عناصر الخطبة
1/ اقتراب شهر رمضان 2/ بلوغ رمضان نعمة عظيمة 3/ الحث على الاجتهاد والتنافس في الخيرات 4/ الحذر من لصوص رمضان 5/ أعظم القربات في شهر تزكيةِ النفوس.اقتباس
حينَما يستقبِل المسلم موسمًا يرجو غنيمَتَه فإنَّه يجب عليه ابتداءً تفقُّدُ نفسِه ومراجعةُ عملِه، حتى لا يتلبَّس بشيءٍ من الحوائِلِ والموانِعِ التي تحول بينَه وبين قبولِ العمَل، أو تُلحِق النقصَ فيه؛ إذ ما الفائِدة من تشميرٍ مهدورٍ أجرُه وعمَلٍ يُرجى ثوابه فيلحقُ وِزره؟! فعلى العبد الصائم أن يتفقه في دينِ الله، ويجتنب الذنوبِ والمعاصي ومحبِطات الأعمال، ويحرص على إعفافُ الجوارح. وإذا كان الأمر كذلك، فليحذر الصائم مما أعدَّه أهلُ الانحلال ودعاةُ الفساد والضّلال، من برامج مضِلّة، ومشاهدَ مخِلّة، قومٌ مفسدون لا يبَالون ذمًّا، ومضلون لا يخافون لَومًا، ومجرِمون لا يراعون فطرًا ولا صومًا، عدوانًا وظلمًا،..
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة... مدرسة ستفتح أبوابها بأقل من يوم أو يومين.. فهل ترى نحيا فندرك هذه المدرسة ونلتحق بها، أم لا؟ وإذا التحقنا بها هل نخرج منها مع الناجحين الفائزين أو مع الراسبين الخاسرين؟
إنها مدرسة رمضان.. مدرسة التقوى والقرآن.. وموسم الرحمة والغفران.. والعتق من النيران.
ساعات معدودة وتستقبِل الأمّة هذا الزائرَ المحبوب بفرحٍ غامِر، وسرورٍ ظاهرٍ.
يا رَمَضان، إنّ يومَ إقبالك لهوَ يومٌ تتفتح له قلوبُنا وصدورُنا، وتمتلئ فيه نفوسنا غبطةً وأمَلاً، نستبشر بعودةِ فضائِك الطاهر الذي تسبَح به أرواحُنا بعد جفافِها وركودِها، نستبشر بساعةِ صلحٍ مع الطاعاتِ بعدَ طول إعراضِنا وإباقنا، أعاننا الله على بِرِّك ورفدِك، فكم تاقت لك الأرواحُ وهفَت لشدوِ أذانِك الآذانُ وهمَت سحائبُك الندِيّة هتّانةً بالرّحمة والغفران.
عبادَ الله.. مَن مِنَ المسلمين لا يعرِف فضلَ هذا الشهرِ وقدرَه، فهو سيِّد الشهور وخيرُها (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185]، من صامه وقامه غفِر له ما تقدَّم من ذنبِه، فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألفِ شهر.
إن بلوغ رمضان نعمة عظيمة، وفضل كبير من الله –تعالى-، حتى إن العبد ببلوغ رمضان وصيامه وقيامه يسبق الشهداء في سبيل الله الذين لم يدركوا رمضان.
فعن طلحة بن عبيدالله "أن رجلين قدما على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان إسلامهما جميعًا، فكان أحدهما أشدَّ اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة، إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إليَّ فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد".
فأصبح طلحة يحدِّث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحدثوه الحديث، فقال: "من أيِّ ذلك تعجبون؟" فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا ثم استشهد، ودخل هذا الآخر الجنة قبله!! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أليس قد مكث هذا بعده سنة؟"، قالوا: بلى. قال: "وأدرك رمضان، فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة"، قالوا: بلى. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فما بينهما أبعدُ مما بين السماء والأرض" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
الله أكبر.. إنه رمضان شهرُ المرابح، زائرٌ زاهر، وشهر عاطِر، فضلُه ظاهر، بالخيراتِ زاخر، فحُثُّوا حزمَ جزمِكم، وأروا الله خيرًا مِن أنفسكم، فبالجدّ فاز من فاز، وبالعزم جازَ مَن جاز، واعلَموا أنّ من دام كسله خاب أمله، وتحقَّق فشله، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "كان رسول الله يجتهِد في رمضانَ ما لا يجتهِد في غيره".
رمضان.. شهرُ القبول والسّعود، والعتقِ والجود، والترقّي والصّعود، فيا خسارة أهلِ الرّقود والصّدود، ففي الحديث القدسي: "قال الله -عزّ وجلّ-: إذا تقرب العبد إليَّ شبرًا تقرّبت إليه ذِراعًا، وإذا تقرّب مني ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيته هرولة".
هذا نسيم القَبول هبّ، هذا سيلُ الخير صَبّ، هذا باب الخير مفتوح لمن أحبّ، هذا الشّيطان كبّ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله قال: "إذا كانت أوّلُ ليلة مِن رمضان صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقت أبوابُ النار فلم يُفتَح منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلَق منها باب، ونادى منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغيَ الشرّ أقصِر، ولله عتقاء من النّار، وذلك كلَّ ليلة".
أيها الأحبة.. قرُب منا رمضان فكم قريب لنا فقدناه! وكم عزيز علينا دفنّاه! وكم حبيب لنا في اللحد أضجعناه! فيا من ألِف الذنوبَ وأجرمَا، يا مَن غدا على زلاّته متندِّمَا، تُب فدونك المنى والمغنمَا، والله يحبّ أن يجود ويرحمَا، ويُنيلَ التّائبين فضلَه تكرُّمًا.
بادِر التّوبة ما دمتَ في زمن الإنظار، واستدرِك فائتًا قبل أن لا تُقال العِثار، وأقلِع عن الذنوب والأوزار، وأظهِر النّدم والاستغفار، فإنّ الله يبسُط يده بالنّهار ليتوبَ مسيء الليل، ويبسط يدَه باللّيل ليتوبَ مسيء النّهار.
هذا شهرٌ يُفَكّ فيه العاني، ويعتَق فيه الجاني، ويتجَاوَز عن العاصي، فبادِر الفرصَة، وحاذِر الفوتَة، ولا تكن ممّن أبى، وخرج رمضان ولم ينَل فيه الغفرانَ والمُنى، صعد رسول الله المنبَر فقال: "آمينَ، آمينَ، آمين"، فقيل: يا رسول الله، إنّك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين آمين!! فقال: "إنّ جبريلَ -عليه السلام- أتاني فقال: مَن أدرك شهرَ رمضانَ فلم يُغفَر له فدخَل النار فأبعَده الله قل: آمين، قلت: آمين".
حينَما يستقبِل المسلم موسمًا يرجو غنيمَتَه فإنَّه يجب عليه ابتداءً تفقُّدُ نفسِه ومراجعةُ عملِه، حتى لا يتلبَّس بشيءٍ من الحوائِلِ والموانِعِ التي تحول بينَه وبين قبولِ العمَل، أو تُلحِق النقصَ فيه؛ إذ ما الفائِدة من تشميرٍ مهدورٍ أجرُه وعمَلٍ يُرجى ثوابه فيلحقُ وِزره؟! فعلى العبد الصائم أن يتفقه في دينِ الله، ويجتنب الذنوبِ والمعاصي ومحبِطات الأعمال، ويحرص على إعفافُ الجوارح.
وإذا كان الأمر كذلك، فليحذر الصائم مما أعدَّه أهلُ الانحلال ودعاةُ الفساد والضّلال، من برامج مضِلّة، ومشاهدَ مخِلّة، قومٌ مفسدون لا يبَالون ذمًّا، ومضلون لا يخافون لَومًا، ومجرِمون لا يراعون فطرًا ولا صومًا، عدوانًا وظلمًا، جرَّعوا الشباب مسمومَ الشّراب، وما زادوهم غيرَ تتبيب، وتدميرٍ وتخريب.
يا هؤلاء.. إن رمضان خيرُ الشّهور، فحذارِ حذار من انتهاكِ حرمتِه، وتدنيس شرفِه، وانتقاصِ مكانتِه، يقول رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يَدَع قولَ الزّور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامَه وشرابه".
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله.. رمضانُ.. شهرُ تزكيةِ النفوس وتربيتِها، أعظم القرُبات فيه: الصومُ الذي افترضه الله تعالى تحقيقًا للتّقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) [البقرة: 183]، التّقوى حساسيّةٌ في الضمير، وصَفاء في الشعورِ، وشفافيّة في النفس، ومراقبةٌ لله –تعالى-، فالصّوم ينمِّي الشعورَ بالمراقبة، ويزكِّي النفس بالطاعة.
أمَّا ثواب الصائمين فذاك أمرٌ مردُّه إلى الكريم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -عزّ وجلّ-: كلُّ عمَلِ ابنِ آدم له إلاَّ الصّوم، فإنه لي وأنا أجزِي به، والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يسخَب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَله فليقُل: إني امرُؤ صائم. والذي نفس محمّد بيده، لخلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله يومَ القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرِح بفطره، وإذا لقيَ ربَّه فرح بصومه".
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنِبت الكبائر".
فاتقوا الله عباد الله.. واحرصوا على النية الصالحة والعزم الجاد على الاجتهاد في طاعة الله في رمضان.. وحري بأفراد الأسرة، والقرابة، والجيران، وزملاء المهنة، أن يتواصوا بالحق، ويتعاونوا على أعمال البر والتقوى في هذا الموسم المبارك.
أسأل الله تعالى أن يمنَّ علينا ببلوغه ويحسن عملنا فيه.
وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية فقد أمركم الله بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الذاريات: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم