احذروا المجاهرة

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ وجوب قيام المجتمع والعلماء خاصة بواجب الحسبة 2/ الوعيد الشديد للمجاهرين بالمعاصي 3/ خطورة المجاهرة بالمعاصي 4/ عدم الستر على المجاهر بمعصيته 5/ أخطر أنواع المجاهرة بالمعاصي 6/ توعّد الله تعالى لأمم اللهو والغفلة 7/ مصيبة اتباعنا لهم 8/ الأخذ على أيدي السفهاء المنتهكين لحرمة بلادنا   

اقتباس

كُلٌّ تَنَالُهُ عَافِيَةُ اللهِ وَرِضْوَانُهُ إلاَّ مَنْ جَاهَرَ بالمَعَاصِي وَأَعْلَنَهَا واسْتَخَفَّ بِها؛ فَاللهُ -تعالى- لاَّ يُحِبُّ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ ولا مِنْ الفِعْلِ؛ بَلْ يُبْغِضُ ذَلِكَ وَيَمْقُتُهُ وَيُعَاقِبُ عَلَيهِ. ألَمْ يَقُلْ نَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ؟!"...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله بَعثَ الرُّسُلَ إلى سُبلِ الحقِّ هادينَ، وَأَخلَفَهُم بِعُلَمَاء وَدُعَاة إلى سُننِ الهُدى دَاعِينَ, نَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شريكَ لَهُ المَلِكُ الحقُّ المُبينُ، ونشهدُ أنَّ نبيَّنَا مُحمَّداً عبدُ الله وَرَسُولُهُ الصَّادِق البَرّ الأمين, صلَّى اللهُ وسلَّم َوَبَارَكَ عليه، وعلى آلِه وأَصحَابِه وَالتَّابعينَ.

 

أمَّا بعدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].

 

عبادَ الله: إنِّنا مُطالَبونَ بالتَّمسُّكِ بِشَرِيعَتِنا الغَرَّاءِ، والعَضِّ عليها, وَالدِّفاعِ عنها, وتَعْرِيَةِ الْمُفسِدِينَ، الذينَ يَتَلاعَبُونَ بِأَحكَامِها وَمُسَلَّماتِها كيفَما شاءوا.

 

ومُطالبونَ بَواجِبِ الْحِسبَةِ والإنكار، وَالأَخْذِ على أَيدِي الفَاسِدينَ وَالعَابثينَ واللاَّهِينَ, هَذا فَرْضٌ مُحَتَّمٌ على كلِّ مُسْلِمٍ، كُلٌّ حَسْبَ علمِهِ واستطاعتِهِ.

 

ويتأكَّدُ ذلكَ على العُلمَاءِ والفُقهاءِ, وَأَهْلِ القَضَاءِ والإفتاءِ؛ فإنَّ عليهم أَمَانَةً ثقيلةً، فَنَحْنُ اليومَ نَمرُّ بِأَيَّامٍ عَصِيبَةٍ, وَفَسَادٍ يَتَكَشَّفُ في كُلِّ وَقْتٍ, فِتَنٌ أطبقَت غُيومُها، وانْتَشَرَتْ سُمُومُها, اسْتَفْتَحُوا بَابَها.

ولَو علِموا ما يُعقبُ البَغيُ قَصَّروا *** ولكنَّهم لم يفكروا في العواقبِ

 

فَأَمَامَ العُلَمَاءِ قَول اللهِ -تعالى-:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـابَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران:187].

 

وهُم مُستَشعِرُون قَولَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- : "ألا، لا يَمنَعَنَّ رَجُلاً هَيبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحقٍّ إِذَا عَلِمَهُ؛ فَإنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِن أَجَلٍ، وَلا يُباعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يُقالَ بِحَقٍّ، أو يُذكَّرَ بِعَظِيمٍ".

 

فَامْضُوا يَا عُلَمَاءَ الأَمَّةِ وَبَلِّغُوا رِسَالَةَ اللهِ، وَمُرُوا بِالمَعْرُوفِ وَانْهَوا عَن المُنْكَّرِ؛ لِتُحَقِّقُوا الْمَصَالِحَ، وَتَدْفَعُوا الْمَفَاسِدَ وَالقَبَائِحَ، وَللَّهُ يَعْصِمُكُمْ مِنَ النَّاسِ.

 

فَانْصَحُوا لِلرَّاعي والرَّعيَّةِ، وإنَّ السُّكوتَ عن الْمُنْكَرَاتِ, عَيبٌ في أهلِ الإسلامِ, وَدليلٌ على ضَعفِ الإيمانِ, وقِلَّةِ تَوكُّلِهم على المَلِكِ الدَّيَّانِ القائِلِ: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَـاتِ وَلْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّـاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:159-160].

 

عِبَادَ اللهِ:كُلٌّ تَنَالُهُ عَافِيَةُ اللهِ وَرِضْوَانُهُ إلاَّ مَنْ جَاهَرَ بالمَعَاصِي وَأَعْلَنَهَا واسْتَخَفَّ بِها؛ فَاللهُ -تعالى- لاَّ يُحِبُّ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ ولا مِنْ الفِعْلِ؛ بَلْ يُبْغِضُ ذَلِكَ وَيَمْقُتُهُ وَيُعَاقِبُ عَلَيهِ.

 

ألَمْ يَقُلْ نَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ؟!"، سُبحَانَ اللهِ! وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَزَجْرٌ وَتَهْدِيدٌ، لِكُلِّ مُجَاهِرٍ بِالمَعَاصِي والآثَامِ، فَيا تُرَى؛ لِم لَمْ تَسَعْ هذَا عَافِيَةُ اللهِ وَعَفْوُهُ وَرِضْوَانُهُ؟ لِمَاذا اسْتَحَقَّ كُلَّ هَذَا الغَضَب وَالسَّخَطَ مِمَّنْ وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ وَعَافِيَتُهُ السَّمَوَات وَالأَرْض؟! أتَدْرُونَ -عِبَادَ اللهِ- مَا مَعْنى مُعَافَاة اللهِ لِلعَبْدِ؟ إنَّها حِمَايَةُ اللهِ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، يَحْمِي دِينَكَ فَتَذُوق طَعْمَ الإيمَانِ فَلا تُسْلَبهُ فَتَكُونَ مِن الخَاسِرِينَ، يَحمِيكَ فِي دِينِكَ فَتُوَفَّقَ لِسُبُلِ الهِدَايَةِ، وَتَنْجُوَ مِنْ الغِوَايَةِ.

 

يَحمِيكَ فِي دُنْيَاكَ فَيُحَقِّقُ لَكَ الأمْنَ التَّامَّ وَيَعْصِمُكَ مِن الآفَاتِ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].

 

إنَّهَا عَافِيَةُ اللهِ فِي الدِّينِ وَالعِرْضِ، وَعَافِيَةُ اللهِ فِي الجسد وَالأَهْلِ وَالوَلَدِ وَالعَقْلِ وَالمَالِ، لِذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرَاً مَا يَقُولُ: "اسْأَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ".

 

أيُّها المُسْلِمُونَ: كُلُّ مُسْلِمٍ يَجِبُ أنْ يُسْتَرَ عليهِ إلاَّ مَنْ جَاهَرَ بِالمَعَاصِي وَأعْلَنَهَا فَلا سِتْرَ لَهُمْ ولا قَدْرَ وَلا كَرَامَةَ! أتَدْرُونَ لِماذا؟ لأنَّ المُجَاهِرَ مُسْتَخِفٌّ بِاللهِ -تعالى-، إنَّهُ لَمْ يَخْشَ خَالِقَهُ وَرَازِقَهُ المُتَفَضِّل عليهِ، وَفِيهِمْ يَقُولُ اللهُ -تعالى-: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:13]، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "مَا لَكُم لا تُعَظِّمُون اللهَ حَقَّ تَعظِيمِهِ؟". المُجَاهِرُ قَدْ خَلَعَ جِلبَابَ الحَيَاءِ الذي هُوَ مِنْ الإيمَانِ، حَقَّاً: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ!.

 

ألا تَعْلَمُونَ -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- أنَّ المُجَاهِرَ يَدْعُو النَّاسَ بِقَولِهِ وفِعْلِهِ إلى مُقُارَفَةِ الآثَامِ؟ فَهُوَ مِنْ دُعَاةِ الضَّلالَةِ الذي سَيَتَحَمَّلُ  إِثْمَ نَفْسِهِ وَآثَامَ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيِئَاً.

 

عِبَادَ اللهِ: أخْطَرُ شيءٍ في المُجَاهَرَةِ بالمَعَاصِي أنْ يَعْتَقِدَ شَخْصٌ إبَاحَتَهَا وَاسْتِحْلالَهَا، بِحُجَّةِ كَثْرَتِهَا أو قِلَّةِ الإنْكَارِ عَليها؛ فَاسْتِحْلالُ المَعَاصِي خَطَرٌ عَلَى عَقِيدَةِ المُسْلِمِ، فَهُوَ نَوعُ مُحَادَّةٍ للهِ وَرَسُولِهِ، واللهُ -تعالى- يَقُولُ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) [المجادلة:20].

 

حَمَانا اللهُ وَإيَّاكُمْ مِن الفَوَاحِشِ والمَعَاصِي والآثَامِ والفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَنَ، وَباركَ اللهُ لي وَلَكُم فِي القُرآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا جَمِيعَاً بِمَا فِيهِ مِن الآياتِ والنُّذُرِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلُكم وَلِلمُسلِمِينَ مِنْ كُل ِّذَنْبٍ عَظِيمِ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية: 

 

الحمدُ للهِ غافرِ الذنبِ وقابلِ التَّوبِ، شديدِ العقابِ، ذي الطَّولِ لا إله إلاَّ هُو، إليهِ المَصِيرُ. وَنَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له خَالِقُ الخَلْقِ، وَمُدبِّرُ الأَمْرِ، ذُو الفَضْلِ الكَبِيرِ.

 

وَنَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِّيَنا مُحمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، البَشِيرُ النَّذِيرُ, وَالسِّرَاجُ المُنِيرُ، صلَّى اللهُ وسلَّم َوَبَارَكَ عليه، وعلى آلِه وأَصحَابِه وَالتَّابعينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ وإيمانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -يَا مُسْلِمُينَ- حَقَّ التَّقْوى، واحفَظُوا حُدُودَهُ وَحُقُوقَهُ، واعلمُوا أنَّ أجْسَادَنَا وَجُلُودَنا على العَذَابِ والنَّارِ لا تَقْوى.

 

لَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ أُمَّةَ الكُفْرِ وَالَّلهْوِ والغَفْلَةِ فَقَالَ: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر:3]. هَؤلاءِ اتَّبَعُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ.

 

إنَّهُ المُجْتَمَعُ الكَافِرُ الذي لَيسَ لَدَيهِمِ فِي التَّرَفِ وَالتَّرٍفِيهِ أيّ سَقْفٍ ولا ضَابِطٍ،  فَلا يَمْنَعُهُم عَنْ إقَامَةِ مَا يَشَاؤونَ فِي أيِّ وَقْتٍ يَشَاؤونَ وَمَعَ أَيِّ جِنْسٍ يَشَاؤُونَ! بلا أيّ دِينِ وَلا حَيَاءٍ وَلا عَيبٍ وَلا كَرَامَةٍ ولا خُلُقٍ وَلا مُرُوءةٍ ولا عُرف، يَصْرِفُونَ عَلى التَّرَفِ وَالتَّرفيهِ مَلايينَ الدُّولارَاتِ،  حتى أصبحَ عندَهم من أهمِّ وأغنى التِّجاراتِ، وَلا غَرَابَةَ؛ فَقَدْ وَصَفَهُمُ اللهُ بِقَولِهِ: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:44].

 

عِبَادَ اللهِ: أتَدْرُونَ مَا المُصِيبَةُ العُظْمَى؟ المُصِيبَةُ العُظْمَى عِنْدَمَا تَحْذُو دُوَلٌ إسْلامِيَّةٌ وَعَربِيَّةٌ حَذْوَهَمْ فِي تَشْرِيعِ التَّرفِيهِ دُونَ التِفَاتٍ إِلى حَلال أو حَرَامٍ! صَدَقْتَ يا رَسُولَ اللهِ حِينَ قُلْتَ: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ، تَبِعْتُمُوهُمْ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ؟".

 

يَا مُسْلِمينَ: يَا مَنْ رَضِيتُمْ باللهِ رَبَّاً وبِا الإسْلامِ دِينَاً وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيَّاً وَرَسُولاً, يَا مَنْ فِي أَعْنَاقِنَا بَيْعَة لِوَلِيِّ أَمْرِنا على السَّمْعِ والطَّاعَةِ بالمَعْرُوفِ، لا بُدَّ أنْ نَعْرِفَ لِهَذِهِ البِلادِ قَدْرَهَا, وَمَكَانَتَهاَ, وَشَرَفَهَا, فَنَحنُ دَولَةٌ قَامَتْ على التَّوحِيدِ والعَقِيدَةِ, مُحَكِّمَةً شَرْعَ اللهِ, مُتَّبِعَةً سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ, شَرُفَتْ بِخِدمَةِ بَيتِهِ الحَرَامِ، وَبِمَسْجِدِ رَسُول الأنَامِ؛ فَلنَحْذَرْ مِنْ الجَهْرِ بِالمَعَاصِي والآثَامِ، بِحُجَّةِ التَّرْفِيهِ عَنْ النَّاسِ, الذي حَقِيقَتُهُ إفْسَادُهُم وَصَدُّهْم عَنْ سَبِيلِ اللهِ, وإفْسادٌ فِي أَرْضِ اللهِ -تعالى! فَإقَامَةُ الحَفَلاتِ الغِنَائِيَّةِ, وَالأَفْلامِ السِّينَمَائِيَّةِ، والفِرَقِ الهَازِلَةِ, فِسْقٌ وَفُجُورٌ وَمُجُونٌ.

 

وَمَا نَعْلَمُهُ مِنْ وُلاةِ أُمُورِنَا مِنْ العُلَمَاءِ والأُمَراءِ هُوَ مُحَارَبةُ الفَسَادِ والمُفْسِدِينَ, واللهُ -تعالى- يَقُولُ فِي كِتَابِهِ العَظِيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء:58]. فَعَلى الجَمِيعِ الرِّضَا وَالتَّسْلِيم بِأَحْكَامِ الإسْلامِ, والاسْتِسْلامِ للهِ رَبِّ العالَمِينَ.

 

أيُّها المُسْلِمُونَ: أُذَكِّرُكُمُ اللهَ بِأنْ تَقُومُوا بِمَا أوجَبَ وَفَرَضَ عَليكُمْ، فَإنَّهُ إِذَا جَهَرَ  النَّاسُ بِالمَعَاصِي وَلَمْ يُنكَرْ عَليهِمْ، رُفِعَتْ عَنْهُمُ العَافِيَةُ، وَجَاءَهَمُ البَلاءُ، فَلا تَسَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الأَمْنِ والرِّزْقِ وَالرَّخَاءِ! خَطَبَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَا وَضَعَهَا اللَّهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ), وإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرُوهُ، يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ".

 

فَعَاقِبَةُ الَفَسَادِ مَحْتُومَةٌ، وَنِهَايَاتُهَا مَحْسُومَةٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ، وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ".

 

حَقَّاً عِبَادَ اللهِ: "كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ". يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-:"والذي شاهدناه نحنُ وغيرُنا وعرفناه بالتجاربِ أنه ما ظهرتْ المعازفُ وآلاتُ اللهوِ في قومٍ، وفَشتْ فيهم، واشتغلوا بها، إلا سلَّطَ اللهُ عليهم العدو، وبُلوا بالقَحطِ والجَدبِ وولاةِ السُّوءِ، والعاقلُ يتأملُ أحوالَ العالمِ وينظرُ،  واللهُ المستعانُ".

 

فلنحافظْ على هذه البلادِ، من أهلِ الزَّيغِ والفسادِ،  فإذا كَثُرَ الشَّرُ وعمَّ، أحاطَ العذابُ وطمَّ،  قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ".

 

وقد حذَّرنا اللهُ -تعالى- بقولِه: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25].  فنعوذُ باللهِ -تعالى- من سخطِه وعذابِه وعقابِه!.

 

اللهمَّ يا مُسيَّرَ الفُلكِ،  ومَالكَ الملكِ،  احفظ بلادَنا وبلادِ المسلمينَ من كيدِ الكائدينَ،  اللهم اجعلْ كيدَ أعداءِ هذه البلادِ في نحورِهم،  واجعل تدبيرَهم في تدميرِهم يا ربَّ العالمينَ،  اللهم إنا نجعلُك في نحورِهم، ونعوذُ بك من شرورِهم، اللهم من أرادَ بلادَنا بشرٍّ،  فأشغله اللهمَّ بنفسِه. اللهم نعوذُ بك من الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ.

 

اللهم وَفقْ ولاةَ أمرِنا لما تحبُه وترضاه،  اللهم ارزقهم البطانةَ الصَّالحةَ النَّاصحةَ،  اللهم اجعلهم باباً لكلِّ خيرٍ،  وصُدَّ بهم كلَّ شرٍّ،  واحفظْ بهم ديننا وأمنَنا وخيرَنا،  واجعلهم رحمةً للبلادِ والعبادِ.

 

اللهمَّ إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك، وفُجاءةِ نقمتِك، وجميعِ سخطِك، اللهمْ احفظ حُدُودنا وانصر جُودنا واكبت أعداءنا.

 

اللهم اجعل للمسلمينَ من كلِّ همٍّ فرجاً، ومن كلِ ضيقٍ مخرجاً،  ومن كلِ بلاءٍ عافيةً، ومن كلِ مرضٍ شفاءً، ومن كلِ دَينٍ وفاءً، ومن كل حاجةٍ قضاءً، ومن كل ذَنبٍ مغفرةً ورحمةً، إنكَ أرحمُ الراحمينَ.

 

اللهمَّ ادفع عنَّا الغَلا والوَبَا والرِّبا والزِّنا والزَّلازلَ والمحنِ، عن بلدِنا هذا خاصَّةً وعن سائرِ بلادِ المُسلمينَ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: أذكروا الله العظيمَ يذكركم، واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

المجاهرة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات