عناصر الخطبة
1/فضل الجهاد في سبيل الله 2/تعلُّم العلم النافع وتعليمه 3/أهمية صلاة التطوع 4/الحث على الاستزادة من نوافل العبادات.اقتباس
إن المتأمل فيما أعده الله من الثواب لهذه النوافل والتطوعات، يزداد رغبة في الكسب منها والتجارة فيها، فأداؤه لفرائض الله ونوافلِه دالٌّ على تعظيمه لله والاستعداد للقائه، وحري بمغفرته -تعالى- ورضوانه، والفوز بجناته.
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي سهَّل لنا طريقاً يوصل إلى رضوانه وجنته، فسبحانه من إله عظيم، وملك كريم، جعل النوافل تكمل بها الفرائض، وننالُ بها أرفع الدرجات، أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، فهو المولى الحق الذي أعدَّ جنته العالية للمطيعين، والنار السافلة للعاصين.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، نبيٌّ دلَّنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون: فإن أفضل ما تطوع به العبد وتبرّع به من ذات نفسه دون إلزام: الجهادُ في سبيل الله، قال -تعالى-: (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[سورة النساء: 95-96]، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله".
وقال الامام أحمد -رحمه الله-: "لا أعلم شيئاً بعد الفرائض أفضل من الجهاد، والنفقة فيه من أفضل النفقات"، قال -تعالى-: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: ٢٦١].
ومن أفضل ما تُطوِّعَ به بعد الجهاد: تعلُّم العلم النافع وتعليمه على القول الأرجح، وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "تعلم العلم وتعليمه: يدخل بعضه في الجهاد، وأنه نوع من أنواع الجهاد من جهة أنه من فروض الكفايات". وقال: "والعلم خير ما أُنفقت فيه الأنفاس، وبُذلت فيه المُهَج".
وقال النووي -رحمه الله-: "اتفق جماعات من السلف، على أن الاشتغال بالعلم، أفضل من الاشتغال بنوافل الصلاة والصوم والتسبيح ونحو ذلك، من أعمال البدن".
وقال غيرهُ في بيان فضل العلم: "فهو نورُ القلوب، وحياةُ الإسلام والمسلمين، بل هو الميراث النبوي، فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر، قال -تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الزمر: ٩]، وقال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: ٢٨]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يرد الله به خيراً يفقه في الدين"، وغير ذلك من الأدلة على فضل تعلُّم العلم وتعليمه.
وأفضلُ التطوعات بعد الجهاد وتعليم العلم: صلاةُ التطوعِ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة"، ولأن فرضها آكد الفروض، فتطوعها آكد التطوعات، ولأنها تجمع أنواعاً من العبادة، ففيها الإخلاصُ، والقراءةُ، والركوع، والسجودُ، ومناجاة الرب، والذُّلُّ والخضوعُ له، الذي هو أشرفُ مقامات العبودية، والتسبيحُ والتكبيرُ، والصلاةُ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغيرُ ذلك.
وآكد صلاة تطوع: صلاة الكسوفِ، ثم صلاةُ الاستسقاء، ثم صلاةُ التراويح، لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم ينقل عنه أنه ترك صلاة الكسوف، بخلاف صلاة الاستسقاء، فإنه كان يستسقي تارة ويترك أخرى، والتراويحُ صلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه ليلتين أو ثلاثاً ثم تركها، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "خشيت أن تفرض عليكم، فتعجزوا عنها".
فما تُسن لها الجماعة أفضل من الصلاة التي لا تُسن لها كالوتر، فإنه يلي في الفضل صلاة التراويح، فهو سنة مؤكدة، لما روي عن الإمام أحمد -رحمه الله-: "من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل شهادته".
ولأحمد وأبي داود مرفوعاً: "من لم يوتر فليس منا"، ولهما "الوتر حق فمن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل".
وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "الوتر سنة مؤكدة باتفاق المسلمين، ولا ينبغي لأحدٍ تركه، ومن أصرَّ على تركه فإنه ترد شهادته"، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، يُوتر منها بواحدة، وفي لفظ لمسلم: "يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة".
ويلي الوتر في الفضيلةِ السُّنَنُ الراتبةُ التي تفعل مع الفرائض، ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتا الفجر.
فيا معشر المسلمين: ويا ذوي الهمم العالية، والمكاسب الغالية: هذه أنواعٌ من التطوعات البعضُ منها معروض الآن، والبعض الآخر كثيرُ العرضِ، فهل منا من مكتسب ومتاجر، هل من طالب لثواب الله وطامع في نيل الدرجات؟!
إن المتأمل فيما أعده الله من الثواب لهذه النوافل والتطوعات، يزداد رغبة في الكسب منها والتجارة فيها، فأداؤه لفرائض الله ونوافلِه دالٌّ على تعظيمه لله والاستعداد للقائه، وحري بمغفرته -تعالى- ورضوانه، والفوز بجناته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)[الحشر: ١٨ – ٢٠]، بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الحكم العدل، الذي فاوت بين عباده في الجزاء لتفاوتهم في الأعمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغني الحميد، فلا تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- حق تقواه، وسابقوا إلى مغفرته ومرضاته، فإن الله -تعالى- قد قسَّم أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى ظالم لنفسه، ومقتصدٍ، وسابقٍ بالخيرات، قال -تعالى-: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[فاطر: ٣٢].
قال ابن تيمية -رحمه الله-: "فالظالم لنفسه: أصحاب الذنوب المصرون عليها، والمقتصد: المؤدي للفرائض، المجتنب للمحارم، والسابقُ للخيرات هو: المؤدي للفرائض والنوافل".
وقد قسَّم -تعالى- عموم البشر في القيامة الكبرى إلى أصحاب يمنة وأصحاب مشئمة، وسابقون مقربون، وقسَّمهم عند الاحتضار إلى مقربين وأصحاب يمين، ومكذبين ظالمين، فهل بعد هذا التقسيم وما اشتمل عليه من ثواب أو عقاب، يقع في النفس شك أو ارتياب، هل يرضى أحد منا بأن يظلم نفسه فيصرُّ على معصية الله؟ وهل من يختار أدنى الجناتِ مثل من يسابق إلى أعلاها؟!
اللهم اشرح صدورنا للإسلام، واملأها بنورك الذي نهتدي به إلى مغفرتك ورضوانك، والسكنى في أعلى جناتك، فأنت ولي ذلك والقادر عليه، يا ذا الجلال والإكرام.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم