اقتباس
المرأة في الغرب خرجت إلى المصنع والمتجر وغيرهما مجبورة لا مختارة، تسوقها الحاجة إلى القوت، والاضطرار إلى لقمة العيش، بعد أن نكل الرجل عن إعالتها، في مجتمع قاس لا يرحم صغيراً لصغره، ولا أنثى ...
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذه بعض افتراءات أعداء الإسلام عن المرأة في الإسلام والرد العلمي عليها.
أعداء الإسلام للمرأة المسلمة بالمرصاد:
ينادي أعداء الإسلام بأمرين:
الأول: حرية المرأة: ويقصدون بذلك أن تتحرر المرأة من عبودية الله تعالى، فلم يعجبهم شرع الله -تعالى- لها الذي هو أعلم بمصلحتها ومصلحة المجتمع كله، كيف وهو الذي خلقها وأوجدها.
يريدونها أن تتحرر من تعاليم الشرع وتوجيهاته، بمعنى تتحرر من حجابها وعفتها وحشمتها لتكون سلعة رخيصة ينالها كل عابث. هذا المصطلح (حرية المرأة) استخدموه من باب: التلاعب بالمصلحات ولكنهم يرمون من وراء ذلك إلى نشر الفكر الذي يريدون، وهذا المصطلح مصطلح يهودي.
جاء في البروتكول الأول لحكماء صهيون: (لقد كنا أول من صاح في الشعب فيما مضي بالحرية والإخاء والمساواة، تلك الكلمات التي راح الجهلة في أنحاء المعمورة يرددونها بعد ذلك دون تفكير أو وعي، إن نداءنا بالحرية والمساواة والإخاء اجتذب إلى صفوفنا من كافة أركان العالم وبفضل أعواننا ــ أفواجاً بأكملها لم تلبث أن حملت لواءنا في حماسة وغيرة)
الثاني: المساواة مع الرجل: و يريدون بهذا معارضة فطرة الله التي فطر الناس عليها، وقد خلق الله -تعالى- الذكر والأنثى بطبيعتين مختلفتين، ولا يُنكر هذا إلا من طمس علي قلبه وعينيه، فيريدون أن يتساويا في كل شيء.
نعم إن هناك مساواة في الأصول العامة الشرعية كالمساواة في أصل التكليف، وفي الجزاء من ثواب وعقاب، وفي التملك، وفي اختيار شريك الحياة ونحوها.
أما في كل شيء فأول من يأباه الفطرة التي فطر الله الناس عليها فضلاً عن حكمة الله وشرعه، لكنهم اتخذوا هذه الشعارات البراقة لينخدع بها السذج وأشباههم، وقد وقع شيء من ذلك. (المرأة المسلمة للدكتور فالح الصغير صـ96:95)
مقارنة بين المرأة في بلاد الغرب وبلاد الإسلام:
إن المرأة في الغرب خرجت إلى المصنع والمتجر وغيرهما مجبورة لا مختارة، تسوقها الحاجة إلى القوت، والاضطرار إلى لقمة العيش، بعد أن نكل الرجل عن إعالتها، في مجتمع قاس لا يرحم صغيراً لصغره، ولا أنثى لأنوثتها، وقد أغنانا الله بنظام النفقات في شريعتنا عن مثل هذا.
وعمل المرأة عند الأجانب لإعالة نفسها واجب عليها متى وصلت سن البلوغ مهما كان الأب غنياً موسراً، فحُرِمَ غير المسلمين من نظام النفقة الواجبة التي جاء بها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- المبعوث رحمة للعالمين.
أما الإسلام فقد كرم المرأة تكريماً لا يوجد في أي نظام سواه، ورحم ضعفها أن تجبر علي خوض غمار الحياة، تقديراً لمهمتها، وهي صنع المجتمع، بتربية النشء علي قيم الأمومة الإنسانية، التي هي ضرورية لنشأة الإنسان سوي الأخلاق، سوي النفس. مستقيم التفكير، سليم البنية، فهي إذاً مصدر للتنمية بأنواعها الاجتماعية والخلقية والاقتصادية، لذلك لم يفرض عليها أن تعمل لكسب المال، بل ألزم نفقتها على أبيها، أو ابنها أو زوجها، ممن تلزمه نفقتها، كما هو مفصل في باب النفقات في كتب الفقه، وبالتالي فإنه لا يجوز للأب أن يلزم ابنته أن تعمل لكسب المال، إلا إذا كان فقيراً، ولا يجوز للزوج أن يلزم امرأته أن تعمل لكسب المال، وهكذا تتمتع المرأة في الإسلام بحظ أكبر من حظ الرجل، كما أن الشرع الإسلامي كفل حماية المرأة أن تكون مهينة مبتذلة تحمل هم العيش والكد؛ لكسب لقمة الغذاء، لكي تتوفر على هذه المهمة. (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ374:372).
لقد ذكر أعداء الإسلام بعض الافتراءات حول المرأة في الإسلام، وسوف نقوم بالرد بإيجاز على هذه الافتراءات.
قوامة الرجل على المرأة:
قال -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء:34].
إن قوامة الرجل على المرأة عملية تنظيمية، وليست استبدادية، من أجل استقرار الأوضاع داخل الأسرة المسلمة.
روى ابنُ السُّني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ، فَالرَّجُلُ سَيِّدُ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا"(صحيح الجامع للألباني حديث:4565)
إن الله قد خَلَقَ الرجلَ على فِطرة وطبيعة يكون فيها هو المهيأ لقيادة الأسرة، وتولي تصريف أمور الحياة التي تجمع بينهما، ومن ثم فقد أوجب عليه الإنفاق المالي في أمور المعيشة.
إن الرجل أقرب إلى تحكيم العقل من المرأة تحكيم النظر العقلي في الأمور منه إلى الاستجابة للعاطفة، أما المرأة فهي على وجه العموم أقرب في معظم حالاتها إلى الاستجابة للعاطفة ومتطلباتها، وأيضاً فإن المرأة تعتريها حالات خاصة من الحمل والحيض، والولادة، وسن اليأس تتسبب عنها متاعب صحية ونفسية تنتهي بها إلى أنواع من عدم الاستقرار المزاجي والنفسي، تكون فيها بعيدة شيئاً ما عن النظرة العقلية المتوازنة الهادئة إلي الأمور، وحتى في غير هذه الحالات الخاصة فهي أقرب من الرجل إلي تحكيم المشاعر والأحاسيس العاطفية في الأمور، ومشاهدات الحياة المتروية تدلنا في وضوح علي أن ثقافة المرأة وحصولها علي أعلي الشهادات العلمية في مختلف فما تزال هي هي طيبة كانت، أم مهندسة، أم عالمة، أم قانونية، أم أستاذة. (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ151:150).
شهادة المرأة:
قال الله -تعالى-: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)[البقرة: 282]؛ قال أعداء الإسلام إن جعْلَ شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين فيه انتقاصٌ للمرأة، فنقول وبالله -تعالى- التوفيق:
جعل الله شهادة الرجل في الأموال نصاً بشهادة امرأتين، وعلله بقوله -تعالى-: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)[البقرة: 282]؛ أي: مخافة أن تنسي إحداهما بعض جوانب المشهود عليه ــ أو تغفل عنه فتذكرها الأخرى به.
واحتمال نسيان المرأة وغفلتها عن بعض جوانب المشهود عليه وارد فيها جميعاً، في حالات معينة لا ينكرها إلا جاهل أو مجادل طبيعة المرأة لما تعتريها في حالات معينة لا ينكرها إلا جاهل أو مجادل بالباطل، فالمرأة تعتريها فترات حرجة مثل فترة الحيض، والحمل، والإرضاع، والحضانة، ولا يحتاج الإنسان أكثر من أن يراقب أحوال المرأة النفسية أثناء الحيض والحمل وعقب الولادة، وعند الإرضاع ليرى مدى تأثر مزاجها بهذه الحالات تؤدي إلى عدم التوازن الهرموني، أو اضطراب المزاج الخاص مما يؤثر قطعاً على تحمل الشهادة وأدائها.
ومع بلوغ المرأة سن الشباب يعروها المحيض الذي تتأثر به أفعال كل أعضائها، وجوارحها، وتدل مشاهدات أساطين علمي الأحياء والتشريح، على أن المرأة تطرأ عليها في مدة حيضها التغيرات الآتية:
(أ) تقل في جسمها قوة إمساك الحرارة، فتنخفض حرارتها.
(ب) ويبطأ النبض، وينقص ضغط الدم، ويقل عدد خلاياه.
(ج) وتصاب الغدد الصماء، واللوزتان، والغدد الليمفاوية بالتغير.
(د) ويختل الهضم، وتضعف قوة التنفس.
(ه) يتبلد الحس، فتتكاسل الأعضاء، وتختلف الفطنة، وقوة تركيز الفكر.
وكل هذه التغيرات تدني المرأة الصحيحة إلى حالة المرض إدناء يستحيل معه التميز بين صحتها ومرضها.
وأشد على المرأة من مدة الحيض زمان الحمل.
ويقول بعض الأطباء: لا تستطيع قوة المرأة في زمن الحمل أن تتحمل من مشقة الجهد البدني والعقلي ما تتحمله في عامة الأحوال. وإن عوارض الحامل إن عرضت لرجل أو امرأة غير حامل لحكم عليه أو عليها بالمرض بدون شك، ففي هذه المدة يبقي مجموعها العصبي مختلاً على أشهر متعددة، ويضطرب فيها الاتزان الذهني، وتعود جميع عناصرها الروحية في حالة فوضى دائمة وتعود قوة عملها نصف ما تكون في عامة الأحوال، أو أقل منه.
لو كانت الأنوثة والذكورة تلعبان دوراً في قيمة الشهادة ومدي شرعيتها، لسمت شهادة الرجل على شهادة المرأة في باب اللعان، أي: لكانت شهاداتها الأربع بقيمة شهادتين فقط من شهاداته، ولكن الواقع أنها متساويات.
وبيان ذلك أن الرجل إذا اتهم زوجته بالزنا كان عليه أن يدعم اتهامه بتقديم أربعة شهود ممن يعتد بشهادتهم وقد رأوا زوجته وهي تزني، فإذا عجز عن تقديم الشهود كان علية أن يقسم أربع مرات بأنه صادق فيما يتهمها به. وهذه الأيمان تنزل في الشر ع منزلة الشهادة.
وتعطي الزوجة التي تنكر هذه التهمة الفرصة ذاتها، فتقسم أربع مرات بأن زوجها كاذب فيما يتهمها به. ويتبين من ذلك أن أحدهما كاذب بالضرورة.
والثمرة الشرعية لهاتين الشهادتين المتكافئتين، أن يقضي بالفصل بينهما فصلاً لا رجعة فيه، بعد أن يدعو الزوج على نفسه باللعن إن كان من الكاذبين، وتدعو الزوجة على نفسها بغصب الله إن كان من الصادقين.
ومحل الشاهد في هذا: أن الأيمان الأربعة التي يؤديها كل منهما تنزل منزل الشهادات الأربع التي تثبت أو تنفي جريمة الزنا، وقد جعل الله قيمة الشهادات الأربع التي تثبت الزنا، مكافئة لقيمة الشهادات الأربع التي تنكرها، وهو الأمر الذي يؤكد أن الأنوثة والذكورة بحد ذاتها لا مدخل لأي منهما في قيمة الشهادة.
وإليك نص البيان الإلهي الذي يتضمن ذلك.
قال الله -تعالى-: (وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[النور:9-6].
لو كان وصف الذكورة، أو الأنوثة في أمر الشهادة من حيث التسامي برجولة الرجل والهبوط بأنوثة المرأة، لو كان الأمر كذلك لما كانت الأولوية لشهادة المرأة في أمور الرضاعة، والحضانة، والنسب، وغيرها مما تقوم الصلة فيه مع النساء أكثر من الرجال؛ ولما كانت الأولوية لشهادة النساء في كل خصومة جرت بين النساء بعضهن مع البعض، أياً كان سببها.
الإسلام يريد الشهادة أن تكون ناصعة واضحة الجوانب مشرقة مثل الشمس، ولا عجب، فبالشهادة تُستحلُ الدماء، والأنفس، والأعراض والأموال؛ لذلك شدد الإسلام في الشهادة، واحتاط لأمرها.
إن المسالة ليست تقليلاً من شأن المرأة وعدم اعتراف بأهميتها، وليس في ذلك انتقاص لمكانتها، كما يزعم بذلك عشاق تشويه الإسلام، وإنما هو مجرد احتمال النسيان في أمور لا تهتم بها المرأة غالباً، وهي خارجة عن طبيعتها، ولا تحرص على الاحتفاظ بها في ذاكرتها. (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ261:255)
اشتراط الولي عند زواج المرأة:
يرى أعداء الإسلام أن اشتراط الولي عند زواج المرأة يعتبر حَجْرَاً على شخصية المرأة.
وهذا غير صحيح، وذلك لأن الإسلام اشترط لصحة عقد لزواج اجتماع إرادتين، وهما إرادة الولي، وإرادة المرأة. واشتراط الولي في صحة النكاح يُعد في مصلحة المرأة، وذلك لعِدة وجوه:
إن الولي يختار للمرأة الزوج الكفء، بحيث يقوم بأمورها ويصلح لمشاركتها في حياة طويلة سعيدة، والنكاح يقصد به السكن والاستقرار؛ لتحصيل النسل، وتربيته، ولا يتحقق ذلك مع كل زوج، والتفويض إليهن مخل بهذه المقاصد، لأن المرأة ناقصة الخبرة، فقد لا تحسن الاختيار، وكثيراً ما تغلب عاطفة المرأة عليها، فتختار رجلاً غير كفء لها، يسيء إلى سمعة الأسرة، وقد تنخدع بالمظاهر البراقة دون ترو وتفكير في العواقب، وقد اشترط إذن الولي مراعاة لمصالحها؛ لأنه أبعد نظراً، وأوسع خبرة، وأسلم تقديراً وحكمه موضوعي لا دخل فيه للعاطفة أو الهوى، بل يبنيه على اختيار من يكون أدوم نكاحاً وأحسن عشرة. فمهمة الولي هنا أن يقوم بدور الفاحص المتحقق من حقيقة حال وظروف الرجل.
إن من مقاصد هذا التشريع الحكيم صيانة المرأة عن أن تباشر بنفسها ما يشعر بإهدار كرامتها، وميلها إلى الرجال، مما ينافي حال أرباب الصيانة والمروءة. فالمرأة إذا باشرت بنفسها عقد النكاح أمام جميع الناس، فإنها تظهر بمظهر الطالبة للزواج على نحو صريح، لكن القول باشتراط الولي يحقق للمرأة كرامتها، فقيام الولي بذلك عنها مظهر من مظاهر إكرام الشريعة لها وإعزازها وتقديرها لما ينبغي نحوها من واجب حمايتها من أي موقف يمس حياءها وعزتها.
كيف لا يكون للولي سلطان في زواجها وهو الذي سيكون شاءت أم أبت، بل شاء هو أو أبى المرجع في حالة الاختلاف، وفي حالة فشل الزواج يبوء هو بآثار هذا الفشل، ويجني ثمرات خطأ فتاته التي تمردت عليه، وانفردت بتزويج نفسها.
فمما يبرر أن يكون لأولياء المرأة شأن معتبر في تزويجها، أنه تلحقهم مَعرَّة سوء الاختيار أو تبعاته ـ مادياً ونفسياً؛ لأن زواج ابنتهم، أو أختهم يُضافُ إلى أسرتهم، بمجرد العقد، فهب أن فتاة ما عاقلة بالغة، وعلى قدرٍ ما من الرشد، اغترت بكلام رجل، فسارعت إلى الزواج منه دون ولي، ثم ظهر أنه فاسق، وسواء رضيت هي بذلك حتى تبين الأمر، أو لم ترض ألا تلحق أسرتها وأولياؤها معرة هذا الزواج ؟ بل إن الأمر لا يقتصر علي مجرد المعرة، والذلة النفسية بين الناس، بل يتجاوز ذلك إلى أضرار واقعية تلحق بهم، مثل امتناع الناس عن خطبة أخواتها وقريباتها، وغيره من الأضرار الفادحة. (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ2صـ792:790).
ضرب الزوجات:
قال اللهُ -تعالى-: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)[النساء:34].
يقول أعداء الإسلام أن إعطاء الرجل حق ضرب زوجته فيه ظلمٌ للمرأة. فنقول وبالله -تعالى- التوفيق:
الضرب الذي أباحه الله للأزواج لتأديب أزواجهن ضرب غير مبرح، أي أنه ضرب لا يكسر عظماً، ولا يشين عضواً، ولا يدميها، ولا يؤثر فيها شيئاً، ولا يقترن بشيء من التقبيح، أو الإهانة، فهو ضرب خفيف غير موجع أقرب إلى العلاج النفسي البسيط من الزوج لحالة الزوجة الخاصة.
إن الزوج لا يبدأ بضرب زوجته عند نشوزها، وإنما يبدأ بوعظها، فإن أصرت علي العصيان والنشوز تدرج بعد ذلك في التأديب، فينتقل إلى مرتبة الهجر، فيهجرها في الفراش، فإن لم ينصلح حالها فحينئذٍ يلجأ إلى الضرب.
إن مشروعية التأديب بالضرب لا يستنكرها عقل ولا فطرة، لأن الضرب طريق من طرق العلاج، ينفع في بعض الحالات مع بعض النفوس الشاذة المتمردة التي لا تستجيب للموعظة الحسنة، ولا ينفع معها المعروف، إن من النساء، بل من الرجال، من لا يصلحه إلا التـأديب، من أجل ذلك وضعت العقوبات، وفتحت السجون.
إن هذا الضرب مخصوص بصنف واحد من النساء، لسن من الكريمات، وإنما هو مخصوص بنوع قليل من النساء، كالمرأة سليطة اللسان، مجاهرة بعصيان زوجها ومعاندته، حريصة على إهانته ومخالفة أمره، غير مكرمة لنفسها أو لما بينهما من عشرة، ولا تكون مثل هذه المرأة عادة من البيوت الكريمة الأصيلة؛ لأن سليلة هذه البيوت تعرف من الوسائل ما يجعلها أكرم علي نفسها وعلي غيرها من أتباع أسلوب الوقاحة والسلاطة والعصيان، وحين ترى أن العشرة قد استحالت بينها وبين زوجها فإنها تتخذ من الوسائل ما تسعى به في تحقيق رغبتها دون اللجوء إلى وسائل تحمل زوجها على ضربها، وذلك كله على فرض أن الزوج مؤد لها كافة حقوقها غير ظالم لها في شيء مما يأمرها به. (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ280:278).
ميراث المرأة:
يرى أعداء الإسلام أن الإسلام ينتقص المرأة لأنه جعل ميراثها نصف ميراث الرجل.
ويمكن الرد على هذا الافتراء بما يلي:
إن الإسلام لم يترك الميراث لمشَرِّعٍ من البشر، كما لم يتركه لهوى المورث، فأنزل فيه قرآنا محكماً. إن من الغربيين من يوصي بتركته كلها للكلاب، من دون جميع أهله، وحدث في ألمانيا أن أوصي زوجان بكل ثروتهما لبائع صحف كان يصعد إليهما بالصحف، ففوجئ بوصيتهما بثروتهما كلها دون أحد من أهلهما. (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ266).
إن الإسلام راعى وضع الوارث، ومدي حاجته، ونوع العلاقة بينه وبين مورثه، ذكراً كان أم أنثى. فالابن يتعرض حال الكبر والاكتساب لمسئولية الإنفاق علي أبويه، بالإضافة إلي مسئولية الإنفاق علي زوجته، ومسئولية تقديم المهر إليها. في حين أن أخته لا تتعرض لهذه المسئولية، ولا تتحمل شيئاً منها؛ لذلك اقتضت حكمة الله أن يؤثر الرجل على المرأة في الميراث؛ لأن الرجل مترقب دائماً بالإنفاق على نسائه وأولاده، وبذل المهور لهن، والبذل في نوائب الدهر، والنفقة علي أقاربه الفقراء الذين يرثونه، وهو أصل عمود النسب، ومنزله مقصد للزائرين. أما المرأة فإنها مترقبة للزيادة. إذا يأتي يوم يضمها إليه رجل يتزوجها، يبذل لها مهرها ً نحلة، ويقوم هو بالإنفاق عليها، والقيام بشئونها. ولا يجب عليها أن تسهم بشيء من نفقات البيت علي نفسها وعلي أولادها، ولو كانت غنية، كما أن مالها يزيد ربحه إذا نمته بالتجارة، أو بأية وسيلة من وسائل الاستثمار المشروعة. (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ267:266).
ليس في كل الأحيان يأخذ الذكرُ ضعف الأنثى، بل أحياناً يتساوى نصيب الرجل ونصيب المرأة، وأحياناً تأخذ المرأة أكثر من الرجل. مثال ذلك كما يلي:
إذا ترك الميت أولاداً وأباً وأماً، ورث كل من أبويه سدس التركة، دون تفريق بين ذكورة الأب وأنوثة الأم، وذلك عملاً بقوله -تعالى-: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)[النساء:12].
إذا ترك الميت أخاً لأمه، وأختاً لأمه، ولم يكن هناك من يحجبهما من الميراث، فإن كلاً من الأخ والأخت يرث السدس، دون أي تفريق بين الذكر والأنثى، وذلك عملاً بقوله -تعالى-: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)[النساء:12].
إذا ترك الميت عدداً من الإخوة لأم، اثنين فصاعداً وعدداً من الأخوات للأم ثنتين فصاعداً، فإن الإخوة والأخوات يرثون الثلث مشاركة بالتساوي، ودون تفريق بين الذكور والإناث، عملاً بقوله -تعالى-: (فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)[النساء:12].
إذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها، فإن البنت ترث نصف التركة، ويرث والدها، (وهو زوج المرأة المتوفاة) ربع التركة، أي أن الأنثى في هذه الحالة ترث ضعف ما يرثه الذكر.
إذا ترك الميت زوجة وابنتين وأخاً له، فإن الزوجة ترث ثمن المال، وترث الابنتان الثلثين، وما بقي فهو لعمهما، وهو شقيق الميت، وبذلك ترث كل من البنتين أكثر من عمهما. (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ272:271).
رئاسة الدولة:
إن رئيس الدولة في الإسلام ليس صورة رمزية للزينة والتوقيع، وإنما هو قائد المجتمع ورأسه المفكر، ووجهه البارز، ولسانه الناطق، وله صلاحيات واسعة خطيرة الآثار والنتائج، فهو الذي يعلن الحرب على الأعداء، ويقود جيش الأمة في ميادين الكفاح، ويقرر السلم والمهادنة، إن كانت المصلحة تقتضيها، وطبيعي أن يكون ذلك كله بعد استشارة أهل الحل والعقد في الأمة؛ عملاً بقوله -تعالى-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)[آل عمران: 159].
ولكنه هو الذي يعلن قرارهم، ويرجح ما اختلفوا فيه؛ عملاً بقوله -تعالى- بعد ذلك: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عمران: 159].
ورئيس الدولة في الإسلام يتولى خطابة الجمعة في المسجد الجامع، وإمامة الناس في الصلوات، والقضاء بين الناس في الخصومات، إذا اتسع وقته لذلك. ومما لا يُنكر أن هذه الوظائف الخطيرة لا تتفق مع تكوين المرأة النفسي والعاطفي، وبخاصة ما يتعلق بالحروب وقيادة الجيوش، فإن ذلك يقتضي من الأعصاب، وتغليب العقل على العاطفة، والشجاعة في خوض المعارك، ورؤية الدماء، ما نحمد الله على أن المرأة ليست كذلك، وإلا فقدت الحياة أجمل ما فيها من رحمة ووداعة وحنان. (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ352:351).
دية المرأة:
دية المرأة المسلم الحرة إذا قتلها أحدٌ خطأً تكون نصف دية الرجل.(المغني لابن قدامة جـ12صـ56). روى ابنُ أبي شيبة عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَتَانِي عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ بنِ الخطاب: "أَنَّ جِرَاحَاتِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ تَسْتَوِي فِي السِّنِّ وَالْمُوضِحَةِ، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ" إسناده صحيح (إرواء الغليل للألباني جـ7صـ307).
ليس معني ذلك أن المرأة أقل قيمة من الرجل، ولكن ذلك لحكمة ربانية سامية.
إن فرض الدية في هذه الحال ليس عقاباً تقدر من خلاله قيمة الحياة الإنسانية في شخص المقتول، إنما هي تسوية حقوقية أريد منها التعويض عن ضرر لحق الأسرة من جراء مقتل فرد فيها، ولذلك كان حكمها داخلاً في خطاب الوضع الذي يسري على المكلفين وغيرهم، وإذا كان الأمر هكذا، فإن التعويض المالي يجب أن تراعي فيه درجة الخسارة المادية ارتفاعاً وانخفاضاً ولا ريب أن خسارة الأولاد بفقد أبيهم الذي كان يعولهم أعظم من خسارتهم بفقد أمهم من هذا الجانب. وكذلك الفرق بين من قتل زوجها، ومن قتلت زوجته خطاً. إن القيمة الإنسانية في كل هذه الحالات واحدة، فإذا كانت الجناية عمداً، فالحكم هو القصاص دون تفريق، أما إذا وقعت خطاً ولوحظ الضرر الناجم منها للأسرة، فإن الأمر عندئذ قابل للتفاوت. (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ359).
خروج المرأة للعمل:
يرى أعداء الإسلام أن الإسلام يمنع المرأة من العمل. فنقول وبالله -تعالى- التوفيق:
الإسلام لا يمنع المرأة من الخروج للعمل، ولا خلاف بين الفقهاء على جواز خروج المرأة للعمل بضوابطه الشرعية. قال سبحانه عن موسى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)[القصص:23].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله -تعالى-: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ)؛ أَيْ: وَلَمَّا وَصَلَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى مَدْيَنَ وَوَرَدَ مَاءَهَا، وَكَانَ لَهَا بِئْرٌ تَرده رِعَاءُ الشَّاءِ (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ) أَيْ: جَمَاعَةً (يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ) أَيْ: تُكَفْكِفَانِ غَنَمَهُمَا أَنْ تَرِدَ مَعَ غَنَمِ أُولَئِكَ الرِّعَاءِ لِئَلَّا يُؤذَيا. فَلَمَّا رَآهُمَا مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، رَقَّ لَهُمَا وَرَحِمَهُمَا، (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا) أَيْ: مَا خَبَرُكُمَا لَا تَرِدَانِ مَعَ هَؤُلَاءِ؟ (قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) أَيْ: لَا يَحْصُلُ لَنَا سَقْيٌ إِلَّا بَعْدَ فَرَاغِ هَؤُلَاءِ، (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) أَيْ: فَهَذَا الْحَالُ الْمُلْجِئُ لَنَا إِلَى مَا تَرَى (تفسير ابن كثير جـ10صـ449).
ضوابط خروج المرأة للعمل:
هناك ضوابط يجب علي المرأة أن تلتزم بها؛ كي تخرج للعمل:
أن يكون خروجها للعمل بإذن الزوج، فالزوجة لا يجوز لها الخروج من منزل الزوجية والعمل بأي عمل كان إلا بإذن زوجها.
أن يكون العمل في ذاته مشروعاً، بمعني ألا يكون عملها حراماً في نفسه أو مفضياً إلى ارتكاب حرام، كالتي تعمل خادماً لرجل عزب، أو سكرتيرة خاصة لمدير تقتضي وظيفتها أن يخلو بها وتخلو به.
أن تلتزم أدب المرأة المسلمة إذا خرجت من بيتها في الزى والمشي والكلام والحركة: قال الله -تعالى-: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)[النور:31]، وقال سبحانه: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)[النور:31]، وقال جل شأنه: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)[الأحزاب:32].
ألا يكون عملها على حساب واجبات أخرى لا يجوز إهمالها، كواجبها نحو زوجها وأولادها، وهو واجبها الأول وعملها الأساسي إن الإسلام لا يُحرِّم على المرأة العمل إلا أنه يفضل لها أن تتفرغ لرعاية بيتها ما دامت لا تحتاج إلى العمل. (شبهات حول المرأة لمصطفى أبو الغيط جـ1صـ368:367).
تعدد الزوجات:
يعتبر تعدد الزوجات مِن محاسن الشريعة الإسلامية المباركة. قال الله -تعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)[النساء:3].
وجوب العدل بين الزوجات:
أباح الله -تعالى- تعدد الزوجات وقصره على أربع، وأوجب العدل بينهن في الطعام والسكن والكسوة والمبيت، وسائر ما هو مادي من غير تفرقة بين غنية وفقيرة، وعظيمة وحقيرة، فإن خاف الرجل الظلم وعدم الوفاء بحقوقهن جميعاً حرم عليه الجمع بينهن، فإن قَدَرَ على الوفاء بحق ثلاث منهن دون الرابعة حَرُمَ عليه العقد عليها.
فإن قدر على الوفاء بحق اثنتين دون الثالثة حرم عليه العقد عليها. وكذلك من خاف الجور بزواج الثانية حرمت عليه لقول الله -تعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)[النساء:3]؛ أي أقرب ألا تجوروا.
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ" حسن صحيح (صحيح أبي داود للألباني حديث:1867).
فائدة:
لا يُوجد تعارض بين ما أوجبه الله من العدل في هذه الآية وبين ما نفاه الله في الآية الأخرى من سورة النساء وهي (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)[النساء:129].
فإن العدل المذكور في هذه الآية هو المحبة. (فقه السنة للسيد سابق جـ2صـ111:110). روى الطبريُّ عن ابن عباس قوله -تعالى-: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) يعني: في الحب والجِماع (تفسير الطبري جـ9صـ286رقم:10636).
قال الإمام الطبري: يعني جل ثناؤه بقوله:(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ) لن تطيقوا، أيها الرجال، أن تسوُّوا بين نسائكم وأزواجكم في حُبِّهن بقلوبكم حتى تعدِلوا بينهنّ في ذلك (تفسير الطبري جـ9صـ284).
قال الإمام القرطبيُّ (رحمه الله): قَوْلُهُ -تعالى-: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) أَخْبَرَ -تعالى- بِنَفْيِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ فِي مَيْلِ الطَّبْعِ بِالْمَحَبَّةِ وَالْجِمَاعِ وَالْحَظِّ مِنَ الْقَلْبِ. فَوَصَفَ اللَّهُ -تعالى- حَالَةَ الْبَشَرِ وَأَنَّهُمْ بِحُكْمِ الْخِلْقَةِ لَا يَمْلِكُونَ مَيْلَ قُلُوبِهِمْ إِلَى بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ.(تفسير القرطبي جـ5صـ406).
وقال ابنُ كثير -رحمه الله-: قَوْلُهُ -تعالى-: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)؛ أَيْ: لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تُسَاوُوا بَيْنَ النِّسَاءِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ القسْم الصُّورِيُّ: لَيْلَةً وَلَيْلَةً، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّفَاوُتِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وعُبَيْدة السَّلْمَاني، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ. (تفسير ابن كثير جـ4صـ305).
حكمة تعدد الزوجات:
شرعَ الإسلامُ تعدد الزوجات لحكم كثيرة وجليلة، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
قد تكون الزوجة عقيماً لا تلد، أو مريضة مرضاً لا يرجى شفاؤها منه، وبينها وبين زوجها حبٌ ومودةٌ، وترغب في استمرار الحياة الزوجية، والزوج راغب في إنجاب الأولاد، وفي الزوجة التي تدبر شؤون بيته.
فهل من الخير للزوج أن يرضى بهذا الواقع الأليم، فيصطحب هذه العقيم دون أو يولد له، أو هذه المريضة دون أن يكون له من يدبر أمر منزله، فيحتمل هذا الغرم كله وحده؟! أم الخير في أن يفارقها وهي راغبة في المعاشرة فيؤذيها بالفراق؟! أم يوفق بين رغبتها ورغبته، فيتزوج بأخرى ويُبقي عليها فتلتقي مصلحته ومصلحتها معا؟! لا شك أن الحل الأخير هو أهدى الحلول وأحقها بالقبول، ولا يسع صاحب ضمير حي وعاطفة نبيلة إلا أن يتقبله ويرضى به (فقه السنة للسيد سابق جـ2صـ118).
وقد يوجد عند بعض الرجال - بحكم طبيعتهم النفسية والبدنية - رغبة جنسية جامحة، إذ ربما لا تشبعه امرأة واحدة، ولا سيما في بعض المناطق الحارة؛ فبدلا من أن يتخذ خليلة تفسد عليه أخلاقه، أبيح له أن يشبع غريزته عن طريق حلال مشروع (فقه السنة للسيد سابق جـ2صـ118).
إن المجتمع في نظر الإسلام كالميزان يجب أن تتعادل كفتاه، ومن أجل المحافظة على التوازن يجب أن يكون عدد الرجال بقدر عدد النساء؛ فماذا نصنع حين يختل التوازن ويصبح عدد النساء أضعاف عدد الرجال؟!
أتُحرم المرأة من نعمة الزوجية و نعمة الأمومة، ونتركها تسلك طريق الفاحشة والرذيلة كما حصل في أوربا من جراء تزايد عدد النساء بعد الحرب العالمية الثانية؟ أم نحل هذه المشكلة بطرقٍ شريفة فاضلة نصون فيها كرامة المرأة، وطهارة الأسرة، وسلامة المجتمع؟ أيهما أكرم وأفضل لدى العاقل أن ترتبط المرأة برباط مقدس تنضم فيه مع امرأة أخرى تحت حماية رجل بطريق شرعي شريف، أم نجعلها عشيقة لذلك الرجل وتكون العلاقة بينهما علاقة إثم وإجرام؟!لا شك أن تعدد الزوجات في هذه الحالة فيه صيانة للمرأة وحفظ لكرامتها (روائع البيان للصابوني جـ1صـ429).
في تعدد الزوجات كثرة النسل، لتعدد محل الحرث، وقضاء الوطر(الجماع)، وفي هذا زيادة في بناء الأمة، ودعم لقوتها، وتعاون على متاعب الحياة، وعمارة الأرض التي جعل الإنسان خليفة فيها، وقد حث الشرع على النكاح تحقيقا للعفة، وكثرة النسل، وصيانة للأعراض، ومحافظة على بقاء النوع (فتاوى اللجنة الدائمة جـ19صـ177).
الطلاق بيد الزوج وحده:
يقول أعداء الإسلام إن جعْل الطلاق بيد الرجل وحده فيه ظلمٌ للمرأة؛ فنقول وبالله -تعالى- التوفيق:
جعل الله -تعالى- الطلاق بيد الزوج وحده لِحكَمٍ عظيمةٍ منها:
قوة عقله وإرادته وسعة إدراكه، وبعد نظره لعواقب الأمور.
قيامه بالإنفاق وكونه صاحب السيطرة والأمر والنهي في بيته، فهو عماد البيت ورب لأسرته.
أن المهْرَ يجب على الزوج، فجعل الطلاق في يده، لئلا تطمع المرأة، فإذا تزوجت وأخذت المهر، طلقت زوجها للحصول على مهر آخر وهكذا، وهذا يضر الزوج، وقد نبه اللهُ على هذا المعنى في قوله -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: 34] (فتاوى اللجنة الدائمة جـ20 رقم 4497 صـ8: 9).
خِتاماً:
أَسْأَلُ اللَّهَ -تعالى- بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصَاً لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرَاً لي عنده يوم القيامة (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) كما أسأله -سُبحانه- أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكرامِ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم