عناصر الخطبة
1/ حكمة ابتلاء العباد بالخير والشر 2/ المعاصي سبب تأخر نزول الغيث 3/ صور من المعاصي وأمراض المجتمع 4/ دعوة للاستغفار والتوبةاقتباس
هل علمتم لماذا تأخر سببُ نزول الغيث؟ بسبب شؤمِ معصية بني آدم! قال مجاهد-رحمه الله-: "إنَّ البهائمَ لتلعنُ العُصاةَ من بني آدم إذا اشتدت السنون فتقول: من شؤم معصية ابن آدم".
الخطبة الأولى:
عباد الله: من رحمةِ الله-سبحانه وتعالى- أن يتغيرَ المناخُ والأحوال حسبَ ما يجري بقدر الله وحكمته، فيبلو بالشدة كما يبلو بالرخاء، قال -تعالى-: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35]، حتى يشكرَ من شبع ويذكرَ من جاع، ليرى الخالقُ خلقَه له حامدون ولفضله قاصدون، قلوبُهم إليه متجهةٌ ووجوهُهم له ساجدةٌ، ليتوبوا من كُلِّ معصيةٍ ويسألوه من كُلِّ خيرٍ.
فالصَّحْوُ والغَيْمُ يتعاقبان على العالم تبعاً لمصالحِهم، ولو طغى أحدُهما على الآخر لكان في ذلك فسادٌ عظيم، فلو دام المطرُ ولم يتوقفْ لغرق النَّاسُ وتضرروا، ولو حُبِسَ المطرُ ولم يَنزِلْ أصاب النَّاسَ القحطُ والجوعُ.
عن أبي رَزينٍ-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "ضحك ربُّنا من قُنوطِ عبادِه وقُرْبِ غيرِه"، أي: بتغييره الحالَ من شرٍّ إلى خيرٍ ومن محنةٍ إلى سرور، فقال أبو رَزين: فقلت: يا رسول الله، أوَيضحك الرَّبُّ العظيمُ؟! لن نعدِمَ من ربٍّ يضحكُ خيراً! قال: "نعم" رواه أحمد. ومعنى ذلك أنَّ الله يضحك من قنوط عباده عند احتباس المطر عنهم وقد اقترب وقتُ فرجِه ورحمتِه لعبادِه.
ولا يعرف حقيقةَ الاستبشار إلا من تعلَّق قلبُه بالأمطار، كما هي حالُ العرب، وصفهم الله بقوله: (وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) [الروم:49]، أي: آيسين.
عباد الله: ما أسباب تأخرِ نزول الغيث؟ هناك أسباب كثيرة:
أولاً: كثرة المعاصي: إنَّ كُلَّ نقصٍ يصيبُ النَّاسَ في العلومِ والأعمالِ والقلوبِ والأبدانِ والأحوالِ والممتلكاتِ سببه المعاصي؛ قال -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:30]، وقال -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41]، فالمعاصي أصبحت في البيوت وفي الطرقات وفي الجامعات وفي كُلِّ مكانٍ.
أصبحنا نرى الزنا في الشوارع وفي الحدائق وفي المنتزهات وعلى الإشارات في السيارات، وصدق رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إذ قال: "والذي نفسي بيده! لا تفنى هذه الأمة حتى يقومَ الرجلُ على المرأةِ فيفترشَها في الطريق فيكون خيارُهم يومئذٍ من يقول: لو واريتها وراءَ هذا الحائط!".
النساء في هذا الزمن يخرجن كاسياتٍ عارياتٍ، يخرجن بعباءاتٍ مزركشاتٍ ضيقاتٍ. أين الحياء من الله؟ أين الحياء من النَّاس؟ قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ مما أدرك النَاسُ من كلامِ النُّبوة: إن لم تستحِ فاصنعْ ما شئتَ".
والحياء: صفة تحمِلُ صاحبها على ترك كُلِّ قبيحٍ، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "ما كان الحياءُ في شيءٍ إلا زانه وما كان الفُحشُ في شيءٍ إلا شانه". قال أبو الدرداء-رضي الله عنه-: "إنَّ شرَّ نسائكم السَّلفع"، أي: المرأة التي انتزع الحياءُ منها.
قال الشاعر:
إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي *** ولم تستحْيِ فاصنعْ ما تشاءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ *** ويبقى العودُ ما بقيَ اللَّحاءُ
المرأة في هذا الزمن لا تستطيع أن تُنشِئَ فرداً صالحاً للأمة إلا ما رحم الله؛ أتعلمون لماذا؟ لأنها مشغولة في وظيفتها، مشغولة على الفيسبوك والواتس آب، ما عندها وقت لتربية أبنائها، وهكذا يريدها الغرب الكافر، يريدها تُزاحِمُ الرجالَ في الأعمال، يريدها سلعةً تُباعُ وتشترى، الغرب شبه المرأةَ بالسيجارة، قال أحد الغربيين: "المرأة كالسيجارة، أولُها في فمي، وآخرها تحت قدمي".
أين نساءُ اليوم من نساءِ السلف؟! فهذه امرأة تحفظ نفسَها في غياب زوجها خوفاً من الله مع شدة حاجتِها للخليل، كان عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- يتفقد أحوالَ أهلِ المدينة في جوف الليل فسمع امرأةً تنشِدُ فتقولُ:
لقد طال هذا الليلُ واسودَّ جانبُه *** وأرَّقني ألَّا خليل ألاعبُه
فواللهِ لولا اللهُ ربٌّ أراقبُه *** لَحُرِّكَ من هذا السريرِ جوانبُه
قال عطاء الخراساني-رحمه الله-: "ثلاثة من جهد البلاء"، وذكر منهنَّ: "وامرأةٌ يكد عليها زوجُها وهي تخونه".
وهذه امرأة تتعب وتكدح لكي تُعلِّمَ ابنها ويصبحَ عالماً من علماء المسلمين، قال الإمام أحمد-رحمه الله-: "حفظتني أمي القرآنَ الكريمَ وعمري عشرُ سنوات، كانت توقظني قبل صلاةِ الفجر وتدفئ لي الماءَ وتلبسني اللباسَ ثم تختمر وتتغطى بحجابها وتذهب بي إلى المسجد لأنَّ المسجدَ بعيدٌ والطريقَ مظلم".
ولا بد أن يعلمَ الوالدانِ أنَّ إهمالَ تربيةِ البنينَ جريمةٌ يترتب عليها أوخمُ العواقب، قال الشاعر:
إهمال تربية البنينَ جريمةٌ *** عادت بالنكباتِ على الآباءِ
سرق رجلٌ مالاً كثيراً فلما قُدِّمَ للحدِّ طلب أمَّه، فلما جاءت أخذ يقبلها ثم عضَّها عضَّةً شديدة، فقيل له: ما حملَك على ما صنعت؟! قال: سرقت بيضةً وأنا صغير فأقرتني ولم تنهني عن ذلك حتى أفضت بي إلى ما أنا عليه الآن.
والرجال تديثت إلا ما رحم الله! يدَّعون بذلك الحضارة! هل تعلمون: لماذا تديثت الرجال؟ لأنهم يقتدون بالغرب الكافر! قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "لتتبعُنَّ سنَنَ من كان قبلكم شِبراً بشبرٍ وذِراعاً بذراعٍ، حتى إذا دخلوا جُحرَ ضَبٍّ لدخلتموه"، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟".
قال ابن خلدون-رحمه الله-: "أكلت العرب لحمَ الإبل فاكتسبت الجفاءَ، وأكلت الفرس لحمَ الفرس فاكتسبت الشراسة، وأكلت العجم لحمَ الخنزير فاكتسبت الدَّياثةَ"، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنةَّ ديوث". والديوث: الذي يُقِرُّ الخُبثَ في أهله فلا يغارُ على عِرضِه وأهله.
هل علمتم لماذا تأخر سببُ نزول الغيث؟ بسبب شؤمِ معصية بني آدم! قال مجاهد-رحمه الله-: "إنَّ البهائمَ لتلعنُ العُصاةَ من بني آدم إذا اشتدت السنون فتقول: من شؤم معصية ابن آدم".
عباد الله: ومن أسباب تأخر نزول الغيث: النقصُ في المكيال والميزان وعدمُ إخراج الزكاة الواجبة، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "ولم ينقصوا المِكيالَ والميزان إلا أُخِذوا بالسنينَ، وشِدِّةِ المئونةِ، وجورِ السلطانِ عليهم؛ ولم يمنعوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنعِوا القطرَ من السماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمطروا"، فنقص المكيالِ: هو التطفيف، فإن كان الأمرُ له استوفى حقَّه بالكامل وإن كان الأمرُ لغيرِه بخسَه حقَّه، كمن يغش النَّاس في معاملاتِهم، تجد البائعَ يغشُّ المشتري فيجعل الرديءَ من السلعةِ في الأسفل ويجعل الحسن في الأعلى.
ومنع الزكاة الواجبة فيه تعدّ وظلمٌ لحقوق الفقراء، قال عليٌّ-رضي الله عنه-: "إذا رأيت فقيراً يمشي في سكك المدينة فاعلم أنَّ هناك غنياً لم يؤدِ زكاةَ مالِه"، والله-عز وجل- ينزل الغيث بسبب البهائم والصالحين في الأرض، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "لولا السلطان لأكل النَّاس بعضُهم بعضاً، ولولا العلماء لكان النَّاس كالبهائم، ولولا الصالحون لفسدت الأرض".
الخطبة الثانية:
عباد الله: الزموا الاستغفار تنعموا بمغفرةِ ورحمةِ المنَّانِ، قال الحسن البصري-رحمه الله-: "أكثروا من الاستغفار في بيوتِكم وعلى موائدِكم وفي طرقاتِكم وأسواقِكم وفي مجالسِكم؛ فإنَّكم لا تدرون متى تنزل الرحمة؟".
وجاء رجلٌ إليه يشكو الجَدْب فقال: "عليك بالاستغفار"، ثم جاءه آخر يشكو الفقرَ فقال: "عليك بالاستغفار"، ثم جاءه آخر يشكو قلةَ الولدِ فقال: "عليك بالاستغفار".
إنَّه الفهم القرآنيُّ المستنبطُ من قولِ الحقِّ -تبارك وتعالى-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10-12].
فقد جعل الله هذه الأرزاقَ والخيراتِ بالاستغفار، وتوقيرِ الجبَّارِ، ومن أحبَّ أن تَسُرَّه صحيفتُه فليكثرْ من الاستغفار، وطوبى لمن وجد في صحفيته استغفارا كثيراً.
استغفروا الله بقلبٍ صادقٍ، مع إقلاع عن المعصية، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "توبة بلا إقلاعٍ توبةُ الكذَّابين".
عباد الله: قال الله-عز وجل- في الحديث القدسي: "يا عبادي إنَّكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعاً فاستغفروني أغفرْ لكم". فلا زال ينادينا: يا عبادي، وهو الغنيُّ الحميدُ، ونحن قد ملأنا الليلَ والنَّهارَ بالذنوبِ، فبئس العبيدُ!.
الشمسُ والبدرُ من آياتِ قدرتِه *** والبرُّ والبحرُ فيضٌ من عطاياه
الطيرُ سبَّحه والوحشُ مجَّده *** والموج كبَّره والحوت ناجاه
والنَّملُ تحت الصخورِ الصُمِّ قدَّسَه *** والنَّحلُ يهتفُ حمداً في خلاياه
والنَّاسُ يعصونه جهراُ فيسترُهم *** والعبدُ ينسى وربِّي ليس ينساه
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم