عناصر الخطبة
1/ الوصية بالاعتصام بالكتاب والسنة 2/ المسلم يرد أموره إلى الله تعالى في جميع أحواله 3/ التمسك بكتاب الله تعالى نجاة من مضلات الفتن 4/ أهمية السمع والطاعة 5/ ضرورة لزوم جماعة المسلميناقتباس
القرآن الكريم يأمر بالاجتماع على الحق وينهى عن الاختلاف؛ قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، فأمر بعد الاعتصام بالكتاب بعدم التفرق..
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فقد كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبته كما روى الإمام مسلم أن يقول: "أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".
فهذه وصية من أعظم الوصايا النبوية وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتاب الله -عز وجل-، وسنة نبيه -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فالاعتصام بالكتاب والسنة نجاة من مُضلات الفتن، ومخالفة الكتاب والسنة أصل الخذلان، وفساد الدنيا والآخرة، والذل والهوان، وإن الواجب على كل مكلف الاعتصام بالكتاب والسنة؛ لأن فيهما المخرج من جميع الفتن لمن تمسك بهما، واتبع هديهما.
أيها المسلمون: الاعتصام بالكتاب والسنة هو أساس وأصل النجاة في الدنيا والآخرة؛ قال الله -عز وجل-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا) [آل عمران: 103]، حدث أبو شريح الخزاعي –رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أبشروا، أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟!"، قالوا: بلى، قال: "إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبدًا". حديث صحيح أخرجه الإمام ابن حبان وغيره.
وقال الله -جل وعلا-: (وَمَن يَعْتَصِم بِالله فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 101].
والمسلم في كل وقت وعلى أي حال يرد أمره إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ قال تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59].
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: "قال مجاهد وغير واحد من السلف: أي إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا أمر من الله -عز وجل- بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله) [الشورى: 10].
والقرآن الكريم أَمَرَ بالأخذ بكل ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والانتهاء عن كل ما نهى عنه، قال الله -عز وجل-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 7].
ولا شكّ أنّ الأخذ بالكتاب والسنة من أهم الواجبات وأعظم القربات؛ لأن الأخذ بالرأي المجرّد عن الدليل الشرعي يُوصل إلى المهالك.
إخوة الإسلام: إن التمسك بكتاب الله رفعة للمسلم في الدنيا والآخرة، واسمعوا إلى هذا القصة التي وقعت في عهد الفاروق عمر -رضي الله عنه-؛ لقي نافع بن عبد الحارث عمرَ بن الخطاب –رضي الله عنه- بعُسفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟! فقال ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟! قال: مولىً من موالينا، قال: فتستخلف عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله -عز وجل-، وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين". رواه مسلم.
عباد الله: الهداية والصلاح والفلاح لمن اتبع القرآن والسنة وتمسك بذلك؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "تكفّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه: أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة"، ثم قرأ هذه الآية: (فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى) [طه: 123].
وقال الله تعالى: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [المائدة: 15، 16].
عباد الله: القرآن الكريم يأمر بالاجتماع على الحق وينهى عن الاختلاف؛ قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103]، فأمر بعد الاعتصام بالكتاب بعدم التفرق.
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: "أمرهم بالجماعة، ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرّق والأمر بالاجتماع والائتلاف".
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا، ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
معاشر المسلمين: الاعتصام بالقرآن والسنة نجاة من مضلات الفتن، وجاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تدل على أن من استمسك بما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- كان من الناجين، ومن ذلك حديث العرباض بن سارية –رضي الله عنه- قال: "صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله: كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟! فقال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة". رواه أبو داود.
ومما يؤكد أهمية السمع والطاعة ما حصل للصحابة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلح الحديبية حينما اشتدَّ عليهم الكرب بمنعهم من العمرة، وما رأوا من غضاضةٍ على المسلمين في الظاهر، ولكنهم امتثلوا أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان ذلك فتحًا قريبًا، وخلاصة ذلك أن سُهَيل بن عمرو -رضي الله عنه- ولم يزل مشركًا وقتها، بل كان من صناديد قريش في حينه، قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- حينما كتب: بسم الله الرحمن الرحيم: اكتب باسمك اللهم، فوافق معه النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، ولم يوافق سهيل على كتابة: محمد رسول الله، فتنازل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمر أن يكتب: محمد بن عبد الله، ومنع سهيل في الصلح أن تكون العمرة في هذا العام، وإنما في العام المقبل، وفي الصلح أن من أسلم من المشركين يردّه المسلمون، ومن جاء من المسلمين إلى المشركين لا يُردُّ، وأوّل من نُفّذ عليه الشرط أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فردّه النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد محاورة عظيمة، وحينئذٍ غضب الصحابة لذلك حتى قال عمر -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ألستَ نبيَّ الله حقًّا؟! قال: "بلى"، قال: ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل؟! قال: "بلى"، قال: فلمَ نُعطي الدَّنِيَّةَ في ديننا إذًا؟! قال: "إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري"، قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً، فحصل بهذا الصلح من المصالح ما الله به عليم، ونزلت سورة الفتح، ودخل في السَّنة السادسة والسابعة في الإسلام مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر، ثم دخل الناس في دين الله أفواجًا بعد الفتح في السنة الثامنة.
وهذا ببركة طاعة الله ورسوله؛ ولهذا قال سهل بن حنيف: "اتهموا رأيكم، رأيتني يوم أبي جندل لو أستطيع أن أردّ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لرددته". وهذا يدلّ على مكانة الصحابة –رضي الله عنهم- وتحكيمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحصل لهم من الفتح والنصر ما حصل، ولله الحمد والمنة.
فنسأل الله أن يعصمنا بكتابه وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-، وأن يعيننا على ذكره وشكره.
أقول ما سمعتم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي قامت بعدله السموات والأرض، الحكيم الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله العليم بما تنطوي عليه الأفئدة وتكنه الصدور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فحكم وأحكم، وكان خير من عدل وأرشد إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته، ومن اتبع آثارهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
فبعد الوصية بتقوى الله سبحانه، نعزز ما أكدناه في الخطبة الأولى من الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأنهما نجاة من الفتن وعن حذيفة –رضي الله عنه- قال: "كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله: إنا كُنِّا في جاهِلِيَّةٍ وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟! قال: "نعم". قلت: هل بعد ذلك الشرّ من خير؟! قال: "نعم، وفيه دخن"، قلت: وما دخنه؟! قال: "قوم يستنّون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر". فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟! قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها". فقلت: يا رسول الله: صفهم لنا، قال: "نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا". قلت: يا رسول الله: فما ترى إن أدركني ذلك؟! قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم". فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟! قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك". متفق عليه.
قال الإمام النووي -رحمه الله-: "وفي حديث حذيفة هذا: لزوم جماعة المسلمين، وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق، وعمل المعاصي، مِنْ أخذ الأموال، وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي هذه الأمور التي أخبر بها ، وقد وقعت كلها".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم