عناصر الخطبة
1/ انتشار حالة مرعبة من الحزن والكآبة على الوجوه 2/ أزمة الصراع العالمي بين الإسلام والكفر 3/ الأمل في بروز قائد للأمة يعيد أمجادها 4/ سمات القائد المنتظر 5/ صناعة الحياة وصياغة النجاح 6/ حكم اعتزال الناس في زماننا 7/ المبادرة الذاتية للإصلاح والتغيير 8/ كن أنت قائد هذه الأمة 9/ تأملات في دور النملة والهدهد في القرآن الكريم.اقتباس
في ظل الأحداث المفجعة، والأزمات الموجعة، وفي أزمة الصراع العالمي بين الإسلام والكفر، وفي عصر الانقسامات والحزبيات، وفي زمن اليأس والقنوط الذي خيَّم بكلكله على قلوب كثير من المسلمين وأطبق على أفئدتهم، في ذلك كله ألا يجدر أن تتحدث الأقلام عن أهمية بروز القائد الذي يصنع الأجيال، ويربي الأبطال، ويبرز المواهب، ويصقل النفوس فيربيها على الإيمان والعمل والجد والاجتهاد، ويعيد إكسير الحياة العزيزة إلى قلوب حطمتها أمم الكفر، وأذاقتها مر الويلات. القائد الذي تنبع أفعاله وأقواله من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ويحكم الناس بلا إله إلا الله...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد: أيها المسلمون: يرتسم في هذه الأيام على وجوه الكثير من أبناء المسلمين حالةٌ مرعبة من الحزن والكآبة، ويسري في نفوسهم دخان الهزيمةَ والوهن، وذلك لما يرونه أو يسمعونه في وسائل الإعلام العالمية بشتى أنواعها، عن صور لمآسي المسلمين في أصقاع المعمورة، فمنهم المقتول قتلاً لا يَحتمل المسلم أن يراه، ومنهم الذي سجن في صورة تأبى النفس البشرية أن تراها لحيوان فضلاً عن أن تراها لإنسان له شعوره وأحاسيسه، ومنهم تلك الثكلى التي فقدت زوجها وأبناءها تحت البيت الذي هدمته أسلحة الدمار التي لا ترحم، وتلك المنكوبة تبكي وتتأوه ولا نصير. صور تتعدد، ومآسٍ تتكرر، اعتادت العين على رؤيتها، والأذن على سماعها.
في ظل تلك الأحداث المفجعة، والأزمات الموجعة، وفي أزمة الصراع العالمي بين الإسلام والكفر، وفي عصر الانقسامات والحزبيات، وفي زمن اليأس والقنوط الذي خيم بكلكله على قلوب كثير من المسلمين وأطبق على أفئدتهم، في ذلك كله ألا يجدر أن تتحدث الأقلام عن أهمية بروز القائد الذي يصنع الأجيال، ويربي الأبطال، ويبرز المواهب، ويصقل النفوس فيربيها على الإيمان والعمل والجد والاجتهاد، ويعيد إكسير الحياة العزيزة إلى قلوب حطمتها أمم الكفر، وأذاقتها مر الويلات.
القائد الذي تنبع أفعاله وأقواله من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ويحكم الناس بلا إله إلا الله. القائد الذي يمسك بزمام المبادرة لنصرة الإسلام، ويتحدث أمام العالم أجمع بأن المسلمين هم الأحق بالصدارة والريادة على جميع الأمم.
القائد الذي يزأر لصرخات المنكوبين، ويستعلي على علو الطغاة والكافرين، وتستروح النفوس لسماع كلماته، وجميل عباراته في إغاظة أعداء الدين.
ذلك القائد الذي يبدأ مفعوله من همة تحاكي القمة، وعزيمة تصنع الإباء، وجرأة بحكمة يسطرها التأريخ.
إنه أمل لأمة تحلم به منذ زمن بعيد، ويا له من أمل!، أمل إليه هفت قلوب الناس في الزمن البعيد. أمل له غور القديم كما له سحر الجديد.
وبعد هذا الطَرق لأوصاف هذا القائد الذي ينتظر المسلمون قدومه من وقت مديد، فإني وبكل صراحة أقول: لِمَ عَوَّدْنا أنفسَنا منذ أن خُلقنا لحالات الترقب والانتظار في أي شيء سيحصل للمسلمين، وأبعدْنا النّجعةَ عن العمل لهذا الدين، وصناعة الحدث، وصياغة القرار؟ لماذا إذا قرأنا عن القائد الذي سيقود الأمة إلى بر السلام والأمان قلنا: ومتى يأتي فلطالما انتظرناه، وهفت قلوبنا للقياه؟ وهو ابن من؟ وما أوصافه؟ وما هي مؤهلاته؟ ومن أي بلد هو؟ وأين يقطن؟. إلى غيرها من الأسئلة والاستفسارات التي ترطن بها ألسنتنا، وتبوح بها أفئدتنا، ونبقى نكررها إلى أن يوافينا الأجل.
ألم تفكر أيها الأخ الكريم أن تكون هذا الرجل المنتظر، والقائد المظفر؟!. نعم! لِمَ لا يكون هو أنت؟! فيغير الله على يديك ميزان التاريخ لصالح المسلمين، ويصلح بك الرحمن هذا العالم، بعد همة ومثابرة وعزم وتصميم وعلم وعمل؟. لقد حان هذا الوقت لتضرب بيدك على صدرك، قائلاً بأعلى صوتك للقيادة القادمة: أنا لها. وتردد منشداً:
ما دام عرقي نابضاً *** لن تعرف النفس ارتياح
إنها صناعة الحياة، وصياغة النجاح التي تجعلك كبيراً عند ربك، وكبيراً في تفكيرك، وكبيراً عند مجتمعك، بل كبيراً في كل شيء. تخرج للناس لتعلمهم درساً لن ينسوه بأنه: "رب همة أحيا الله بها أمة".
بُغْضُ الحياة وخوفُ الله أخرجني *** وبيع نفسي بما ليست له ثمنا
إني وزنت الذي يبقى ليعدله *** ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا
وكأني بسؤال يدور في خيالك، ويسيح في بالك، فينطق به لسانك قائلاً:
وهل أنا أصلح لهذه القيادة، ثم هل أستطيع بفردي أن أنفع أمة الإسلام، وأصلح على يدي فئاماً من البشر قد ركنوا إلى الدنيا وابتعدوا عن منهاج ربهم الذي رسمه لهم؟ فأقول لك بملء فمي: نعم!. فلِمَ الاحتقار للذات، والانكفاء على النفس، والعزلة عن فعل الخير، والانكماش والانغلاق، وعدم محاولة الإصلاح والكفاح؟!
ودعني أوضح لك حقيقة لا بد أن أبين عورها، وأكشف ضررها، وهي: إن من مشكلات هذا الزمن الصعب، مشكلة التفكير الخاطئ، وذلك بأن يرسم المرء لنفسه خطة يسير عليها في حياته، ومن ثم يطبقها على أرض الواقع، وهي من ألفها إلى يائها غلط في غلط.
وخذ مثلاً: ها أنت ترى بعضاً ممن هم حولك يقولون في مجالسهم إننا في زمن انطبق فيه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن". (رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه).
ثم يسوقون أحاديث العزلة التي ذكرها الخطابي، وابن أبي الدنيا -رحمهما الله- في كتابيهما "العزلة"، ومن ثم يقولون: نحن في زمن جدير بنا أن نعتزل أهل الفساد في شرهم، فلن نستطيع التغيير، ولن يجدي الإصلاح شيئاً. مرددين قول الشاعر:
ذهب الذين يُعاش في أكنافهم***وبقيتُ في خَلَفٍ كجلد الأجربِ
ولا شك أن هذه العقلية ليست هي عقلية المجدد القيادي الذي يقيم الله به الدين، وينصر به الملة.
غير أنه من الجيد أن يعرف الإنسان نفسه، فبعض الناس وهم قلة ولله الحمد لا يستطيعون الإصلاح، ويخشون على أنفسهم من الفتن، ويرون أن السلامة هي الابتعاد عنها، وعدم مخالطة أهلها، وهذا علاج نافع لهم، وهم القلة.
لكن من الخطأ ظن بعضنا أن الذي يعتزل الناس ولم يصبر على أذاهم أفضل من ذلك الذي يخوض معامع المعارك، وصولات الحق على الباطل، ومراغمة الكفار وأهل البدع، ومناصحة المؤمنين، وتعليم الناس العلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح في جميع نواحي الحياة.
كلاَّ. فلا مقارنة بين عابد معتزل، وقائد يقود الناس بالكتاب الهادي، والسيف الناصر مع الأذى والابتذال، فأين الشرق عن الغرب، وأين السماء عن الأرض؟! لذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم". (رواه الترمذي).
فأقول: فأنت تستطيع أن تعمل، وتكون قائداً ينفع الله بك، وكل الذي تحتاج إليه أن تنفث في واقعك همة من هممك، وتحاول أن تصلح وتغرس، فتحيي الموتى في حياتهم، وتستنهض همم الباقين.
فانهض فقد طلع الصباح، وكثير من الناس في سبات عميق، وبُعدٍ عن منهج الله ودينه سحيق، هذا مع تبلد الإحساس وحب الدَّعة والراحة والله المستعان.
وكأني بك وقد اقتنعت ببعض ما ذكر، ولكن بقي لديك إشكال وهو قولك: كيف وأنا فرد أستطيع أن أهدي أمة من الأمم، وأصلح شعباً من الشعوب، كيف يكون ذلك؟!.
الجواب: سأذكر لك موقفين ذكرهما الله في كتابه العظيم تكمن فيهما الإيجابية الفعالة في المبادرة الذاتية للإصلاح والتغيير.
الموقف الأول: تأمل وأنعم النظر في موقف النملة الإصلاحي في هذه الآيات الكريمة من سورة النمل: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِين) [النمل : 17-19].
في هذه الآيات الكريمات فوائد تتعلق بما نحن بصدده:
هذه النملة مفردة، وقد ذكرها الله في كتابه بصيغة التنكير، فهي نكرة في قومها كما هو ظاهر الآية، فليست ملكة أو وزيرة بل هي نملة من عوام النمل. هذه النملة أتت إلى قومها صارخة فيهم منذرة قائلة: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون)، فأخبرتهم بقرب وقوع خطر سيحيق بهم ويقضي عليهم وهم لا يعلمون.
ولم تكتفِ بالإنذار بأن هناك خطراً سيداهم عشيرتها ثم تصمت كما هو حال بعض المسلمين اليوم يعي أن عدوه سيأتيه فلا يكون حاله إلا أن يصيح قائلاً: "احذروا الكفار فإنهم قادمون"، ثم يرجع إلى فراشه ويغط في نوم عميق دون أي عمل يدفع به كيد الكفار.
إن هذه النملة لم تتقن فن الكلام فحسب، بل وضعت خطة لقومها، فقالت: (ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُم)، ورأت أن المصلحة في كيفية درء المفسدة عن قومها بتبيين طريق النجاة لهم حتى لا يضلوا فيقعوا في شباك الصيد، وتحت وطأة أقدام الجيش القادم.
والمعتبر بحال النملة يجد أن عندها نسيج الولاء لقومها، ومحبتهم كما تحب نفسها، فليست أنانية، بل تحب الخير لقومها، ولذا أنذرتهم جميعاً ولم تقل: "دعهم يهلكوا وهذا جزاؤهم لأنهم لم يهتموا بحراسة أنفسهم" كلاَّ.
بل أنذرتهم جميعاً، ولم تستثن أحداً. ثم هذه النملة لم تنتظر أن يأتي أحد من قومها أو ممن يحرس وادي النمل ذاك، ويخبر النمل بأنه سيأتي جيش يحطمنا ويبيدنا، بل كانت عندها روح المبادرة الذاتية، في المسارعة إلى إنقاذ قومها وإقصائهم عن مواطن الهلاك.
فانظر أيها الأخ إلى هذا الموقف ودقق النظر فيه لعلنا أن نتأسى به ونعتبر، ونعلم أن على الفرد مسؤولية يجب القيام بها، وأنه يستطيع أن يقود أمة كاملة بحسن تصرف وجميل تعبير.
ولو خرج المتأمل لهذه القصة بفائدة صحبة معلمي الخير لقومهم والمصلحين لأمتهم والابتعاد عن رفقاء السوء، ومتربصي الشر والفتن لخرج بفائدة لا ينساها طوال حياته، وقد قيل:
لا تصحب الكسلان في حالاته *** كم صالح بفساد آخر يفسد
عدوى البليد إلى الجليد سريعة *** كالجمر يوضع في الرماد فيخمد
فإياك ومصاحبة البطّالين، وأهل الزيغ والهوى والنفاق فإنه سم ناقع، وعلقم مر.
بارك الله ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: الموقف الثاني: هذا موقف آخر أنقلك به إلى موجة أخرى من موجات الإصلاح وعمليات التغيير لكي ترى أن من في قلبه شعلة إيمانية فلن تنطفئ عندما يرى الظلام المخيم على أكثر أهل الأرض من الكفر والنفاق.
وزبدة ذلك أن سليمان -عليه السلام- حينما كان يتفقد الطير ولم يجد الهدهد قال بلهجة حادة: (مَا لِيَ لاَ أَرَى الهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الغَائِبِينَ، لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِين) [النمل: 20- 21]، فجعل سليمان -عليه السلام- هذا العقاب للهدهد إما بالعذاب الشديد أو الذبح المريع له، أو أن يأتي بخبر مبين.
وبينما هو كذلك جاء الهدهد وكان متأخراً لمهمة أحاط بها علماً ولم يعلمها سليمان عليه السلام فقد جاء من سبأ بنبأ لا شك فيه.
ومن قوة ملاحظته لنبأ سبأ أنه وجد امرأة تملكهم ولعل هذا من استغرابه وأنها أوتيت من كل شيء من الرخاء والترف والحياة المخملية، وفوق ذلك كله عرش تجلس عليه. والطامة الكبرى الذي أدى إلى تأخر الهدهد عن الحضور مبكراً أنه رأى تلك الملكة وقومها يعبدون الشمس من دون الله، وهو شيء تأباه العقول السليمة والفطر المستقيمة، فكأن تلك العبادة استوقفت ذلك الهدهد عن الطيران والتبكير للمجيء في موعد تفقد سليمان عليه السلام لجنده. ثم بين الهدهد عقيدته صادحاً بها أمام سليمان عليه السلام بقوله: (أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُون) [النمل: 25].
ويا له من درس عظيم ألقاه هذا الهدهد في التوحيد لا يعلمه كثير ممن ينتسب إلى الإسلام. ومع ذلك كله قال سليمان عليه السلام: (سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكَاذِبِين) [النمل : 27]، فابتلى الله الهدهد بعد تصديق سليمان -عليه السلام- له، وذلك يوحي والعلم عند الله أن صاحب الدعوة إلى توحيد الله لا بد أن يُبتلى في حياته، وأن دعوته تلك لن تمر دون تمحيص وابتلاء ليعلم الله الصادق من الكاذب.
وبعد عدة مراسلات من سليمان عليه السلام لتلك الملكة، أقرت بوجود الله وألوهيته على الخلق أجمعين، وأنه لا مستحق للعبادة قط إلا هو سبحانه وذلك بقولها: (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِين) [النمل : 44].
فتدبر أيها اللبيب فعل ذلك الهدهد الغيور على التوحيد، وارجع البصر كرتين في تأمل موقف ذلك الطائر فقد سرى بدمه حب (لا إله إلا الله) ودافعية الدعوة إليها، والصبر على الابتلاء فيها، فأين نحن وغيرتنا على دين الله من الهدهد؟.
وتالله إنه لمشروع عظيم قام به هذا الطائر ليصلح الله به أمة كانت تعيش في مستنقعات الكفر، وبيداء الضلالة، فإياك إياك أن يحمل هذا الطائر همَّ دين الله في صدره أكثر منك أيها الموحد، وقد وصاك الإمام أبو معاذ الرازي -رحمه الله- بذلك فقال: "لا يكن الهدهد أغير منك على التوحيد".
ضربت لك هذين المثلين ليتضح لك أنه قد يصنع المواقفَ الجبارة حشرة أو طائر، فما بالك بإنسان أعطاه الله جميع الصفات والقوة العقلية والجسدية، إنه يستطيع بدون أدنى ريب أن يصنع الكثير، وأن يبدع الإبداع العظيم، ولو كان مشلولاً أو أعمى، فإن عنده العقل وهو آلة التفكير ومصنع العمل.
وما أنت بالمستسيغ القعود *** ولو قيدوك بهذي الحفر
ولله درُّ المتنبي حين قال في ميميته الرائعة مادحاً الباحثين عن المتاعب بلا ملل ولا سأم:
عجبت لمن له حد وقد *** ينبو نَبْوة القضم الكهامِ
ومن يجد الطريق إلى المعالي *** فلا يذر المطي بلا سنامِ
ولم أر في عيوب الناس عيباً *** كنقص القادرين على التمامِ
اللهم ..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم