عناصر الخطبة
1/أهمية التأمل في التاريخ 2/صفات الجيش الإسلامي الذي فتح الأندلس 3/أسباب سقوط الأندلس 4/بعض فوائد الابتلاءات 5/أوجه التشابه بين حال المسلمين اليوم وحالهم إبان سقوط الأندلس 6/بعض وسائل نصرة الديناقتباس
لقد كان من أسباب ضياع الأندلس، وتسلط النصارى: أن الناس انكبوا على ما حرَّم الله عليهم، فأضيعت الصلاة، وشربت الخمور، وتنافس الناس في تقليد أعدائهم، في بناء دور الخنا، والتساهل بالزنا، والطرب والغناء، فأقبل الناس عليها، لا يكاد يتورع عنها أحد، حتى الفلاحين والفقراء والعمال في مصانعهم؛ ولعوا بالغناء والطرب. فرقَّ الدين، وخفت الذمم، فتبع ذلك فساد إداري، وإضاعة لحقوق الخلق. وأعجب الجهال بالكفار، فاندرست معالم الولاء والبراء، فقلدوهم في...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله رب العالمين...
أما بعد:
فدعونا -أيها الإخوة-: في هذه الجمعة نمتثل قول الله -تعالى-: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ) [آل عمران: 137].
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [غافر: 82].
السير في الفكر، وتقليب صفحات التاريخ، هو من الاعتبار المأمور فيه: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)[الحشر: 2].
أيها الإخوة: إن لله سنناً لا بدَّ أن يمضيها، وحكماً تقصر الأذهان عن مراميها.
كانت بلاد الأندلس إحدى بلاد المسلمين التي اغتبط المسلمون بفتحها وضمها تحت دولة الإسلام، فتحها المسلمون سنة اثنتين وتسعين من الهجرة على يد القائد المسلم: طارق بن زياد -رحمه الله-.
فكيف حال الجيش الذي فتحها، وما هي صفته، وكيف تمسكه بهذا الدين، لقد دخل المسلمون الفاتحون بلاد الأندلس، كل واحد منهم يرى أنَّه رسول هذا الدين إلى كل الأمم، حيث تأدبوا بآدابه، فاتبعوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، مثلوا أخلاقياته وما يدعو إليه واقعاً ملموساً، أدركها جميع أهل تلك الديار، فأعجبوا بها.
والحق ما شهدت به الأعداء؛ قال أحد قادة الكفار في رسالة بعث بها إليه يصف بها جيش المسلمين الأول الذي عبر إلى الأندلس: "لقد نزل بأرضنا قوم لا ندري أهبطوا من السماء أم نبعوا من الأرض!"[مستفادة من مقال بعنوان: "أثر الضعف الخلقي في سقوط الأندلس" د. حمد بن صالح السحيباني].
لماذا وما قصده؟
إنه رأى جيشاً قواماً بالليل، وفرساناً بالنهار، معاملتهم أحسن معاملة، صدق بالعهود، ووفاء بالمواثيق، همهم إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها فما أعظم القصد لتكون كلمة الله هي العليا، وينكس الصليب، وتبطل عبادة غير الله.
بقي المسلمون خلال القرون الثلاثة الأولى من وجودهم هناك، محافظين على تلك القيم، معتزين بها.
حتى جدَّ ما جدَّ وليته ما جدَّ.
في حالهم فنسوا حظاً مما ذكروا به، وبدأ التملص من أسباب العزة، وأسباب المهابة في قلوب الأعداء فغيروا، فبدأ تغيير الله عليهم: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ)[الأنفال: 53- 54].
سنة ماضية، وطريقة محكمة.
يقول ابن خلدون موضحاً هذه القضية: "إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة حملهم على ارتكاب المذمومات، وانتحال الرذائل، وسلوك طريقها، وهذا ما حدث في الأندلس، وأدى فيما أدى إلى ضياعه"[مستفادة من مقال بعنوان " أثر الضعف الخلقي في سقوط الأندلس" د. حمد بن صالح السحيباني].
كما أدركها كوندي -أحد الكتاب النصارى- حيث قال: "العرب هَوَوْا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة، والمرح والاسترسال بالشهوات"[مستفادة من مقال بعنوان: " أثر الضعف الخلقي في سقوط الأندلس" د. حمد بن صالح السحيباني].
وأصدق من أقوال البشر: قول الله -تعالى- رب البشر: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16].
أيها الإخوة: إنَّ هناك تلازماً واضحاً لا انفكاك فيه بين تسلط الأعداء في الداخل والخارج، وانغماس الشعوب في معاصيهم، وتساهلهم فيما حرَّم الله.
فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" [رواه أبو داود وغيره].
فالعينة نوع من الربا، إلا أنه لا يؤتاه من بابه، ولكن يتحايل عليه!.
واسأل عن معاملات كثير من الناس: كيف قيدوا أنفسهم بحبال الديون الموثقة في معاملات السالم منها قليل؟.
كيف يتحايل موظف البنك على إقناعك بالاقتراض، ويغريك بسهولة السداد، ويعرض لك أنصاف وأرباع الفتاوى التي -الله أعلم- هل تنطبق على ما يراودك عليه، أو هي في شأن آخر؟!.
أما أخذ أذناب البقر المذكورة في الحديث، فهو إشارة إلى الاهتمام بأمور الدنيا، والركون إليها، وعدم الاهتمام بالشريعة وأحكامها، فهو مشغول في حرثه وفلاحته، ورضي بالزرع ولزمه.
أما أمور دينه، والدعوة إليه، والذود عنه، فهو أبعد ما يكون عنه، وهو منه في واد سحيق.
أيها الإخوة: إنَّ من فوائد الأحداث الأخيرة، والتقلبات السياسية المريرة، وما جرى على تلك الشعوب المستضعفة الفقيرة ما قاله الله -تعالى-: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) [النــور: 11].
من فوائده: أنَّ الله محص فيه بعض الناس، وعرف الإنسان العاقل قدر نفسه، وموضع قدميه، فتبين الغيورون على دينهم الذين لم تطب حياتهم منذ بدايات تلك المتغيرات، فهم من ذنوبهم خائفون، ولربهم مخبتون، ولإخوانهم يدعون ويستغيثون.
وتبين من هم في غيهم سائرون، فهم على ما هم عليه في ترفهم، وإضاعة أوقاتهم، فلم تقطعهم مشاهد الجراحات، وقصف الطائرات عن متابعة المباريات، وتقليب الأنظار في سيء المواقع والقنوات.
وقد يكون بعض هؤلاء ممن تورطوا في النيل من إخوانهم المستضعفين، فأطلقوا ألسنتهم في أعراضهم، ولسان حالهم، يقول: "هذه جنايتهم مالنا وما لهم!".
وقد يكونون ممن يجرون أمتهم إلى هاوية الردى، فهم سوس ينخر في أخلاقيات الأمة، ينادون بمجارات المجتمعات الغربية، ومنيتهم أن تتحول بلادهم إلى نموذج للحياة الأوربية والأمريكية.
فالاختلاط بضاعتهم المزجاة، وتحرير المرأة المزعوم، هو قضيتهم الأولى في كل واد به ينعقون.
ثم الويل لمن يتعقب أو يناقش في شيء من هذه القضايا إلا مقررا لقناعاتهم، وإلا فليحذر فجور أقلامهم، وسطوة مراكزهم، وسلطان مناصبهم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في وصف قوم: "وإذا خاصم فجر".
ورحم الله المغردين الصادقين، ومن بينوا حقائقهم للغافلين، وكشفوا أقنعتهم في المقاطع الموثقة التي يرسلون، وفي مواقع النت ينزلون: (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام: 55].
(وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].
لقد كان من أسباب ضياع الأندلس، وتسلط النصارى: أن الناس انكبوا على ما حرَّم الله عليهم، فأضيعت الصلاة، وشربت الخمور، وتنافس الناس في تقليد أعدائهم في بناء دور الخنا، والتساهل بالزنا، والطرب والغناء، فأقبل الناس عليها لا يكاد يتورع عنها أحد، حتى الفلاحين، والفقراء والعمال في مصانعهم؛ ولعوا بالغناء والطرب.
فرقَّ الدين، وخفت الذمم فتبع ذلك فساد إداري وإضاعة لحقوق الخلق.
وأعجب الجهال بالكفار، فاندرست معالم الولاء والبراء، فقلدوهم في نواح كثيرة من حياتهم، حتى إن منهم من اقتنى القردة وافتخر بها مشابهة لبعض ملوك النصارى [مستفادة من مقال بعنوان: "أثر الضعف الخلقي في سقوط الأندلس " د. حمد بن صالح السحيباني].
فما أشبه الليلة بالبارحة!.
ما أقرب صفات المسلمين أيام ضعفهم حين أضاعوا الأندلس، وجثم العدو على بلادهم، ونهب خيراتهم؛ من صفاتهم الآن!.
فهل تفطن لهذا أولئك الذين يشترون القطط من أبنائنا وبناتنا، وتنافسوا في تدليلها، واقتناء أجمل أشكالها!.
ما أقبح الفراغ الروحي! والخواء الإيماني! ولهؤلاء أقول في صحيح مسلم: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ثمن السنور".
والسنور هو: القط.
وفي جواب اللجنة الدائمة: "لا يجوز بيع القطط والقردة والكلاب وغيرها من كل ذي ناب من السباع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك، وزجر عنه ولما في ذلك من إضاعة المال، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إضاعة المال" انتهى.
فاللهم سلم سلم.
لقد بلغ بنا الترف أننا اشتغلنا بتوافه الأمور، وأمضينا أوقاتنا بما لا مردود له، وربما فيما عاد نقصاً في ديننا وأخلاقنا.
كم يأسف الإنسان حينما يرى تقبل الناس لكل طرح جديد، وعدم تمحيصهم للضار من المفيد.
اخترع بعض من ضاق الفراغ بهم قضية ما يسمى بالتصويت لصورة، أو شخص، أو نحو ذلك، وتفاعل ثلة من أولادنا الذكور والإناث عبر مواقع التواصل، وحسبوها نوعاً من المسابقات الصحيحة.
والناظر فيها يجدها أنواعاً، أسوأها التصويت الذي يكون على عوض يجمع من المشاركين، ثم يعطى صاحب الصوت الأكثر هذا العوض مالا، أو هدية تشترى بهذا المال.
وقد بين العلماء أن هذا من القمار المحرم.
ثم إن خلت من العوض، فهؤلاء المصوتون ليس لهم ضابط صحيح في التصويت، وربما صوت بعضهم لجمال صاحب الصورة، وفي ذلك ما لا يخفاك من الشر.
أو للعلاقة معه، وهو ليس أهلا للتصويت والتأييد!.
وربما حث بعضهم بعضا: أن يصوت لفلان، وصار ينخى قبيلته، وأهل بلده، فانقسم المتورطون بهذه التصويتات إلى أحزاب نتج عنها فساد قلوب، وسباب وتدابر، ونشر عيوب.
وقد كان هؤلاء في عافية من هذا كله!.
أفهذا الذي ينقصنا؟! نسأل الله الهداية للجميع.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد:
فبعد أن عرفت من هلك كيف هلك، فأعظم منه وأهم أن تعرف من نجا كيف نجا!.
ولا نجاة من أمر الله إلا لمن لجأ إلى الله: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) [الذاريات: 50].
وأبدأ بنفسك ثم بمن تعول؟
فقلب حساباتك ما دمت في زمن السراء، وممن حولك هم في عسر وضراء!.
وادفع عن نفسك بلزوم ما أمرك به ربك، فصلاتك لا غنى لك عنها، قم لها حيثما ينادى لها: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طـه: 132].
احفظ جوارحك عن محارم الله، أطب مطعمك.
عظ نفسك وأهل بيتك بما يرونه من أحداث المشردين رجالا ونساء وأطفالا!.
يهرعون لا يدرون أين يذهبون؟
أعظم الرجاء بربك، توكل عليه.
يقول شيخ الإسلام في وصف المؤمنين: "والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها قلوبهم واحدة، موالية لله ولرسوله ولعباده المؤمنين، معادية لأعداء الله ورسوله وأعداء عباده المؤمنين، وقلوبهم الصادقة، وأدعيتهم الصالحة، هي العسكر الذي لا يغلب، والجند الذي لا يخذل، فإنهم هم الطائفة المنصورة إلى يوم القيامة" ا. ه.ـ
فاعتصموا بحبل الله جميعاً، وانتظروا فرج الله، وألحوا على ربكم.
ونحن في ساعة يرجى أن تكون ساعة إجابة...
فاللهم هيئ للمسلمين من أمرهم رشداً.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم