عناصر الخطبة
1/وحدانية الملك الواحد الأحد 2/أهمية معرفة الله تبارك وتعالى 3/فقر الإنسان وحاجته إلى ربه جل وعلا 4/أفي الله شك؟ 5/الثقة واليقين برب العالمين.اقتباس
سُبْحَانَكَ يا ربّ.. سُبْحَانَك..!، ما أضْيَقَ الطُّرُقَ عَلى مَنْ لَمْ تَكُنْ دَليلَه.. وَما أوْضَحَ الْحَقَّ عِنْدَ مَنْ هَدَيْتَهُ سَبيلَهْ..! هيهاتَ يستغنِي العبدُ عن الله.. هيهات.. رَوْعَةٌ لا يُسَكِّنُها إلاّ أَمَانُه.. ذِلَّةٌ لا يُعِزُّها إلاّ سُلْطانُه.. أمنِيَّةٌ لا يُبَلِّغها إلاّ فَضْلُه.. خَلَّةٌ لا يَسُدُّها إلاّ طَوْلُه.. حاجَةٌ مُحالٌ يَقْضيها غَيْرُه....
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمدُ لله الذي نوَّرَ بجميل هدايته قلوبَ أهل السعادة، وطهَّرَ بكريمِ ولايتِهِ أفئدَةَ الصادقين فأسكن فيها وِدَادَهْ، ودعاهَا إلى ما سبَقَ لها من عنايتِهِ فأقبلت مُنْقَادَة، الحميدِ المجيدِ الموصوفِ بالجلالِ والجمالِ والتمجيِد، نحمدُهُ على ما أَوْلَى من فضلٍ وأفادَهْ، ونشكُرُهُ معترفين بأَنَّ الشّكرَ منه نعمةٌ مُستفادَةْ.
وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، شهادةً أُعِدُّهَا أكبرَ نِعَمِهِ وعطائه، وَوَسيلتي العظمَى إلى يوم لقائِه.
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله وصفيُّه من خلقه وحبيبُه، أقام به منابر الإيمان ورفع عِمَادَهْ، وأزال به سِنَانَ البُهتان ودفَعَ عِناده، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
ثم أما بعد: معشر المؤمنين: قال اللهُ -جلّ في عُلاه-: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[الأنعام: 14]؛ وقال -تعالى-: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)[إبراهيم: 10]؛ اللهُ أكبر!، حينَما طلبَ المُشرِكون الدّليل على الله أجابتهُمُ الرُّسُل هذا الجواب.
إي واللهِ معشَرَ المؤمنين:
هَذِي العَوَالِمُ لَفْظٌ أَنْتَ مَعْنَاهُ *** كُلٌّ يَقُولُ إِذَا اسْتَنْطَقْتَهُ اللهُ
بَحْرُ الوُجُودِ وَفُلْكُ الكَوْنِ جَارِيَةٌ *** وَبِاسْمِكَ اللهُ مُجْرَاهُ وَمُرْسَاهُ
مِنْ نُورِ وَجْهِكَ ضَاءَ الكَوْنُ أَجْمَعُهُ *** حَتّى شِيدَ بِالأَفْلَاكِ مَبْنَاهُ
عَرْشٌ وَفَرْشٌ وَأَمْلَاكٌ مُسَخّرَةٌ *** وَكُلُّهَا سَاجِدٌ لِلهِ مَوْلَاهُ
سُبْحَانَ مَنْ أَوْجَدَ الأَشْيَاءَ مِنَ عَدَمٍ *** وَأَوْسَعَ الكَوْنَ قَبْلَ الكَوْنِ نَعْمَاهُ
مَا أَقْبَحَ العَبْدَ أَنْ يَنْسَى وَتذْكُرَهُ *** وَأَنْتَ بِاللُّطْفِ والإِحسَانِ تَرْعَاهُ
غُفْرَانَكَ اللهُ مِنْ جَهْلٍ بُلِيتُ بِهِ *** فَمَنْ أَفَادَ وُجُودِي كَيْفَ أَنْسَاهُ!
معرفة الله -جلَّ وعَلاَ-: عليها ينبنِي أصلُ الدين، وركنُ التوحيد "لا إله إلا الله"؛ فمن عرف الله أحبّه، وصفا له العيش، ولا تصل القلوب إلى مُناها حتى تصل إلى مولاها، ولن تصل إليه حتى تعرِفَهُ حَقَّ المعرفة..!
واللهُ -جلَّ في عُلاه-: أَعْرَفُ مِنْ كُلّ مَعْرُوف، وأبْيَنُ من كل دَلِيل: قال بعض العارفين: "كيف أطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء، فأي دليل طلبته عليه وجدتَ اللهَ أظهَرَ منه".. اللهُ أكبر!.
سُبْحَانَكَ يا ربّ.. سُبْحَانَك..!، ما أضْيَقَ الطُّرُقَ عَلى مَنْ لَمْ تَكُنْ دَليلَه.. وَما أوْضَحَ الْحَقَّ عِنْدَ مَنْ هَدَيْتَهُ سَبيلَهْ..! هيهاتَ يستغنِي العبدُ عن الله.. هيهات.. رَوْعَةٌ لا يُسَكِّنُها إلاّ أَمَانُه.. ذِلَّةٌ لا يُعِزُّها إلاّ سُلْطانُه.. أمنِيَّةٌ لا يُبَلِّغها إلاّ فَضْلُه.. خَلَّةٌ لا يَسُدُّها إلاّ طَوْلُه.. حاجَةٌ مُحالٌ يَقْضيها غَيْرُه.. كرْبٌ لا يُفَرِّجُهُ سِواه.. ضُرٌّ لا يَكْشِفُهُ إلاّه... غُلَّةٌ لا يُبَرِّدُها إلاّ وَصْلُه.. لَوْعَةٌ لا يُطْفيها إلاّ لِقاؤُه.. شَوْقٌ إلَيْه... لا يَبُلُّهُ إلاّ النَّظَرُ إلى وَجْهِه.. قَرارٌ لا يَقَرُّ دُونَ الدُنُوّ مِنْه.. لَهْفَةٌ لا يَرُدُّها إلاّ رَوْحُه.. سُقْمٌ لا يَشْفيهِ إلاّ طِبُّه.. غَمٌّ لا يُزيلُهُ إلاّ قُرْبُه.. جُرْحٌ عميق لا يُبْرِئُهُ إلاّ صَفْحُه.. رَيْنٌ لا يَجْلُوهُ إلاّ عَفْوُه.. وَسْواسٌ لا يُزيحُهُ إلاّ أمْرُه.. فكيف تستغني عنه أيها الإنسانُ كيف؟!
والله -معشر المؤمنين- من عَلّقَ نفسه بمعروفٍ غيرِ معروفِ الله فرجاؤُهُ خائِب، ومن حدّثَ نفسَه بكفايَةٍ غيرِ كِفَايَةِ اللهِ فحديثُهُ كاذِب!، الواحِدُ الأحد، الفردُ الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، نورُ السمواتِ والارض، يُمسِكُ السمواتِ والأرضِ أن تزولاَ، ولئِن زالتَا إِنَ أمسكَهُمَا من أحدٍ من بعدِه؟
مَنْ يَنْسِبِ النّورَ لِلْأَفْلَاكِ قُلْتُ لَهُ *** مِنْ أَيْنَ أَطْلَعَتِ الأَنْوَارُ لَوْلَاهُ
خلق فسوى، وقدّر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، السماءَ بناها والجبالَ أرساها، والأرضَ دحاها، أخرجَ منها ماءها ومرعاها، يبسط الرزق ويَغْدِقُ العطاء، يرفعُ العملَ ويسمَعُ الدّعاء!
أَفِي اللهِ شَكٍّ -سُبحانَه-.. أفِي اللهِ شَك..؟!؛ نظر بعين الاختيار إلى آدم، فحظي بسجود ملائكته، وإلى نوحٍ فنجّاه من الغرق بسفينته، وإلى إبراهيم فكسَاهُ حُلّةَ خلّتِه، وإلى إسماعيلَ فافتداهُ بذِبحٍ عظيم من ضَجْعَتِه، وأعان أباهُ في بناء كَعْبَتِه، وإلى لوطٍ فنجّاه من عشيرته، وإلى شعيبٍ فأعطاه الفصاحة في خُطبته، وإلى يوسفَ فأراه البرهان في همّته، وإلى موسى فخطر في ثوب مكالمته، وإلى داود فألان الحديد له على حِدّتِه، وإلى سليمانَ فسخّر له الريح يتنقل بها في مملكته، وإلى أيوبَ فيا طوبى لركضته، وإلى يونس فسمع نداءه في ظلمته، وإلى زكريا فقرن سؤاله ببشارته، وإلى عيسى فكم أقام مَيْتاً من حفرته، وإلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فخصّهُ ليلةَ المعراجِ بالقُرْبِ من حضرته والوصول إلى سِدرته..!
أَفِي اللهِ شَكٍّ -سُبحانَه-.. أفِي اللهِ شَك..؟!؛ أعرض عن إبليس، فخَزِي ببُعدِهِ ولعنته، وعن قابيلَ، فقلّبَ قلبه إلى معصيته، وعن نمرود، فقال: أنا أحيي الموتى ببلاهته، وعن فرعون، فادعى الربوبية على جرأته، وعن قارون، فخرج على قومه في زينته، وعن أبي جهل، فشقي مع سعادة أمّه وابنِهِ وابنَتِه، هكذا جَرَى تقديرهُ -سبحانَهُ- لا اعـتراضَ على قسمته (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ)[الرعد: 13].
أَفِي اللهِ شَكٍّ -سُبحانَه-.. أفِي اللهِ شَك..؟!؛ إذا انطلقت السفينة بعيداً في البحر اللجيّ، وهبّت الزوابع، وتسابقت الرياح وتلبدّ الفضاء بالسحب، واكفهر وجه السماء، وأبرق البرق، وأرعد الرعد وكانت ظلمات بعضها فوق بعض، ولعبت الأمواج بالسفينة، وبلغت القلوب الحناجر، وأشرفت على الغرق، وتربص الموت بالركّاب؛ اتجهت الأفئدة وجأرت الأصوات: يا اللهُ يا الله..
فجاء عطفُه، وترادَفَ مَدَدُه، وتنزلت رحمته، وعظمت منّته، وأشرق ضياؤه في الظلام الحالك، فأزال المخاوِفَ والمهالك، قال الله: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[يونس: 22، 23].
نسألُ الله التوفيق إلى ما يُحب ويرضَى. أقول قولي هذا وأستغفرُ الله العظيمَ لي ولكم من كل ذب، إنه هو الغفور الرّحيم.
الخطبة الثانية:
معشر المؤمنين: إنّهُ اللهُ -جلّ في عُلاه-.. لا إله إلا الله:
أيقنتُ بهِ -سبحانه-.. أيقَنت..! إذا اعترض الجنينُ في بطن أمه، وعسرت ولادته، وصعبت وِفَادته، وأوشكت الأم على الهلاك، وأيقنت بالممات، لجأت إلى مُنفِّس الكربات، وقاضي الحاجات، ونادت: يا اللهُ يا الله، فسُمِعَ حنينُها، وزال أنينها، وخَرَج -بإذنِ اللهِ- جَنِينُهَا.. أفِي اللهِ شَك..؟!
أيقنتُ باللهِ -جلّ في عُلاه-..، إذا حلّت بالعبدِ معضلة، وأشكلت عليه مسألة، فتاه عن الصواب، وعزّ عليه الجواب، مرّغ أنفه بالتراب، ونادى: يا اللهُ يا الله، يا معلم إبراهيم علّمني، ويا مُفَهّمَ سليمان فهمني، "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اخْتُلِفَ فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".
فإذا بهِ يأتي الفتحُ والتوفيق، وتُحلّ المغاليق، فينكشف السحاب، ويُلهَمُ العبدُ الجواب، من اللهِ ربّ الأرباب.. لا إلهَ إلا الله..!
ماذا يملِكُ العبدُ أن يقول مع كلّ هذه الحقائق؟!
القولُ عزَّ ولم تُفِدْ أوزاني *** وتُصِرُّ قافيتي على عِصياني
ماذا أقولُ وأيَّ شيءٍ أشتكي *** وأنا بعيدٌ عن حِمى الرحمنِ؟
أدنو إليهِ برحمةٍ مِنْ عندهِ *** كرَمًا وأنأى عنهُ بالعصيانِ
يا ربِّ يا أملي الوحيدَ تولَّني *** بالعفوِ والغُفرانِ واﻹحسانِ
ما لي سواكَ وأنتَ أكرمُ باذلٍ *** وأجلُّ مَنْ يُرْجَى مدى اﻷزمانِ
إنّي لجأتُ إليكَ أرجو نظرةً *** أحيا بها في العالَمِ النُّوراني
جفَّتْ ينابيعُ الفؤادِ وأقفرتْ *** فامنُنْ عليَّ بفيضِكَ الرُّوحاني
وأعِدْ عليَّ عوائدَ البِرِّ التي *** عوَّدتني، وَاملأْ بها وجداني
نسَماتُ جُودِكَ يا إلهي إنْ سرَتْ *** جاءتْ بعَرْفِ مَسَرَّةٍ وحنانِ
أنْعِشْ بها يا ربِّ قلبًا خامِدًا *** قد ضاقَ مِنْ كمَدٍ ومِنْ أشجانِ
يا ربِّ هذا عبدُك العاصي أتى *** للبابِ ليسَ لهُ سوى اﻹيمانِ
يرجوكَ، ﻻ يرجو سواكَ ولَمْ يَخِبْ *** عبدٌ يلوذُ بساحةِ الرحمنِ
نسأل الله التوفيق إلى ما يحِبُّ ويرضَى. اللهم حبّب إلينا الإيمان وزَيّنه في قلوبِنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشِدِين. وصلِّ اللهم وسلم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم