عناصر الخطبة
1/ أشراط الساعة من علم الغيب 2/ أحوال الناس في التعامل مع أشراط الساعة 3/ بعض أشراط للساعة وقعت 4/ بعض أشراط للساعة وقعت مرة وبالإمكان أن تحدث مرة أخرى أو لا زالت مستمرةاقتباس
العلامات الصغرى علامات وقعت وانتهت, وهناك علامات وقعت ومستمرة, وهناك علامات لم تقع وإذا وقعت فهي إيذان بقرب العلامات الكبرى, ونذكر من العلامات التي وقعت وإن في ذكرها زيادة إيمان بالله سبحانه وتعالى وباليوم الآخر, وكذلك فيه استعداد للعلامات الأخرى التي لم تقع ..
يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل -أعوذ بالله من الشيطان الرجيم-: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) [محمد:18]، ينعى الله سبحانه وتعالى على المعرضين عدم استجابتهم للإيمان؛ فيقول عز وجل: ماذا ينتظر هؤلاء؟ هل ينتظرون أن تقع عليهم الساعة فجأة، وعندها لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا, وقد جاء أشراطها, وقد حلت علاماتها, وقد رأوا أماراتها؛ فما بالهم لا يؤمنون بها, ما لهم لا يعملون لها, وقد بدت أماراتها أشراطها.
هذه العلامات، وهذه الأشراط، هي من علم الغيب الذي أخبرنا به ربنا جلا وعلا في القرآن, ورسولنا في سنته, وهذا الغيب من الأمور التي ينبغي للمؤمن أن يصدق بها؛ فإن من أعظم صفات المؤمنين الصادقين أنهم يؤمنون بالغيب؛ كما قال تعالى: (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) -من هم- (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة: 1-3].
الاطلاع على هذه الغيوب والتصديق بها، من صميم الدين الذي جاء به الرسول، أخبر بها القرآن، وجاءت بها السنة، وتعلمها الصحابة رضوان الله عليهم، واهتموا بها اهتمامًا كبيرًا.. نعم صحيح أن كثيرًا من المسلمين شُغلوا وشَغلوا أنفسهم بالأخبار الغيبية التي لم يكن عليها دليل صحيح من الكتاب والسنة, نلوم أولئك الذين أقعدهم العمل بهذا الدين، والجهاد في سبيله انتظار لحدوث الخوارق، وانتظار حدوث تلك الأمارات من خروج المهدي وغيره.
ومن الناس من ذهب مذهبًا بعيدًا، فأنكر على الناس الاشتغال بهذه الأمارات، والاتعاظ بهذه الأشراط، حتى يوقن بوقوع الساعة, ويقال لهؤلاء الذين أنكروا الاشتغال بهذه الأمور: ما بالكم لا تنكرون على الذين يشتغلون بالبحث عن المجهول؟ أما نرى في البشرية في هذا الزمان سعيًا إلى كشف الغطاء عن كثير من الأمور التي غابت عنهم في الماضي، أو في الحاضر؛ فهم يجوبون الفضاء، ويجوبون كذلك فجاج الأرض, يجوبوها لكي يكشفوا المجهول.
وإن في النصوص الواردة عن نبينا معلومات جميلة -والله- عن ماضينا وعن حاضرنا وعن مستقبلنا؛ فجدير بالمسلمين أن يركنوا إلى هذه المعلومات وأن يصدقوا بها, وجدير بهم -أيضًا- أن يوقنوا بتبعاتها وبمؤدى هذه الأشراط, وهي الساعة العظمى التي حذرنا الله سبحانه وتعالى منها، وإذا تكلمنا على الساعة وعلى أشراطها؛ فينبغي علينا أن نفهم أو نعي تمامًا بأن الساعة علاماتها مختلفة؛ فهناك علامات صغرى، وهناك علامات كبرى عظمى.
العلامات الصغرى علامات وقعت وانتهت, وهناك علامات وقعت ومستمرة, وهناك علامات لم تقع وإذا وقعت فهي إيذان بقرب العلامات الكبرى, ونذكر من العلامات التي وقعت وإن في ذكرها زيادة إيمان بالله سبحانه وتعالى وباليوم الآخر, وكذلك فيه استعداد للعلامات الأخرى التي لم تقع.
أولاً: بعثة المختار ووفاته عليه الصلاة والسلام: كانت بعثته أول آية من آيات الساعة وكانت وفاته ارهاصة من ارهاصات قدوم الساعة, ففي الحديث عند البخاري ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي قال: رأيت رسول الله ق ال بأصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام - وفي رواية: مدهما عليه الصلاة والسلام وقال: "بعثت أنا والساعة كهاتين, بعثت أنا والساعة كهاتين".
وعند الإمام أحمد بسند صحيح عنه: "بعثت في نسم الساعة"، قال ابن الأثير: نسم الريح هو بدايته, فالرسول بعثته من أول أشراط الساعة, وعند البخاري عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي في غزوة تبوك وهو في خيمة: " أعدد ستًا بين يدي الساعة, موتي - أي وموته هو - ثم فتح بيت المقدس, ثم موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم, ثم استفاضة المال حتى إن الرجل يعطي مائة دينار فيظل ساخطًا ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانية غاية تحت كل غاية اثنى عشر ألفًا"، فهذا الشاهد فيه قوله: "موتي" فهو علامة من علامات الساعة.
ثانيًا: من العلامات التي وقعت: انشقاق القمر, وقد اتفق العلماء على أن القمر قد انشق في عهد النبي، جاء بذلك القرآن فقال الله عز وجل: اقتربت الساعة وانشق القمر, اقتربت الساعة وعلامة على اقترابها انشقاق القمر, وقد جاء في الأحاديث عن نبينا صلى الله عليه بذلك وساقها مسلم - رحمه الله تعالى - في صحيحه منها حديث أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين, وفي رواية بينما نحن مع رسول الله بمنى إذا انفلق القمر فلقتين فلقة وراء الجبل وفلقة دونه, فقال لنا رسول الله: "اشهدوا اشهدوا" فهذه علامة من علامات الساعة قد وقعت.
العلامة الثالثة من علامات الساعة التي قد وقعت: نار الحجاز وما أدراك ما نار الحجاز, نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل بالبصرى, ثبت ذلك في الصحيح عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من الحجاز تضيء أعناق الإبل بالبصرى"، وهذه الآية العظيمة قد وقعت على الصورة التي أخبر بها رسول الله، نار تأجج من أرض الحجاز أضاءت منها أعناق الإبل بالبصرى, وبصرى كما قال الإمام النووي مدينة ببلاد الشام, وهي مدينة حوران بينها وبين دمشق مراحل قليلة.
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - في كتابه البداية والنهاية: أن هذه النار كان خروجها في سنة ستمائة وأربع وخمسين من الهجرة النبوية, قال العلامة ابن كثير في أحداث سنة ستمائة وأربع وخمسين: وهذه النار قد خرجت في أرض الحجاز عند مدينة رسول الله فأحرقت الحرات الشرقية منها وحصل قبلها زلزال شديد دام سبعة أيام فارعوني الناس إلى ربهم ودخلوا المسجد, دخلوا الحرم واستغفروا الله جماعات وذهبوا إلى أمير المدينة وبالأخص قاضيهم, فوعظوه فرد المظالم وأعتق عبيده واستمرت النار إلى رجب أو أكثر من ذلك وقد أفرغ المؤرخون لهذه الحادثة وأثبتوا أنها من علامات الساعة التي أخبر بها الرسول ويخبر كثير منهم ومنهم العلامة أبو شامة في بعض كتبه عن هذه الحادثة وقال بعضهم في بيات وهو يصف هذه النار, حتى إن طلبة العلم في ذلك الزمان كانوا يكبتون بنور هذه النار التي أضاءت مدينة رسولنا، وقد حدث الأعراب أنهم مكثوا ليالي لا يوقدون سراجًا وإنما يمشون على هذه النار التي أوقدت في أرض الحجاز وقد نظم بعضهم فقال:
يا كاشف الضر صفحًا عن جرائمنا *** لقد أحاطـت بهـا يا رب بأساء
نشكوا إليك خطوبًا لا نطيق لها حملاً *** ونحـن بـهـــا حقًا أحقاء
زلازل تخشع الصـم الصلاب لهـا *** وكيف تقوى على الزلازل شمـاء
أقام سيفًا يرج الأرض فانصدعـت *** عن منظر فيه عين الشمس عشواء
بحر من النار تجري فوقـه سفـن *** من الهضاب لها في الأرض أرسـاء
تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت *** رعبًا وترعد مثل السعف أضواء
فيا لها آية من معجزات رسول الله يعقلها القوم الألباء، فهذه آية من آيات وقوع الساعة الصغرى وقعت.
رابعًا: من العلامات التي وقعت أيضًا: توقف الجزية والخراج عن المسلمين, كانت الجزية التي يدفعها أهل الذمة في الدولة الإسلامية والخراج الذي يدفعه الذين يستغلون الأراضي التي فتحت في الدولة الإسلامية كسواقي العراق والشام, كانت كل هذه الأموال تصب في بيت مال المسلمين وقد أخبر الرسول أن هذه الأموال ستنقطع عن المسلمين, ففي صحيح الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "منعت العراق درهمها وقفيزها, ومنعت الشام مدها ودينارها, ومنعت مصر إردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم, وعدتم من حيث بدأتم" قال أبو هريرة: شهد على ذلك لحم أبو هريرة ودمه, وقال في ذلك الصحابة رضوان الله عليهم لما سئلوا: لما؟ قالوا: لأن الأعاجم أخذوها, وهذا يدل يا إخوان على صدق نبوة رسولنا.
وهناك علامات وقعت وهي مستمرة أو وقعت مرة وممكن أن تتكرر وسنذكرها إن شاء الله تعالى من ذلك الفتوحات والحروب أخبرنا الرسول أن هناك فتوحات للمسلمين من ذلك قوله: "تغزون فارس فيفتحها الله لكم, وتغزون الروم فيفتحها الله لكم, تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله لكم, وتغزون الدجال فيفتحه الله لكم"، وأخبرنا أن المسلمين سيزيلون ملك كسرى وملك قيصر, وأن أموالهما ستنفق في سبيل الله, ثبت ذلك في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولنا أنه قال: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده, وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده, والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله تعالى"، وأخبر أن المسلمين سيغزون الهند, قال: "عصابتان من أمتي أحرزهم الله من النار عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى بن مريم عليه السلام"، وبشرنا بفتح القسطنطينية عاصمة الدولة الرومانية, كذلك أخبرنا بفتح روما مقر الفاتيكان ثبت ذلك عن نبينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله سُئل أي المدينتين تفتح أولاً أرومية أم قسطنطنية؟ فقال النبي: "مدينة هرقل تفتح أولاً".
وقد وقع بعض ما ذكر النبي وفتح المسلمون فارس وفتح المسلمون الروم وزال ملك كسرى وقيصر وأنفقت كنوزهما في سبيل الله تعالى, ففتحت بكنوز كسرى وقيصر ما والهما من البلاد التي حولها والتي كانت تحتهم وغزا المسلمون الهند وفتحها الله لهم حتى وصلوا إلى حدود الصين, وفتح المسلمون القسطنطنية مقر النصرانية الشرقية, وسيكون للمسلمين في مقتبل الزمان ملك عظيم ينتشر فيه الإسلام وتفتح روما قال: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت وبر ولا مدر إلا دخله هذا الدين, بعز عزيز أو بذل ذليل, عزًا يعز الله به الإسلام, وذلاً يُذل به الكفر" رواه ابن حبان في صحيحه بإسناد صحيح.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى, والصلاة والسلام على الرحمة المهداة محمد صلوات الله وسلامه عليه.
كذلك من العلامات التي أخبر بها الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى رسولنا والتي وقع بعضها خروج الدجالين أدعياء النبوة فقد أخبر بأنه سيكون هناك كذابون وسيكون هناك دجالون يدَّعون النبوة وسيقرب عددهم من ثلاثين وفي بعض الروايات أنهم سبع وعشرون, قال في الحديث الصحيح: "وبين يدي الساعة كذابون دجالون يدعون النبوة يقربون من ثلاثين وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي"، وفي رواية قال: "يكون في أمتي كذابون دجالون سبع وعشرون منهم أربعة نساء وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي"، وقد وقع بعض ما أخبر النبي فخرج مسيلمة الكذاب في عهد الصحابة وكذلك الأسود الغنسي, وفي عهد التابعين خرج المختار الثقفي فادعى النبوة وخرج كذلك في زماننا الحسين مرزا الذي ظهر في طهران والتف الناس حوله وسيكتمل العدد الذي أخبر به رسولنا.
قال العلماء: والمراد بهؤلاء الكذابين أدعياء النبوة أولئك الذين يلتف الناس حولهم, وإلا فإن أدعياء النبوة كثير.
ومن الأشياء التي أخبر بها الرسول ووقع بعضها الفتن التي تعصف بالمسلمين, حدثنا رسول الله كثيرًا عن الفتن وأخبرنا بأنه سيكون هناك هرج وسيكون هناك قتل, من تلك الفتن التي أشار بها علينا قوله لعثمان بن عفان رضي الله عنه مبشرًا إياه بالجنة على بلوى تصيبه, وقوله لعمار بن ياسر "تقتلك الفئة الباغية" وقوله مثلاً "يكثر الهرج"، ووقع من ذلك مقتل عمر بن الخطاب الباب الذي كسر, ووقع من ذلك مقتل عثمان بن عفان ومقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنهم, ووقع من ذلك أشياء كثيرة والفتن لازالت.
وأخبرنا أن بؤرة هذه الفتن تكون في بلاد العراق ثبت ذلك عن نبينا في صحيح البخاري حينما وقف على حرة المدينة وأشار إلى جهة المشرق وقال: "من هاهنا تكون الفتن"، وقال: "اللهم بارك في شامنا, اللهم بارك في يمننا"، فقال رجل: في نجدنا, قال: "ذاك قرن الشيطان تكون منه الفتن" .
قال الخطابي: نجد المدينة وهو العراق وما يليه من النجود وهي الأراضي المرتفعة.
وقد حدث ما قاله فالفتن خرجت من أرض العراق ففتنة الرافضة وفتنة الخوارج الحرورية الذين التفوا حول الكوفة وقاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وفتنة الزنج التي عصفت بالدولة الإسلامية, فتنة القرامطة فتنة التتار كل ذلك ظهر من تلك المنطقة, وأخبرنا بأن الدجال سيكون من قبلها, وإن الخراسانيين من اليهود يأتون من قبل أرض العراق فليتفون حول الدجال ويكونون عضدًا له, كل ذلك أخبر به رسول الله ووقع بعضه وسيقع كله كما شاء الله تعالى.
كذلك مما أخبر به من العلامات التي وقعت وستقع إسناد الأمر إلى غير أهله, جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله, متى الساعة؟ فأخبره بعد إذ أتم الحديث قال "إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة فقال الرجل: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة"، ومما وقع في الأمة الإسلامية أنه وُسد الأمر في بعض حقب الأمة الإسلامية إلى غير أهله فعصفت بالأمة الإسلامية موجات من الفتن, هذه بعض ما ذكر النبي مما وقع.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يعمل للساعة وممن يصدق بها وبأماراتها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
سبحانك الهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم