم أن يعيذنا وذرياتنا من الشيطان الرجيم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون.. عباد الله: اتّقوا الله -تعالى-؛ فإنَّ تقوى الله -جل وعلا- فلاحٌ للعبد، وسعادةٌ في الدنيا والآخرة.
عباد الله: إن من عظيم الأعمال وجليل القربات التقربَ إلى الله -سبحانه وتعالى- بعمارة المساجد وبنائها، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ".
قال ذلكم عثمان -رضي الله عنه- إبَّان خلافته عندما عزم على توسعة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلكم توسعته من الجهة الأمامية، فوقع شيء في نفس بعض الناس من ذلك وآثروا أن يبقى المسجد على حاله، فروى عثمان هذا الحديث بيانًا للناس وإيضاحًا لهم في بيان عظم هذا الأمر وعظيم ثوابه عند الله، ولاسيما إذا اشتدت الحاجة لذلك.
وكلما زاد البناء في المسجد فالزيادة لها حكم المزيد، فكل زيادةٍ حصلت في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- في زمن عمر ثم زمن عثمان ثم في خلافة بني أمية ثم فيما بعد فإن لها حكم المزيد، وللصلاة فيها ثواب الصلاة في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلا المَسْجِدَ الحَرَامَ".
عباد الله: وإذا كان بناء المسجد ابتغاء وجه الله لفاعل ذلك وبانيه يكافأ بمثله في الجنة، وهذا في كل مسجد؛ فكيف الشأن إذا كان البناء أو الزيادة في مسجدٍ من أعظم المساجد، ألا وهو مسجد رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه-؟! وقد أصبح في المواسم في وضعه الحالي يضيق بالزوار والحجاج والمعتمرين.
ولهذا -عباد الله- فإن من الحسنات المبرورة، والطاعات المشكورة، ما أعلن عنه ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين من توسعةٍ عظيمةٍ مباركة لمسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو -أيها المؤمنون- مشروعٌ مبارك يُذكر فيُشكر، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ".
فنسأل الله -عزّ وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجزي ولاة أمرنا خير الجزاء على هذا المشروع العظيم المبارك، وغيره من المشروعات الخيِّرات المباركات، وأن يجعل ذلك في موازين حسناتهم، وأن يتمَّ هذا المشروع على خير، إنه سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر من نصَر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعِينًا وحافظًا ومؤيدًا، اللهم احفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين؛ اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لسديد الأقوال، وصالح الأعمال، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم