عناصر الخطبة
1/ إذا أحب الله عبدًا فيا لسعادته 2/ الحب والبغض صفتان لله كما يليق بجلاله 3/ أعمال يبغضها الله -عز وجل-اقتباس
إذا أحب العبد ربه، فإنه يسعى في محابه ومرضاته، ويبتعد عما يسخطه ويبغضه، فكما قال بعض السلف: ليس الشأن أن تحِب ولكن الشأن أن تحَب، لذا من أراد محبة الله له فعليه أن يفعل محاب الله ويجتنب مباغضة، وفي الخطبة الماضية تكلمنا عن الأعمال التي يحبها الله، واليوم -بإذن الله- نتحدث عن الأعمال التي يبغضها الله، لينفر منها العبد حتى لا يمقته الله.
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: إذا أحب العبد ربه، فإنه يسعى في محابه ومرضاته، ويبتعد عما يسخطه ويبغضه، فكما قال بعض السلف: ليس الشأن أن تحِب ولكن الشأن أن تحَب، لذا من أراد محبة الله له فعليه أن يفعل محاب الله ويجتنب مباغضة، وفي الخطبة الماضية تكلمنا عن الأعمال التي يحبها الله، واليوم -بإذن الله- نتحدث عن الأعمال التي يبغضها الله، لينفر منها العبد حتى لا يمقته الله.
والحب والبغض صفتان فعليتان لله سبحانه وصف بهما نفسه في كتابه ووصفه بهما رسوله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه، وهما صفتان تليقان بالله ربًا، ليست كحب المخلوق وبغض المخلوق، فالله -جل في علاه- ليس كمثله شيء لا في صفاته ولا في أفعاله -جل شأنه-.
فأول عمل يبغضه الله ويكرهه هو الشرك به سبحانه، لأنه أظلم الظلم؛ قال تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ)، وكذا لا يحب الكافرين؛ قال الله تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ).
وكل ظلم فهو مكروه مبغوض عند الله سبحانه، وأهل الظلم كذلك مبغوضين عند الله؛ قال الله: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
والله لا يحب المعتدين، أيًّا كان الاعتداء، سواء على النفس أم الآخرين أم حدود الله، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
والله لا يحب الفساد ولا المفسدين؛ قال تعالى: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، (إن الله لا يحب المفسدين).
ولا يحب الخائنين؛ قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ).
ولا يحب المستكبرين؛ قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ).
والله يمقت المجادلين في آيات الله، وهم الذين يحرفونها، ويلوون أعناقها لأهوائهم، ويفسرونها بأهوائهم، قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ? كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا ? كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ).
والله يمقت -يعني يبغض- الذين يقولون ما لا يفعلون؛ قال الله تعالى: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).
والله لا يحب المسرفين؛ قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
والله لا يحب الفرحين؛ قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ).
والله لا يحب كل مختال فخور؛ قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا).
لا يرضى الله عن الفاسقين؛ قال الله تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ).
ويغضب الله على المنافقين والمنافقات؛ قال الله تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ? عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ? وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ? وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
ومن ارتد عن دينه أبغضه الله وغضب عليه؛ قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
ويغضب الله على قاتل المؤمن؛ قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
ويغضب الله على المتولي يوم الزحف؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ? وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
ويغضب الله على المسرفين؛ قال الله تعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ? وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى).
وأبغض الناس إلى الله ثلاثة: كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليريق دمه".
وممن يبغضهم الله: الألد الخصم، وهو المخاصم بشدة في الباطل، قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ).
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ".
اللهم إنا نعوذ بك أن نرتكب شيئًا مما تبغضه وتأباه يا رب العالمين، أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها الناس: إذا أحب الله عبدًا، فإن التوفيق يكون حليفه، فلا تراه إلا على ما يحب الله من الأقوال والأعمال، ومن هذا المنطلق وجب على كل عبد أن يسعى أن يكون من أحباب الله، فمن أحبه الله دخل الجنة.
ولنكمل الأعمال التي يبغضها الله لنجتنبها؛ فإن من أسباب غضب الله على العبد بُغض الأنصار، فإنهم صحابة رسول الله، وهم وزراء الإسلام، فقد أخرج الشيخان من طريق عدي بن ثابت قال: سمعت البراء يُحَدِّث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في الأنْصَار: "لا يُحِبُّهم إلاَّ مؤمن، ولا يبغضهم إلاَّ مُنافق، مَن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله".
ويبغض الله العالم بالدنيا الجاهل بالآخرة؛ أخرج ابن حبانَ -رحمهُ اللهُ- في صحيحه من حديثِ أبي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنه- قالَ: قال رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّم-: "إنَّ اللهَ يُبْغِضُ كُلَّ جَعْظَرِيِّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ بالأسواقِ، جِيفَةٍ بِالليل حِمارٍ بالنَّهارِ، عالمٍ بأمرِ الدُّنيا جاهلٍ بأمرِ الآخِرة".
والله يبغض الفاحش المتفحش في كلامه، فتجده لا يتحاشى أي لفظ أن يقوله، بلا حياء ولا خوف، أخرج الترمذي عن أبي الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء".
والله يكره لنا أن نقع في ثلاثة أعمال، فقد أخرج الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعًا وهات, ووأد البنات. وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
ولا يحب الله الجهر بالسوء من القول؛ قال تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ? وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا).
ولا يرضى القول الباطل؛ قال تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ? وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا).
ومن الأعمال التي يبغضها الله: الغيرة في غير ريبة، والاختيال تفاخرًا وبغيًا، أخرج أبو داود في سننه من حديث جابر بن عتيك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من الغيرة ما يحب الله، ومن الغيرة ما يبغض الله، وإن من الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير الريبة، والخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل بنفسه عند القتال واختياله عند الصدقة، والخيلاء التي يبغض الله فاختيال الرجل في الفخر والبغي".
ويكره الله التثاؤب؛ لأنه من الشيطان، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقًا على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان". وعند الإمام أحمد: "فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب".
بل إن الله -جل وعلا- يبغض بعض البقاع، لكثرة ما يعمل عليها من المعاصي كالأسواق، وكل بقعة تكثر فيها المعاصي فهي بغيضة لله، كما روى الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه الحديث برقم (671) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها".
عباد الله: من أراد الفلاح، وأن يكون ممن يحبهم الله، فليجتنب ما يبغضه الله ويأباه، وليأت محاب الله، فإن ذلك من أهم الأسباب لتنال محبة الله، فإن نلتها فيا سعادتك في الدنيا والآخرة.
اللهم اجعلنا من أحبابك، واجعل حبك أحب إلينا من الماء البارد...
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم