عناصر الخطبة
1/ الأعداء الثلاثة 2/ مداخل الشيطان 3/ اتباع الشرع سبب للنجاةاقتباس
ولن يكون المسلم متغلباً على شيطانه ونفسه وهواه وبالتالي دنياه الغرارة الفاتنة؛ حتى يكون هواه تبعاً لشرع الله، فتكون جميع منطلقاته في عبادة أو معاملة أو حكم أو تحاكم أو أخذ أو إعطاء نابعة من شرع الله، مرتبطة به ارتباط مخلص لله، متبع لرسول الله، راجياً ثواب الله، خائفاً من عقابه ..
الحمد لله عالم السر والنجوى، المطلع على الضمائر وكل ما يخفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:13-14]
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الأخوة المؤمنون: إن المسلم الحق الذي منّ الله عليه بالإسلام، وشرح له صدره؛ ليتطلع بآماله وأحاسيسه الجادة المخلصة إلى ما وعد الله به أهل هذا الدين الجادين المخلصين العاملين على هدى وبصيرة من الله.
إنه -أي المسلم- الذي هذه حاله؛ ليعمل جاداً فيما يؤهله لما وعد الله به النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من أهل: إياك نعبد وإياك نستعين، متخذاً من عمره القصير، وحياته الفانية، وسيلة وسلماً يرتقي به إلى تلك المنازل العالية –جعلنا الله جميعاً من أهلها-.
ولن يكون كذلك؛ حتى يوفقه الله لتوبة صادقة يتغلب بها على أشد وأنكى أعدائه شيطانه ونفسه وهواه، الأعداء الداخلية المعنوية الخفية التي تسايره وتجري معه مجرى الدم في العروق، لا حول ولا قوة إلا بالله، فالشيطان -أعاذنا الله منه- جعله الله ابتلاءً وامتحاناً لبني الإنسان، ولن يتخلص منه ويتقي إلا بطاعة الله فيما أمر به نحوه (يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف:27] (وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الزخرف:62] (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً) [فاطر:6]
ولقد كان -أعاذنا الله منه- دقيق الأساليب، عظيم الفاعلية لمن لم يحذره؛ فله مع ابن آدم عدة مداخل كما ذكر ذلك ابن القيم -رحمه الله- ويبدأ بأهمها فأهمها (المدارج 222).
أولها: محاولة إيقاعه في الكفر بالله وبدينه، وبلقائه وبصفات كماله، ونحو ذلك من ارتكاب ما يخرجه به من ملة الإسلام.
فإن أعان الله الإنسان عليه، وحماه من إيقاعه في الكفر المخرج من الملة، أتاه من باب البدع التي هي وسائل الشرك وأبوابه، بمحاولة إيقاعه فيها إما: باعتقاد خلاف الحق الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه، وإما: بالتعبد بما لم يشرعه الله، فإن أعانه الله عليه وخلص منه أتاه من باب الكبائر الموبقات المهلكات، فإن خلص منه فيها ووقاه الله شره من إيقاعه فيها أو في شيء منها؛ أتاه من باب الصغائر، فإن أنجاه الله منه بالاستمرار على التوبة، واتباع السنة أتاه من باب المباحات؛ ليغرقه فيها ويلهيه بها عن الإكثار من الطاعات.
فإن أنجاه الله منها أتاه من باب المرجوحات والمفضولات؛ ليشغله بها عما هو أفضل منها، فإن نجا منها بتوفيق لفقه في الدين وإدراك لمراتب الأعمال وتفاوتها؛ سلط عليه الناس الذين قد أوقعهم في شيء من تلك الأمور بأذاه.
ويتلو هذا ويتفرع عنه وسوسة النفس الأمارة بالسوء إلا من رحم ربي. النفس التي تتصارع مع المسلم في داخليته؛ لجره إلى ما حرم الله أو لتركه لطاعة الله، ولن يكون المسلم منتصراً على نفسه متغلباً عليها؛ حتى ينهاها عن هواها، فيخليها من كل شهوة تميل إلى ما حرم الله، أو شبهة تعارض خبر الله ويحولها إلى النفس الخيرة اللوامة التي أقسم بها تعالى في قوله: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) [القيامة:1-2]
وفسرت بأنها التي تلوم صاحبها على التفريط في الخير، وعدم استكثاره منه، كما تلومه على فعل الشر واستمراره عليه، فيسد عليها منافذ شيطانها، ولا سيما باب الهوى الذي يعمي عن رؤية الحق ويصم عن سماعه.
ولن يكون المسلم متغلباً على شيطانه ونفسه وهواه وبالتالي دنياه الغرارة الفاتنة؛ حتى يكون هواه تبعاً لشرع الله، فتكون جميع منطلقاته في عبادة أو معاملة أو حكم أو تحاكم أو أخذ أو إعطاء نابعة من شرع الله، مرتبطة به ارتباط مخلص لله، متبع لرسول الله، راجياً ثواب الله، خائفاً من عقابه. قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء:65]، وقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36] وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات:1]
وبسد هذه المداخل؛ تحصن النفوس من شيطانها ونفسها وهواها، وتسلك مسالك الصالحين، وتحل في الدنيا قلوب المؤمنين وفي الآخرة منازل الصديقين والشهداء والصالحين. قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:9-10] وقال: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعـات:37-41] هذه بعض مداخل الشيطان التي يدخل منها على أفراد بني الإنسان.
أما مداخله على المجموعة المترابطة المتآخية من المسلمين؛ ففيها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش فيما بينهم" السلسلة 1608.
فلنتق الله -أيها الأخوة-، ولنبذل جهدنا في سد منافذه ومداخله على أفراد أو جماعة. قال سبحانه: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس:1-6]
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم