عناصر الخطبة
1/ الإيمان بالقضاء والقدر وثمرته 2/ من علامات ضعف الإيمان 3/ عقوبة تقديم رضى الناس بسخط الله تعالى 4/ من أسباب حصول الخوف والخشية 5/ حياة القلب ونعيمهاقتباس
من علم أن المتفرد بالعطاء والمنع هو الله وحده، وأنه هو الذي يرزق بسبب وبلا سبب ومن حيث لا يحتسب - لم يمدح مخلوقًا على رزق، ولم يذمه على منع، ويفوض أمره إلى الله ويعتمد عليه في أمر دينه ودنياه، ويسلم قلبه له، وقد بايع جماعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا يسألوا الناس شيئًا، ولم يبح إلا لضرورة؛ محافظة على كمال الحب لله، وإخلاص التوكل عليه
الحمد لله أهل التقوى والمغفرة، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره.
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، أحشى الناس لربه وأتقى، دل على سبيل الهدى وحذر من طريق الردى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه معالم الهدى، ومصابيح الدجى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واستمسكوا من الإِسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسامكم وأقدامكم على النار لا تقوى.
أيها المسلمون: تفرد الله -سبحانه- بالرزق والعطاء والمنع، وكل ما يجري في هذا الكون بقضائه وقدره، فإذا قَدَّر لعبد رزقًا فسيصله، لا يدفعه كراهية كاره، ولا حرص حريص؛ فكم من إنسان حسده الناس، وحاولوا منع رزق الله عنه فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، قال -صلى الله عليه وسلم-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك" رواه الترمذي.
فمن تحقق ذلك لم يحمد الناس على رزق الله، ولم يذم الخلق على ما لم يؤته الله، بل يفوض أمره إلى الله، ويعتمد عليه في أمر دينه ودنياه.
فكل شيء بقضاء الله وقدره -سبحانه- وبحمده، قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر: 2] من علم أن المتفرد بالعطاء والمنع هو الله وحده، وأنه هو الذي يرزق بسبب وبلا سبب ومن حيث لا يحتسب - لم يمدح مخلوقًا على رزق، ولم يذمه على منع، ويفوض أمره إلى الله ويعتمد عليه في أمر دينه ودنياه، ويسلم قلبه له، وقد بايع جماعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا يسألوا الناس شيئًا، ولم يبح إلا لضرورة؛ محافظة على كمال الحب لله، وإخلاص التوكل عليه.
وفي الحديث عن أبي سعيد -رضي الله عنه- مرفوعًا: "إنَّ من ضعف اليقين أنْ تُرضي الناس بسخط الله، وأنْ تحمدهم على رزق الله، وأنْ تذمهم على ما لم يؤتك الله، إنَّ رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره".
لضعف الإيمان علامات منها: أن تُرضي الناس بسخط الله، فتؤثر رضى الناس من أب أو أم؛ أو نحوهما بما يُسخط الله، فتوافقهم على فعل المعاصي خوفًا منهم أو رجاء لما عندهم؛ وذلك لأنه لم يقم بالقلب تعظيم الله وإجلاله، فآثر رضى المخلوق على رضى الخالق.
ومن علامات ضعف الإيمان: أن تحمدهم على رزق الله، فتشكر الناس إذا أعطوك شيئًا وتنسى الله -عز وجل-، فالله -سبحانه- هو المعطي والمتفضل في الحقيقة.
فالواجب أن يكون القلب مُعلقًا بالله، حامدًا له، فالناس سبب، والمسبب هو الله المتفرد بالرزق، ولا يُنافي ذلك شكر الناس بالدعاء، أو المال؛ لكون الله ساق رزقك على أيديهم فصاروا سببًا في إيصال المعروف كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صنع إليكم معروفًا فكافئوه..." رواه أبو داود.
والثالث من علامات ضعف الإِيمان: أن تذمهم على ما لم يؤتك الله، فتذم الناس لأنهم منعوك شيئًا لم يقدِّره الله لك على أيديهم، ولو قدَّره الله لك لساقه إليك، ولكن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
عباد الله: في الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس" رواه ابن حبان في صحيحه.
إذا طلب العبد رضى ربه بنية صادقة؛ فسعى إلى فعل الطاعات؛ واجتناب المحرمات، وإن غضب عليه الناس؛ فإن الثمرة والنتيجة لتقديم رضى الله على رضى الناس عظيمة؛ فإن الله يرضى عنه، فهو -سبحانه- أكرم الأكرمين، وهذه نعمة جليلة.
ثم إن الله يُرضي عنه الناس، وذلك بما يُلقي في قلوبهم من الرضى عنه ومحبته، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم: 96]
أما من طلب رضى الناس بسخط الله فوافقهم على ترك الطاعات، وفعل المحرمات، فإنَّ الله يعاقبه بأمرين:
الأول: أنَّ الله -سبحانه- يسخط عليه في الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
والثاني: أنَّ الله -سبحانه- يُسخط عليه الناس، وذلك بذمهم وأذيتهم له.
فيجب على المسلم أن يعلم أن العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة لمن طلب رضى الخالق وحده وإن أسخط المخلوقين، والعاقبة السيئة في الدنيا والآخرة لمن طلب رضى المخلوقين بسخط الخالق -سبحانه-؛ فعلى المسلم السعي فيما يرضي الله -جل وعلا-؛ سواء سخط المخلوق أم رضي.
فاحرصوا -رحمكم الله- على ما يُحيي قلوبكم ويشرح صدوركم، وأعظم أسباب شرح الصدر: التوحيد، وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه، قال الله تعالى: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) [الزمر: 22]، وقال تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء) [الأنعام: 125]
فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه.
أيها المسلمون: من أسباب حصول الخوف والخشية من الله أمور منها:
تذكر عظمة الله وجلاله، وأنه شديد العقاب، عزيز ذو انتقام لمن عصاه وخالف أمره.
وكذلك: تذكر الأهوال التي أمام العبد من الموت وسكراته، والقبر وظلمته، والقيامة وأهوالها، وكذلك الدعاء والالتجاء إلى الله -عز وجل-، وقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحلو به بيننا وبين معاصيك" رواه الترمذي.
فإن القلب إذا امتلأ بالخوف والمهابة والإِجلال لله -عز وجل-؛ أحجمت الأعضاء عن ارتكاب المعاصي.
ومما يعين على حصول الخوف: معرفة آثار الذنوب الوخيمة في الدنيا والآخرة، الخـوف من الجزاء وتذكر أنها سـبب في نزع الـبركات وحلول العقوبات.
وفي قراءة كتاب الله -عز وجل- وتدبر آياته عظة وعبرة مع التزود -رحمكم الله- بالعلم الشرعي، وقد وصف الله العلماء بقوله: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [فاطر: 28]
جعلنا الله وإياكم ممن حقق التوحيد من أهل اليقين؛ من التمس رضى الله -عز وجل- وسار على نهجه وأطاع أمره.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 107]
الخطبة الثانية:
الحمد لله يرزق من يشاء بغير حساب، بيده مقاليد الأمور، وإليه يرجع الأمر كله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
قال ابن القيم -رحمه الله-: "قد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته، فقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97] وقد فُسِّرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضى والرزق الحسن وغير ذلك".
والصواب: أنها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإِيمان ومعرفة الله ومحبته والإِنابة إليه، والتوكل عليه، فإنَّه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة، كما كان بعض العارفين يقول: "إنه لتمر بي أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب".
وإذا كانت حياة القلب حياة طيبة تبعته حياة الجوارح، فإنه ملكها، ولهذا جعل الله المعيشة الضنك لمن أعرض عن ذكره، وهي عكس الحياة الطيبة، وهذه الحياة الطيبة تكون في الدور الثلاث: فالأبرار في النعيم هنا وهناك، والفجار في الجحيم هنا وهناك، قال الله تعالى: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ) [النحل: 30] وقال تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود: 3]
فذكر الله -سبحانه وتعالى- محبته وطاعته والإِقبال عليه؛ ضامن لطيب الحياة في الدنيا والآخرة، والإِعراض عنه والغفلة ومعصيته؛ كفيل بالحياة المنغصة والمعيشة الضنك في الدنيا والآخرة.
أسأل الله -عز وجل- أن يحيينا حياة طيبة، وأن يجعلنا من أهل كرامته وطاعته.
هذا، وصلوا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم