عناصر الخطبة
1/ عظم مَكانَةِ صَلاةِ الفَجرِ وفضْلِها 2/ مخاطر إضاعة صلاة الفجر 3/ التَّخَلُّف عَن صلاة الفَجْرِ علامَةٌ من علاماتِ النِّفاقِ 4/ أضرار تضييع صلاة الفجر 5/ المعينات على صلاة الفجر في وقتها .اقتباس
مَا مِن جَدِيدِ لِما سَأذكُرُه عن مَكانَةِ صَلاةِ الفَجرِ وفضْلِها، ولكِنَّها كَلِمَاتُ نُصْحٍ وتَذكيرٍ فَهَلاَّ فَتَحنا لَها قُلوبَنَا وأسمَاعَنا؛ وأيقَنَّا أنَّا نَحنُ المَقصُودُونَ لا غَيرُنا! ذالِكَم لأنَّ صَلاةَ الفَجرِ قد ذُبِحت بالسَّكِينِ مِنْ قِبَلِ كَثيرٍ مِن المُصَلِّينَ. خَاصَّةً معَ قِصَرِ لَيلِ هذهِ الأيامِ وَسُرعَةِ طُلوعِ الشَّمسِ، وَبُعدِ وقتِ صَلاةِ الفَجرِ عن الدَّوامِ وَوقْتِ العَمَلِ! وحتى تَعرِفَ حجمَ المُشكِلَةِ؟ قارِنْ بينَ عَدَدِ المُصَلِّينَ وَقْتَ الفَجْرِ وغَيرِهَا مِن الصَّلواتِ؟ وَبَيْنَ كَذَلِكَ نَوعِ المُصَلِّينَ؟ سَتَرَى عَجَبًا، وأمْرَا مُرهِقَاً! عِلمَاً أنَّ وَقْتَ صَلاَةِ الفَجْرِ هو الوَقْتُ المُؤَكَّدُ لِتَواجُدِ النَّاسِ في مَنَازِلِهم!
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله مُجزِلِ العَطَايا مُسبِل النِّعَم، رافِع البَلايَا دَافِعِ النِّقمِ، يَعلَمُ الخَفَايا ومَا فِي الظُّلَمِ، وَهَدَانا للإِسْلامِ وأَمَدَّنا بِالنِّعَمِ؛ نَشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريك له الملِكُ العَلاَّمُ.
وَنشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ خَيرُ الأَنَامِ، بلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأَمَانةَ وَنَصَحَ الأمَّة وجاهدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حتى آتاهُ اليَقينُ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه، وعلى آله وأصحَابِهِ وَمَنْ سَارَ على نَهجِهِ الأَقوَمِ إلى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بَعدُ: فيا أيُّها المسلمونَ، اتَّقوا اللهَ، فَتقَواهُ أفضلُ مُكتَسَب، وَطَاعتُهُ أعلى نَسبٍ.
عبادَ اللهِ: نِعَمُ اللهِ علينا سَابِغَةٌ وآلاؤهُ بَالِغَةٌ، أعظَمُها نعمةُ الإسلامِ والإيمانِ، حقَّاً: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِنُ كُنتُمْ صَـادِقِينَ). [الحجرات: 17]. فاحمَدوا اللهَ تعالى، أنْ جَعَلَنَا من خَيرِ أمَّةٍ أخرِجَتْ للنَّاسِ، وهدانا لِدِينٍ لَيسَ بِهِ شَكٌّ ولا التِبَاسٌ. تَأَمَّلوا قولَ اللهِ تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) [التكوير: 18].
فَبعدَ ظَلامِ الَّليلِ الحَالِكِ يَتَنَفَّسُ الصُّبحُ المُنيرُ بِضيائِهِ، مُؤذِنًا بِبَدْءِ يَومٍ جَدِيدٍ، وَيُقبلُ الفَجرُ في بِهائِهِ وَيُدَوِّي في السَّمَاءِ نِداءٌ خَالدٌ، الصَّلاةُ خَيرٌ من النَّومِ.
ثُمَّ تَكونُ تلكَ الصَّلاةُ العظِيمَةُ فَاتِحةً لِيومٍ جَديدٍ وسَعيدٍ فِي حَياةِ المُسلمِ، فَدِيُنُ اللهِ يُربِّي أهلَهُ أَنْ يَبدؤُوا يَومَهُم بالطَّاعةِ والإقبالِ على اللهِ تعالى!
أيُّها المُسلِمُ المُستَسلِمُ للهِ تعالى: مَا مِن جَدِيدِ لِما سَأذكُرُه عن مَكانَةِ صَلاةِ الفَجرِ وفضْلِها، ولكِنَّها كَلِمَاتُ نُصْحٍ وتَذكيرٍ فَهَلاَّ فَتَحنا لَها قُلوبَنَا وأسمَاعَنا؛ وأيقَنَّا أنَّا نَحنُ المَقصُودُونَ لا غَيرُنا! ذالِكَم لأنَّ صَلاةَ الفَجرِ قد ذُبِحت بالسَّكِينِ مِنْ قِبَلِ كَثيرٍ مِن المُصَلِّينَ. خَاصَّةً معَ قِصَرِ لَيلِ هذهِ الأيامِ وَسُرعَةِ طُلوعِ الشَّمسِ، وَبُعدِ وقتِ صَلاةِ الفَجرِ عن الدَّوامِ وَوقْتِ العَمَلِ!
أيُّها الأخُ الكريمُ: وحتى تَعرِفَ حجمَ المُشكِلَةِ؟ قارِنْ بينَ عَدَدِ المُصَلِّينَ وَقْتَ الفَجْرِ وغَيرِهَا مِن الصَّلواتِ؟ وَبَيْنَ كَذَلِكَ نَوعِ المُصَلِّينَ؟ سَتَرَى عَجَبًا، وأمْرَا مُرهِقَاً! عِلمَاً أنَّ وَقْتَ صَلاَةِ الفَجْرِ هو الوَقْتُ المُؤَكَّدُ لِتَواجُدِ النَّاسِ في مَنَازِلِهم!
أَخي: هَلْ لِي أنْ أُطَالِبَكَ بِأَنْ تُحصِي مِقدَارَ مَا فَاتَكَ من صَلاةِ الفَجرِ خِلالَ شَهْرٍ واحِدٍ؟ أَتَدْرِي اِحْسِبْ كَم يَومَاً صَلَّيتَ الفَجرَ كَامِلَةً مَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ خِلالَ شَهْرٍ واحِدٍ؟ أَخْبِرنِي كَيفَ كَانَتِ النَّتِيجَةُ؟! ألَيستَ مُحزِنَةً ومُخزِيَةً ومُخجِلَةً؟!
أتَعلَمُ أيُّها المُبارِكُ: دَعْكَ مِنْ هذا كُلِّهِ واستَمِعْ إلى فَضْلِها وَمَكَانَتِها، عَلَّها تُنَشِّطُ هِمَّتَكَ، وتُحيي عَزِيمَتَكَ، وتَطْرُدُ عَنْكَ شَيطَانَكَ وَكَسَلَكَ، يقُولُ أصدَقُ القَائِلينَ: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238].
ألا تَعلَمُ أيُّها المُؤمِنُ: أنَّ صَلاَةَ الفَجْرِ بِها مَجْمَعُ المَلائِكَةِ الكِرامِ وَمحفَلُ الخَيرِ والطَّاعَةِ؟ قالَ تعالى: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78].
وَدُلُوكُ الشَّمْسِ أي: مَيَلانُهَا إلى الأُفُقِ الغَرْبِيِّ بَعدَ الزَّوالِ، يَدخُلَ فِي ذَلِكَ صَلاةُ الظُّهرِ والعَصرِ. وغَسَقُ اللَّيْلِ، أي: ظُلمَتُهُ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ صَلاةُ المَغْرِبِ والعِشَاءِ. ثُمَّ خَصَّ: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أي: صَلاةُ الفَجْرِ، لِفَضْلِ القِراءَةِ فِيها حَيثُ يَشْهَدُهَا اللهُ تعالى، ومَلائِكَةُ الَّليلِ والنَّهَارِ!
تَأمَّل أخي المُباركُ: حَدِيثَ أَبي هُريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ قالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكم مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وملائِكَةٌ بِالنَّهَار، وَيجْتَمِعُونَ في صَلاةِ الصُّبْحِ وصلاةِ العصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ باتُوا فِيكم، فيسْأَلُهُمُ اللَّه وهُو أَعْلمُ بهِمْ: كَيفَ تَرَكتمْ عِبادِي؟ فَيقُولُونَ: تَركنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتيناهُمْ وهُمْ يُصلُّون" (متفقٌ عليه). فَهلَ تَرْضَى بِهؤلاءِ بَدِيلاً؟!
عبادَ اللهِ: صَلاةُ الفَجْرِ نَشَاطٌ وحَيَوِيَّةٌ وَبَرَكَةٌ، وَتَرْكُ الفِرَاشِ ونَفْضُهُ انْتِصَارٌ على النَّفْسِ الأمَّارَةِ وعلى الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ! في الصَّحيحينِ عن أبي هريرة أنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطانُ على قَافِيةِ رأسِ أحَدِكُم إذا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ على كُلِّ عُقْدَةٍ مَكانَها: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فارْقُدْ، فإنِ اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ اللَّه تَعَالَى انْحَلَّت عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوْضأ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّها، فَأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإلاَّ أَصْبحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ".
ألا تَعْلَمُ أنَّ هَذا الخُبْثَ نَاشِئٌ عن الإعرَاضِ عن طَاعَةِ اللهِ؟ وعن انْفِرَادِ الشَّيطَانِ بِالمُتَخَلِّفِ عن صَلاةِ الصُّبْحِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلمينَ. حُقَّ لِلشَّيطَانِ أنْ يَبُولَ في أُذُنيهِ وَيَجْثُمَ عليهِ! ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ: "ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ"، أَوْ قَالَ: "فِي أُذُنِهِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
هَلْ تَعلَمُ أيُّها المُوَفَّقُ أنَّ أَهلَ الفَجْرِ فِي ذِمَّةِ اللهِ وحِفظِهِ وَرِعايَتِهِ وَجِوَارِهِ؟! قال رسولُ اللهِ : "منْ صَلَّى الصُّبْحَ فهُوَ في ذِمَّةِ اللَّهِ، فَانْظُرْ يَا ابنَ آدَمَ لاَ يَطْلُبنَّكَ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ".
عبادَ اللهِ: صَلاةُ الفَجْرِ بَرَكَةٌ لِعُمُرِكَ وَحَيَاتِكَ، فَتَبدَأُ يَومَكَ مُبَكِّرَاً، فَلا مَجَالَ لِلعَبَثِ وإهدَارِ وَقتِكَ إطلاقَا، وأبشِرْ بِدُعاءِ رَسُولِ اللهِ القَائِلِ: "اللهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي في بُكُورِهَا" (رواه التِّرمِذِيّ).
وأبشِر كَذَالِكَ بالنُّورِ التَّامِ لَكَ يَومَ القِيامَةِ، فَهَا هُو نَبِيُّ الرَّحمَةِ يَقُولُ: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَقَال: "بَشِّرْ المُدْلِجِينَ إلى المَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَومَ القِيَامَةِ، يَفزَعُ النَّاسُ ولا يَفزَعُونَ".
يا مُسلِمُونَ: صَلاةُ الفَجْرِ مِنْ مَفَاتِيحِ الجَنَّةِ، وَهَلْ سَعيُ المُسلِمِ إلاَّ لِلجَنَّةِ! عن زُهيْرِ بنِ عِمارَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: "لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها" (رواهُ مُسلِمٌ). يعْني الفَجْرَ والعَصْرَ.
وعن أَبِي مُوسى أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: "مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجنَّة". والبَرْدانِ الصُّبْحَ والعَصرَ. فَأَينَكُم يا شَبَابَ المُسلِمينَ، ويا رِجَالَ الأعمَالِ والمُوظَّفِينَ، أينَكُم يا أَصحَابَ المَحَلاَّتِ والعَامِلينَ؟ أينَكُم مِن هذا الفَتْحِ المُبينِ والنُّورِ العَظِيمِ والصِّراطِ المُستَقِيمِ؟!
فَيا عَبدَ اللهِ: واللهِ إنَّ واحِدَةً مِن هَذِهِ الفَضَائِلِ لَكَافِيَةٌ بِأَنْ تَستَيقِظَ وتَنفُضَ فِرَاشَ الكَسلِ! فَكَيفَ إذَا أَسمَعْتُكَ فَضَائِلَ أُخرَى؟! وَنِعَماً عُظْمى؟!
أسألُ المَولى أنْ يَجْعَلَنا مِمَّن يَستَمِعُ القَولَ فَيَتَّبِعُ أحسَنَهُ، وأنْ يَجعَلَ مُستَقبَلَنا خَيرا من مَاضِينَا، وأنْ يَجعَلَ عِلمَنا حُجَّةً لَنا لا علينا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسَائِرِ الْمُسلِمينَ، مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وتَقصِيرٍ، فاستغفِرُوه وتُوبوا إليه، إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ غَافِرِ الزَّلاتِ، مُقيلِ العَثَرَاتِ: (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَات) [الشورى: 25]، نَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، رَبُّ الأرضِ والسَّمواتِ، ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُه، شَهادةً نَرجو بِها النَّجاةَ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ عليهِ، وعلى آلِهِ وَأصحابِهِ ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المَمَاتِ.
أمَّا بعدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: مِن إِرَادَةِ اللهِ بِعَبدِهِ الخَيرَ أَن يَرزُقَهُ قَلبًا حَيًّا سَلِيمًا، يَألَفُ الحَسَنَةَ فَيَدفَعُهُ إِلى فِعلِهَا، وَيَأنَفُ مِنَ السَّيِّئَةِ فَيَكُفُّهُ عَن اقتِرَافِهَا، قَالَ أَحَدُ السَّلَفِ: "إِذَا رَأَيتَ الرَّجُلَ يَعمَلُ الحَسَنَةَ فَاعلَمْ أَنَّ لها عِندَهُ أَخَوَاتٍ، وَإِذَا رَأَيتَهُ يَعمَلُ السَّيِّئَةَ فَاعلَمْ أَنَّ لها عِندَهُ أَخَوَاتٍ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ تَدُلُّ عَلَى أُختِهَا، وَإِنَّ السَّيِّئَةَ تَدُلُّ عَلَى أُختِهَا".
نَقُولُ هَذَا الكَلام: وَنَحنُ نَرَى قُصُورًا في شَعِيرَةٍ عَظِيمةٍ، وَعِبَادَةٍ جَلِيلَةٍ، هِيَ جُزءٌ مِن مَنظُومَةِ صَّلَوَاتٍ مُتَكَامِلَةِ البُنيَانِ، لا تَنفَكُّ صَلاةٌ عَنْ أُختِهَا، قَالَ: "خَمسُ صَلَوَاتٍ افتَرَضَهُنَّ اللهُ تَعَالى -نعم إنَّها خَمسُ صَلَوَاتٍ، فَلِمَ صارت عندَ بَعضِنا ثَلاثَاً أو أربعاً؟!- خَمسُ صَلَوَاتٍ افتَرَضَهُنَّ اللهُ تَعَالى، مَن أَحسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاَّهُنَّ لِوَقتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ أَن يَغفِرَ لَهُ، وَمَن لم يَفعَلْ فَلَيسَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهدٌ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ".
بَلْ إنَّ رَسُولَنا الأعظَمُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- جَعَلَ التَّخَلُّفَ عَن الفَجْرِ علامَةٌ من علاماتِ النِّفاقِ! عَنْ أُبَىِّ ابْنِ كَعْبٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلاَةَ الصُّبْحِ فَتَفَقَّدَ رِجَالاً فَقَالَ: "أَشَهِدَ فُلاَنٌ". قِيلَ: لاَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ يَعْنِى صَلاَةَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ مِنْ أَثْقَلِ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ. وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا".
وقال ابنُ عُمَرَ -رَضِي اللهُ عَنهُما-: "كُنَّا إذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ في الفَجرِ والعِشَاءِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ".
أيُّها المُؤمِنُونَ: صلاةُ الفجْرِ لا يَستَحِقُّ حُضُورَها إلاَّ الأبرارُ الأخيارُ فَكُنْ أنتَ مِنهُم، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَجْرَ كُتِبَتْ صَلاتُهُ يَوْمَئِذٍ فِي صَلاةِ الأَبْرَارِ، وَكُتِبَ فِي وَفْدِ الرَّحْمَنِ".
اللهُ أكبرُ عبادَ اللهِ: ليستْ هذهِ فَحَسْبٌ! بَلْ إنَّ صَلاةَ الفَجْرِ تَعدِلُ قِيامَ الَّليلِ كُلِّهُ؟! فَعَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ".
فَقَدَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ سُليمَانَ بنَ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلاةِ الصُّبحِ، فمَرَّ عُمَرُ على أُمِّ سُليمَانَ فَقَالَ لَهَا: لَمْ أَرَ سُليَمانَ في الصُّبحِ! فَقَالَت: إنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي الليلَ فَغَلبَتْهُ عَينَاهُ، فَقالَ عُمَرُ: لأَنْ أَشْهدَ صَلاةَ الصُّبحِ في جَمَاعَةٍ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيلَةً.
هنيئِاً لَكُم يأهلَ الفجْرِ: فَأَنتُم مَنْ سَيَرى رَبَّهُ يومَ القِيامَةِ لا غَيرُكُم! فَما أَعظَمَها مِن نِعمَةٍ، وَمَا أَسعَدَهَا مِن لَحظَةٍ! فَعَن جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَلِيِّ قَالَ: كُنَّا عِندَ النَّبِيِّ فَنَظَرَ إِلى القَمرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقَالَ: "إِنَّكُم سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَروْنَ هَذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلبُوا عَلى صلاةٍ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل غُرُوبها فافْعلُوا" يعني صَلاةَ العَصرِ والفَجْرِ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) [طه: 130] (متفق عليه).
هنيئِاً لَكُم يأهلَ الفجْرِ: فَنُفُوسُكُم مُنشَرِحَةٌ، وَوُجُوهُكم مُسْفِرَةٌ، ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ، زَادَكُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ وثَبَّتَكُم على صِراطِهِ المُستقيمِ.
أيُّها المُؤمنونَ: لا شَكَّ أنَّ لِلتَّخَلُّفِ عن صلاةِ الفَجْرِ معَ جَمَاعَةِ المُسلمينَ أضراراً دِينِيَّةً وَدُنيَوِيَّةً، وأنَّ هُناكَ أسبَاباً تُعينُ على القِيامِ بِها على أكمَلِ وَجْهٍ، وأسبَاباً أخرى تُؤدِّي إلى التَّهاوُنِ والتَّفريطِ فيها، علَّنا نُذَكِّرُ بها في جُمُعَةٍ أُخرى، جَعَلَنا الله جَمِيعَاً من المُتعاونينَ على البِرِّ والتَّقوى، وَفَّقَنَا اللهُ جَمِيعَاً لِمَرَاضِيهِ، وَجَعَلَ مُستَقبَلَ حَالِنَا خَيرَاً مِن مَاضِيهِ.
اللهمَّ أقِرَّ عُيونَنا وأَسعِدْ قُلوبَنَا، بِصلاحِ شَبَابِنَا وَفَتَيَاتِنَا، اللهمَّ اجعلنا وذُرِّيَاتِنَا مُقيمِي الصَّلاةِ على الوجهِ الذي يُرضيكَ عنَّا، رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعَاءَ، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
اللهمَّ اغْفِر لِلمؤمِنينَ والمُؤمنَاتِ والمُسلِمينَ والمُسلمَاتِ الأحيَاءِ مِنهم والأَمواتِ، واغفر لنا ولوالدينا، اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وانصر إخوانَنَا المُستَضعفِينَ، اللهمَّ وعليكَ بالطُّغاةِ فإنَّهم لا يُعجِزُونَكَ، اللهمَّ انتقم منهم وخُذهم أخذَ عزيزٍ مُقتدرٍ.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم