أمل ورجاء رغم البلاء

الشيخ خالد أبو جمعة

2024-11-01 - 1446/04/29 2024-11-03 - 1446/05/01
عناصر الخطبة
1/الدنيا دار ابتلاءات ومحن 2/على المسلم أن يسلم لقضاء الله وقدره 3/حياة الظالم بين خوف وقلق دائمين 4/وجوب أخذ العبر والعظات من التاريخ 5/الأمل في الله رغم المحن المتوالية 6/مواساة لأهلنا في غزة هاشم 7/القدس وبيت المقدس خاص بالمسلمين وحدهم

اقتباس

إن الله -عز وجل- توعَّد الظالمين بعذاب أليم في الدارينِ، وهذا هو عزاء المظلومينَ، فمن آثار الظلم على الظالم أن الظالم لا يهنأ بحياة، فهو دائم القلق، ودائم الشعور بالخوف، خوفٍ من انتقام المظلومينَ، ومِنْ دعواتهم التي لا تُرَدُّ...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، مُعِزِّ الإسلامِ بنصرِه، ومستدرِجِ الكافرينَ بمكرِه، ومُذِلِّ الشركِ بقهرِه، ومُصَرِّفِ الأمورِ بأمرِه، كلٌّ بقضاءِ اللهِ وقَدَرِهِ؛ (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)[الْأَنْعَامِ: 91]، سبحانه وبحمده، لا إلهَ إلَّا اللهُ، أحمده على القَدَرِ خيرِه وشرِّه، وأشكرُه على القضاءِ بحلوِه ومُرِّه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، العظيم في قدره، الحكيم في قضائه، العزيز في قهره؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ)[الرُّومِ: 25]، لا ربَّ لنا سِواهُ، ولا نعبدُ إلَّا إيَّاهُ، مخلصينَ له الدينَ، ولو كَرِهَ الكافرونَ.

 

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا، محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، ومصطفاهُ وخليلُه، نبيٌّ شرَح اللهُ صدرَه، ورفَع له ذِكرَه، وجعَل الذلةَ والصَّغارَ على مَنْ خالَف أمرَه، صلى الله عليه، وعلى آل بيته البررة، وعلى التابعينَ وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ، يا عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فاتقوا الله -رحمكم الله-، فكفى بالله وليًّا، وكفى بالله وكيلًا، وكفى بنبينا -صلى الله عليه وسلم- مُبلِّغًا ورسولًا، وكفى بالقرآن منهجًا ودليلًا، وكفى بالموت واعظًا، ولكل حي سبيلًا، فاتقوا الله، واعتصموا بحبل الله، وتوكلوا على الله في كل أموركم؛ (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[الْمُجَادَلَةِ: 10].

 

أيها المرابطون: تلك هي الدنيا، تُضحك وتُبكي، وتُجمِّع وتُشتِّت، شدةٌ ورخاءٌ، سراءُ وضراءُ، تتنوع فيها الابتلاءات والفتن، ولا تخلو من المصائب والمحن؛ (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 35].

 

نعم أيها المصلون، المرابطون في أرضكِم؛ أرضِ الإسراء والمعراج: إذا فجعتكم المصائبُ، واستحكمت الأزماتُ، ونزلت بكم الهمومُ، وادلهمتِ الخطوبُ، وأظلمتِ الدروبُ، وترادفتِ الضوائقُ، فلا مخرجَ لنا إلا بالإيمان بالله، والتوكل على الله، وحُسْن الصبر، والرضا، والتسليم لرب العالمينَ، فقد قدَّر اللهُ -عز وجل- وقضى، فالرضا من أعلى المنازل، فارضوا بقضاء الله وقدره، وسلِّمُوا أمرَكم لله؛ (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا)[التَّوْبَةِ: 51]؛ فذلك هو النور العاصم من التخبُّط، وهو الدرع الواقي من اليأس والقنوط.

 

عبادَ اللهِ: إن الله -عز وجل- توعَّد الظالمين بعذاب أليم في الدارينِ، وهذا هو عزاء المظلومينَ، فمن آثار الظلم على الظالم أن الظالم لا يهنأ بحياة، فهو دائم القلق، ودائم الشعور بالخوف، خوفٍ من انتقام المظلومينَ، ومِنْ دعواتهم التي لا تُرَدُّ، وهذا ما أخبرنا عنه الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- عندما بعَث معاذَ بنَ جبل إلى اليمن فقال: "يا معاذُ، اتقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب"، فانظر بعدها إلى المصائب والبلايا التي تصيب الظالم من دعاء المظلومين، ومن ابتهالهم إلى رب العالمين، مصائب عظيمة كبيرة، والظالم حين يتمادى في بطشه، ويغتر بنفسه، ويعتز بقوته، يتحدى الله، وأنَّه أقوى من الله، كما فعل فرعون، ومن اتصف بصفة فرعون، مآله إلى الهاوية، فقد كتب على نفسه الهلاك، وأقر بالخسف، فيسحق ويمحق؛ لأن سهام الله -عز وجل- ساحقة ماحقة، سهام الله -عز وجل- تبيد وتفني من يتجرأ على الله، سهام لا تبقي ولا تذر.

 

أيها المصلون: التاريخ مدرسة حكيمة لمن أحسَن قراءتَه، وتأمَّل عِبَرَه، واستفاد من وقائعه، فأحداث السنين، وأنباء السابقين، وتجارب الأمم، وتقلبات الدول، هي دروس بليغة يستزيد منها العقلاء، ويهملها الأغبياء، فالأحداث تتكرر، والتاريخ يعيد نفسه، بشخوص أخرى، والعاقل من اعتبر بغيره، والشقي من اعتبر بنفسه، أمم عاثت في الأرض أزمانًا، ثم هلكت وبارت، جحافل من الكفر والطغيان سارت في الأرض فأوغلت وتمادت، ثم أفلت واندثرت، ملوك ودول ذات حضارات عظيمة، سادت وحكمت دهرًا طويلًا، ثم اضمحلت وبادت، وقامت للظالمين وللمتجبرين وللمعتدين صروح مهيبة، وسيطرة كبيرة، فبطشت ونكلت، ثم محقت وزالت، هذا ما أخبرنا به القرآن العظيم، عن حال الأمم الطاغية الباغية، كيف حلت به المثلات، وحقت عليهم كلمة العذاب، فأصبحوا أثرًا بعد عين؛ (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا)[مَرْيَمَ: 98].

 

وفي صراع المسلمين الطويل مع أعدائهم، وقائع عظمى، وأحداث كبرى، يتجلَّى فيها من العبر والعظات، ما ينبغي للأجيال المسلمة أن تتأمله، وأن يتفكر فيه كل مسلم، نصر بعد هزيمة، عز بعد ذل، سيادة وريادة بعد تأخر وانكسار، في تاريخنا أيام مجيدة تليدة، وأيام أخرى مؤلمة حزينة، عسر ويسر، شدة ورخاء، ولكن العاقبة دائمًا للمؤمنين، والأيام دول؛ (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)[آلِ عِمْرَانَ: 140].

 

ولا ينبغي للمسلم أن يتوقف مع الأحزان طويلًا؛ فالله -سبحانه وتعالى- وضع لنا أُسُسًا قرآنية في كتابه العزيز، تُبيِّن لنا أن الكونَ يخضع لسنن كونيَّة ثابتة، ولقواعد إيمانيَّة راسخة، لا تتغير ولا تتبدَّل، ومن هذه الحقائق هذه الآية العظيمة: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 139]، فلا شك أن معرفة تلك الحقيقة، ونشرها يؤدِّي إلى تفعيل الأثر الإيماني في قلب كل مسلم، فهذه الآية الكريمة تحرك القلوب، أثرها يظهر بتوطيد الثقة بالله، والتعلق بالله، وهذه سنة الله -تعالى-، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 62]، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)[فَاطِرٍ: 43]؛ فالعقوبات الإلهية سنة من سنن الله الثابتة الظاهرة؛ كما قال تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا في الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 137]، وكتب التاريخ مليئة بمصارع الظالمين، وبنهاية الطغاة المفسدين.

 

أيها المصلون: لقد مر بنبينا، بحبينا، برسولنا -صلى الله عليه وسلم- أيامٌ كان لا يرقأ له فيها دمع، فقد أُوذي في نفسه، وتكلموا في عِرضه، وأُخرِجَ من بلده، وتسلَّط عليه السفهاءُ والحمقى، وتعرَّض لحملات ظالمة، ولإعلام مُضلِّل، ومع ذلك كان النصر حليفه، والتوفيق رفيقه، وتعرَّض أصحابُه -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم-، لكل أنواع الظلم والبلاء؛ من القتل والإيذاء، والتعذيب والاضطهاد والحصار، والتهجير، وللهدم وللردم لبيوتهم في مكة، وغيرها من الأذى والبلاء، فكان بلاؤهم شديدًا، ومحنتُهم عظيمة، وقد أراد الله لهم ذلك؛ فقد قضى وقدَّر؛ ليمحصهم ويرفع من درجاتهم، في الدنيا والآخرة.

 

عبادَ اللهِ: إن فتنة المسلمين في دينهم، لها تاريخ قديم، يتكرر ويتجدد في كل جيل، فقد خرجت قريش بقدِّها بقَدِيدِها إلى بَدْرٍ للقضاء على الثُّلَّة المؤمنة، فخابوا وخسروا، وجاءت غزَّة أُحُد، واستُشهد من الصحابة سبعون، على رأسهم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه-، فهل انتهى الإسلام؟! وهل ماتت هذه الأمة؟! لا، لم تمت هذه الأمة؟! ثم تحزبت الأحزاب بعشرة آلاف لمحاصرة المدينة، واستئصال المسلمين، فرجعوا خائبين ومنكسرين، فهل ماتت هذه الأمة؟! لا والله، لم تمت، ولن تموت؛ فالله متم نوره ولو كره الكافرون، والله متم دينه ولو كره المعتدون.

 

أيها المرابطون: هذه الأمة باقية إلى يوم القيامة، فاطمئنوا، ولا تخشوا على دينكم؛ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)[الْبَقَرَةِ: 143]، فديننا باق، وقرآننا محفوظ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يُوسُفَ: 21].

 

أيها المسلمون: لقد بلَغ الحالُ بالأعداء، إلى أن يتخلوا عن إنسانيتهم وآدميتهم، فعامَلُوا الإنسانَ كأنه قطعة خشب، ينشرونه نصفين، أو يُمشِّطُونه بأمشاط من حديد، تنزع لحمه عن عظمه، أو يُحرِّقونه في النار؛ فالعدوُّ لا يُفوِّت فرصةً لإيذائه القولي والفعلي والمعنويّ للمسلمين، وها هي سنة كونيَّة لا تتبدَّل؛ فالأحداث تُعِيد نفسَها، والْمَشاهِد مُعادة، والأحوال متكررة متجددة.

 

هنيئًا لكم يا أهلنا في غزَّة هاشم، هنيئًا لكم يوم تنادون غدًا: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرَّعْدِ: 24].

 

عبادَ اللهِ: في ظل هذه الظروف، تيقنا أن جميع أبواب الدنيوية قد أغلقت في وجهنا، فما ثم إلا باب الله، ونحن على بابه واقفون.

 

أيها الواقف على باب الله العظيم، في هذه الحرب القاسية: سلامُ اللهِ عليكَ ورحمتُه وبركاتُه، سلام الله على كل مسلم ومسلمة في أرض بَيْت الْمَقدسِ، سلام الله ورحمته عليك أيها المبتسم رغم التشوه في وجهك، سلام الله ورحمته عليك أيها المتجذر في أعماق الأرض كشجرة الزيتون، بعزة وكرامة وإباء وكبرياء، رغم فِقْدَان أهلك وبيتك، سلام الله ورحمته عليك أيها المتفائل رغم ضياع حالك، ورغم تحطم قلبك، أيها الراضي رغم مرضك وجوعك، سلام الله عليك، أيها الماضي بعزم وهمة رغم انكسار في ظهرك، سلام الله ورحمته عليك أيها الطفل اليتيم، تصول وتجول، تغدو وتروح، تقبل وتدبر، حاملًا بيدك الضعيفة إناء للشرب، مثقوب بلا غطاء، اعتلاه الغبار، سلام عليك وأنت تبكي بحرقة تذيب الشم من الجبال، سلام الله ورحمته عليكِ أيتها الطفلة الصغيرة، التائه بين الدروب والطرقات، بقدمين حافيتين، ممزقة الثياب، مرهقة منهكة، تحمل أختها الصغرى على كتفها النحيل، تبحث عن طبيب أو مسعف أو ممرض؛ لإسعاف شقيقتها، لكم الله يا أهل الشموخ في غزَّة الباسلة، لقد رأى العالم بأجمعه معاناتكم، وسمعوا أصواتكم، دون أن يحركوا ساكنًا، عالم أعمى، يعيش في دُنيا صماء، يعيش مع الأغاني والمسلسلات، والرقص والحفلات والسهرات، لكم الله ولنا الله الواحد الأحد، القاهر القادر، نحن نفوض أمرنا إلى ربنا، تفويضا صادقًا واثقًا بعونه ونصرته، وإن شاء الله سنرى في كل محنة منحة، وخلف كل ضيق فرجًا ومخرجًا، وبعد كل عسر يسِرًّا؛ (لَتُبْلَوُنَّ في أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[آلِ عِمْرَانَ: 186].

 

نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من أوليائه وأحبابه، وأن يكفينا شر أعدائه، إنه سميع مجيب، أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ لي ولكم فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، وعَد المؤمنين بالنصر والتمكين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، المبعوث رحمةً للعالمينَ، والعاقبةُ للمتقينَ، ولا عدوانَ إلا على الظالمينَ.

 

أيها المرابطون: أصدقُ الوعدِ وأنجزُه وعدُ اللهِ؛ لأن الله -عز وجل- لا يُعجِزُه شيءٌ؛ فلا يُخلِفُ ما وعَد؛ (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ)[الذَّارِيَاتِ: 5]، ووعد الله واقع؛ (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ)[الْمُرْسَلَاتِ: 7]، فوعد الله مبثوث في كتابه المبين، لمن قرأه وفهمه وتدبر آياته واعتبر.

 

أيها الأحبابُ: بَيْت الْمَقدسِ عامَّة، وقدسها وأقصاها خاصَّة، أرض مباركة للمسلمين وحدهم، وهبها الله -سبحانه- لنا، وأثبت ملكيتها لنا، من فوق سبع سماوات، بقول واضح وصريح؛ حتى لا ينازعنا فيها أحد، وهو الوهاب -جل جلاله-، يهبها لمن يشاء من عباده، ولا منازع لنا في هذا الحق، ولا تغير الوقائع الحقائق، ونزعنا من الأرض بعد هذا الوعد دونه خرط القتاد، إنه الوعد الصادق؛ (وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)[النِّسَاءِ: 122].

 

ولئن كان الله -عز وجل- قد أعطانا وعدا بوهب أرض فهو إعطاء من مالك يملك العطاء، لمن أراد من عباده، فلله عليكم هل يجرؤ بعدها مخلوق ضعيف على إعطاء وعد مخالف له، أو مغاير لواقعه؟! ولمن تجرأ من كتب الله عليه الخزي والعار واللعنات إلى يوم القيامة، على إعطاء وعد مشؤوم مخالف لما وعد الله، فهل ينفذ وعده؟! بالطبع لا وألف لا؛ لأنَّه وعد من لا يملك لمن لا يستحق، على حساب من يستحق، وعد ممن لا يستطيع تمليك نفسه فضلًا عن أن يملك غيره، وعد الهالك "بلفور"، ذكرى أليمة تدمي القلوب، ذكرى يتوارثها الأجيال، لا ننسى، يموت الكبار ولا ينسى الصغار.

 

أيها الموحِّدون: هناك وعدٌ من الله لنا بالتمكين والاستخلاف في الأرض، ولئن كنا في هذه الأرض المبارَكة قد مررنا بما مرَّ به أسلافُنا قبلُ؛ من فِقْدَان أرض وضياع هيبة، وضَعْف وهوان، ولئن كُنَّا نتعرَّض في كل يوم للاعتداءات والانتهاكات، فإنما هو ظرف استثنائي طارئ، سحابة صيف عن قليل تنقشع، فاستمسِكوا في أرضكم، ورابِطوا في أرضكم، ورابِطوا في مسجدكم، ووحِّدُوا صفوفَكم، وعودوا إلى ربكم، وحَكِّمُوا شريعةَ اللهِ في حياتكم؛ حتى تكونوا أهلًا للاستخلاف في الأرض؛ (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 160].

 

اللهمَّ اسقنا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللهمَّ برحمتك اسقنا غيثًا مغيثًا، ماء غدقًا مبينًا، رحمةً للمسلمين، عذابًا للكافرين، اللهمَّ كن لنا عونًا معينًا، وسندًا وظهيرًا، ومؤيِّدًا، اللهمَّ ارحمنا بواسع رحمتك، وارفع عَنَّا البلاء، اللهمَّ اخذل عدونا ومن بغى علينا، اللهمَّ اجبر كسرنا وأطعم جائعنا، واسق ظَمْآنا، واحمل حافينا، اللهمَّ اكس عارينا، وداو جرحانا، وارحم موتانا، اللهمَّ لطفك بشيوخ ركع، أطفال رضع، وزوجات رملن، وأبناء يتموا، اللهمَّ اكشف عَنَّا الهم والبلاء.

 

اللهمَّ احفظ أهل غزَّة بحفظك، ونعيذهم بعظمتك أن يغتالوا من فوقهم، أو من تحتهم، اللهمَّ أنزل عليهم السكينة والرحمة، يا قوي يا عزيز، يا خير الناصرين، يا جابر كسر المنكسرين، يا مجيب دعوة المضطرين، اجبر كسرنا، وأجب دعوتنا.

 

اللهمَّ احفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك -عليه الصلاة والسلام-، وحصنه بتحصينك المتين، واجعله في رعايتك وعنايتك، واجعله في حرزك وأمانك وضمانك، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، سنصلي صلاة الغائب على أرواح الشهداء؛ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم؛ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45]، وأَقِمِ الصلاةَ.

 

المرفقات

أمل ورجاء رغم البلاء.pdf

أمل ورجاء رغم البلاء.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات