أهمية صون اللسان

عبدالله الجهني

2024-11-15 - 1446/05/13 2024-11-16 - 1446/05/14
عناصر الخطبة
1/بيان أهمية صون اللسان عن اللغو والبهتان 2/الحث على حفظ اللسان 3/التحذير من بعض آفات اللسان 4/من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

اقتباس

إنَّ من أعظم آفات اللسان العظيمة القولَ على الله بغيرِ علمٍ، والكذبَ والغِيبَةَ والنميمةَ والبهتانَ وقذفَ المحصَناتِ الغافلاتِ، فزلةٌ مِنْ زلاتِ هذا العضوِ الصغيرِ قد تؤدِّي بالإنسان إلى الهلاك والعَطَب، فليحذرِ العاقلُ ممَّا يجري به لسانُه...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه، وأُومن به ولا أَكْفُرُه، وأعادي مَنْ يَكْفُرُه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم تسليمًا، أرسَلَه اللهُ بالهُدى ودين الحق والنور، والموعظة على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودون من الساعة، وقُرب من الأجل، مَنْ يُطع اللهَ ورسولَه فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط، وضل ضلالًا بعيدًا.

 

أيها الناسُ: اتقوا الله -تبارك وتعالى- وراقِبوه؛ فإنَّه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وتدبَّرُوا كتاب الله المجيد، وما فيه من الوعد والوعيد، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، واذكروا نعمة الله عليكم، فقد فسح في آجالكم لتصلحوا ما فسد فيما مضى من أعمالكم؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فَاطِرٍ: 5].

 

عبادَ اللهِ: كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أفصحَ العربِ لسانًا، وأوضحهم بيانًا، وأعذبَهم نُطقًا، وأسدَّهُم لفظًا، وأبينَهم لهجةً، وأقوَمَهم حُجَّةً، وأعرَفَهم بمواقع الخِطَاب، وأهداهم إلى طرق الصواب؛ تأييدًا ولطفًا إلهيًّا، وعنايةً ربانيةً، ورعايةً روحانيةً، ولم يكن فاحشًا متفحشًا، ولا لعَّانًا ولا طعَّانًا؛ فاللسان -رعاكم الله- عضو من أهم أعضاء الجسد، وهو من نعم الله -تبارك وتعالى- العظيمة على عباده، امتن به عليهم، فهو ترجمان الأفكار والقلوب، وبه يعبر الإنسان عن مَكنونِ نَفْسِه، ويُظهِرُ ما يَحويه قَلبُه وعَقلُه ونَفْسُه مِنَ الخَيرِ أوِ الشَّرِّ، ومِنَ الإيمانِ والكُفرِ، وغَيرِ ذلك مِنْ دَواخِلِ الإنسانِ، وقد أُمِرْنَا بإمساكِ اللِّسانِ عنِ السُّوءِ والشَّرِّ .

 

وإن كَفَّ اللسان وضبطَه وحبسَه هو أصلُ الخيرِ كلِّه، ومَنْ ملَك لسانَه فقد ملَك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه.

 

وما لم يَستخدِم العاقلُ لسانَه فيما يرضاه الله -سبحانه وتعالى- من الكلام، كان وبالًا وحسرةً على صاحبه يومَ القيامةِ، قال -تعالى-: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النُّورِ: 24].

 

وإنَّ مِنْ أبلغِ الوصايا وأقيمِها وأجلِّها وأنفعِها، حديثَ أبي سعيدٍ الخدريِّ -رضي الله عنه- مرفوعًا أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: "إذا أصبحَ ابنُ آدمَ، فإنَّ الأعضاء كلها تُكفِّر اللسانَ، تقول: اتقِ اللهَ فينا، فإنما نحنُ بكَ، فإنِ استقمتَ استقمنَا، وإن اعوججتَ اعوججنا"(رواه الترمذي).

 

وروي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى خليفة رسول الله أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- وهو يمدُّ لسانَه بيدِه فقال له: "ما تصنعُ يا خليفةَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: هذا أَوْرَدَنِي المواردَ، إنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ليس شيءٌ من الجسدِ إلَّا يشكو إلى اللهِ اللسانَ على حِدَّتِه"(رواه البزار، وأبو يعلى، وصححه الألباني رحمهما الله).

 

واعملوا -رحمكم الله- أنَّه ينبغي لكل مكلَّف أن يحفظ لسانَه عن جميع الكلام إلا كلامًا تَظهَر المصلحةُ فيه، ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة، فالسُّنَّةُ الإمساكُ عنه، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خيرًا أو ليصمت"(رواه البخاري)، وقال عليه الصلاة والسلام: "مِنْ حُسْنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعْنِيهِ"(رواه البخاري).

 

قال العلامةُ ابنُ القيمِ -رحمه الله تعالى-: "ومِنَ العجبِ أنَّ الإنسانَ يهونُ عليه التحفظُ والاحترازُ مِنْ أكلِّ الحرامِ، والظلمِ والزنا، والسرقةِ، وشربِ الخمرِ، ومِنَ النظرِ الحرامِ، وغيرِ ذلك، ويصعُب عليه التحفظُ والاحترازُ من حركةِ لسانِه، حتى ترى الرجلَ يُشار إليه بالدِّينِ والزهدِ والعبادةِ، وهو يتكلم بالكلمة مِنْ سخطِ اللهِ، لا يُلقي لها بالًا، يَنزِلُ في النارِ بالكلمةِ الواحدةِ أبعدَ ما بينَ المشرقِ والمغربِ، وكَمْ ترى من رجل يتورَّع عن الفواحش والظُّلم ولسانُه يَفرِي في أعراض الأحياء والأموات لا يبالي ما يقول" انتهى كلامه -رحمه الله-.

 

أيها المسلمون: إنَّ من أعظم آفات اللسان العظيمة القولَ على الله بغيرِ علمٍ، والكذبَ والغِيبَةَ والنميمةَ والبهتانَ وقذفَ المحصَناتِ الغافلاتِ، فزلةٌ مِنْ زلاتِ هذا العضوِ الصغيرِ قد تؤدِّي بالإنسان إلى الهلاك والعَطَب، فليحذرِ العاقلُ ممَّا يجري به لسانُه، مِنَ انتهاكِ حرماتِ المسلمينَ، وإساءةِ الظنِّ، والطعنِ بالنياتِ، والخوضِ بالباطلِ فيهم، ويجب عليه أن يتعود على حفظ لسانه من الوقوع في القيل والقال، حينَئذ سيعتاد عليه ويستقيم أمرُه، ويَسهُل عليه التحكمُ في لسانه وينجو من شرِّه، ولو أن عبدًا اختار لنفسه ما اختار شيئًا أفضلَ من الصمت، فَرَحِمَ اللهُ أمرًا حَفِظَ عن اللغوِ لسانَه، وعن النظرِ المحرمِ أجفانَه، وعن سماعِ الملاهي آذانَه، وعمَّر أوقاتَه بالطاعات، وساعاتِه بكَتْب الحسنات، وتدارَك بالتوبة النصوح ما فات، قبلَ أن يُصبِح وجودُه عدمًا، وصحتًه سقمًا، وعظامه رفاتًا، وحياته مماتًا، في برزخ لا يَبرَح مَنْ نَزَلَ حتى يلحق آخر الخلق أوله، فحينئذ زُلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها، وجُوزيت الخلائقُ بأعمالها، ووُفيت جزاءَ كسبِها وأفعالِها، فطُوبى لعبدٍ قال خيرًا فَغَنِمَ، أو سكَت عن الشرِّ فَسَلِمَ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 16-18].

 

نفعني الله وإيَّاكم بهدي كتابه المبين، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولكافة المسلمين فاستغفروه واسترحموه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الغفور.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد للهِ حمدًا دائمًا مع خلوده، والحمد لله حمدًا دائمًا لا منتهى له دون مشيئته، والحمد لله حمدًا دائمًا لا يوالي قائلها إلا رضاه، والحمد لله حمدًا دائمًا كل طرفةِ عينٍ ونَفَسِ نَفْسٍ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه ودعا بدعوته.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله في السر والعلن، واعلموا -رحمكم الله- أنَّ من محاسن إسلام المسلم وتمام إيمانه ابتعاده عمَّا لا يخصُّه ولا يُهِمُّه ولا يفيده، من الأقوال والأفعال وعدم تدخله في شؤون غيره، وعليه أن يحذر من المعاصي والفواحش ما ظهَر منها وما بطَن.

 

واعلموا -عباد الله- أنَّكم مجزيُّون بأعمالكم، ومحاسَبون على أقوالكم وأفعالكم، وكفى بالله محصيًا أعمالَ عبادِه ومجازِيًا لهم عليها، قال -تبارك وتعالى-: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزَّلْزَلَةِ: 7-8].

 

وصلُّوا وسلِّمُوا على البشير النذير، فقد أمرنا الله بذلك في كتابه المنير، فقال جل من قائل عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهمَّ ارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة أجمعينَ، وأهل بيته الطاهرين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ عَنَّا معهم بمنكَ وإحسانك يا أرحم الراحمينَ.

 

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهمَّ اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عَنَّا سيِّئًا لا يصرف عَنَّا سيئها إلا أنت، واصرف عَنَّا السوء والفحشاء.

 

اللهمَّ إنَّا نسألك اليقين والعفو والعافية الدائمة في الدنيا والآخرة، اللهمَّ أنجَ المستضعفينَ من المسلمين في فلسطين وفي كل مكان، اللهمَّ اشدد وطأتك على اليهود الغاصبين، اللهمَّ اجعلهم عليهم سنين كسني يوسف، اللهمَّ فرق جمعهم، وشتت شملهم، ورد كيدهم في نحورهم، واهزمهم بقدرتك التي لا ترد عن القوم الظالمين.

 

اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، واحفظ إمامَنا خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ووفقهما لهداك، واجعل عملهما في رضاك، ووفق اللهمَّ جميع ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ربَّ العالمينَ، ووفق اللهمَّ رجال أمننا، والمرابطين على الحدود والثغور، وكن لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيدا وظهيرًا.

 

اللهمَّ ارفع عَنَّا الغلاء والوباء، والربا، والزنا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصَّة، وعن جميع البلاد المسلمة عامَّة، اللهمَّ فَرِّجْ همَّ المهمومينَ، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضى المسلمين.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يَزِدْكُمْ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.

 

 

المرفقات

أهمية صون اللسان.doc

أهمية صون اللسان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات