أضرار الشرك ومفاسده

الشيخ د محمود بن أحمد الدوسري

2022-10-08 - 1444/03/12
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/حث القرآن على التوحيد وتحذيره من الشرك 2/الشرك انحراف عن الفطرة السليمة وإذلال وإهانة 3/الشرك ضياع وتشتت ينشر الخرافات والأباطيل والمخاوف 4/الشرك يحل الدم والمال 5/الشرك يحبط الأعمال ويحرم الإنسان من الجنة

اقتباس

القرآنُ الكريم من أوَّلِه إلى آخِرِه دعوةٌ إلى التوحيد، وإنكارٌ للشرك، وبَيانٌ لِطِيبِ عَيشِ المُوحِّدين في الدنيا، وحُسنِ عاقبتهم في الآخرة، وسُوءِ عاقبة المشركين في الدَّارين. والشركُ بالله -تعالى- له آثارٌ خطيرة، وأضرارٌ مُهلكة، ومفاسِدُ جسيمة على الفرد والمجتمع، ومن أهمِّ أضرارِه...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أمَّا بعد: القرآنُ الكريم من أوَّلِه إلى آخِرِه دعوةٌ إلى التوحيد، وإنكارٌ للشرك، وبَيانٌ لِطِيبِ عَيشِ المُوحِّدين في الدنيا، وحُسنِ عاقبتهم في الآخرة، وسُوءِ عاقبة المشركين في الدَّارين.

 

والشركُ بالله -تعالى- له آثارٌ خطيرة، وأضرارٌ مُهلكة، ومفاسِدُ جسيمة على الفرد والمجتمع، ومن أهمِّ أضرارِه ومفاسدِه وآثارِه:

1- أنَّ الشِّرك انحرافٌ عن الفِطرة السَّليمة؛ فكلُّ مخلوقٍ فُطِرَ على الإيمان بخالقه والعبودية له، وأنه سبحانه ربُّ كلِّ شيءٍ وخالِقُه من غيرِ سبقِ تفكيرٍ أو تعليم، قال الله -تعالى-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[الروم: 30]، فقوله سبحانه: (فِطْرَةَ اللَّهِ) أي: دين الإسلام، وقوله: (لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) أي: لدين الله.

 

فكلُّ مَنْ خرج عن التوحيد إلى الشرك؛ فَلِسُوء فِطرتِه وفسادِها؛ كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِه"(رواه البخاري ومسلم)، ولم يقل: يُسلِمانه؛ لأنه باقٍ على الأصل، فالشرك يُعدُّ خروجاً عن الأصل.

 

ومِصداقُه ما جاء في الحديث القدسي، يقول الله -تعالى-: "إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا"(رواه مسلم).

 

2- الشرك سببٌ في إذلال الإنسان وإهانته، فالعِزَّة الحقيقية تُستمد من الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده، قال سبحانه: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)[فاطر: 10] أي: مَنْ كان يُحِبُّ أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة، فَلْيلزَمْ طاعةَ الله، وتوحيدَه، ولْيَبتعِدْ عن الشرك وأهله؛ فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعها؛ كما قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[النساء: 139]، قال مجاهد: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) بعبادة الأوثان، (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، فالمُشرك لا يعرف هذه العِزَّةَ ولا يتذوَّقها؛ لأنه يُعَبِّدُ نفسَه لغير الله، لبشرٍ مثله يتحكَّم فيه فَيُذله، ويُهينه، أو لشهواته من المال والجنس وغيرها.

 

3- الشَّتات والضَّياع والاضطراب، حين يعمل الإنسان بمقتضى عِلمه بالتوحيد؛ فإن نفسَه تكون في (أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، مُتَّجِهة إلى الله وحده في كلِّ نشاطٍ يقوم به، كما قال سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام: 162-163] فتطمئن نفسه، وتتجمَّع قواه فتنطلق تعمر الأرضَ في كلِّ اتجاه، بما يُرضي اللهَ -تعالى-، وأمَّا الشرك فإنه يُشتِّت النفسَ البشرية ويُمزِّقها في كل اتِّجاه، فقد يتوجَّه إلى بشرٍ مثله، أو صنمٍ، أو قبرٍ، فيطلب منه البركة، وهكذا تتشتَّت نفسُه في محاولة استرضاء هذه الأرباب المُتعدِّدة المُتشاكِسة، قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)[الزمر: 29].

 

والمشركون اليوم في تَمزُّق نفسِيٍّ لا مثيلَ له في التاريخ؛ فهناك تزايدٌ مُستَمِرٌّ لحالات القلق، والجنون، والاضطراب العصبي والنفسي، والانتحار، والإغراق في المسكرات والمخدرات، وتلك هي حصيلة الشرك بالله. فلا طمأنينة ولا استقرار إلاَّ بالإيمان بالله -تعالى- وطاعته، وصَدَقَ الله القائل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)[طه: 124].

 

4- انتشار الخرافات والأباطيل، فإنَّ الذي يعتقد بوجود مُؤثرٍ غير الله -تعالى- في الكون؛ من الكواكب، أو الجن، أو الأشباح، أو الأرواح، أو غير ذلك يُصبح عقلُه مستعداً لقبول كلِّ خُرافة، وتصديقِ كلِّ دجال، وبهذا تروج في المجتمع المُشرك بضاعة الكَهَنة والعَرَّافين، والسَّحَرة والمُنجِّمين، وأشباههم ممن يدَّعون معرفة الغيب، والاتصالَ بالقُوى الخفية في الوجود؛ كما يشيع في المجتمع إهمال الأسباب والسنن الكونية، والاتكال على التمائم والحروز، والرُّقى الشِّركية، والسحر، والتِّوَلَة، ونحوها.

 

ومن أوضح الأمثلة على ذلك: اعتقاد القبوريين أنَّ الأضرحة والأولياء تقوم بحراسة البلدان وحمايتها، وهذا واضحٌ في كتاباتهم التي تتحدث عن الأولياء والأقطاب والأبدال، وكراماتهم وأحوالهم.

 

5- الشرك مَبعث للمخاوف، فعندما يُصَدِّق العقلُ بالخرافات والأباطيل، والترهات والخزعبلات؛ يُصبح خائفاً من كلِّ شيء؛ من الآلهة المزعومة، ومن سَدَنة الآلهة، ومن الأوهام التي ينشرها السَّدنة والكَهَنة وأتباعهم ويُروِّجونها بين الناس، ويُصبح خائفاً على حياته، وعلى رِزقه وعلى كلِّ شيء، ولهذا ينتشر في جوِّ الشرك التطير، والتشاؤم والرُّعب، من غيرِ سببٍ ظاهر، وذلك جزاء المشركين؛ كما قال سبحانه: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا)[آل عمران: 151].

 

6- الشرك يَحِلُّ الدَّمَ والمال، قال الله -تعالى-: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 5] يقول القرطبي -رحمه الله-: "هذه الآية فيها تأمُّل؛ وذلك أنَّ الله -تعالى- عَلَّقَ القتلَ على الشِّرك، ثم قال: (فَإِنْ تَابُوا)، والأصل أنَّ القتلَ متى كان للشِّرك يزول بزواله"، ويؤيده قول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؛ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"(رواه البخاري ومسلم).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أيها المسلمون: ومن أضرار الشرك ومفاسده: 7- أنه مُحْبِطٌ للأعمال، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)[الزمر: 65]، فالشرك يُحبط العمل ويُفسده، ويؤول في النهاية إلى الخسران، وهذه الخسارة تعمُّ الحياة الدنيا والآخرة؛ لأننا نرى الشقاءَ والضِّيق في حياة المشركين بالله -تعالى-، الذين تقوم حياتهم على غير هدى الله وشرعِه؛ كما قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)[الكهف: 103-105].

 

والشرك بنوعيه مُحبِطٌ للأعمال، ومُبطِلٌ لثوابها ومنفعتِها؛ فأمَّا الشرك الأكبر، فإنه يُحبط جميعَ الأعمال؛ كما هو مدلول الآيتين وظاهرهما، فأعمال المُشرِك لا يقبلها الله -تعالى-، ولا تنفع صاحِبَها؛ ويدل عليه؛ قول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ"(رواه مسلم)، وحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: "لاَ يَنْفَعُهُ؛ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ"(رواه مسلم).

 

وأمَّا الشرك الأصغر فإنه يُحبِط العملَ الذي يُخالطه، ويذهب بثمرته؛ كما في حديث مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ" قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا، فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً"(صحيح، رواه أحمد في "المسند").

 

8- أنَّ الجنةَ مُحرَّمةٌ على المُشرِك، ومأواه النارُ خالداً فيها، قال الله -تعالى-: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)[المائدة: 72]، وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)[النساء: 48]، وقال مؤمنُ آلِ فرعونَ لقومه ناصحاً لهم: (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَِكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّار)[غافر: 41-42]، فالشرك بالله من أعظم الأسباب الموجبة لدخول النار، والخلود فيها، وحِرمان صاحبه من الجنة ونعيمها؛ كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ"(رواه البخاري ومسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ"(رواه البخاري ومسلم).

 

المرفقات

أضرار الشرك ومفاسده

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات