عناصر الخطبة
1/ قصة الفداء، أمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل، عليهما السلام، وامتثالهما لأمر الله. 2/ أهمية الأضحية 3/فضائل الأضحية 4/ أحكام الأضحية 5/ ما يُستَحَب للمضحي ويتوجَّب عليه.اقتباس
ولأنَّ إبراهيمَ جاد بأعزِّ شيءٍ لله، عزَّ وجلَّ، فقد عَوَّضَهُ اللهُ فداءً عظيماً لابنه، وأبقى ذِكْرَه في العالمين، وبشَّرَهُ بإسحاقَ نبيَّاً من الصالحين، (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ)، ومضتْ بذلك الأضحيةُ سنَّةً باقيةً في العالمين، يقتدون بالخليل فيها إلى يوم الدين، وخلَّدَ اللهُ ذكرى تلك الحادثةِ العظيمةِ في كتابه، لبيانِ حقيقةِ الإيمان، وأثَر الطاعة، وكمال التَّسليم ..
أيها المسلمون: الأنبياء والرسل هم صفوة الخلق، اصطفاهم ربنا - جل وعلا- وجعلهم في موضع الأسوة والقدوة، ومن الأنبياء الذين تكرَّر ذكرهم في القرآن نبيُّ الله إبراهيم -عليه السلام- فهو أبو الأنبياء، وإمام الحنفاء، وخليل الرحمن؛ وقد ذكر الله لنا أحواله ومواقفه في كتابه، من دعوته إلى التوحيد والحنيفية، ومواجهة قومه، وملاقاته في سبيل ذلك ما لاقى، وإعلان براءته من الشرك وأهله ولو كان أقرب الأقربين، إلى غير ذلك، حتى وصفه ربه -جل وعلا- بقوله:(وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم: 37]، وبقوله: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) [النحل:120].
كثيرة هي الأحداث في حياة نبي الله إبراهيم -عليه السلام- والتي هي محلٌّ للعظة والاقتداء، ولنا وقفة مع حدث من هذه الأحداث، يتمثل في ثباته في الابتلاء، وكمال تسليمه وانقياده لأوامر الله -جل وعلا-؛ فما أن انتهى أمره مع أبيه وقومه، بعد أن ألقَوه في الجحيم، ونجّاه الله من كيدهم، حتى استقبل مرحلة أخرى، وفتَح صفحة جديدة من صفحات الابتلاء، فخرج مهاجراً إلى ربه، تاركاً وراءه كل شيء من ماضي حياته، أباه وقومه وأهله وبيته ووطنه، فأسلم وجهه لربه، وهو على يقين بأنه سيهديه ويسدد خطاه، (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الصافات:99] ولقد كان وحيداً لا ذرية له، فاتجه إلى ربه يسأله الذرية المؤمنة، والخلف الصالح: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات:100] فاستجاب الله دعاء عبده وخليله، وبشَّرَه بغلام حليم، هو إسماعيل -عليه السلام-.
إن لنا أن نتصور هذا الشيخ الكبير الوحيد المهاجر، الذي ترك أهله وعشيرته، لنا أن نتصور كيف ستكون فرحته بهذا الولد؟ وقد جاءه على كبر السنّ، وانقطاعٍ عن الأهل والعشيرة.
لم يلبث الولد أن شبَّ وكبر، وكان في كل يوم يزداد تعلُّق قلب الوالد به، حتى بلغ معه السعيَ فصار يرافقه في شؤونه، ويعينه على مصالح الحياة، ولم يكد يأنس به، ويؤمّل فيه، حتى يرى الوالد في منامه أنه يذبح ولده! وهنا جاء الامتحان والابتلاء المبين الواضح كما سماه الله؛ فما أعظمه مِن أمْر! وما أشقَّه على نفس الوالد! فهو لم يُطلَب منه أن يرسل بابنه الوحيد إلى ساحات القتال، ولم يُطْلب منه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته، إنما طُلِب منه أن يتولى هو ذبحه بيده! ومع ذلك لم يتردد ولم يتروَّ في الأمر، بل تلقاه بكل رضاء وتسليم، ولبَّى من غير تردد، واستسلم من غير جزع ولا اضطراب.
أقبل على ولده يعرض عليه هذا الأمر العظيم، ليكون أهون عليه، ولِيختبر صبره وجَلَده، وليستجيب طاعةً لله، واستسلاماً لأمره، فينال الأجر والمثوبة، فما كان من أمر الغلام إلا أن قال: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات:102]، ثم دنت ساعة التنفيذ، ومضى إبراهيم ليُكِبَّ ابنه على جبينه استعداداً، والغلام مستسلم لا يتحرك امتثالاً للأمر، وأسلما جميعاً أمرهما لله بكل ثقة وطاعة وطمأنينة وتسليم، (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِين) [الصافات:103]، ولم يبق إلا أن يُذبح إسماعيل، ويسيلَ دمه؛ هنا، كان الوالد والولد قد أديا الأمر، وحققا التكليف، والله لا يريد أن يعذب عباده بابتلائهم، وإنما يريد أن يختبر صبرهم وإيمانهم ويقينهم، ولما كان الابتلاء قد تم، ونتائجه قد ظهرت، وغاياته قد تحققت، وحصل مقصود الرؤيا، جاء النداء الرباني: (أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) [الصافات:104ـ 105].
ولأن إبراهيم جاد بأعز شيء لله -عز وجل- فقد عوضه الله فداء عظيماً لابنه، وأبقى ذكره في العالمين، وبشَّره بإسحاق نبياً من الصالحين، (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) [الصافات:107ـ 108].
ومضت بذلك الأضحية سنَّةً باقية في العالمين، يقتدون بالخليل فيها إلى يوم الدين، وخلَّد الله ذكرى تلك الحادثة العظيمة في كتابه، لبيان حقيقة الإيمان، وأثر الطاعة، وكمال التسليم؛ ولتعرف الأمةُ حقيقة أبيها إبراهيم الذي تتبع ملته، وترث نسبه وعقيدته؛ ولبيان أن الإسلام هو دين الرسل جميعاً، وحقيقته إنما هي الاستسلام لأوامر الله، بدون تردد أو تلكُّؤ، ولو كانت على خلاف مراد النفس وشهواتها؛ ولِيوقن العبد أن الله لا يريد أن يعذبه بالابتلاء، ولا أن يؤذيه بالبلاء، بل يريد أن يأتيه طائعاً ملبياً، لا يتألَّى عليه، ولا يقدِّم بين يديه، فإذا عرف منه الصدق، أعفاه من الآلام والتضحيات، واحتسبها كما لو أداها، وأكرمه كما أكرم أباه إبراهيم من قبل.
أيها المسلمون: الأضحية من شعائر الإسلام العظيمة، ومن أعظم القربات والطاعات، وهي شعار على إخلاص العبادة لله وحده، وامتثال أوامره ونواهيه، ومن هنا جاءت مشروعية الأضحية في الإسلام؛ بل هي من العبادات المشروعة في كل الملل، قال الله تعالى: (وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ) [الحج:34]؛ قال ابن كثير، رحمه الله: يخبر تعالى أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل؛ وقال تعالى: (وَلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مّن شَعَائِرِ اللَّهِ، لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، فَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ، فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَلْمُعْتَرَّ، كَذلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحج: 36] ؛ فقد امتَنَّ –سبحانه- على عباده بما خلق لهم من البُدْن وبهيمة الأنعام، وجعَلها من شعائره؛ ثم بيَّن –سبحانه- الحكمة من ذبح الأضاحي بقوله: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا، وَلَـاكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ، كَذلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وَبَشّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحج: 37]، قال ابن كثير، رحمه الله: "يقول تعالى: إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا لتذكروه عند ذبحها، فإنه الخالق الرازق، لا أنه يناله شيء من لحومها ولا دمائها، فإنه تعالى هو الغني عما سواه، وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها لآلهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابينهم، ونضحوا عليها من دمائها، فقال تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا)" اهـ.
من الواجب على المسلم، إذن، أن يستشعر في ذبح الأضاحي التقرب والإخلاص لله تعالى، بعيداً عن الرياء والسمعة والمباهاة، وامتثالاً لقوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين) [الأنعام: 162].
ثم ليعلم إنه بذبحه الأضاحي يؤدي شعيرة من شعائر الله التي يجب تعظيمها واحترامها، لقوله تعالى: (وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب) [الحج:32]، وقوله تعالى: (وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّه) [الحج:30]، ففي تعظيم أحكام الله وحرماته الثواب الجزيل، والخير، في الدنيا والآخرة؛ ومن تعظيمها محبة أدائها، واستشعار العبودية فيها، وعدم التثاقل أو التهاون بها؛ ومن ذلك العناية بتنفيذ الوصايا التي أوصى بها من سلف من الآباء والأجداد والأقارب، فيجب على الوصي العناية بها وأداؤها كما أوصى بها أربابها، والحذر من التبديل والتغيير فيها، لقوله سبحانه: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدّلُونَهُ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم) [البقرة:181].
أيها المسلمون: إن ذبح الأضحية مشروع بإجماع العلماء؛ وجمهورُ العلماء على أنها سنة مؤكدة يكره للقادر تركها، وهي أفضل من الصدقة بثمنها، وذلك لأن الذبح وإراقة الدم مقصود، فهو عبادة مقرونة بالصلاة، كما قال سبحانه: (فَصَلّ لِرَبّكَ وَنْحَر) [الكوثر:2]؛ وعلى ذلك عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، ولو كانت الصدقة بقيمتها أفضل لعدلوا إليها؛ قال عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة عشر سنين يضحِّي" أخرجه أحمد والترمذي بسند حسن؛ وقال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "ضَحَّى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين؛ ذبحهما بيده". أخرجه البخاري ومسلم.
أيها المسلمون: إن للأضحية شروطاً لا بد من توفرها حتى تكون مجزئة مقبولة؛ أولها أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، لقول الله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَام) [الحج:34].
وثانيها أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً، وذلك بأن تكون ثنياً إذا كانت من الإبل أو البقر أو المعز، وجذعاً إذا كانت من الضأن، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن تعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن" رواه مسلم؛ والثني من الإبل ما تم له خمس سنين، والثني من البقر ما تم له سنتان، والثني من الغنم ما تم له سنة، والجذع من الضأن ما تم له ستة أشهر؛ وأفضل الأضحية الإبل، ثم البقر، ثم الضأن؛ وتُجزئ الإبل والبقر عن سبعة أفراد، ولا يُجزئ الضأن إلا عن واحد فحسب؛ والانفراد بذبيحة أفضل من الاشتراك مع غيره فيها.
أما ثالث الشروط فهو أن تكون خالية من العيوب التي تمنع من الإجزاء، وهي الواردة في حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- مرفوعاً: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّنُ عَوَرُها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكسيرة التي لا تُنقي" رواه أصحاب السنن بسند صحيح؛ والأفضل في الأضحية ما توافرت فيها صفات التمام والكمال، كالسِمَن، وكثرة اللحم، وجمال المنظر، وغلاء الثمن، لقوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب) [الحج:32].
ورابع الشروط أن يكون الذبح في الوقت المعتدِّ به شرعاً، ويبتدئ من بعد صلاة العيد، فمن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدَّمَه لأهله، كما في حديث البراء -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سُنَّتَنا، ومن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء" رواه البخاري.
ويمتد وقت الذبح، على الصحيح، حتى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون مدة الذبح أربعة أيام، يوم العيد، وثلاث بعدها، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: "كل أيام التشريق ذبح" رواه الإمام أحمد.
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: إن الأولى للمضحِّي أن يذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن الذبح، لأن الذبح قربة وعبادة، وله أن يُنيب عنه غيره، فقد نحر -صلى الله عليه وسلم- بيده ثلاثاً وستين بَدَنةً، واستناب عليَّاً في نحر ما تبقى؛ وينبغي أن تُراعي آداب الذبح، كالإحسان إلى الذبيحة، وإراحتها، وأن يستقبل القبلة؛ وإن كانت الأضحية من الإبل فإنها تُنحر قائمةً معقولة يدها اليسرى، وهو معنى قوله تعالى: (فاذكروا اسم الله عليها صواف) [الحج:36]؛ وإن كانت من غير الإبل فإنها تذبح مضجعة على جنبها الأيسر.
تجزئ الأضحية الواحدة عن الرجل وأهل بيته، وإن كثروا، لحديث أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: "كان الرجل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يُضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون" رواه الترمذي.
ويستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي ويتصدق، والأمر في ذلك واسع من حيث المقدار، لكن المختار عند أهل العلم أن يأكل ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث.
ويحرم بيع شيء من الأضحية من لحم أو جلد أو صوف أو غيره، لأنها مال أخرجه العبد لله -تعالى- فلا يجوز الرجوع فيه، كالصدقة؛ ولا يُعطَى الجزار شيئاً منها مقابل أجرته، لحديث عليٍّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره ألاَّ يعطي في جزارتها شيئاً، كما عند البخاري؛ ولأن ذلك بمعنى البيع، وأما إن أعطاه شيئاً على سبيل الصدقة أو الهدية بعد أن يعطيه أجرته فلا حرج في ذلك.
أيها المسلمون: إن السنة لمن أراد أن يضحي إذا دخلت العشر الأولى من ذي الحجة أن لا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره"، وفي رواية: "فلا يمس من شعره وبشره شيئاً"؛ والحكمة من النهي عن أخذ ذلك للمضحّي أنه لما كان مشابهاً للمُحْرم في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله بذبح القربان، أُعْطي بعض أحكامه؛ وهذا النهي يخص صاحب الأضحية، ولا يعم الزوجة ولا الأولاد، إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه؛ ولأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي عن آل محمد، ولم ينقل عنه أنه نهاهم عن الأخذ؛ ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثناء العشْر أمسك من حين الإرادة؛ ومن كانت له أضحية ثم عزم على الحج فإنه لا يأخذ من شعره وظفره إذا أراد الإحرام، لأن هذا سنة عند الحاج؛ لكن إن كان متمتعاً قصّر من شعره عند الانتهاء من عمرته، لأن ذلك نسك.
وعلى المضحي أن يستحضر نية التقرب إلى الله بفعله، فيخرجها طيبةً بها نفسُه، وأن يتتبع في هديته وصدقته أقرب الناس إليه، وأحوجهم إلى الصدقة.
أسأل الله تعالى أن يتقبل من الجميع حجهم وأضاحيهم، وأن ييسر على الحجاج حجهم وأن يحفظهم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم