عناصر الخطبة
1/الحياة أنفاس معدودة 2/مصيبة الموت 3/خطر الغفلة عن الموت 4/فوائد الاكثار من ذكر الموت 5/قصص رائعة في ذكر الموت 6/أحوال الناس عند الموت 7/ما بعد الموت 8/لمن تكون حسن الخاتمة؟ 9/بعض علامات حسن الخاتمة 10/بعض القصص في سوء الخاتمة 11/كيف وبم نستعد للموت؟اقتباس
اعلم -أخي-: أن الموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس التي طعمها أكره وأبشع، وأنه الحادث الأهدم للذات، والأقطع للراحات، والأجلب للكربات، والمفرق للجماعات. فإن أمراً -يا رعاك الله-: يفرق أعضاءك، ويقطع أوصالك، ويهدم أركانك، له الأمر العظيم، والخطب الجسيم. فيا أيها الناس: قد آن للنائم أن يستيقظ من نومه، وحان للغافل أن ينتبه من غفلته قبل هجوم الموت بمرارة كأسه، وقبل سكون حركاته، وخمود أنفاسه، وقبل رحلته إلى قبره، وخلوده بين أرماسه. فمثل لنفسك يا مغرور، وقد...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي كتب على عباده الموت والفناء، وتفرد سبحانه بالحياة والبقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: اعلموا أن هذه الحياة أنفاس معدودة، في أماكن محدودة، بآجال معلومة، وأرزاق مقسومة، قال تعالى: (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ) [فاطر: 11].
اعلموا -عباد الله-: إنه لن يُعمَر أحدٌ على وجه هذه الأرض، فكم من أُممٌ عاشت مئات السنين على هذه الأرض: فأين هم؟ وأين أجدادنا؟ لقد ماتوا وأنقضت أعمارهم، فالأعمار -عباد الله محدودة-.
اعلموا -يا رعاكم الله-: أن الموت مهلك العباد، وموحش البلاد، وميتم الأولاد، ومُذل الجبابرة الشداد، لا يعرف الصغير، ولا يميز بين الوضيع والوزير، سيوفه على العباد مصلتة، ورماحه على صدورهم مشرعة، وسهامه لا تطيش عن الأفئدة.
واعلموا: أن الموت هو مفارقة الروح الجسد، وإنه انتقال من حال إلى حال ومن دار إلى دار، ولقد سمى الله الموت في كتابه مصيبة؛ كما قال جل في علاه: (إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ) [المائدة: 106].
نعم الموت مصيبة، لكن المصيبة الأعظم، هي: الغفلة عن الموت، عدم تذكر الموت، عدم الاستعداد للموت، لقد وعضنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بموعظة من أبلغ مواعظه، تلين القلوب، وتدعو إلى المحاسبة، وتذكرنا بالآخرة، فقال صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات".
نعم -أيها الغالي-: يوم غفلنا عن الموت وسكرته، والقبر وظلمته، والسؤال وشدته، ويوم القيامة وكرباته، والصراط وحدته، يوم غفلنا عن هذه الأشياء قست القلوب، وظهر الفساد في البر والبحر.
اعلموا -عباد الله-: إن من كان للموت ذاكراً كان للموت مستعداً، قال أبو علي الدقاق: "من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاث: أكرم بتعجيل التوبة، والنشاط في العبادة، والقناعة في القلب، ومن نسي الموت عوقب بثلاث: التسويف في التوبة، والكسل في العبادة، وعدم القناعة في القلب".
وذكر الموت يقلل كل كثير، ويكثر كل قليل، ويزهد في الدنيا، ويعين على العمل الصالح.
والإكثار من ذكر الله هو سبيل المؤمنين، وعباد الله المتقين؛ كان الحسن بن يسار كثيراً ما يقول: "يا ابن آدم! نطفة بالأمس، وجيفة غداً، والبلى فيما بين ذلك يمسح جبينك كأن الأمر يعني به غيرك، إن الصحيح من لم تمرضه القلوب، وإن الطاهر من لم تنجسه الخطايا، وإن أكثركم ذكراً للآخرة أنساكم للدنيا، وإن أنسى النّاس للآخرة أكثرهم ذكراً للدنيا، وإنّ أهل العبادة من أمسك نفسه عن الشر، وإن البصير من أبصر الحرام فلم يقربه، وإنّ العاقل من يذكر يوم القيامة ولم ينس الحساب".
إذاً -يا رعاك الله- مما يرقق القلوب: التفكر في الموت وفي أحواله، وفي القبر وظلماته.
فبالله عليك –أخي-: هل تفكرت يوماً وأنت تخرج في الصباح أنك لن ترجع إلى بيتك مرة ثانية؟ هل تفكرت أن هذا اليوم هو آخر يومٍ لك في الحياة؟ هل إذا أتاك ملك الموت في هذا اليوم أنت راض عن نفسك؟ هل أنت راضٍ عن عملك الذي ستقابل به ربك؟ هل تخيلت حالك قبيل الموت كيف تكون؟ هل تخيلت أنفاسك الأخيرة على أي حال ستنقضي؟ وهل ستكون ممن يحبون القدوم على ربهم أم ستكون كالعبد الآبق يطلب الرجعة؟
فيا أخي: أنت الآن في مهلة فاغتنم فرصة العمل قبل انقضاء الأجل، فوالله لا ينفعك أن تقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون: 99].
فلا تغفل -أيها الغالي- عن الموت، فإنه ليس له مكان معين، ولا زمن معين، ولا سبب معين، ولا عمر معين، يأتيكم بغته وأنتم لا تشعرون: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة: 8].
عباد الله: إن الناس عند الموت على حالين: إما محبٌ للقاء الله، فيحب الله لقائه، وإما كارهٌ للقاء الله فيكره الله لقائه، قالت عائشة: يا رسول الله كلنا يكره الموت؟ قال: "لا يا عائشة ليس ذاك، لكن هو العبد الصالح - العبد المستقيم- عند سكرات الموت تأتيه ملائكة الرحمن، تبشره بروح وريحان، ورب راض غير غضبان، فيفرح بلقاء الله، فيفرح الله بلقائه، أما العبد العاصي -العبد الغافل- فتأتيه ملائكة الرحمن، تبشره بسخط وعذاب من الله، فيكره لقاءِ الله، فيكره الله لقائه".
فاستعدوا للموت -عباد الله- قبل أن يفاجئكم، قال أبو الدرداء -رضي الله عنه- وهو يحتضر: "ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا؟ ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه؟ ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا؟ ثم بكى، فقالت له امرأته: أتبكي وقد صاحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: ومالي لا أبكي ولا أدري علام أهجم من ذنوبي".
وبكى أبو هريرة -رضي الله عنه- في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: "أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي على بعد سفري، وقلة زادي، وإني أصبحت في صعودٍ مهبط على جنة، أو نار، ولا أدري أيهما يأخذ بي".
فتخيل -يا عبد الله- نفسك وأنت على فراش الموت تعاني مرارة الموت، وتخيل ممشاك إلى القبر، وتخيل مبيتك فيه وحيداً فريداً، في حفرة ضيقة مظلمة، مغلقة محكمة، تخيل أول ليلة تبيتها، وأول نزلة تنزلها، وأول سؤال تسمعه في القبر: من ربك؟ ما دينك؟ ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ تخيل ذلك وتخيل حالك كيف سيكون حينها؟
عن أنس -رضي الله عنه- قال: "ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن أول يوم يجيئك البشير من الله -تعالى- إما برضاه وإما بسخطه، ويوم تعرض فيه على ربك آخذ كتابك إما بيمينك أو بشمالك، وليلة تستأنف فيها المبيت في القبور، وليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة".
فاعلم -أخي-: أن الموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس التي طعمها أكره وأبشع، وأنه الحادث الأهدم للذات، والأقطع للراحات، والأجلب للكربات، والمفرق للجماعات.
فإن أمراً -يا رعاك الله- يفرق أعضاءك، ويقطع أوصالك، ويهدم أركانك، له الأمر العظيم، والخطب الجسيم.
فيا أيها الناس: قد آن للنائم أن يستيقظ من نومه، وحان للغافل أن ينتبه من غفلته قبل هجوم الموت بمرارة كأسه، وقبل سكون حركاته، وخمود أنفاسه، وقبل رحلته إلى قبره، وخلوده بين أرماسه.
فمثل لنفسك يا مغرور، وقد حلت بك السكرات، ونزل بك الأنين والغمرات، والناس من حولك مجتمعون، تسمع كلامهم، وتريد أن تكلمهم فلا تستطيع.
فخيل لنفسك يا ابن آدم إذا أخذت من فراشك إلى لوح مغتسلك، فغسلك المغسل وأنت جثة هامدة، لا حركة ولا نفس، وألبست الأكفان، وأوحش منك الأهل والجيران، وبكت عليك الأصحاب والإخوان، وصلوا عليك صلاة لا ركوع ولا سجود لها، وحملوك إلى القبر، وأنزلوك فيه وأدخلوك في ذلك اللحد الضيق المظلم، ثم هلوا عليك التراب، وانصرفوا عنك وتركوك وحيداً، لا صديق ولا قريب، الكل سينصرف عنك حينها، ولا يبقى معك إلا ما قدمت من عمل، فتخيل ذلك وتخيل جلوسك لسؤال وما جوابك لهذا السؤال.
عباد الله: إن الموت ساعة لا بد منها طال العمر أو قصر، وإنه لو كان الموت هو نهايتنا، ولو أننا من بعده تركنا لكان الموت أهون علينا، بل إن هناك أمور وأهوال وشدائد من بعد الموت، هناك بعث ونشور، وحشر وجزاء وحساب، في محكمة قاضيها هو الله، وجنوده الزبانية، وساحتها القيامة، وأن هناك صراط وجنة ونار، فاستعد –أخي- لهذه الأهوال.
عبد الله: إذا كان هذا الأمر قد أصاب الأنبياء والمرسلين والأولياء المتقين، فمالنا عن ذكره مشغولين، وعن الاستعداد له متخلفين، فلمثل هذا اليوم –أخي- فلتعد الزاد، ولمثل هذا اليوم فلتهجر العناد والفساد، ولمثل هذا اليوم فلتتقِ رب العباد.
فيا عبد الله: ألا دموع تذرفها؟ ألا زفرات تنفثها؟ ألا توجعات من بين الضلوع تخرجها؟
حقا -يا عباد الله- قست القلوب، وران عليها غطاء الذنوب، نودع الأموات، وها نحن قبل الممات أموات.
عبد الله: إنه كأس الموت، وهو حكم الحي الذي لا يموت تبارك وتعالى، فهل تذكرت يوماً –أخي- أنك ستتجرع يوماً هذا الكأس حتى النهاية؟
فيا كثير السيئات غداً ترى عملك! ويا هاتك الحرمات إلى متى تديم زللك! ويا آكلاً لحوم الناس بالغيبة والنميمة! ويا مفرط لصلوات! ويا هاجراً للقرآن! وعاكفاً على الأغاني والأفلام الخليعة والملهيات! إلى متى سيبقى هذا هو حالك؟ وإلى متى ستبقى تعصي رب الأرض والسماوات: أأمنت الموت وسكرته؟ أم أنك أيقنت أنك ستعيش إلى الغد؟ أما تعلم أن الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل؟ أما تعلم أن الموت يسعى في تبديد شملك؟ أما تخاف أن تؤخذ على قبيح فعلك؟
وآ عجباً لك من راحل تركت الزاد في غير رَحَلِك: أين فطنتك ويقظتك وتدبير عقلك؟ أما بارزت بالقبيح فأين الحزن؟ أما علمت أن الحق يعلم السر والعلن؟ ستعرف خبرك يوم ترحل عن الوطن، وستنتبه من رُقادك ويزول هذا الوسن؟
قال يزيد بن تميم: "من لم يردعه الموت والقرآن ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع".
عباد الله: إن الموت حق لا ريب فيه، ويقين لا شك فيه، فمن يجادل في الموت وسكرته، ومن يخاصم في القبر وضمته، ومن يقدر على تأخير موته وتأجيل ساعته: (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف: 34].
فلماذا تتكبر -أيها الإنسان- وسوف تأكلك الديدان؟ ولماذا تطغى وفي التراب ستلقى؟.
فيا عبد الله: لا تغفل عن الموت، وأعد الزاد لحين خروج الروح ومفارقتها جسدك، لعل الله يرحمك، ويختم لك بالصالحات أعمالك.
فإن حسن الخاتمة لا تكون إلا لمن استقام ظاهره، وصلح باطنه من الرياء والنفاق.
ومن علامات حسن الخاتمة: أن يتوفاك الله على الإسلام، وأن يوفق الله العبد للتوبة عن الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات، وأن يوفق الله العبد للنطق بالشهادة، ف"من كان آخر كلامه: "لا إله إلا الله" دخل الجنة".
قد يقول قائل: أحد الغافلين المفرطين العاصين لرب الأرض والسماء إذا جاءني الموت سأقول: "لا إله إلا الله".
هيهات هيهات حينها –والله- لن تستطيع قولها، ذلك من تلبيس الشيطان عليك، نعم تستطيع الآن قولها عشرات المرات، بل آلاف المرات، لكن وقتها لن يستطيع أحداً قولها إلا من وفقه الله لقولها.
ومن علامات حسن الخاتمة أيضاً: أن يموت العبد على عمل صالح من صلاة أو صيام، أو جهاد أو قراءة قرآن.
ذكر بعض الفضلاء: أن امرأة عجوزاً كانت من أهل الصلاة والطاعة، وفي يوم وهي في مصلاها ساجدة، أرادت أن ترفع من سجودها فلم تستطع، صاحت بابنها، أجلسها كهيئة السجود، حملها إلى المستشفى، ولكن لا فائدة، فقد تجمدت أعضاؤها على هذه الحال، قالت: يا بني خذني إلى مصلاي أتعبد وأصلي إلى أن يفعل الله ما يشاء، ولم تزل في صلاة وهي على هيئة السجود لا تقوى على الحراك، فقبض الله روحها وهي ساجدة! غسولها وهي ساجدة! كفنوها وهي ساجدة! أدخلت إلى قبرها وهي ساجدة! وتبعث يوم القيامة بإذن الله وهي ساجدة!.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: هناك صور للخاتمة السيئة -أعاذنا الله وإيّاك منها-، وإن من علاماتها: أن يتوفى الله العبد على غير الإسلام، أو أن تكون وفاة الإنسان وهو معرض عن ربّه -جل وعلا-، مقيم على ما يسخطه، مضيع ما أوجبه، وهي تكون لمن كان له فساد في العقل، أو إصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب عليه ذلك حتى ينزل به الموت قبل التوبة؛ في أحد الطرق كان مجموعة من الشباب يستقلون سيارتهم بسرعة البرق، والموسيقى تصيح بصوت مرتفع، وهم فرحون بذلك كحال كثير من شبابنا -إلاّ من رحم الله- كان من أبعد ما يفكرون فيه أن يفارقوا هذه الدنيا، كانت الآمال تطير بهم وهم يتابعون تلك المزامير، وفجأة حدث ما لم يكن بالحسبان! انقلبت السيارة عدة مرات! وصلت سيارة الإسعاف، حملت المصابين أحدهم كان مصاباً إصابات بليغة، جلس صديقاه بجانبه كان يتنفس بصعوبة، والدم قد غطى جسده حتى غيّر ملامحه حينئذ علم الضابط أنّه يلفظ أنفاسه الأخيرة، عرف اسمه من صاحبيه، قال له: "يا فلان قل "لا إله إلاّ الله"، يا فلان قل "لا إله إلاّ الله" فيقول -يقصد نفسه-: هو في سقر ثم سقط رأسه، ولفظ أنفاسه، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
عبد الله: انظر إلى أصحاب المعاصي كيف كانت حالتهم؟ وكيف كانت خاتمتهم؟ -والعياذ بالله-.
والقصص في هذا كثير يطول المقام بذكرها، ولكن المقصود من القصة أخذ العبرة والاستفادة.
فيا عبد الله: تذكر هذه اللحظة الحاسمة، فإنها لحظة فضيحة وكرامة يفضح فيها العصاة، ويكرم فيها المؤمن بالثبات.
فاتقوا الله -عباد الله-: وأبكوا على أنفسكم قبل أن يبكى عليكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وأحملوا أنفسكم على الطاعات قبل أن تحملوا على الرقاب، واستعدوا للموت قبل أن ننادي بأعلى الصوت: رباه ارجعون، فلا يستجاب لنا.
والاستعداد للموت ليس بالأماني الباطلة، والألفاظ المعسولة، بل هو بهجر المنكرات، والثواب إلى رب الأرض والسموات، وإزالة الشحناء والبغضاء والعداوة من القلوب، وبر الوالدين، وصلة الرحم.
ولكن -يا عبد الله-: متى يستعد للموت من تظلله سحائب الهوان ويسير في أودية الغفلة؟!
متى يستعد للموت من لا يبالي بأمر الله في حلال أو حرام؟!
متى يستعد للموت من هجر القرآن، والمساجد، ومن أكل أموال النّاس بالباطل وأكل الربا وارتكب الزنا واللواط والمحرمات؟!
كيف ومتى سيستعد للموت من لوث لسانه بالغيبة والنميمة، وامتلأ بالحقد والحسد، وضيع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين، والوقوع في أعراضهم؟!
فيا أيّها المذنب -وكلنا كذلك-: عد إلى ربّك، وجدد التوبة قبل فوات الأوان، ولات ساعة مندم، فالحذر الحذر -يا عبدالله-: والبدار البدار، والتوبة التوبة، وعلينا جميعاً الاستعداد لذلك اليوم، وتلك النهاية، كما كان هو دأب السلف الصالح، فالموت قادم إلينا لا محالة منه ولا مفر، فلنصلح البقية الباقية من أعمارنا في عبادة الله -عز وجل-، فوالله ما خلقنا إلا لعبادته سبحانه.
فاتقوا الله -عباد الله-: وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن البررة الأتقياء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أجعل خير أعمرنا آخرها، وخير أعملنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.
اللهم أطل أعمارنا، وأصلح أعمالنا، اللهم امنن علينا بتوبة نصوحا قبل الموت، وشهادة عند الموت، ورحمة بعد الموت يا رب العالمين.
اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة، واجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة، يا كريم يا رحيم.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم