الألفة بين المسلمين والإحسان إليهم

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-04-04 - 1446/10/06 2025-04-09 - 1446/10/11
عناصر الخطبة
1/أهمية المودة لإخواننا المؤمنين والإحسان إليهم 2/عظم حق المسلم على إخوانه 3/تأكيد القرآن والسنة على حقوق الأخوة بين المسلمين 4/من كمال الإيمان أن يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه.

اقتباس

لنحترم إخواننا المؤمنين، ولنعرف قدرهم، فلا سخرية بهم ولا استهزاء، ولا لمز ولا غيبة، ولا سوء خلق، ولا حقد ولا حسد ولا كبر، بل برّ وحُسن خلق، وإفشاء سلام وتهادٍ وتواضع، وصبر وتعاون ودعوة بحكمة وموعظة حسنة، واتزان وروية وحلم وعفو...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وألف به بين قلوبنا، وذلك لما فيه من آداب عالية، وأخلاق شريفة، فبقدر ما عند المسلم من تمسك بآداب الإسلام وأخلاقه تكون الألفة والمودة، فسبحانه من إله عظيم، وملك كريم، أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرقيب على عباده فلا تخفى عليه خافية، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وصفوته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فكما شرع الله لنا برّ الوالدين، وصلة الأرحام، كذلك شرع لنا المودة لإخواننا المؤمنين والإحسان إليهم؛ ففي الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"، وفيه أيضاً: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه -صلى الله عليه وسلم-".

 

 وروى أحمد عن سهل بن سعد الساعدي، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس".

 

 ومما شرع لنا أيضاً: الإصلاح بين الطائفتين من المؤمنين فيما لو حصل بينهما قتال، قال -تعالى-: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)[سورة الحجرات:9]، وأمر بقتال الباغية حتى ترجع إلى أمر الله ورسوله وتسمع للحق وتطيعه، فقال -تعالى-: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)[سورة الحجرات:9].

 

 ونهى -تعالى- عن السخرية بالناس وهو: احتقارهم والاستهزاء بهم، وكذا نَهى عن اللمز والنبز لما فيهما من الطعن والإساءة؛ فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[سورة الحجرات:11]، وقال -تعالى-: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)[سورة الهمزة:1].

 

وأمر -تعالى- باجتناب كثير من الظن، ونهى عن التجسس والغيبة، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)[سورة الحجرات:12].

 

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تباعدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً"، وروى الترمذي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".

 

 فيا عباد الله ويا معشر المسلمين: لنحترم إخواننا المؤمنين، ولنعرف قدرهم، فلا سخرية بهم ولا استهزاء، ولا لمز ولا غيبة، ولا سوء خلق، ولا حقد ولا حسد ولا كبر، بل برّ وحُسن خلق، وإفشاء سلام وتهادٍ وتواضع، وصبر وتعاون ودعوة بحكمة وموعظة حسنة، واتزان وروية وحلم وعفو، وبنيان يشد بعضه بعضاً، معتمداً على الله وحده، ومفوضاً أمره إليه، ومهتد بكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[سورة التوبة:71].

 

بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وليِّ المؤمنين وناصرهم، ومذل الكافرين وخاذلهم، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فإن من كمال الإيمان أن يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وخرَّجهُ الإمام أحمد -رحمه الله- بلفظ: "لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير".

 

 فالمؤمن يسرّه ما يسر أخاه المؤمن، ويريد لأخيه من الخير ما يريد لنفسه، وذلك لسلامة صدره من الغل والحقد، بل يسوؤه ما يسوء أخاه المؤمن، ويحزنه ما يحزنه، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا؛ نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر؛ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون  أخيه".

 

 اللهم يسر لنا أحسن الأخلاق وأتمها بدين الإسلام، واجعلنا أخوة في الإيمان متحابين في الله مجتمعين على ذلك، ومفترقين عليه، واجعل لقائنا لك وأنت راضٍ عنا، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

 

 

المرفقات

الألفة بين المسلمين والإحسان إليهم.pdf

الألفة بين المسلمين والإحسان إليهم.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات