أشرف العلوم العلم بأسماء الله وصفاته

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ

2024-05-17 - 1445/11/09 2024-05-18 - 1445/11/10
التصنيفات: الإيمان
عناصر الخطبة
1/أنفع العلوم وأشرفها العلم بالله تعالى 2/معاني بعض أسماء الله تعالى 3/الأثر الإيماني لمعرفة أسماء الله تعالى وصفاته 4/وجوب الالتزام بالقوانين المنظمة للحج

اقتباس

أجلُّ المقاصدِ وأنفعُ العلومِ وأشرفُها وأعلاها، العلمُ بأسماء الله الحسنى الدالَّة على أحسنِ المعاني، وأكملِ الصفاتِ، وأجلِّها وأعظمِها وأمجدِها؛ وإنَّ أعظمَ ما يستنير به القلبُ وينشرح به الصدرُ، معرفةُ أسماء الله الحسنى وصفاته العلا من مِشكاةِ الوحيِ...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي لم يزل ولا يزال بالجلال والكمال موصوفًا، وبالإحسان والجود معروفًا، له من الأسماء الحسنى أحسنها، ومن الصفات أكملها، ومن الأفعال أعدلها وأحكمها، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أفضل من عظم ربه ووحد خالقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، قال جل وعلا: (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الْمَائِدَةِ: 2]، (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[الْمَائِدَةِ: 4]، (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[الْمَائِدَةِ: 7]، (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْمَائِدَةِ: 8]، فمن يتق الله فله الجزاء الأكمل، والثواب الأجزل؛ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)[الْمَائِدَةِ: 9].

 

إخوةَ الإسلامِ: أجلُّ المقاصدِ وأنفعُ العلومِ وأشرفُها وأعلاها، العلمُ بأسماء الله الحسنى الدالَّة على أحسنِ المعاني، وأكملِ الصفاتِ، وأجلِّها وأعظمِها وأمجدِها؛ وإنَّ أعظمَ ما يستنير به القلبُ وينشرح به الصدرُ، معرفةُ أسماء الله الحسنى وصفاته العلا من مِشكاةِ الوحيِ؛ فمَنْ تلقَّاها بالقَبول والرضاء والتسليم، وأذعَن لها بالانقياد، واطمأنَّتْ إليها نفسه، وسكَن إليها قلبُه، وقَوِيَتْ بها معرفتُه، متعبِّدًا لله بها، ازداد بها إيمانًا بالله -عز شأنه-، وتعظيمًا لربه -جل جلاله-، واشتدَّتْ محبتُه وإجلالُه لخالقه تبارَك وتعالى-، ففلاحُ العبدِ وسعادتُه في إقراره بأسماء الله الحسنى، وصفاته العلا، بل وليست حاجة القلوب إلى شيء أعظمَ منها إلى معرفة بارئها وفاطرها، ومحبتِه وذِكْرِه والابتهاجِ به، وطلبِ الوسيلةِ إليه، والزُّلفى عندَه، ولا سبيلَ إلى هذا إلا بمعرفةِ أسمائِه وأوصافِه الواردةِ في القرآنِ الكريمِ، والسُّنَّة المطهَّرة، وكلَّما كان العبدُ بها أعلمَ كان بالله أعرفَ، وله أطلبَ، وإليه أقربَ.

 

فأسماءُ اللهِ العظيمِ، المجيدِ، المتكبرِ، المتعال، الحيِّ القيومِ، ذي الجلال والإكرام، الإله، القادر، القاهر، العلِيّ الأعلى، على عرشه استوى، الأحد، الصَّمَد، كلُّ ذلك يملأ القلبَ تعظيمًا له -جل وعلا-، وإجلالًا له، ورهبةً منه، وخوفًا ورغبة ومحبة له، وأنَّه -سبحانه- لا ملجأَ منه إلَّا إليه، فلا يصمدُ العبدُ في حاجاته ودعائه إلَّا إليه وحده -عز شأنه-.

 

وأسماء الله الخبير، العليم، اللطيف، الشهيد، الرقيب، السميع، البصير، تملأ القلب بمراقبته -عز شأنه-، مراقبةً تامةً في الحركات والسَّكَنات، حينَئذٍ تقود العبدَ إلى التقرب إليه -سبحانه-، والمسارَعة إلى الطاعات، والبُعد عن المنهيات.

 

وأسماء الله: الرحمن، الرحيم، البَرّ، الكريم، الجواد، الرزاق، تملأ القلبَ محبةً له، وشوقًا، وطمعًا في رزقه ورحمته، وحمدًا له وشكرًا.

 

وهكذا كلما ازداد الإنسانُ معرفةً بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانًا به، وعبوديةً، وهيبةً وإجلالًا، وخضوعًا، وتذلُّلًا، ورغبةً، وطلبًا؛ قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بها)[الْأَعْرَافِ: 180]، وقال تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[طه: 8]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مَنْ أحصاها دخل الجنة"(مُتفَق عليه)؛ ومعنى "أحصاها" حِفْظُها ألفاظًا، وفَهْمُ معانيها ومدلولاتها، وعملٌ بمقتضاها وأحكامها؛ والمعنى: أن يُثبِتَ العبدُ لله -سبحانه- ما أثبتَتْه نصوصُ القرآن والسُّنَّة من الأسماء والصفات على ظاهرها اللائق بكمال الله -جل وعلا-، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل، ولا تكييف بكيفٍ يَعقِله البشرُ؛ إذا لا يعلم كيفيةَ ذاته وصفاته إلا هو -سبحانه-، فهو ممَّا استأثَر اللهُ بعلمه، فلا سبيلَ إلى الوصول إلى معرفة الكيفيَّة، قال جل وعلا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشُّورَى: 11]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)[مَرْيَمَ: 65]، وقال عز شأنه: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الْإِخْلَاصِ: 4]؛ فهو الإلهُ الجامعُ للأسماء الحسنى، ولصفاتِ الكمالِ والجَمالِ، ونعوتِ العظمةِ والجلالِ، -سبحانه- لا نحصي ثناء عليه.

 

وأيضًا ينفي العبدُ عن ربه -جل وعلا- ما ورَد نفيُه في النصوص، مع إثباتِ كمالِ ضد المنفي؛ فمثلًا ينفي عنه الظلم، ويعتقد أن ذلك يتضمن كمالَ عدله -سبحانه-، ونفيُ العجزِ عنه -جل وعلا- يتضمن كمالَ علمِه واقتداره -عز شأنه-؛ فلا بد من معرفة أسمائه -سبحانه- لفظًا ومعنًى، ومدلولًا، وتعبُّدًا له -عز شأنه- بمقتضى ذلك، وأن يدعو الله -جل وعلا- بهذه الأسماء دعاءَ عبادة وثناء، ودعاءَ مسألة وطلب؛ ففي دعاء العبادة إذا عَلِمَ أنَّ الله هو القوي، المتين، العزيز، الحكيم، توكَّل على ربه وحده، وركَن إلى خالقه، وقطَع الالتفاتَ إلى غيرِه من المخلوقات، مهما عظم شأنه، وهكذا متى عَلِمَ أنَّ ربَّه توَّاب، رحيم، غفور، حليم، سارَع بالتوبة إلى ربِّه والإنابة إلى خالقِه.

 

ومتى عَلِمَ أنَّه -سبحانه- الرقيب، الشهيد، السميع، البصير، اللطيف، الخبير، أوجَب له ذلك الخوفَ من معصيةِ ربِّه والخشيةَ من إلهه.

 

وأمَّا دعاءُ المسألةِ والطلبِ فيدعو الإنسان ربَّه بما يناسِب حاجتَه؛ كأَنْ يقولَ: "يا رحمن ارحمني"، "يا غفور اغفر لي"، "يا تواب توب عليَّ"، "يا رزاق ارزقني"؛ ولهذا كان أكثرُ دعاءِ الأنبياءِ في القرآن (ربنا)؛ لأن إجابة الداعين، وإعطاءَ السائلين، وغياثَ المستغيثينَ كلُّ ذلك من معاني الربوبية، التي تقود إلى الألوهية؛ إذ هو -سبحانه- المتصرف القادر المدبِّر الرزَّاق المعطي، الإله الذي لا يُسأل إلا هو، ولا يدعى إلا إيَّاه، ولا يُستغاث إلا به.

 

اللهُمَّ ارزقنا العمل النافع، والعمل الصالح، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين؛ (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[الْإِسْرَاءِ: 110]، اللهُمَّ هب لنا في هذه الساعة علمًا ترضى به عَنَّا، -سبحانه-، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وَصَلَّى الله وسلم على نبينا ورسولنا محمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا لا ينفدُ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةَ مَنْ أفرَدَه بالألوهية، وله وحدَه تعبَّد، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أفضل مَنْ لخالقه عظَّم ووحَّد، اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً لا تنتهي ولا تنفَدُ.

 

عبادَ اللهِ: إنَّ الواجب على المسلمين التعاون على البر والتقوى، ومن ذلك أن من أراد الحج فعليه الالتزام بما اتفق عليه المسلمون؛ بأن يكون الحج عن طريق التصريح النظامي، والذي يمكن لصاحب الفريضة أداء حجة، وذلك مما دلت مقاصد الشريعة على وجوب الالتزام به؛ فتعاونوا على البر والتقوى ي-رحمكم الله-.

 

عبادَ اللهِ: أكثروا من الصلاة والتسليم على النبي الكريم؛ اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين، اللهُمَّ ارض عن الخلفاء الراشدين، وعن الآل والصحابة أجمعين، اللهُمَّ وفقنا لرضاك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 

اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهمَّ اغفر لموتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهمَّ أنزل عليهم رضاك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهمَّ اغفر لهم ذنوبَهم، اللهمَّ كفِّر عنهم سيئاتِهم، اللهمَّ وأحلِلْ بهم رضوانَكَ يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهمَّ وفِّق خادم الحرمين الشريفين ووليَّ عهده لما تحب وترضى، وبارك في أعمارهما، وكن لهما معينًا ومسددا، اللهمَّ احفظ المسلمين في كل مكان، وأعزهم بعزك يا ذا الجلال والإكرام، اللهُمَّ انصرهم على أعدائهم، اللهُمَّ عليك بأعداء المسلمين، اللهُمَّ أرنا فيهم عجائب قدرتك، يا ذا الجلال والإكرام، يا قوي يا متين؛ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

 

 

المرفقات

أشرف العلوم العلم بأسماء الله وصفاته.pdf

أشرف العلوم العلم بأسماء الله وصفاته.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات