عناصر الخطبة
1/من عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص 2/من الأسباب المعينة على زيادة الإيمان 3/من ثمرات زيادة الإيماناقتباس
فمن الأسباب التي تقوي إيمان العبد: حضور مجالس الذكر، فمجالس الذكر تغشاها الرحمة، وتنزل عليها السكينة وهي الطمأنينة، وتحفها الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده؛ فيجد الإنسان فيها الراحة والطمأنينة، وزيادة الإيمان...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن من عقيدتنا عقيدةِ أهلِ السنة والجماعة أن الإيمانَ يزيدُ وينقصُ؛ فزيادةُ الإيمانِ تكونُ بالطاعات ونقصه يكون بالمعاصي والسيئات، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الأنفال: 2].
والإيمان إذا زاد أثمر ثمراتٍ عظيمة؛ فلا تجدُ صاحبَه ألا مقبلا على الخير معرضاً عن الشر، يعيش في الدنيا في سعادة وطمأنينة، وأسباب زيادة الإيمان كثيرة، فمن أعظمِ أسباب زيادة الإيمان: قراءةُ القرآن وتدبرُ معانيه؛ فإن للقرآن تأثيراً عظيماً على القلوب، قال -تعالى-: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الحشر: 21]، فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته، لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه؛ لخشع وتصدع من خوف الله -عز وجل-، فكيف لا تلين القلوب وتخشع عند تلاوته وتدبر معانيه؟.
فعلينا -عبادَ الله- أن نحرصَ على تلاوة القرآن، ويكون لنا كلَ يومٍ حزبٌ من القرآن لا نتركه، وعلينا كذلك أن نتدبر معانيه ونعملَ به؛ حتى يكونَ حجةً لنا لا حجة علينا، وهذا كان هو هدي الصحابة -رضي الله عنهم-، يتلون كتاب الله -عز وجل- ويتدبرون معانيه ويعملون بما فيه؛ فزادهم إيماناً، قال أبو عبدالرحمن السُلمي حدثنا الذين كانوا يُقرؤننا القرآن، عثمانُ بن عفان وعبدالله بن مسعود أنهم قالوا: "كنا إذا تعلمنا من النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر آيات لم نجاوزها؛ حتى نتعلم ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل".
ومن أسباب زيادة الإيمان: معرفةُ أسماء الله -سبحانه وتعالى- وصفاته والتأمل في معانيها، فالله -سبحانه وتعالى- له الأسماء الحسنى، أي: التي كمُلت في حسنها، قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[الأعراف: 180]، وله الصفات العلى؛ (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى)[النحل: 60]، يعني: الوصف الأعلى، وصفاته ليست كصفات خلقه؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11]، وقال -تعالى-: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الحشر: 22 - 24].
فمن أسمائه مثلاً العليم، وسع علمه كلَ شيء؛ (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)[التغابن: 4]، ويقول -تعالى-: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59].
ومن أسباب زيادة الإيمان: طلبُ العلم الشرعي، فلا يستوي إيمانُ من يطلبِ العلمَ الشرعي ويتعلمُ أحكام الشريعة، وإيمان من هو جاهل بأحكام الشريعة، معرضٌ عن تعلم الشريعة، قال -تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الزمر: 9]، ووصف الله -تعالى- أهل العلم بالخشية، والخشيةُ أخصُ من الخوف؛ لأن الخشيةَ مبنيةٌ على علم بالله -سبحانه وتعالى-، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر: 28].
ومن أسباب زيادة الإيمان: دعاء الله -سبحانه- أن يحبب إليك الإيمان وأن يزينه في قلبك، قال -تعالى-: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ)[الحجرات: 7]، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الإيمانَ لَيخْلَقُ في جوفِ أحدِكم كما يَخْلَق الثوب، فاسألوا الله أن يُجدد الإيمانَ في قلوبكم"(أخرجه الحاكم وهو حديث حسن)، ومعنى "يخْلَقُ"؛ أي: يبلى في القلب كما يبلى الثوب إذا أصبح قديماً.
ومن أسباب زيادة الإيمان: كثرة التوبة والاستغفار، فالبشر ليسوا كالملائكة؛ (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6]، فلا بد من أن تقع منهم الذنوب والمعاصي، ولكن المؤمن لا يصر على الذنب، بل يبادر دائماً إلى التوبة، فإذا لم يبادر دائماً إلى التوبة فإن هذه الذنوب تضعف إيمانه، ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب؛ صُقِل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[المطففين: 14]"، ومعنى "صُقل قلبه": صُفي ونقي، فيحرص الإنسان دائماً على تجديد التوبة وكثرة الاستغفار؛ حتى ينقي قلبه من آثار الذنوب والمعاصي.
ومن أسباب زيادة الإيمان: الحرص على أداء الفرائض، بفعل الواجبات وترك المحرمات، والحرص على الإكثار من نوافل العبادات، جاء في البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -تعالى-: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل -والنوافل هي العبادات التي ليست واجبة على الإنسان، كصلاة الضحى، والسنن الرواتب، وقيام الليل، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والصدقات- حتى أحبه، فإذا أحببته؛ كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه"، فيوفق الله العبد في بصره وفي سمعه وفي يديه وفي خطواته؛ فيمشي إلى الخير ولا يمشي إلى الشر، ويكون مُجابَ الدعوة.
ومن الأسباب التي تقوي الإيمان: الإكثار من ذكر الله -سبحانه وتعالى-، فذكر الله -تعالى- حياة للقلب وطمأنينة له، قال -تعالى-: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28]، في صحيح البخاري من حديث أبي موسى الأشعري، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثلُ الذي يذكرُ ربه والذي لا يذكرُ ربه كمثل الحي والميت".
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا هداةَ مهتدين.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
أما بعد: فمن الأسباب التي تقوي إيمان العبد: حضور مجالس الذكر، فمجالس الذكر تغشاها الرحمة، وتنزل عليها السكينة وهي الطمأنينة، وتحفها الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده؛ فيجد الإنسان فيها الراحة والطمأنينة، وزيادة الإيمان، في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يقعد قوم يذكرون الله -عز وجل-؛ إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده".
وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يحرصون على مجالس الذكر، ويسمونها إيماناً؛ لأنها تقوي الإيمان، فقد ثبت بإسناد صحيح: أن معاذ -رضي الله عنه- قال لرجل: "اجلس بنا نؤمن ساعة"، أي: نجلس فنذكر الله فيقوى إيمانُنا.
ومن أسباب زيادة الإيمان: لزوم الرفقة الصالحة، التي تعين على فعل الخيرات وترك المنكرات، ففي سنن أبي داود عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرجلُ على دين خليله، فلينظرْ أحدُكم من يخالل"، أي: من يصاحب.
فإذا صاحب الإنسان قوي الإيمان تأثر به، وبأقواله وأعماله، فقوي إيمانه؛ ولذلك أفضل الناس بعد الأنبياء هم الصحابة رضي الله عنهم-؛ لأنهم صحبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فتقَّوى إيمانهم بصحبته، ثم بعد ذلك التابعون؛ لأنهم صحبوا الصحابة -رضي الله عنهم-، ثم تابعو التابعين؛ لأنهم صحبوا التابعين.
فلنحرص على الأسباب التي تقوي الإيمان؛ لعلنا أن نعيش في الدنيا حياة طيبة، وفي الآخرة في جناتٍ ونهر، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، اللهم كره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم