عناصر الخطبة
1/الجمع بين الخوف والرجاء سمة المؤمن 2/ حقيقة الخوف والرجاء 3/ الأسباب الباعثة على الخوف والرجاء .اقتباس
فالرجاء منزلة عظيمة من منازل العبودية وهي عبادة قلبية تتضمن ذلاً وخضوعاً، أصلها المعرفة بجود الله وكرمه وعفوه وحلمه، ولازمها الأخذ بأسباب الوصول إلى مرضاته، فهو حسن ظن مع عمل وتوبة وندم.
والخوف كذلك منزلة عظيمة من منازل العبودية وهو من عبادات القلوب التي لا تكون إلا لله سبحانه ..
الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله أفضل الأنبياء والمرسلين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
أما بعد:
فإن المؤمن الموحد المحسن حبه لله تعالى مقرون بالإجلال والتعظيم إنه حب المملوك لمالكه، حب العبد لسيده، حب المخلوق المقهور الضعيف لله الواحد القهار. ولذلك فإن المحبين الصادقين هم في هذا المقام في مقام المحبة هم في مقام موزون بين الرجاء والخوف.
فرجاؤهم معلق برحمة الله تعالى ولا يخافون إلا الله هم أشد الناس خوفًا من الله تعالى، وقد جمع الله تعالى أركان هذا المقام الإيماني الإحساني الرفيع في وصفه للملائكة المقربين والأنبياء المرسلين والصالحين العابدين فقال جل جلاله: (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) [الإسراء:57].
لكي يبقى المسلم مطمئناً ومتيقظاً، يحدوه الأمل والرجاء في رحمة الله ومغفرته، وهو كذلك يخشى ويخاف من الله سبحانه، وهذا هو المنهج الوسط العدل.
فالرجاء منزلة عظيمة من منازل العبودية وهي عبادة قلبية تتضمن ذلاً وخضوعاً، أصلها المعرفة بجود الله وكرمه وعفوه وحلمه، ولازمها الأخذ بأسباب الوصول إلى مرضاته، فهو حسن ظن مع عمل وتوبة وندم.
والخوف كذلك منزلة عظيمة من منازل العبودية وهو من عبادات القلوب التي لا تكون إلا لله سبحانه، وصرفها لغيره شرك أكبر. إذ أنه من تمام الاعتراف بملكه وسلطانه، ونفاذ مشيئته في خلقه.
أيها المسلم: إليك طرفاً من الأسباب الباعثة على الخوف من الله والرجاء له -جل جلاله-:
أول تلك الأسباب -وهو الجامع لكل ما يليه-: تدبر كلام الله تعالى وقد بين الله سبحانه هذا المنهج القويم حينما ذكر مجموعة من صفاته فقال: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ثم ذكر في المقابل (وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ ) [الحجر:].
هذا المنهج هو الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم ومن اتبعهم بإحسان.
من الأسباب الباعثة على الخوف من الله والرجاء له –سبحانه- تحقيق الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته؛ فمن أسمائه -سبحانه وبحمده- الحليم والغفور والغفار والعفو وكذا التواب والكريم. ومن أسمائه -جل جلاله- القوي، المتين،القادر والمقتدر والقدير، القاهر والقهار، وكذا اسمه العزيز والجبار والعليم.
وهذه الأسماء وغيره تدعوا المسلم أن يكون خائفاً عالماً اطلاعه عليه ومراقبته له، راجياً ماعند الله سبحانه إن هو أطاعه وتقرب إليه وإن هو تاب وأناب إليه.
عذب الله سبحانه امرأة حبست هرة فلم تطعمها وتجاوز عن امرأة بغي سقت كلباً رحمة به، جعل الله لأبي طالب نعلين من نار في جهنم يغلي منهما دماغه وهذا أهون عذاب أهل النار وجعل لبلال رضي الله عنه نعلين يمشي بهما في الجنة جزاء عمله الصالح.
عباد الله: ومن الأسباب الباعثة على الخوف من الله والرجاء له سبحانه التفكر فيما أعد الله سبحانه لأهل طاعته من النعيم المقيم الأبدي وما أعد الله لأهل معصيته إن هو عذبهم من العذاب الذي لايطيقه بشر، فقال في الجنة وأهلها ونعيمها: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ* فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الدخان 52: 57]
وقال في النار وأهلها وعذابها (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا في بُطُونِهِمْ وَلْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الحج 19-22]
أيها المصلون: ومن الأسباب الباعثة على الخوف من الله والرجاء له سبحانه التفكر في أمر الذنوب والمعاصي وخاصة الكبائر منها، فمن تاب وأناب فربنا جل حلاله غفور رحيم يحب التوابين ويغفر الذنب العظيم، قال الله تعالى: (إن الله غفور رحيم) وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار. ويبسط يده بالنهار، ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه مسلم.
لكن من أصر على المعاصي وخاصة الكبائر منها فقد توعده الله بالعذاب: فقال -صلى الله عليه وسلم- في تارك الصلاة: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه أحمد والترمذي والنسائي بسند صحيح.
وقال -صلى الله عليه وسلم- في آكل الربا: "لعن الله آكل الربا وموكله" رواه مسلم.
وقال -صلى الله عليه وسلم- في شارب الخمر: "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه" رواه أبو داود بسند صحيح.
وقال -صلى الله عليه وسلم- في تصديق الكاهن والمنجم: "من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد"رواه أحمد والحاكم بإسناد جيد.
أيها المسلم: الخوف والرجاء كجناحي الطائر -كما ذكر أهل العلم- متعاضدان مقترنان، المسلم يرجو ما عند الله ولكن يخافه ويخشاه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90].
أقول ما سمعتم استغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم