عناصر الخطبة
1/وسطية الإسلام وضوابط اللعب المباح 2/ واقع الألعاب الإلكترونية وخطرها 3/ حكم جَنْي الأموال من تلك المسابقات 4/ كنتم خير أمة أخرجت للناساقتباس
إنَّ الإنسانَ قد يحتاجُ إلى أن يستجمَّ ويلهوَ بعضَ الشيءِ ليستأنفَ جدَّهُ في حياتِهِ. إلا أنَّ الشريعةَ الربانيةَ الكاملةَ وضعت الضوابطَ التي بها ميزانُ العدلِ في كلِّ شيءٍ...
الألعاب الإلكترونية.. بين الإمتاع والضياع
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمدُ للهِ الذي خلقَ الخلقَ لعبادتِهِ، وشرعَ الأحكامَ بحكمتِهِ، وأزهقَ الباطلَ بعزتِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، وراقبوهُ في السرِّ والنجوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
عباد الله: هل سمعتمْ عن حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رضيَ الله عنه؟
لقد كانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وله قصةٌ يرويها لنا بنفسه فيقول: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟! قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَوَلَدِي فَضَحِكْتُ وَلَعِبْتُ، وعَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- “وَمَا ذَاكَ؟” قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً”(رواه مسلم).
ما أعظمَ هذا الدينَ الذي أكملهُ اللهُ، وجعلَهُ موافِقًا للفِطرةِ السَّويَّةِ، لا رَهبانيةَ فيه ولا انعِزاليةَ، فإن العبدَ لا بُدَّ له من مُعايشةِ أهلِهِ والمجتمعِ، يأكلُ ويَشربُ، ويَضحكُ مع أهلِهِ وولدِهِ ويَلعب.
إلا أنَّ الشريعةَ الربانيةَ الكاملةَ وضعت الضوابطَ التي بها ميزانُ العدلِ في كلِّ شيءٍ، دونَ إفراطٍ أو تفريطٍ.
ومن هذه الأمورِ اللَّهْوُ واللعب، فإنَّ الإنسانَ قد يحتاجُ إلى أن يستجمَّ ويلهوَ بعضَ الشيءِ ليستأنفَ جدَّهُ في حياتِهِ.
ها هو النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كان في سفرٍ مع أصحابِهِ ومعه عائشةُ رضي اللهُ عنهم أجمعين، فقال لِأَصْحَابِهِ: “تَقَدَّمُوا!” فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لعائشة: “تَعَالَيْ أُسَابِقْكِ”، قالت عائشة: فَسَابَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَسَبَقْتُهُ، ثم بعد مدة، وفي سفرة أخرى، قال لأصحابه أيضًا: “تَقَدَّمُوا!” ثُمَّ قَالَ لعائشة: “تَعَالَيْ أُسَابِقْكِ”، قالت: فَسَابَقَنِي فَسَبَقَنِي، فَضَرَبَ بِيَدِهِ كَتِفِي وَقَالَ : “هَذِهِ بِتِلْكَ”(رواه أحمد).
وها هوَ -صلى الله عليه وسلم- يعْلمُ أنَّ عائشة لا تزال حديثة السن، وتحبُ اللعبَ مع صُوَيْحِباتها، فتحكي عائشة رضي الله عنها فتقول: “كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (أي تلك الدُّمى التي تلعب بها الصبايا)، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ (أي يستترن منه)، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ، فَيَلْعَبْنَ مَعِي”. أي يرسلهن لها لتلعب معهن. (رواه البخاري).
هكذا سماحةُ الإسلامِ.
إلا أنَّ لكلِّ مباحٍ ضوابطَ وحدودًا تضبطهُ وتحدُّهُ حتى لا يكونَ محرَّمًا ممنوعا.
ومن أهمِّ الضوابطِ التي حدَّتها الشريعةُ في إباحةِ الألعابِ ألّا يكونَ فيها ضررٌ على دينِ العبدِ ودنياهُ، أو شُغلٌ عن واجبٍ، أو أنْ تُفضِيَ إلى الوقوعِ في محرَّمٍ.
عبادَ اللهِ: كانت الألعابُ منذ قديمِ الأزلِ ترويحًا عن النفسِ ومن واقعِ حياةِ الناسِ، تمثِّلُ جزءاً من حياتِهم بمقدارِ حاجتِهم إلى الترفيهِ والترويحِ، إلا أنَّه في السنواتِ الأخيرةِ حلَّتِ الألعابُ الإلكترونيةُ محلَّ تلك الألعابِ، حتى غَزتِ البيوتَ، وشغلتِ الصغارَ والكبارَ.
إنَّنا أمامَ ظاهرةٍ تُهدِّدُ التدينَ، والعقولَ، والطاقاتِ، والتعليمَ، والصِّحةَ، والاقتصادَ، وأمنَ الأُسَرِ والمجتمعاتِ.
إن ظننتَني أُبالغُ، فتعالَ أُخْبِرْكَ عن واقعٍ مريرٍ!
الألعابُ الإلكترونيةُ ألوانٌ جذابةٌ، وأبعادٌ ثلاثيةٌ، وصورٌ خياليةٌ، وقِصَصٌ دراميةٌ، وأصواتٌ تُحاكي الحقيقةَ.
نعم، في الألعابِ ما فِكْرَتُهُ في غايةِ البساطةِ، أو يحملُ فِكرةً مفيدةً مثلَ تعليمِ الحسابِ أو تحفيزِ الذكاءِ، ومنها ما هو بالغُ التعقيدِ، مُغرِقٌ في الخيالِ، تُستعملُ فيها تِقْنِيّاتٌ تُحاكي الواقعَ، كتلك الألعابِ التي يَتقمَّصُ اللاّعبُ فيها شَخْصِيَّةً ما، يُؤدّي بها الأحداثَ على مسرحِ اللُّعْبةِ، وعلى وَفقِ القِصةِ وما فيها من أهدافٍ يعيشُ ولدُك.
هذه الألعابُ تقومُ على إنتاجِها شركاتٌ عِملاقةٌ، برؤوسِ أموالٍ كبيرةٍ، لها بالأساسِ هدفان: الغزوُ الثقافيُّ والرِّبحُ الماديُّ.
وكثيرٌ من هذه الألعابِ أو أكثرُها لا يخلو مِن محاذيرَ شرعيةٍ، بحيثُ يتوجَّبُ على كلِّ عاقلٍ حريصٍ على سلامةِ أبنائِه ودينِهم أن يَنْتَبهَ إليها ويَحْذَرَ منها.
إن القاسمَ المشتركَ في الألعابِ الإلكترونيةِ الذي يضمنُ لها تدفُّقَ الأرباحِ، أنها تأخذُ أولادَنا إلى درجةٍ من التَّعلُّقِ تصلُ بكثيرٍ منهم إلى إدمانِها، حتى لا يكادُ يقومُ عنها، بل ربما تركَ كثيرٌ منهم صلاتَهم، بل وانشغلَ الكبارُ بها عن حياتِهم وأعمالِهم.
وكثيرٌ من هذه الألعابِ لا يَعْرِفُ صانعوها القِيَمَ والأخلاقَ، ولذا ضمَّنوا في كثيرٍ منها الصورَ العاريةَ الفاحشةَ، التي تثيرُ الغرائزَ، وتفتحُ أبوابَ الإباحيةِ بعد ذلك.
وألعابٌ منها لا تُعدُّ كثرةً تَطمسُ هُوِيةَ المسلمِ، وتَسلخهُ عن دينهِ، بل وتجعلُهُ أحيانًا يتقمَّصُ شخصيةَ مقاتلٍ صليبيٍّ من القرونِ الوسطى، يحملُ الصليبَ، ويحتلُّ بلادَ المسلمينَ، ويبقرُ بطونَ النساءِ، ويَعيثُ في الأرضِ فسادًا.
سلاسلُ أخرى من الألعابِ تُظهرُ المسلمينَ على أنَّهم إرهابيون همجيّونَ، وتؤكدُ على فكرةِ الجنديِّ الغربيِّ الذي يأتي إلى بلادِ العالمِ الثالثِ للقيامِ بمهمةٍ نبيلةٍ -في زعمهم- تحتَ رايةِ بلدِهِ الكافرِ، جنديٌّ لا يُهزَمُ، أسلحتُهُ فتّاكةٌ لا تنتهي، قد يدخلُ بلادًا إسلاميةً، ترى فيها صورَ المآذنِ المتهدِّمةِ، وبعضَ آياتِ القرآنِ على الجُدرانِ، ويبدأُ الجنديُّ الغربيُّ الذي تقمَّصَ اللاعبُ شخصيتَهُ بقتلِ كلِّ من يُقابلهُ من العربِ المسلمينَ وحَرْقِهِ؛ ليُكملَ مُهِمَّتَهُ بنجاحٍ.
بل والأدهى والأمرُّ، أنْ صَنعوا ألعابًا تُخالفُ عقيدةَ الإسلامِ، فترى في بعضِها ألعابًا تقومُ على إنكارِ وجودِ ربِّ العالمينَ، واصطناعِ آلهةٍ تبعثُ الريحَ، وتُنزلُ المطرَ، وتُحيي الموتى، وتَتحكمُ في البشرِ.
وألعابٌ أخرى أبطالُها السَّحرةُ والكُهَّانُ، بل ويُعبَدُ فيها الشيطانُ، وألعابٌ تُداسُ فيها المصاحفُ بالأقدامِ، وأخرى يُسجدُ فيها لبوذا والأوثانِ.
ألعابٌ غيرُها تدعو إلى العنفِ والقتلِ بطريقةٍ دمويةٍ، تتناثرُ فيها الدماءُ، ويستمتعُ اللاعبُ بتمزيقِ الأجسادِ إلى قطعٍ وأشلاءٍ.
نعم، إنها لُعبةٌ، لكنها ليست مُجَرَّدَ لُعبةٍ، إنها كسرٌ لحاجزِ الاستنكارِ، وتطبيعٌ للنفوسِ حتى تقبلَ كلَّ تلكَ المحاذيرِ وتأنسَ لها، في قالَبِ التّرفيهِ والإمتاعِ.
بل وصلَ الأمرُ في بعضِ هذه الألعابِ أن تدعوَ لاعبيها إلى تحدِّياتٍ، تصلُ أحيانًا إلى أن يقتُلَ نفسَهُ أو غيرَهُ.
وألعابٌ أخرى تبُثُّ الرُّعبَ، بأشكالٍ مرعبةٍ، وأصواتٍ مفزعةٍ، وطلاسمَ سحريةٍ.
ثم طامَّةٌ أخرى، أن صارتِ الألعابُ جماعيةً على الإنترنتِّ، فعرَّفت أولادَنا بلاعبينَ ملاحدةٍ ويهودٍ وصليبيينَ ووثنيينَ وشواذَّ، وأوجدت بيئةً خِصْبةً للتّواصلِ بين الجنسينِ، وصولًا إلى الـمُواعدةِ المحرمةِ.
إنه احتلالٌ ثقافيٌّ وغزوٌ فكريٌّ، عن طريقِ صياغةِ مضامينَ وأنماطِ حياةٍ تناقِضُ دينَ الإسلامِ وقِيَمَهُ وأخلاقَهُ، في إطارِ اللَّعِبِ والترفيهِ.
فما هو المنتَجُ بعد كلِّ ذلك؟
أليس هو إفسادَ الدينِ والدنيا، وتخريبَ العقائدِ والأخلاقِ، والتطبيعَ مع الرذائلِ والمنكَراتِ؟
أليس هو الإدمانَ والتعلّقَ لساعاتٍ طِوالٍ، بلا صلاةٍ ولا تعلّمٍ ولا دنيا نافعةٍ؟ حتى الكبارُ أدمنوا تلك الألعابَ، وتبدلت حياتُهم إلى خرابٍ.
أليست النتيجةُ نفوسًا مشوهةً بالعنفِ والإجرامِ تارةً، وبالأمراضِ النفسيةِ كالاكتئابِ والتوحُّدِ تاراتٍ أخرى؟
أليست الثمرةُ التأخُّرَ الدراسيَّ، والتخلُّفَ في التعليمِ، وتدميرَ المستقبلِ؟
أليسَ عاقبةُ هذه الألعابِ اعتيادَ التفاهةِ وسُفولَ الهمةِ، وضياعَ الطاقاتِ التي لا تُقدّرُ بثمنٍ؟
ثم هي مع ذلك احتلالٌ اقتصاديٌّ وامتصاصٌ لثرواتِ الشعوبِ، إذ قد بلغت أرباحُ هذه الشركاتِ أكثرَ من خمسين ومئةِ (150) مليارِ دولارٍ، ينفقُها المدمنونَ لهذه الألعابِ في شرائِها وتحديثِها.
كيفَ حدثَ هذا في بلادِ المسلمينَ؟
إنه الفراغُ الذي ملأ حياةَ أولادِنا، مع غيابِ الغايةِ الواضحةِ من الحياةِ، وانشغالِ الأبوينِ عن الأسرةِ، وضعفِ التواصلِ الأسْرِيِّ والمجتمعيِّ، مما أدى إلى هروبِ الأولادِ إلى الواقعِ الافتراضيِّ، لصناعةِ بيئةٍ وهميةٍ من المتعةِ أو الانتصارِ.
ومن سَوْآتِ تلك الألعابِ عقدُ الجوائزِ عليها ودفعُ الأموالِ الكثيرةِ للمتسابقينَ فيها، حتى صارت صنعةً وسبيلًا للربحِ وجَنْي الأموالِ.
عبادَ اللهِ: ليس كلُّ ما جاز فعلُهُ جازَ تخصيصُ العِوَضِ والمالِ عليه، فهناك فرقٌ بين المسابقةِ على لُعبةٍ مباحةٍ لا محظورَ فيها، وبين تخصيصِ مالٍ وجائزةٍ على التسابقِ في اللَّعبِ، فهذا قد نهى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عنه مطلقًا إلا في السّباقِ بالخيلِ والإبلِ والرميِ بالسهامِ، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: “لاَ سَبَقَ إِلّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ”(رواه أبو داود)، وذلك لتُدَّخر جوائزُ الأمةِ لقوتِها وجهادِ أعدائِها.
وألحقَ به بعضُ أهلِ العلمِ ما كان نافعًا في تحقيقِ المصالحِ الشرعيةِ، كالمسابقاتِ على حفظِ القرآنِ والمسابقاتِ العلميةِ النافعةِ.
إنها الشريعةُ الحكيمةُ، التي لو أباحت أخذَ المالِ على اللَّعِبِ مطلقًا لاتخذتْهُ النفوسُ صِناعةً وكَسبًا، وانشغلتْ به عن مصالحِ دينِها ودنياها، أما إذا كان لعبًا محضًا لا مكسَبَ فيه فسيظَلُّ ترويحًا عن النفسِ لا يبلغُ تلك الدرجةَ المحذورةَ.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروهُ، إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
عباد الله: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، فَهُوَ لَهْوٌ وَسَهْوٌ، إِلَّا أَرْبَعَ خِصَالٍ: مَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ -يعني بين هدفين في مرمى السهام-، وَتَأدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ، وَتَعَلُّمَ السِّبَاحَةِ”(رواه الطبراني).
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ بَاطِلٌ، إِلَّا رَمْيَةَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ”(رواه أحمد).
إنَّ الباطلَ هنا في هذا الحديثِ هو ما لا نفعَ فيه، والإسلامُ دينٌ عظيمٌ، يُربِّي أتباعَهُ على معالي الأمورِ لا سَفسافِها، ولذا قرَّرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ كلَّ ألوانِ اللعبِ واللهو هي من قبيلِ اللَّغوِ الذي لا نفعَ فيه إلا ما كان من ورائهِ غايةٌ تُرضي اللهَ تعالى، مما هو عونٌ على خيرِ الدنيا والآخرةِ.
معشرَ الآباءِ: إنَّ شبابَنا هم كنزُ هذه الأمةِ، وإنَّ أمتَنا تخلت عن الريادةِ يوم أن غُيِّبَ شبابُها عن دينِهم وما ينفعُهم في دنياهم.
لقد صرنا عالةً على الأممِ، لا نستغني عنهم في شيءٍ، في الغِذاءِ والدواءِ، في الثيابِ والسلاحِ، نستوردُ منهم كلَّ شيءٍ بأبهظِ الأثمانِ، وبدلًا من أن يستفيقَ أولادُنا وشبابُنا لينهضوا بأمتهم، ثم يحملوا الهدايةَ والنورَ والحياةَ للعالمِ أجمعَ، إذ بهم يتخدَّرونَ بتأثرِ تلك الألعابِ.
ألا والله كلُّنا مسؤولٌ، الراعي والرعيةُ، الأبُ والأمُّ، الأسرةُ والمجتمعُ، فلْنُعِدَّ للسؤالِ جوابًا.
راقبوا أولادَكم، واشغلوهم بالنافعِ، واغرسوا فيهمُ المعاليَ، وانهضوا بهِمَمِهم، ليستشرِفوا مستقبلَ عزةِ الأمةِ، وأوجِدوا لهم البدائلَ المباحةَ، في واقعٍ حقيقيٍّ، بعيدًا عن زيفِ الأوهامِ الافتراضيةِ وبراثنِ الغزوِ الثقافيِّ.
اللهم أصلحْ لنا ذرياتِنا، وقنا الفتنَ، ما ظهرَ منها وما بطنَ.
اللهم عليكَ بأعداءِ الإسلامِ من اليهودِ والصليبيّينَ والمنافقينَ، اللهمَّ أبطلْ مكرَهم، واكفِنا شرَّهم.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقوَى.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم