عناصر الخطبة
1/ تعظيم الله تبارك وتعالى 2/ تفرد الله سبحانه بكل جمال وكمال وعظمة 3/ تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لربه 4/ تعظيم السلف الصالح لربهم سبحانه 5/ محاولة قادة التغريب لإسقاط هيبة الدين من القلوب 6/ حكم الاستهزاء بالدين 7/ أسباب الجرأة على الدين والاستهزاء به 8/ من أسباب الاستهزاء بالديناقتباس
الاستهزاء بالدين من أخلاق الكافرين ليس من أخلاق المؤمنين، كيف يرضى مؤمن أن ينطق لسانه أو تكتب يده كلمة أو عبارة أو حرف فيه جرأة على ربنا جل وعلا، وإن فريقًا من الناس اليوم تعتدي أيديهم بالكتابة وألسنتهم بالكلام على ربنا جل وعلا وعلى عظمته فيتكلم عن الله تعالى كأنه يتكلم عن بشر أو ربما عن صديق أو ربما عن شخص أقل منه .. لا يتأدب مع الله في كلمة، ولا يحسب عبارة، ولا ينظر في كلمة يكتبها؛ فجعلوا يحاولون أن يسقطوا عظمة الله تعالى من قلوب الناس ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلَّ عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة، وبصَّر به من الجهالة، وجمع به بعد الشتات، وأمَّن به بعد الخوف، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين بنظر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام: بعث ربنا جل وعلا جميع الرسل وأنزل كل الكتب بتعظيمه جل في علاه فربنا سبحانه وتعالى هو أهل الثناء والمدح، وهو جل وعلا الذي أثنى على نفسه العظيمة في كتابه فهو العزيز العليم، وهو العلي العظيم (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الحشر: 22- 23].
أثنى الله سبحانه وتعالى على نفسه في كتابه وبين الله جل وعلا أنه أهل للثناء وذم الله تعالى كل من تنقصه سبحانه وتعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم: 89- 95].
وكان نبينا صلوات ربي وسلامه عليه يعظم ربنا جل وعلا ويمتلئ قلبه إجلالاً وهيبة وتعظيمًا لله تعالى ..
أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انقطع عنهم القطر وأجدبت الأرض وهلكت الأنعام قال يا رسول الله "قد أصابنا ما ترى فادع الله يغيثنا، فإنا نستشفع بك إلى الله" يعني نطلب منك أن تشفع لنا وأن تتوسط لنا عند الله أن يسقينا وأن يرحمنا "إنا نستشفع بك إلى الله، ونستشفع بالله عليك".. فلما سمع النبي عليه الصلاة والسلام قول الرجل "نستشفع بالله عليك" ولا يُستشفع بالعظيم على من أقل منه يُستشفع بالأكبر على من هو أصغر منه، وإنما العظيم يأمر ويلزم فلما سمعه عليه الصلاة والسلام يقول: "نستشفع بالله عليك" تغير وجهه وتصبب عرقه حتى عرف ذلك أصحابه الكرام ...
ثم قال عليه الصلاة والسلام للرجل: "ويحك أتدري ما تقول! إن شأن الله أعظم من ذلك" وجعل عليه الصلاة والسلام يردد قائلاً: "سبحان الله .. سبحان الله .. سبحان الله ..." حتى رئي ذلك في وجوه أصحابه .
كان معظّمًا لله تعالى عارفًا عندما يتكلم عن الله أنه يتكلم عن عظيم الملك جليل القدر، عالي الصفات، كريم الأسماء لا يتكلم عن الله تعالى إلا وقلبه قد امتلأ بالهيبة والتعظيم لله رب العالمين..
وهكذا كان صحابته الكرام، وهكذا كان السلف الصالحون رضي الله عنهم .. أقبل رجل إلى الإمام مالك رحمه الله تعالى، وقال له: يا إمام (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 6]، كيف استوى؟ قالوا: فتغير الإمام مالك حتى علته الرحباء يعني أخذه شعور بالهيبة والخوف والرعب من السؤال وعظمته حتى تصبب منه العرق، تغير الإمام ثم التفت إلى الرجل وقال ويحك أتدري ما تقول ؟ أنت تسأل عن أمر عظيم، الاستواء معلوم والكيف مجهول .. نحن نعلم أن الله استوى على عرشه جل وعلا لكن طريقة الاستواء لم يخبرنا بها جل وعلا فلا نتكلم بها بغير علم فإنها تختص بأمر يخص العظيم جل وعلا .
قال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب"، ثم أمر بإخراج الرجل بين يديه .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى: "مررت مع أبي على رجل قاصّ يقص على الناس – يعني يحدثهم- فجعل يتكلم عن نزول الله تعالى بالسماء الدنيا في ثلث الليل الآخر .."
ثم قال ذلك الرجل: ينزل ربنا بلا انتقال ولا تغير حال وجعل يفصل في أمور ما فصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تكلم بها ..
قال: فكانت يد أبي في يدي فثقلت يده حتى أمسكته، قال: فمال إليَّ من عظمة ما يسمع ونظرت إلى وجهه وإذا هو قد تغير وعلاه العرق، قال: فوقف إلى الرجل وقال: يا رجل اتق الله .. اتق الله، والله ما تكلم في ربنا جل وعلا في مثل هذا التفصيل رسول الله صلى الله عليه وسلم قل لهم ينزل ربنا ولا تفصل مثل ذلك ..
كانوا إذا امتلأت قلوبهم بتعظيم الله تعالى وكيف لا تمتلئ القلوب وهم الذين علموا صفات الله تعالى وفقهوا معاني أسمائه وامتلأت قلوبهم تعظيمًا لربهم جل وعلا ..
لذا ذم الله تعالى الأمم التي لم تعرف تعظيم الله تعالى، فقال نوح عليه السلام لقومه (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13] أنتم لو رجوتم لله وقارًا ما عبدتم من دونه صنمًا ولا عظمتم من دونه حجرًا ولا تقربتم إلى أحد غيره ..
(مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) أنتم لو رجوتم لله وقارًا لعرفتم كيف تكتبون عن ربنا وكيف تتكلمون عن خالقنا، أنتم لو رجوتم لله وقارًا لعرفتم كيف تأخذون على يد من يتنقص ربنا أو يستهزأ بالله أو يكتب على الله تعالى ما لا يليق .. (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) .
أيها المسلمون: إن فريقًا من الناس اليوم بدأت تعتدي أيديهم بالكتابة وألسنتهم بالكلام على ربنا جل وعلا وعلى عظمته فيتكلم عن الله تعالى كأنه يتكلم عن بشر أو ربما عن صديق أو ربما عن شخص أقل منه ..
لا يتأدب مع الله في كلمة ولا يحسب عبارة ولا ينظر في كلمة يكتبها فجعلوا يحاولون أن يسقطوا عظمة الله تعالى من قلوب الناس، وأصبحوا يتكلمون عن الله تعالى في تغريداتهم وكتباتهم وفي صفحهم وربما أحيانًا في بعض برامجهم دون أن يقع في القلب تعظيمًا لله .. لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا معظمين لله فيدفعهم هذا التعظيم إلى مزيد القرب والعناية والتعبد ..
أما أن يكتب اليوم من يكتب لله جل وعلا أو في رسول الله عليه الصلاة والسلام لإسقاط هيبة الدين من قلوب الناس ..
يبدأ الشباب والفتيات يقرءون مثل هذه الكتابات في صفحات تويتر وفي غيرها فيسقط هيبة الدين من قلوبهم فهم كل يوم يقرءون استهزاء .. حتى أصبح الاستهزاء بالدين موجودًا عند الجميع كل إنسان يستطيع أن يتكلم به ..!!
يسقطون هيبة الله من قلوب الناس يسقطون الهيبة والتعظيم من أعينهم ويصبح الدين بل يصبح الرسول عليه الصلاة والسلام بل يا لا العار أن يصبح ربنا جل وعلا بذاته العظيمة مجالاً للاستهزاء أو الضحك أو الوقيعة ويكتب ذلك في صفحات تويتر وفي بعض الجرائد وفي غيرها..
وإن لم يؤخذ والله على أيدي هؤلاء لهو والله مؤذن بالسقوط والضيعة ومؤذن بسقوط المجتمع بل سقوط الدول، إذا أُهين ربنا جل وعلا وسكت من كان يستطيع أن يأخذ على أيدي هؤلاء السفهاء فإنه مؤذن بأن يغضب ربنا غضبة فلا يقيم لأحد بعد ذلك مُلكا إلا لمن يعظمه ويعرف قدره جل وعلا .
إذا أيها المسلمون: بيّن الله تعالى في كتابه أن الاستهزاء بالدين من أخلاق الكافرين ليس من أخلاق المؤمنين، كيف يرضى مؤمن أن ينطق لسانه أو تكتب يده كلمة أو عبارة أو حرف فيه جرأة على ربنا جل وعلا .. وهو من صفات الكافرين وهو من أخلاق المنافقين وذكره الله تعالى في القرآن وحذر منه كما قال الله جل وعلا لما تكلم عن أولئك الكافرين (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ) [البقرة: 13].
إذا قيل لهم آمنوا بالصلاة، آمنوا بالحج فافعلوه، آمنوا بإعفاء اللحى، آمنوا بتحريم الاختلاط، آمنوا بتحريم الخمر، آمنوا بتحريم الشذوذ .. (قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ) مثل هؤلاء المطاوعة، مثل هؤلاء السفهاء صغيري العقول الذين يفوتون على أنفسهم لذة واستمتاع الدنيا رجاء أن يأتيهم شيء مشكوك فيه في الآخرة (أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ)،
قال الله (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا ..) إذا جلسوا عند المفتي أو عند القاضي أو مع هيئة .. (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) سواء شياطين الإنس أو شياطين الجن (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) نحن لا نزال على مذهبكم نسير على منهجكم معكم في طريق الاستهزاء والسخرية بالدين بل الكفر برب العالمين والردة هذا إن كانوا مؤمنين أصلا .. قالوا (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [البقرة: 14- 15].
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني: "ومن سبَّ الله تعالى كفر، سواء كان مازحًا أو جادًّا، وكذلك من استهزأ بآيات الله تعالى أو برسوله عليه الصلاة والسلام"، ومثله قال الإمام النووي أيضًا فذكر أن من الأفعال الموجبة للكفر: الاستهزاء بالله تعالى .. ومثله قال القرطبي حاكيًا إياه عن المالكية لما تكلم عن بعض الآيات قال: "ولا يخلو أن يكون ما قالوه – يعني من الاستهزاء – أنه كفر بالله تعالى سواء كان هزلاً أو كان جادًّا".
أما الذي يدفع هؤلاء للاستهزاء بالدين والاستهزاء برب العالمين –نعوذ بالله من ذلك- .. نحن لا نتكلم عن صفحات أو مقالات لا يدري من أصحابها .. يا شيخ شخص يفتح صفحة باسم السماء باسم الأرض، باسم الجبل، باسم أزرق .. أحمر ..أخضر ... لا ندري ما هو .. ربما كان يوذيًّا أو نصرانيًّا ليس مسلمًا فهو أصلاً عنده من الكفر الأصلي ما يغنينا عن الكلام عن ردته ..
لكن لما تكون أسماء معروفة فلان ابن فلان وله ربما صفحات في جرائدنا وبيته معروف واسمه معروف وهاتفه معروف، ومع ذلك يستهزأ برب العالمين، ما الذي يدفع هؤلاء وهم نشئوا في بيئة إسلامية وأسمائهم إسلامية وربوا في بيوت إسلامية أصلاً وينتسبون إلى أبوين مسلمين ما الذي يدفعهم لاستهزائهم بالدين أو جرأتهم على رب العالمين ..
الذي يدفعهم إلى هذا أمور من ذلك أيها المسلمون: الكره والحقد أصلاً على الدين، هو أصلا كاره للدين؛ لأن الدين يمنعه من الزنا، وقد تعلق قلبه به فيكره ما يحول بينه وبين شهوته، يكره الدين ..
الدين يمنعه من شرب الخمر فهو قد تعلق به قلبه وود لو يشربه في كل مكان لكن لما الدين وضع عليه ضوابط كره الدين ويحب أن يفعل أنواع الشذوذ والفواحش لكن لما حرم الدين عليه ذلك كره الدين ..
لما قال له الدين: ادفع زكاة مالك، اجمع المال ثم ادفع 2.5% زكاة .. كره الدين الذي أمره بالإخراج من ماله، أصلاً كره وبغض للدين كما قال الله تعالى لما ذكر قوم عاد قال الله جل وعلا: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ) [الأعراف: 66]، قالوا له: يا هود أصلاً أنت إنسان سفيه لا نلتفت إليك، تأمرنا أن نترك ما يعبد آباؤنا، تأمرنا أن نترك الزنا وشرب الخمر والربا ... تأمرنا أن نترك هذه الأمور (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ) أنت سفيه يا نبي !! أنت غبي !! أنت لا يلتفت إليك .. هكذا كان قوم هود يقولون له (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ) لذا لن نطيعك .. وهكذا يقول بعض الناس اليوم مع الأسف .
(وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [الأعراف: 80- 81] لم يقل له قومه له صدقت ونحن مخطئون فعلا وجزاك الله خير لكن هذه زلة يعني لا نستطيع أن نفارقها من شدة تعلق قلوبنا بها لكننا مقرون أننا مخطئون .. لا ما قالوا له مثل ذلك . بل التفتوا إليه وقالوا كما قال الله جل وعلا (إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف: 82] هذا فلان يذم من يتعاطى الرشوة أخرجوه من قريتكم، سبوه في الجرائد وفي كل مكان ..
هذا فلان يذم من يطالب بحقوق الضعفاء والمساكين أو ينتصر لهم، إذاً أخرجوهم من قريتكم لا يجالسوكم. وبآية أخرى (أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ) لماذا تخرجونهم؟ هل سرقوا أموالكم؟ هل قتلوا أرواحكم؟ هل هتكوا أعراضكم؟ لا .. السبب (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)!!
مثل مع الأسف لما يكون شركة فيها رجل أمين لا يرتشي ولا يقبل الرشاوى، ودائمًا كل يوم يقف للمسئولين المرتشين يقول اتقوا الله، حرام عليكم، فلما رأوه يتطهر قالوا (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) قالوا: أخرجوه من الشركة، انقلوه إلى أي مكان آخر .. هذا المنهج قديم
(أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) لماذا نخرجهم ؟ (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) إما أن يقع في مثل ما نقع فيه من السوء أو أخرجوهم من قريتكم ..
والجاهلية الفجار كان لهم شهوات لا يريدون أن يتركوها أبدًا، فلما جاء الله تعالى بالإسلام جعلوا يلتفت بعضهم إلى بعض يقولون (أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا) [ص: 5] هل يريد أن يغير الطريقة التي نحن عليها، وكانوا يستهزؤون بالنبي عليه الصلاة والسلام لأنه جاءهم بالتوحيد ..
هذا السبب من أسباب الاستهزاء أن يكون أصلاً مبغضًا لأحكام الدين، وضوابط الدين، شريعة الإسلام يبغضها أصلاً، ولا يريد أن يلتزم بها فيستهزأ بها .
السبب الثاني: النقمة على أهل الخير والصلاح، لا يحب أهل الخير، لا يحب المؤمنين، يتمنى لو رأى وجه إبليس ولا يرى وجه الشيخ فلان ولا الداعية فلان ..، مبغض لأهل الخير، يبغض أن يرى وجهًا مؤمنًا مسلمًا أو عليه آثار الذلة يبغض ذلك بغضًا عظيمًا ..
فتجد أنه لبغضه لأهل الخير يتنقصهم كما بيّن الله جل وعلا فقال: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [يس: 30] ما وجدتم إلا النبي تستهزئون به وتتنقصونه (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) ، وقال جل وعلا (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ * وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الزخرف: 6- 7]، وقال الله تعالى في آية أخرى: (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) [الذاريات: 53] أتواصوا كل أمة بعدها أن يستهزئوا بنبيكم (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ).
ومن الأسباب أيضًا: الفراغ والدعوة إلى الضحك، شخص يريد أن يطرح نكتة هكذا فلا يجد ما يطرحه لأصحابه ليضحكهم إلا التنقص بالدين والجنة...، ربما يكتب ربما يتكلم ليضحك أصحابه ..
أصحابه لما خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في ساعة عسرة وحر شديد وتعب وضنك فلما كانوا راجعين وهم ثلاثون ألف جعل بعض الناس يحاول أن يتكلم بما في قلبه فجعل بعض المنافقين يقولون "ما رأينا مثل قُرائنا هؤلاء " قراؤكم خياركم.. أُبي بن كعب، عبد الله بن مسعود الصحابة المعتنون بالقرآن الحُفّاظ الذي يصلون بالناس ويفتونهم ويحفظونهم القرآن ..
ما وجدتم تلقون النكات والضحك والاستهزاء إلا بهم !! قالوا " ما رأينا مثل قراءنا هؤلاء أكبر بطوناً ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء"، جمعوا فيهم الشر كله فهم جبناء عندما يأتي الحرب وهم كذابون إذا تكلموا وهم أيضًا راغبون بالطعام والشراب استمتاعًا .. فأنزل الله تعالى قوله (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة: 65- 66] فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم عليهم وكانوا نفرًا لا يتجاوزون التسعة قرأها عليهم قالوا يا رسول الله: إنما هو كلام أردنا أن نقطع به الطريق، نتحدث، فكان عليه الصلاة والسلام لا يجيبهم ولا يقبل منهم عذرًا ولا يرد إليهم أمرًا وإنما كلما اعتذروا التفت إليهم وقال (لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ).
يقول بعض الصحابة: فلقد رأيت بعض هؤلاء يأتي بخطام ناقة رسول الله، يتعلق بخطام الناقة وقدماه تسحبان على الحصى وهو يقول: يا رسول الله إنما أردنا أن نضحك ونقطع الطريق والنبي عليه الصلاة والسلام يجدب خطام ناقته ويقول: (لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، وقوله تعالى: (إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً) [التوبة: 67] قالوا الطائفة التي بيّن الله جل وعلا أنه يعفو عنهم هم بعضهم كان يستمع لكنه كان يعجبه، يستمع الاستهزاء لكنه لم ينكر ولم يفارق المحل، كان ساكتًا فأدخله الله تعالى معهم في الجريمة .
(إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ) إن عفونا عن هذا الساكت لكن الذين يتكلموا سيعذبون (إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ نُعَذِّبْ طَائِفَةً).. نوح كان قومه يمرون به (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) [هود: 38] يستهزؤون ويضحكون عليه (قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ) [هود: 38- 39] تعلمون من يصيبه العذاب انتظروا فالفائز هو الذي يربح في النهاية (تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ) .
من أسباب الاستهزاء بالدين: الكبر، يصبح له منصب عالٍ فيستهزأ بأهل الدين الضعفاء، يصبح له مكانة، يصبح له رأي في قومه .. فلا يجد ما يحرك به لسانه النتن إلا أن يستهزأ بالقرآن أو السنة وأهل الدين ..
أو ربما استهزأ بربنا جل وعلا كما فعل فرعون لما جاءه موسى وعجز فرعون عن إقامة الحجة عليه جعل فرعون يقول لقومه: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزخرف: 52] يقول على موسى ما يعرف يتكلم (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) [الزخرف: 52- 53]، قال الله (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) [الزخرف: 54] وجد من يعلق معه ويتكلم ويتفاعل ويدافع عنه استخف قومه؛ لأنهم أغبياء سفهاء قابلون للاستخفاف فاستخف بهم فأطاعوه ..
من أسباب الاستهزاء بالدين: التقليد الأعمى لأعداء الإسلام، رأى أعداء الإسلام يتكلمون بغاية الحرية عن أديانهم وعن رؤسائهم وعن أنبيائهم ويتنقصون من شاءوا نصراني بوذي هندوسي فجاء يريد أن يقلد ويطبق هذا على الإسلام ..!! (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) [الذاريات: 52- 53].
من أسباب الاستهزاء بالدين: المال، يضعون مسئولاً عن شبكة تدعو إلى الإلحاد فيعطونه راتبًا شهريًّا أربعين ألفًا خمسين ألف ريال وكلما ازداد كفرًا ازدادت العلاوات له، أو يكتب ما يذم به الدين وأهله ثم يكافئ بسفره إلى مؤتمر في بلد كذا أنت وعائلتك على الدرجة الأولى وتسكن في أحسن الفنادق وهذه السفرة التي تكلف عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف على حساب الدائرة الفلانية أو الجمعية الفلانية أو الجريدة الفلانية أو قل ما شئت ..
فيعلم أنه ما دفعهم إلى تنعيمه بهذا المال إلا وقيعته في الدين، أنا أتكلم عن واقع وهذا الكلام ما قرأته في مقاهي الإنترنت وجئت على المنبر وتكلمت به .. لا، أنا أعرف أسماء عملت مثل هذا التعامل فاستهزأت بالدين، وُعدت بوعود معينة فاستهزأت بالدين، أسماء ولو شئت والله لأسميتهم إنها بطرف لساني لكنهم أحقر وأذل وأخنع من أن تساق أسماؤهم على المنابر ..
لكنه واقع مع الأسف ووالله إن لم يؤخذ على أيدي هؤلاء، إن لم يؤخذ ولاة الأمور والقضاة والأحكام الشرعية إن لم تأخذ على يد كل من يستهزأ بالله تعالى أو يستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم أو يستهزأ بدين الأمة والإسلام ويتنقص بالدين .. إن لم يؤخذ على أيديهم ويجعلوا عبرة لغيرهم لترين بعد ذلك عجبًا ..
نسأل الله أن يثبتنا على دينه وأن يعلي شريعتنا، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن اقتفى بأثره واستن بسنته إلى يوم الدين..
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم....
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم