الأشهر الحرم
2022-10-11 - 1444/03/15التعريف
الحرام لغة. حَرُمَ الشيء حُرْمَةً: صار ممنوعاً. وحَرُم عليه الشيء حُرْمَاً وحراماً: فهو غير مباح. وحَرَّم الله الشيء تحريماً، جعله محظوراً، وأحرم الرجل إحْراماً: باشر الحج أو العمرة، وشرع في شروطهما وأحرم بالحج والعمرة لأنه يُحْرَّم عليه ما كان حلالاً من قبل، كالصيد والنساء.
والإحرام أيضاً بمعنى التحريم، ويقال (أحْرَمَه) و(حَرَّمه) بمعنى واحد. والحُرْمَة: ما لا يحل انتهاكه، لذلك سُمي أهل الرجل (حُرَمُه ). والأشهر الحُرم هي، ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، وكانت العرب لا تستحل فيها القتال.
ومما يدخل في " الحرام " بمعنى التعظيم والإجلال، وصف الله سبحانه وتعالى بيته أي ... الحَرَام " أي المُحَرَّم من كل دنسٍ ورجس لعظمته وجلال قدره (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)[سورة البقرة:133].
العناصر
1 - تعريف الأشهر الحرم ومفهومها.
2- اختصاص هذه الأمة بأزمنة وأمكنة فاضلة.
3- تعظيم المسلم لحرمات وشعائر الله
4- سبب تحريم الأشهر الحرم
5- فضائل الأشهر الحرم
6- وجوب اتقاء الظلم في الأشهر الحرم
7- غفلتنا عن استغلال الأشهر الحرم
8- كيفية تعظيم واستغلال الأشهر الحرم
9- ابتداع البعض لعبادات خاصة بهذه الأشهر
10- تحايل المشركين على حرمات الله.
الايات
1- قال الله تعالى: (وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ)[البقرة:191].
2- قال تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ)[البقرة:194].
3- قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)[الْبَقَرَةِ:217].
4- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 2].
5- قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)[التَّوْبَةِ:36-37].
6- قال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الحج:25].
7- قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)[الْحَجِّ:30].
8- قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[الشُّورَى:21].
9- قال الله: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 5].
10- قال الله: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[المائدة: 97].
الاحاديث
1- عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبة الوداع: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ، مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ"، ثم قال: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ ذَا الحِجَّةِ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ البَلْدَةَ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ"، ثم قال: "أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ"(أخرجه البخاري:٥٥٥٠، ومسلم:١٦٧٩).
2- عن عبدالله بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عنْهما قالَ: قَدِمَ وفْدُ عبدِ القَيْسِ على رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: "مَرْحَبًا بالقَوْمِ، غيرَ خَزايا ولا النَّدامى"، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ بيْنَنا وبيْنَكَ المُشْرِكِينَ مِن مُضَرَ، وإنّا لا نَصِلُ إلَيْكَ إلّا في أشْهُرِ الحُرُمِ، حَدِّثْنا بجُمَلٍ مِنَ الأمْرِ إنْ عَمِلْنا به دَخَلْنا الجَنَّةَ، ونَدْعُو به مَن وراءَنا. قالَ: "آمُرُكُمْ بأَرْبَعٍ، وأَنْهاكُمْ عن أرْبَعٍ الإيمانِ باللَّهِ، هلْ تَدْرُونَ ما الإيمانُ باللَّهِ؟ شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وإقامُ الصَّلاةِ، وإيتاءُ الزَّكاةِ، وصَوْمُ رَمَضانَ، وأَنْ تُعْطُوا مِنَ المَغانِمِ الخُمُسَ، وأَنْهاكُمْ عن أرْبَعٍ، ما انْتُبِذَ في الدُّبّاءِ، والنَّقِيرِ، والحَنْتَمِ، والمُزَفَّتِ"(رواه البخاري:٤٣٦٨، ومسلم:١٨)
3- عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنْه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ"(رواه مسلم:١١٦٣).
4- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: "لم يكن رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يغزو في الشهرِ الحرامِ إلا أن يُغْزى ويغْزوا فإذا حضرَه أقامَ حتى ينسلِخَ"(أخرجه أحمد:١٤٥٨٣، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم).
5- عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: قولُه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) وذلك أنَّ المشركين صدُّوا رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وردُّوه عَنِ المسجدِ الحرامِ في شهرٍ حرامٍ، ففتَح اللهُ على نبيِّه في شهرٍ حرامٍ منَ العامِ المقبلِ، فعاب المشركون على رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- القتالَ في شهرٍ حرامٍ، فقال اللهُ جل وعز: ؟وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ والْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ؟ منَ القتلِ فيه، وأنَّ محمدًا بعَث سريةً، فلَقوا عمروَ بنَ الحضرميِّ وهو مُقبلٌ مِنَ الطائفِ، آخِرَ ليلةٍ مِنْ جُمادى وأوَّلَ ليلةٍ مِنْ رجبٍ، وأنَّ أصحابَ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- كانوا يظُنون أنَّ تلك الليلةَ مِنْ جُمادى، وكانت أولَ رجبٍ ولم يشعُروا، فقتَله رجلٌ منهم واحدٌ، وأنَّ المشركين أرسلوا يُعيِّرُونه بذلك، فقال اللهُ جل وعز: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) وغيرُ ذلك أكبرُ منه صدٌّ عنْ سبيلِ اللهِ، وكفرٌ به، والمسجدِ الحرامِ، وإخراجُ أهله منه، إخراجُ أهلِ المسجدِ الحرامِ أكبرُ مِنَ الذي أصاب محمدٌ، والشركُ باللهِ أشدُّ (رواه الطبري في تفسيره الطبري:٢-٤٦٦).
6- عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن حمَلَ علينا السِّلاحَ فليس منّا، ولا رصَدَ بطَريقٍ، ومَن قُتِلَ على غيرِ ذلك فهو شِبهُ العَمدِ، وعَقلُه مُغلَّظٌ، ولا يُقتَلُ صاحبُه، وهو كالشَّهرِ الحرامِ لِلحُرمةِ والجِوارِ"(أخرجه أبو داود:٤٥٦٥ باختلاف يسير، وأحمد:٦٧٤٢، واللفظ له وحسنه شعيب الأرنؤوط).
الاثار
1- قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "اختص الله أربعة أشهر جعلهن حرمًا، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم"(تفسير ابن كثير؛ سورة التوبة آية 36).
2- قال كعب -رضي الله عنه-: "اختار الله البلدان فأحب البلدان إلى الله البلد الحرام واختار الله الزمان فأحب الزمان إلى الله الأشهر الحرم وأحب الأشهر إلى الله ذو الحجة وأحب ذي الحجة إلى الله العشر الأول"(الدر المنثور؛ للسيوطي: سورة التوبة آية 36).
3- قال قتادة: "إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، إنما تعظيم الأمور بما عظم الله به عند أهل الفهم وأهل العقل"(تفسير ابن كثير؛ سورة التوبة آية 36).
4- قال قتادة -رحمه الله- عند قوله تعالى: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36] قال: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء"(تفسير ابن كثير؛ سورة التوبة آية 36).
5- قال سفيان الثوري: "الأشهر الحرم أحب إلي أن يصام منها"(لطائف المعارف: ص258).
6- قال الحسن البصري: "إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة، بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم، وكان يُسمى شهر الله الأصم من شدة تحريمه"(لطائف المعارف: ص79).
7- قال أبو عثمان النهدي: كانوا -أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم"(لطائف المعارف: ص80).
8- قال الامام ابن كثير: "كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف؛ فكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام"(تفسير ابن كثير؛ سورة التوبة آية 36).
9- عن قتادة قال: "كان المشرك يومئذ لا يُصَدُّ عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت"(جامع البيان للطبري؛ المائدة آية: 2).
القصص
1- قال ابن إسحاق: "وكان النسئ في بنى فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث ابن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر.
قال ابن إسحاق: وكان أول من نسأ الشهور على العرب القلمس، وهو حذيفة ابن عبد بن فقيم ابن عدي، ثم قام بعده ابنه عباد ثم قلع بن عباد، ثم أمية بن قلع، ثم عوف بن أمية، ثم كان آخرهم أبو ثمامة جنادة بن عوف بن قلع بن عباد بن حذيفة، وهو القلمس؛ فعلى أبو ثمامة قام الإسلام.
وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فخطبهم فحرم الأشهر الحرم، فإذا أراد أن يحل منها شيئا أحل المحرم، وجعل مكانه صفرا؛ ليواطئوا عدة ما حرم الله فيقول: اللهم إني أحللت أحد الصفرين الصفر الأول وأنسأت الآخر للعام المقبل.
فتتبعه العرب في ذلك؛ ففي ذلك يقول عمير بن قيس أحد بنى فراس بن غنم بن مالك ابن كنانة ويعرف عمير بن قيس هذا بجذل الطعان:
لقد علمت معد أن قومي *** كرام الناس إن لهم كراما
فأي الناس فاتونا بوتر *** وأي الناس لم نعلك لجاما
ألسنا الناسئين على معد *** شهور الحل نجعلها حراما؟
(السيرة النبوية؛ لابن كثير:١-٩٦)
2- عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري:] خرج رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- من العامِ المقبلِ من عام الحُديبيةِ معتمرًا في ذي القعدةَ سنة سبعٍ وهو الشهرُ الذي صدَّه المشركون عن المسجد الحرامِ حتى إذا بلغ يأججَ وضع الأداةَ كلَّها الحجفَ والمجانَّ والرماحَ والنبلَ ودخلوا بسلاحِ الراكبِ السيوفِ وبعث رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بين يدَيه جعفرُ بنِ أبي طالبٍ إلى ميمونةَ بنتِ الحارثِ العامريةِ فخطبها عليه فجعلتْ أمرَها إلى العباسِ وكان تحته أختُها أمُّ الفضلِ بنتُ الحارثِ فزوجها العباسَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فلما قدم رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابَه قال اكشفوا عن المناكبِ واسعوا في الطوافِ ليرى المشركون جلَدَهم وقوَّتَهم وكان يكايدُهم بكلِّ ما استطاعَ فاستكف أهلُ مكةَ الرجالُ والنساءُ والصبيانُ ينظرون إلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابِه وهم يطوفون بالبيتِ وعبدُ اللهِ بنُ رواحةَ يرتجِزُ بين يدي رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتوشِّحًا بالسيفِ وهو يقول خلُّوا بني الكفارِ عن سبيلِه أنا الشهيدُ أنه رسولُه قد أنزل الرحمنُ في تنزيلِه في صُحُفٍ تُتْلى على رسولِه فاليوم نضربُكم على تأويلِه كما ضربْناكم على تنزيلِه ضربًا يزيل الهامَ عن مَقيله ويذهلُ الخليلَ عن خليلِه قال وتغيَّبَ رجالٌ من أشرافِ المشركين أن ينظروا إلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- غيظًا وحنَقًا ونفاسةً وحسدًا وخرجوا إلى الخَندمةِ فقام رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بمكةَ وأقام ثلاثَ ليالٍ وكان ذلك آخرَ القضيةِ يومَ الحُديبيةِ فلما أتى الصبحُ من اليوم الرابعِ أتاه سُهيلُ بنُ عَمرو وحُويطبُ بنُ عبدِ العُزّى ورسولُ اللهِ في مجلسِ الأنصارِ يتحدث مع سعدِ بنِ عُبادةَ فصاح حُويطبُ بنُ عبدِ العُزّى نناشدُك اللهَ والعقدَ لما خرجت من أرضِنا فقد مضت الثلاثُ فقال سعدُ بنُ عبادةَ كذبتَ لا أُمَّ لك ليس بأرضِك ولا بأرضِ آبائك واللهِ لا يخرج ثم نادى رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سهيلًا وحويطبًا فقال إن قد نكَحتُ فيكم امرأةً لا يضرُّكم أن أمكثَ حتى أدخلَ بها ونصنع الطعامَ فنأكل وتأكلون معنا فقالوا نناشدُك اللهَ والعَقدَ إلا خرجتَ عنا فأمر رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أبا رافعٍ فأذَّن بالرحيل وركب رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حتى نزل ببطنِ سرفٍ وأقام المسلمون وخلَّفَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أبا رافعٍ ليحمل ميمونةَ وأقام بسرِفٍ حتى قدمت عليه ميمونةُ وقد لقيتْ ميمونةُ ومن معها عناءً وأذًى من سفهاء المشركين ومن صبيانِهم فقدمتْ على رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بسَرِفٍ فبنى بها ثم أدَّلَجَ فسار حتى أتى المدينةَ وقدر اللهُ أن يكون موتُ ميمونةَ بسرفٍ بعد ذلك بحينٍ فماتت حيث بنى بها رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثم ذكر قصة ابنةَ حمزةَ إلى أن قال وأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ في تلك العمرةِ الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ والْحُرُماتُ قِصاصٌ فاعتمر رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في الشهرِ الحرامِ الذي صُدَّ فيه"(البداية والنهاية:٤-٢٢٩ وقال ابن كثير: له شواهد كثيرة).
متفرقات
1- القرطبي -رحمه الله-: "خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها، وإن كان منهيًا عنه في كل زمان"(الجامع لأحكام القرآن؛ سورة التوبة: آية 36).
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية، كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلوها، والله سبحانه وتعالى أعلم"(مجموع الفتاوى:25-298).
3- قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في تفسيره: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) "يحتمل أن الضمير يعود إلى الإثنى عشر شهرًا، وأن الله تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تُعمر بطاعته، ويُشكر الله تعالى على منتِه بها وتقييضها لصالح العباد؛ فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها. ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحُرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصًا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد من غيرها"(تفسير الكريم الرحمن).