عناصر الخطبة
1/أساليب غزو الكفار للمسلمين والقضاء عليهم 2/وجوب الحذر من أعداء الإسلام وأساليبهم 3/كثرة أعداء الإسلام 4/حث المسلمين على الأخذ بأسباب القوةاقتباس
أيها المسلمون: لقد تنوعت أساليب أعداء المسلمين في محاولة القضاء على دينهم، ووجهوا إليه ألوانا من الأسلحة، وغزوا المسلمين من كل جهة. غزوا المسلمين بالسلاح العسكري، وغزوهم بالسلاح الفكري، وغزوهم بالسلاح الخلقي، وغزوهم بـ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتيقظوا لما يريده أعداء المسلمين من القضاء على الإسلام بكل وسيلة، وما يدبرونه من مكايد: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[الصف: 8].
أيها المسلمون: لقد تنوعت أساليب أعداء المسلمين في محاولة القضاء على دينهم، ووجهوا إليه ألوانا من الأسلحة، وغزوا المسلمين من كل جهة.
غزوا المسلمين بالسلاح العسكري، وغزوهم بالسلاح الفكري، وغزوهم بالسلاح الخلقي، وغزوهم بالسلاح العاطفي.
غزوا المسلمين بالسلاح العسكري؛ فاعلنوا الحرب على المسلمين، وشنوا الغارة عليهم بأقوى الأسلحة التي تمكنهم الفرصة من استعمالها.
وغزوا المسلمين بالسلاح الفكري، فأفسدوا أفكارا من المسلمين وعقيدة يحاولون تشكيك المسلمين في دينهم، وزعزعة العقيدة من قلوبهم بما ينشرونه من كتب ورسائل، وما يلقونه من خطب ومقالات بالطعن في الإسلام، وقادته أحيانا، وبتزيين ما هم عليه من الباطل أحيانا، فإن اعتنق المسلم ما هم عليه من الكفر والضلال، فذلك غاية مناهم، وتمام رضاهم، قال الله -تعالى- وهو العالم بما تخفي الصدور: (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء)[النساء: 89].
وقال عالم الغيب والشهادة: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)[البقرة: 120].
وإذا لم يعتنق المسلم ما هم عليه من الكفر والضلال، اقتنعوا منه بالشك في دينه والارتياب، وفي ذلك خروجه من الدين، فإن الشك في الدين كفر، ولقد صرح بعضهم بذلك، فقالوا: "إننا نستبعد من المسلم أن يدخل في ديننا، ولكن يكفينا أن يشك في دينه، ثم يخرج منه إلى أي دين يشاء"؛ لأنهم يعلمون أن عز الإسلام هو ذلهم.
وغزوا المسلمين بالسلاح الخلقي، فنشروا بين المسلمين ما تفسد به أخلاقهم، وتسفل به آدابهم، وتكسد به قيمتهم.
نشروا فيهم ما يثير الغرائز والشهوة؛ إما بالأغاني والألحان، وإما بالكلمات الماجنة، والقصص الخليعة.
وإما بالصور الفاتنة، حتى يصبح المسلم فريسة لشهوته يتحلل من كل خلق فاضل وينزل إلى مستوى البهائم، ولا يكون له هم سوى إشباع غريزته، من حلال أو حرام، وبذلك ينسى دينه، ويهدر كل فضيلة، وينطلق مع شهوته ولذاته، إلى غير حدود شرعية ولا عرفية، فينكر للشرع والعادة.
وغزوا المسلمين بالسلاح العاطفي، سلاح المحبة والعطف، فيتظاهرون بمحبة المسلمين، والولاء لهم، والعطف عليهم، ومراعاة مصالحهم، حتى يغتر بهم من يغتر من المسلمين، وتنزع من قلوبهم العاطفة الدينية، فيميلون إلى هؤلاء الأعداء بالمودة والآخاء والقرب والولاء، وينسون قول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ)[الممتحنة: 1].
وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)[المائدة: 51 - 52].
وينسون قول الله -تعالى-: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[المجادلة: 22] .. الآية.
أيها المسلمون: إنه يجب علينا مع هذه التوجيهات الإلهية الصادرة عن علم وحكمة ورحمة: أن لا نتجاهل دليلا واقعيا، يوجب علينا الحذر من أعدائنا، ومن موالاتهم، ذلك هو ما حصل للإسلام من عز وتمكين، فإن أعداءنا لن ينسوا ذلك العز الذي أسقط دولهم، وأزال سلطانهم، واجتاح بلادهم، وظهر على دينهم، حتى يأخذوا بالثأر منه بشتى الوسائل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
أيها المسلمون: إن أعداء الإسلام لا ينحصرون في طائفة معينة ولا حزب معين، إن الكافرين كلهم أعداء الإسلام، وأولياء بعضهم بعضا، يقول الله -تعالى-: (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)[الأنفال: 73].
فالكفر جنس تحته أنواع، ولكل نوع منه أمة تدين به، ما بين يهود ونصارى، ومجوس وصابئين ومشركين، ودهريين، وكلهم أولياء بعضهم لبعض لاتفاقهم على الخروج عن طاعة الله، تشابهت قلوبهم، واختلفت عباراتهم وأساليبهم، فقالت اليهود: (عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ)[التوبة:30].
وقال اليهود: (إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ)[آل عمران: 181].
وقالت النصارى: (إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ)[المائدة:73].
وقال اليهود: (يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ)[المائدة:64].
وقالت النصارى: (إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[المائدة:17].
أيها المسلمون: إن علينا أن ننتبه، وعلينا أن نحذر، وإن علينا أن نعتبر بالأحداث، وإن علينا أن نكون أقوياء في التخطيط والعمل، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير.
إن علينا أن نعد لأعدائنا لكل نوع من هجومهم سلاحه المقابل له، حتى نتمكن من صد هجماتهم في كل وجه، وأن نتدرع بالحذر البالغ خصوصا في هذا العصر، فإن هذا هو ما أمر الله به، قال: (وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا)[النساء : 102].
هكذا يقول الله -سبحانه وتعالى- في دفاعهم، ويقول في طلبهم: (وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ)[النساء: 104].
اللهم إنا نسألك أن تنصرنا على أنفسنا، حتى نستقيم على أمرك، ونسألك أن تنصرنا على أعدائنا، حتى نسعد بظهور دينك، ونسألك اليقظة في الأمور، والحكمة في التدبير، وحسن العاقبة والمصير.
اللهم اجعلنا ممن يحبون فيك ويوالون، ويبغضون من تمقت ويعادون، وهب لنا من لدنك رحمة، واغفر لنا، إنك أنت الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم