عناصر الخطبة
1/ الحث على التقوى 2/ أهمية الوحدة والاجتماع وفضلها 3/ الأمر بالوحدة والاجتماع 4/ النهي على التفرق والاختلاف 5/ الحث على الاجتماع في الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى والْجُمُعَةِ 6/ خطر التفرق والاختلاف 7/ حاجتنا إلى الائتلاف والاجتماعاقتباس
أيها الإخوة: إن التاريخ يشهد أن من أهم أسباب سقوط الدول التفرق والاختلاف، فليحذر المفارق للجماعة، والساعي في تفريق كلمة المسلمين، والعامل على شق عصا الطاعة، فليحذر من استزلال الشيطان إياه، وتزيينه لعمله، وليعد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليلزم..
الخطبة الأولى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
قال الشيخ السعدي في تفسيره: "هذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه، وأن يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه، ويستقيموا إلى الممات، فإن من عاش على شيء مات عليه، فمن كان في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته، منيبا إليه على الدوام، ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة، وتقوى الله حق تقواه، كما قال ابن مسعود: "وهو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر". وهذه الآية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى، وأما ما يجب على العبد منها، فكما قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ..)[التغابن:16] وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا، يجمعها فعل ما أمر الله به، وترك كل ما نهى الله عنه".
أيها الإخوة: وذكر بعد الأمر بالتقوى المحافظة على الجماعة، وأنها من أعظم أصول الإسلام، وهو مما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه العزيز، وعظم ذم من تركه، إذ يقول جل وعلا: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103].
وهذا الأمر أمر لهم بما يعينهم على التقوى وهو الاجتماع والاعتصام بدين الله، وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم.. وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام، ثم ذكرهم تعالى نعمته وأمرهم بذكرها، فقال: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء) [آل عمران: 103] يقتل بعضكم بعضا، ويأخذ بعضكم مال بعض، حتى إن القبيلة يعادي بعضهم بعضا، وأهل البلد الواحد يقع بينهم التعادي والاقتتال، وكانوا في شر عظيم، وهذه حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعثه الله وآمنوا به واجتمعوا على الإسلام وتآلفت قلوبهم على الإيمان كانوا كالشخص الواحد، من تآلف قلوبهم وموالاة بعضهم لبعض، ولهذا قال: (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].
وإن من أعظم ما يذكر من نعمه سبحانه نعمةُ الهدايةِ إلى الإسلام، وإتباعِ الرسول صلى الله عليه وسلم واجتماعِ كلمة المسلمين وعدمِ تفرقها.
أيها الإخوة: قول تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103].
أمر صريح بالوحدة والاجتماع، وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ".
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يعين على الألفة والاجتماع، ونهى عما يكون سبباً بفقدها، فعن أَنَسُ بْنُ مَالِك رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ"[رواه الإمام أحمد حديث صحيح].
أيها الأحبة: ونهي سبحانه نهياً صريحاً عن الافتراق والاختلاف، فقال تعالى (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
قال الشيخ السعدي: "(وَلا تَنَازَعُوا) تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها: (فَتَفْشَلُوا) أي: تجبنوا (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي: تنحل عزائمكم، وتتفرق قوتكم، ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة اللّه ورسوله".
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا، فَقَالَ قولاً منه: "وعَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ"[رواه الترمذي وصححه الألباني وغيره].
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ: الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ"[رواه أحمد وحسنه الألباني].
وبلغ من حرصه صلى الله عليه وسلم على الوحدة والاجتماع أنه أمر الثلاثة إذا سافروا بأن يكون لهم أمير؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ"[رواه أبو داود وحسنه الألباني].
فإذا كان صلى الله عليه وسلم أمر بتأمير واحد في الاجتماع القليل العارض الذي يكون في السفر فكيف بما هو أعظم وأكثر.
ونهى صلى الله عليه وسلم أن يهجر المسلم أخاه المسلم، وأمر بإفشاء المسلمين للسلام بينهم لإشاعة المحبة.
وأمر بصلاة الجماعة ولم يعذر أحداً في التخلف عنها إلا لعذر، بل كان صلى الله عليه وسلم يحرص على الاجتماع والتآلف، حتَّى في أدق الأمور؛ فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ"[رواه مسلم].
والمعني أي إذا تَقَدَّم بعضُكم على بعضٍ في الصفوف تأَثَّرت قُلُوبكم ونشأ بينها اختلاف فيهَواها وإرادتِها.
وعن أَبُي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ؛ فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إِلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يُقَالَ: لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ"[رواه أبو داود وصححه الألباني].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "سَنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاجْتِمَاعَ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ فِي الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَفِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَفِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ إمَامَيْنِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَقْرَبُ إلَى حُصُولِ الصَّلَاةِ الْأَصْلِيَّةِ لِمَا فِي التَّفْرِيقِ مِنْ خَوْفِ تَفْرِيقِ الْقُلُوبِ وَتَشَتُّتِ الْهِمَمِ، ثُمَّ إنَّ مُحَافَظَةَ الشَّارِعِ عَلَى قَاعِدَةِ الِاعْتِصَامِ بِالْجَمَاعَةِ وَصَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَزَجْرِهِ عَمَّا قَدْ يُفْضِي إلَى ضِدِّ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُشْرَعُ لِوَسَائِلِ الْأُلْفَةِ وَهِيَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَزَجْرٍ عَنْ ذَرَائِعِ الْفُرْقَةِ، وَهِيَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَيْضًا".
أيها الإخوة: إن التاريخ يشهد أن من أهم أسباب سقوط الدول التفرق والاختلاف، فليحذر المفارق للجماعة، والساعي في تفريق كلمة المسلمين، والعامل على شق عصا الطاعة، فليحذر من استزلال الشيطان إياه، وتزيينه لعمله، وليعد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليلزم الصراط المستقيم، وجماعة المسلمين؛ فعَنْ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْتَكِضُ" [ابن حبان وصححه الألباني].
أسأل الله تعالى أن يلم شعثنا، ويجمع شملنا، ويجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى.
أقول قولي هذا.
الخطبة الثانية:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أيها الإخوة: أحداث عظيمة جدا تمر بها الأمة هذه الأيام في كل دول الإسلام، واضطرب شديد يموج بها ذات اليمين وذات الشمال، ونحن الآن بأمس الحاجة إلى إتلاف القلوب ووحدتها، واجتماع الكلمة والتعاون بين كل أفراد المجتمع، حكاماً ومحكومين على البر والتقوى، والصبر على الحيف والنصيحة لمن ولاه الله أمرنا، والدعاء والاستغفار والإقلاع عن المعاصي.
وفي بيان هيئة كبار العلماء حول واقع الأمة، قالوا وفقهم الله: "وهيئة كبار العلماء إذ تستشعر نعمة اجتماع الكلمة على هدي من الكتاب والسنة في ظل قيادة حكيمة، فإنها تدعو الجميع إلى بذل كل الأسباب التي تزيد من اللحمة وتوثق الألفة، وتحذر من كل الأسباب التي تؤدي إلى ضد ذلك، وهي بهذه المناسبة تؤكد على وجوب التناصح والتفاهم والتعاون على البر والتقوى،والتناهي عن الإثم والعدوان، وتحذر من ضد ذلك من الجور والبغي، وغمط الحق.
كما تحذر من الارتباطات الفكرية والحزبية المنحرفة، إذ الأمة في هذه البلاد جماعة واحدة متمسكة بما عليه السلف الصالح وتابعوهم، وما عليه أئمة الإسلام قديماً وحديثاً من لزوم الجماعة والمناصحة الصادقة، وعدم اختلاق العيوب وإشاعتها، مع الاعتراف بعدم الكمال، ووجود الخطأ وأهمية الإصلاح على كل حال وفي كل وقت".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم