عناصر الخطبة
1/أصناف الغارقين في الذنوب والمعاصي 2/أسباب الوقوع في الذنوب والمعاصي 3/واجب الفرد والمجتمع تجاه الغارقين في الذنوب والمعاصياقتباس
كثير من الناس قاموا بمهاجمتنا -نحن معاشر الأئمة والخطباء والوعاظ- هجوما عنيفا، بدعوى: أننا لا ننصح الناس! وأننا مقصرون في موعظتهم وإرشادهم! والأخذ بأيديهم إلى بر النجاة! خاصة وأن كثيرا من الناس في هذه الأزمنة المتأخرة قد غرقوا في الشهوات والملذات! وصنف آخر قد غرقوا في..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا، ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين، هادياً ومبشراً ونذيراً، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصحَ الأمّةَ، فجزاهُ اللهُ خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائه، صلواتُ اللهِ وسلامه عليه، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وآل بيته، وعلى من أحبهم إلى يوم الدين.
أيها المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2- 3].
(وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة 197].
كثير من الناس قاموا بمهاجمتنا -نحن معاشر الأئمة والخطباء والوعاظ- هجوما عنيفا، بدعوى: أننا لا ننصح الناس! وأننا مقصرون في موعظتهم وإرشادهم! والأخذ بأيديهم إلى بر النجاة! خاصة وأن كثيرا من الناس في هذه الأزمنة المتأخرة قد غرقوا في الشهوات والملذات!.
وصنف آخر قد غرقوا في المكاسب المحرمة، كاختلاس الأموال العامة، وأكل أموال الناس بالباطل، وفرض الرشوة في أي صفقة كانت، مسابقة، توظيف، أو مشاريع خدمية، أو غيرها من المشاريع التي تسيل لعاب طالبي الرشوة.
وهناك صنف آخر قد غرق في وحل المسكرات والمخدرات، والموسيقى والأغاني الماجنة، ومتابعة الأفلام والمسلسلات الدعارة، وما تبثه هذه الفضائيات من برامج سامة تهدم أخلاق المجتمعات المسلمة.
وصنف آخر قد غرق في معاملات مشبوهة، كالغش والجشع، والخداع، ومن طلب متزايد على القروض الربوية، والتى انساق وراءها آلاف الشباب في أيامنا هذه.
وصنف آخر قد غرق في فتنة النساء والفتيات، وهذا نظرا لكثرتهن في عصورنا هذه، ونظرا لتبرجهن وسفورهن الكبير، ونظرا للألبسة الضيقة والفاتنة التي يلبسنها، مما أوقع كثيرا من الخلق في شباكهن وحبالهن، فأصبحوا عبيدا للنساء.
وصنف من النساء قد رمينا بالحجاب والجلباب عرض الحائط، ورمينا معه الحياء، نظرا لقلة الدين، وعدم اقتناعهن به، إلى غيرها من المنكرات التي ترتكب الآن على مرآى ومسمع من الجميع، فأقول من موقعي هذا، ومن منبري هذا: أننا لسنا نحن السبب في هذه المنكرات، وأننا لم ندعوا الناس يوما إلى ارتكاب هذه المحرمات والمنكرات، بل الناس أنفسهم هم من قاموا بارتكاب هذه الموبقات، قاموا بارتكابها على عِلمٍ بحرمتها؛ لأن الحلال بين، ولأن الحرام بين، وبقناعة تامة من أنفسهم وباختيارهم، وقاموا بارتكاب جرائمهم وهم في كامل قواهم العقلية والجسمية، وقاموا بارتكابها من دون أن يكرهم أحد على فعلها، أو يجبرهم أحد على اقترافها، بل دعاهم إلى هذه الموبقات والمنكرات والمحرمات، كبير الهالكين، ورئيس زمرة الملعونين، إبليس -عليه لعنة الله ورسوله إلى يوم الدين- دعاهم إلى فعل ما يغضب الله، فلبوا دعوته طائعين، لا مبدلين ولا مغيريين، ويوم القيامة يتبرأ منهم أجمعين، قال الله -تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم 22].
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام: 123].
(يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة: 9 - 10].
(وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [الزخرف: 76].
والسبب الرئيس الذي أوقع هؤلاء العصاة والمذنبين، وكبار المجرمين، فيما وقعوا فيه من كبائر الذنوب:
أولا: عدم معرفتهم بالله علما تاما، لا يعرفون حق المعرفة من هو الله، ولو عرفوه حقيقة لما عصوه، ومن كان به أعرف كان له أتقى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28].
السبب الثاني: هو غفلتهم عن الموت، وما بعده من أهوال وعذاب، أو نعيم، فلو أدركوا حقيقة أنهم سيموتون، وأنهم سيلقون الله، وأن أجسامهم وما فيها من أعضاء، أيد وأعين وأرجل، وشعر وسيقان، وبطن وظهر، وأفخاذ وجمال وجه، ستكون بعد ذالك في يوم من الأيام، أكلة شهية للدود والديدان، وهوام الأرض، عندما يدخل صاحبها القبر، لما عصوا الله وحاربوه بالمعاصي.
السبب الثالث: عدم إقامتهم الصلاة، أي أن هؤلاء العصاة والمجرمين لا يصلون نهائيا، فهم تاركون لها بالمرة، أو يصلون صلاة روتينية اعتيادية، قيام وركوع، وسجود، رفع وخفض، لا خشوع فيها، ولا طمأنينة، لسان حالهم: أرحنا منها، لا كما كان يقول سيد الخلق عليه الصلاة والسلام: "أرحنا بها يا بلال".
فالشخص الذي يُقدم على ارتكاب كبائر الذنوب، كالتعامل بالرشوة، في إدارة الصفقات، واختلاس الأموال العامة، وتزوير الحقائق، والإضرار بالناس، واستغلال المنصب الذي يشغله لقضاء مآربه الخاصة، ولا يبالي بأحوال الناس، وما يعانونه من مصاعب الحياة، ويتعامل بالربا في الكثير من مشاريعه، أو يقوم باصطياد النساء والفتيات، والعفيفات الطاهرات، ويستغل ضعفهن وحاجتهن للإيقاع بهن في حمأة الرذيلة، أو أي كبيرة من الكبائر، هذا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مصليا، أو يكون قد اتجه يوما إلى القبلة، فلو كان مصليا حقيقة لما فعل تلك الأفاعيل، لو كان مصليا حقيقة لنهته صلاته عن ارتكاب كبائر الذنوب، لو كان مصليا حقيقة لاستحى من الله حق الحياء، فلا ذنب بعد ترك الصلاة، إذ كل من ترك إقامة الصلاة أصبحت جميع المعاصي والذنوب سهلة عنده؛ لأن إقامة الصلاة أكبر واق للعبد من الوقوع في المعاصي والمهالك: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
لو كان مصليا حقيقة لكان على الأقل يشهد الجمعة والجماعة مع إخوانه المسلمين، ويأخذ الفائدة من خطبة الجمعة، فإذا كان العبد لا يشهد الجمعة ولا الجماعة مع عموم المسلمين، فمن أين تأتيه الموعظة؟ وكيف الوصول إليه؟ ومن الذي يقوم بتصويب أخطائه؟ ومن الذي يأخذ بيده إلى برِّ النجاة؟
إن السلف الصالح كانوا يعظّمون الصلاة أشد التعظيم؛ لأنها هي الحصن الحصين من جميع المهالك، وأسوق إليكم الآن مشهدا عن عابد، وهو حاتم الأصم -رضي الله عنه- يصف حاله عند قيامه لأداء فريضة الصلاة، اسمعوا ماذا يقول: "إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد، حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى الصلاة، واجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت وراءي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيرا بتحقيق، وأقعد واقرأ قراءة بترتيل، واركع ركوعا متواضع، واسجد سجودا بتخشع، واتبعها الإخلاص، ثم لا أدرى أقبلت مني أم لا".
فليراجع كل منا نفسه، ويعيد حساباته، وينظر في واقعه، فإن كان على خطإ أصلح خطأه، وجدد توبته لربه، ومن تاب تاب الله عليه، وإن كان سائرا في طريق الخير، واصل طريقه.
وفقنا الله وإياكم لطريق الخير والسعادة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة الكرام: ينبغي على كل واحد منا: أن يتحمل مسؤوليته كاملة، ولا نبقي نرمي بالمسؤوليات على بعضنا البعض، ذاك هو المسؤول، وذاك .. وذاك .. فبالرغم من تفشي الفساد الإدراي، والانحطاط الأخلاقي، والتدهور الاجتماعي، والمجاهرة بالمعاصي، ما زال في هذه الأمة الخيرية، ولا زال هناك أناس فيهم الخير، ويحرصون على الخير؛ لأن سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يزال الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة".
ومن قال: "هلك الناس، فهو أهلكهم".
فينبغي أن تتضافر جهود الأخيار والعقلاء والشرفاء في القيام بواجب النصيحة، والموعظة الحسنة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة الفساد، بالطرق السلمية، وبالحجة والإقناع، ومن غير عنف وإكراه، أو نصيحة في وسط جماعة، ومن غير تشهير، كل في دائرة عمله، ومجال اختصاصه، ولا نترك حتى تنفلت الأمور من بين أيدينا؛ لأننا نعيش كلنا في مركب واحد، فإذا سلم المركب سلمنا جميعا، ونجونا جميعا، وإذا غرق المركب غرقنا جميعا، وهلكنا جميعا، ولن ينجوا أحد مهما كانت صفته، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما دخلت عليه السيدة زينب، فقالت: "أنهلك وفينا الصالحون؟" قال: "نعم، إذا كثر الخبث".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم