عناصر الخطبة
1/ افتقار الخلق لرحمات الله تعالى 2/ وجوب شكر نعمة إنزال الغيث والأمطار 3/ النعم مقيدة بالشكر 4/ منافع المياه كثيرة 5/ المطر جندي من جنود الله 6/ وجوب الحذر من أخطار السيول 7/ حسن استخدام الماء واستعماله بقدر الحاجة والمصلحة 8/ متى يكون المطر عذابًا ونقمة؟ 9/ من علامات فساد الزمان 10/ خطورة المغامرة والمخاطرة في سلوك الشعاب والوديان.اقتباس
تأملوا عباد الله: في أحول شتى، وبقاع تطرى عندما يتأخر نزول المطر، وتصفر الأرض وتيبس الثمار، ويتحول الخصب إلى جدب، والربيع إلى الخريف، والزرع هشيمًا، وتموت منه الدواب والبلاد، تعالوا قليلا،ً واسألوا أهل الفلاحة، والزراعة والحراثة، كيف حالهم إذا أجدبت الأرض وغارت المياه؟ تعالوا واسألوا أهل الأنعام المواشي، أي حالة من الضر يعيشون؟ بل اسألوا أنفسكم إذا وقف الطعام في الحلقوم، وبلغت النفس في الحلقوم، وأشرفت على الأجل المحتوم، فيجرع جرعة من ماء تنفتح –بإذن الله- بها المجاري، ويسلك الطعام الجاري، فالحمد لله الخالق الباري.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أغنى وأعطى، وله الشكر على ما أنزل من الغيث وسقى، والحمد لله اللطيف بعباده، الرحيم بخلقه، الواسع فضله، الكريم عطاءه، العظيم جوده، الكثير موجوده، السابغ إحسانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل من شكر وركع وسجد، صلى الله عليه وعلى أهله وأصحابه وأتباعه من أهل البر والثناء الأمجد.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله، فتقواه فوز وسعادة، ونماء وزيادة، وعطاء ليس لها نهاية.
عباد الله: إن الله -سبحانه- لا يقنّط عباده، ورحمته واسعة، ولطفه كبير، وجوده كثير، يريهم عزته، ثم يبدي لطفه، والعبد في الغفلات!!
أمر عباده بالدعاء، ووعدهم بالإجابة، شريطة الإيمان والإجارة (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
فلما استسقى المسلمون، وفي جمعهم يدعون، ودعوه أجابهم وأعطاهم ما أمّلوا، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى: 28]، (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الروم: 48- 50]، فله الشكر على إنزال الغيث المدرار والأمطار الغزار، انفتحت السنابل وضحكت الأرض، وسالت الأودية، وابتهجت الأرض، واخضرت الأشجار، فنحمد الله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فنسأل الله أن يزيدها نضرة وخضرة وجمالًا وزينة.
أيها المسلمون: إن النعم إذا شُكرت نمت وزادت، وإذا كُفرت فرّت وانمحت وزالت، والله يأمرنا بشكره (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172]، (كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) [سبأ: 15]، والشكر هو الاعتراض بالإحسان، وهو قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد في الجنان، بالقلب اعترافًا وخضوعًا، وباللسان ثناءً وحمدًا، وبالجوارح طاعة وامتثالًا:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة *** يدي ولساني والضمير المحجبا
فالإظهار بشكر النعمة، يعني الاعتراف بهذه المنة، وأعظم نعمة توحيد الله، وإخلاص العبادة له، فالمسلم يعلن ذلك مدويًّا، بعد كل صلاة، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، والمسلم يفتح صباحه، ويختم مساءه، "أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي".
إنما الماء -أيها الإخوة الأوفياء-: مادة الحياة للأحياء، سببًا للبقاء، ووسيلة للنقاء، وعنصر النماء، الماء لا يستغني عنه أحد طرفة عين، الناس منه يشربون، وبه يزرعون، ويحرثون ويتطهرون، وربنا يمتن على عباده: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 22]، (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام: 99]، فهذه القطرات النازلة، والنقاط المتتالية، والأمطار المتدفقة منها تمتلئ الأنهار، وتسير الأودية والبحار، (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) [الرعد: 17]، بالمياه تخضر الأشجار، وتتفتق الثمار، قال الواحد القهار: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً) [الحج: 63]، هذا الماء نماء للأكل والطعام، وبدونه لا أكل ولا منام، قال الملك العلام: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ) [السجدة: 27].
والغيث عباد الله: لا يعلم متى نزوله إلا الله (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) [لقمان: 34]، ولا ينزله إلا الله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ) [الملك: 30] فالله منزله، والمنفرد بعلمه ونزوله، وينزله بقدر على من يشاء (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً) [الفرقان: 50].
قال ابن عباس وابن مسعود: "ليس عام بأكثر مطرًا من عام، ولكن الله يصرفه كيف يشاء. ثم قرأ (صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ) [الفرقان: 50]".
هذا الماء به حياة وإحياء النبات (أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) [النحل: 65]، وكما أنه حياة الأرض، فهو حياة الأحياء، قال المولى -عز وجل-: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) [الأنبياء: 30].
وفي الماء -أيها الأصحاب-: سقيا وشراب ورعيًا للدواب، قال الملك الوهاب: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) [النحل: 10]، وقال سبحانه: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوه) [الحجر: 22].
وفي الماء -أيها الأخيار-: إخراج ألوان الثمار، والفواكه والأشجار، قال الهادي لكل محتار: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ) [ق: 9، 10]، وقال تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً) [النبأ: 14- 16].
ومن منافع المياه: أن الله يقرر توحيده، وأنه المستحق للعبادة بهذا الماء، الذي أعجز المخلوق إنزال قطرة واحدة منه (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) [الواقعة: 68- 70].
ومن فوائده: أن الأرض ترها مصفرة ذابلة، فبنزوله تتفتق، وتخضر وتتشقق، (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج: 5).
إن نعمة المطر ونعمة الماء لا يعرف قدرها إلا مَن حُرمها، فنزوله فيه خيرات وبركات، وسعة أرزاق للأحياء والأرض الموات.
تأملوا عباد الله في أحول شتى، وبقاع تطرى عندما يتأخر نزول المطر، وتصفر الأرض وتيبس الثمار، ويتحول الخصب إلى جدب، والربيع إلى الخريف، والزرع هشيمًا، وتموت منه الدواب والبلاد، تعالوا قليلا،ً واسألوا أهل الفلاحة، والزراعة والحراثة، كيف حالهم إذا أجدبت الأرض وغارت المياه؟ تعالوا واسألوا أهل الأنعام المواشي، أي حالة من الضر يعيشون؟ بل اسألوا أنفسكم إذا وقف الطعام في الحلقوم، وبلغت النفس في الحلقوم، وأشرفت على الأجل المحتوم، فيجرع جرعة من ماء تنفتح –بإذن الله- بها المجاري، ويسلك الطعام الجاري، فالحمد لله الخالق الباري.
فعلينا: حمد الله على شكر نعمة الماء، وإنزال الغيث، وصرف هذه النعمة فيما أباح الله -عز وجل-، الماء غذاء الأجسام، وسبب لإحياء النبات وبهيمة الأنعام، فالماء عمادة الحياة لكل كائن حي سواء كان نباتًا أو حيوانًا أو إنسانًا، لا يمكن لأي كائن العيش بدونه.
الماء أفضل مشروب، وأهون موجود، وأعز مفقود، الماء طهارة ونظافة، ومنعش ونزاهة، الماء يرفع الأحداث، ويزيل الأنجاس.
والأصل في المياه الطهارة، فكل ما نبع من الأرض، أو نزل من السماء، فهو طاهر، الماء ينصح بشربه، والإكثار منه لا سيما عند فراغ المعدة لما فيه من الفوائد والصحة، فالماء جند من جنود الله، يجب الحذر من أخطاره، والبعد عن طريقه وجريانه، فهو يهلك من أمامه، ويتلف من هو قدامه، فالحذر من الجلوس، والتهاون في الشعاب والأودية، والدخول إلى أماكن خطرة.
الماء أكبر كاشف للعيوب، وخلل الأعمال، الماء يري المرء ضعفه، وقلة حيلته، فقد تهلكه القطرة، وتغرقه المطرة، الماء من آلاء الله ونعمه، وانظر إذا وقف الماء، أو غارت الأرض، حالك في بيتك أو بستانك، وانظر إذا فقدته أو نسيته، فمن شكر الله عليه استخدامه واستعماله بقدر الحاجة والمصلحة، وعدم الإسراف في تبديده واستهلاكه.
الماء يُخشى منه الهلاك والدمار إذا زاد الغيث المدرار، ولهذا دخل رجل على رسول الله وهو على المنبر وقال: هلكت الأموال، وانقطعت السُبل، فادع الله أن يمسكها عنا. فرفع يديه وقال: "اللهم: حوالينا ولا علينا".
الخطبة الثانية:
الحمد لله على نعمة المياه، ونزول الغيث من الإله.
أيها المسلمون: سبق منافع المياه وما فيه من المصالح والخيرات، وقد يكون المطر عذابًا ونقمة بسبب الذنوب والسيئات، ولهذا عذب الله من عصاه، (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً) [العنكبوت: 40]، ثم قال: (وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا) [العنكبوت: 40]، والذي أغرق فرعون وهمان وجنودهما، أغرقوا في صيحة واحدة، فلم ينجوا منهم أحد، وما جرى لمملكة سبأ في اليمن (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ) [سبأ: 16].
وقص الله علينا نبأ نوح، وتكذيب قوم نوح له (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ) [هود: 40]، فجاءت الأمطار المتتابعة والهتان الذي يقلع ولا يفتر كما قال -سبحانه- (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) [القمر: 11، 12]، فصارت الأرض عيونًا تفور حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار صارت تفور ماء، فجرت السفينة بمن آمن معه.
وهي تجري بهم في موجًا كالجبال، قد طغى الماء على جميع الأرض، حتى طفت على رؤوس الجبال، فنادى نوح ابنه (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ) [هود: 43]، اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال، وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجاه من الغرق، فقال له أبوه: (لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) [هود: 43].
فأمر الله الأرض أن تبلع ماءها، وأمر السماء أن تقلع عن المطر (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [هود: 44].
جاء عن مجاهد "أن قوم نوح لما سخروا به واستهزؤوا وهو يصنع السفينة، وقالوا: تعمل سفينة في البر، فكيف تجري؟ قال: سوف تعلمون. فلما فرغ ونبع الماء خشيت أم الصبي عليه وكانت تحبه حبًّا شديدًا، فخرجت من الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه، فلما بلغها خرجت به حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقا، فلو رحم الله منهم أحدًا لرحم أم الصبي".
وقوم عاد لما عتوا وطغوا فقال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) [الأحقاف: 24]، أي: لما رأوا العذاب مستقبلهم اعتقدوا عارض ممطر ففرحوا واستبشروا وقد كان فيه هلاكهم، (هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [الأحقاف: 24، 25].
ولهذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الريح، وتخيلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل وأقبل وأدبر، وعرف ذلك في وجهه، فإذا مُطرت سُرِّي عنه، وعُرف ذلك في وجهه، فلما سألته عائشة عن حاله هذه، قال: " يا عائشة! لعله كما قال قوم عاد: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا) [الأحقاف: 24]، ولما قالت له: الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية. قال: "ما يؤمّنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا) [الأحقاف: 24) كما في الصحيحين.
ولهذا: كان من دعائه عند نزول الغيث: "اللهم: صيِّبًا نافعًا، اللهم: صيبًا هَنِيئًا"، وقبل نزول الغيث: "اللهم: سقيا رحمة لا سقيا عذاب"، وإذا نزل واستقر: "مُطرنا بفضل الله ورحمته".
وكم نسمع عباد الله: من الفيضانات المهلكة والسيول الجارفة والأمطار المغرقة، وذلك نخشى من عقوبة الله ومقته.
هذا واعلموا رحكم الله: أن من أشراط الساعة وعلامتها، ومن علامات فساد الزمان؛ أن يُمطَر الناس بالمطر فلا تنبت الأرض، فعند أحمد بسند حسن: "لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرًا عامًا ولا تنبت الأرض شيئًا"، وفي مسلم: "ليست السنة بأن لا تُمطروا، ولكن السنة أن تُمطروا وتُمطروا ولا ينبت الله شيئا"، فاجعل ربنا ما أنزلت علينا في بلادنا بركة وخيرا وصيبًا نافعا.
هذا واشكروا الله على نزول الأمطار وإذا خرجتم إلى المنتزهات فالزموا طاعة الله من المحافظة على الصلوات في أوقاتها، وعدم رمي فائض الطعام في الطرقات، وعليكم بالنظافة والنزاهة للمكان، وعلى النساء الحشمة والستر وعدم إظهار النقاب، ولبس البنطال أمام الرجال.
هذا وعند نزول الأمطار ترى ما يذهل الأخيار، فترى من الشباب من يتلف مركوبه وسيارته ويعرض نفسه للهلاك بالتفحيط والنزول والصعود، مع ما يصحب ذلك من الغنى والمزامير والرقص والدخان ومعاكسة الفتيات والمردان، والتضييق على المتنزهين والمتنزهات، وكذا ترى ما يضيع من الصلوات أو تجمع بدون مبرر شرعي.
ومما يحدث عند نزول الأمطار المغامرة والمخاطرة في سلوك الشعاب والوديان مما هو خطر على الإنسان.
فالواجب: شكر الله والتمتع بما أباح الله على وفق شرع الله، والترويح للنفس والأهل والأولاد والفرح بفضل الله ورحمته (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ) [يونس: 58].
والله أعلم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم