عناصر الخطبة
1/ منزلة الأمانة وعظمها 2/ مفهوم الأمانة 3/ أهمية استشعار قيمة المسؤولية 4/ الولايات العامة أمانة وخطر التساهل فيهااقتباس
ولا يكون العبد أمينًا إلا إذا أدى ما يجب عليه من حقوقٍ لغيره، حافظا ما استُؤمِن عليه من غير تفريط، عافًّا عمَّا ليس له؛ فمَن اجتمعت فيه هذه الركائز فهو من المفلحين الذين وصفهم الله بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه...
أما بعد:
أيها المسلمون: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله: يقول الحق -عز وجل-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب:72-73].
وأثنى على المحافظين عليها المراعين حقوقها في آيات كثيرة، منها قول الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون:1]، حتى قال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون:8].
وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها من صفات المؤمنين، وأن فقدها من صفات المنافقين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ".
وأداؤها لأصحابها واجب حتى ولو خانوا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ".
عباد الله: إن الأمانة من أبرز أخلاق الرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فما من نبي إلا وقال لقومه: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)، والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يُعْرَف في قومه بالأمين.
والأمانة من صفات جبريل -عليه السلام-، قال -تعالى- عن القرآن الكريم: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) [الشعراء:183].
ولا يكون العبد أمينًا إلا إذا أدى ما يجب عليه من حقوقٍ لغيره، حافظا ما استُؤمِن عليه من غير تفريط، عافًّا عمَّا ليس له؛ فمن اجتمعت فيه هذه الركائز فهو من المفلحين الذين وصفهم الله بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).
أيها الأحباب: إن للأمانة مفهوما واسعا؛ فهي داخلة في كل ما افترض الله على العباد من أمور دينهم ودنياهم، صغيرها وكبيرها، الخاص منها والعام. يقول القرطبي رحمه الله: "تعم جميع وظائف الدين".
إن ذلك عكس ما يتصوره كثير من الناس اليوم ممن قصرت أفهامهم؛ فحصروا الأمانة في حفظ الودائع، وما حفظ الودائع إلا فرع من فروع الأمانة، فالقيام بالواجب أمانة، وترك المنهي أمانة، والأمر بالمعروف أمانة، والنهي عن المنكر أمانة، والحكم أمانة، ورعاية حقوق الأمة أمانة، والعلم أمانة، وحماية الدين والذب عن حياضه أمانة، وصيانة أرض الوطن المسلم أمانة، والحفاظ على الممتلكات العامة أمانة.
فمن أمعن ودقق النظر؛ وجد أن الأمن والطمأنينة والاستقرار مرتبط بتحقيق الأمانة، فإذا سادت الأمانة في المجتمع أمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وفي طرقهم.
عباد الله: وإذا كانت الأمانة من الصفات التي أثنى عليها الشارع الحكيم ودعا إليها، فإنه قد حذر من ضدها؛ فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27]، وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [الأنفال:58].
وكفى بالخيانة قبحًا أنها سببٌ لدخول النار، قال -تعالى-: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) [التحريم:10].
أحبتي في الله: لقد بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الوظائف أمانة، وأمر من تولاها أن يحسن فيها ويؤدي الواجب الذي عليه تجاهها، ونصح -صلى الله عليه وسلم- الضعفاء أن يبعدوا عنها، فقد سأله أبو ذر -رضي الله عنه- أن يستعمله؛ فضرب بيده على منكبه وقال: "يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا".
فاتقوا الله -عباد الله- واستشعروا قيمة المسؤولية وعظمها، فالصلاح وحده لا يكفي لتحمل المسؤولية، فلا أحد يشك في إيمان أبي ذر وصلاحه وتقواه، ولم يولِّهِ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لضعفه.
فكم نرى في المسلمين من تُوكل إليه المسؤولية وهو طيبٌ في نفسه، ومؤمنٌ بربه، وحسنٌ في عبادته؛ ولكنه لا يفعل خيرًا في مسؤوليته، وترى من تحت مسؤوليته في ضياع وفوضى! المسؤولية تحتاج إلى حسن إدارة وحزم وحكمة.
واعلموا -عباد الله- أن خيانة الأمانة من النفاق العملي، قال -صلى الله عليه وسلم-: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ".
فاحذروا انقلاب المفاهيم، فنحن في زمان فشت فيه الأهواء، وقُلِبت الحقائق؛ فاستؤمن الخائن، وخوِّن الأمين؛ ولقد صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخَوَّنَ الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ".
وأخبر -صلى الله عليه وسلم- بضياع الأمانة من الأمة فقال: "أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الْأَمَانَةُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةُ".
وفي الصحيحين قال: "فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ، حَتَّى يُقَالَ إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا".
فإذا كان هذا ديدنَ الناس في بيعهم وشرائهم وسائر شؤونهم، فانتظر الساعة! لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ"، قيل: كيف؟ قال: "إِذَا تَوَسَّدَ الْأَمْرَ غَيْرُ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى.
أيها المسلمون: ما أحوجنا لمحاسبة أنفسنا ومراجعة أحوالنا وأوضاعنا بصدق؛ فنُصلِح الخلل ونتلافى الخطأ، ليكون ذلك سبيلا لفلاحنا وصلاحنا ورقينا.
من ذلك: أن نعلم أن كل مصيبة تصيبنا فهي بسبب ذنوبنا، فيقودنا ذلك إلى التوبة والإنابة إلى الله -عز وجل-، فالله يبتلي عباده ليتوبوا وينيبوا، قال -سبحانه وتعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:42-43]، وقال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف:94].
ثم نتعرف على أسباب المصيبة وطرق علاجها، وكيف نتقيها مستقبلا.
ومما يعين على ذلك، أن يستشعر كل فرد مسؤوليته في هذا المجتمع أمام الله -جل وعلا-، وأن يعلم أن الله قد حمَّله أمانةً عظيمة في هذه الحياة، وسيسأله عنها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
وتزداد المسؤولية على أصحاب المناصب الذين تسنموا مقاعد القيادة، وتولوا قيادة المجتمع، فليعلموا أن المناصب تكليف لا تشريف، وأن حلاوتها تتطلب تحملا للمسؤولية، وجهدا وعطاء، فإذا لم يؤدوها فهي عليهم غُرمٌ يوم القيامة.
ومن رأى في نفسه ضعفا فلا يتولين أمرا من أمور المسلمين، لقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر -رضي الله عنه-: "يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا ، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي؛ لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَتَوَلَيَنَّ مَالَ الْيَتِيمِ".
فهل نستشعر خطورةَ المناصب؟ وهل نؤدي الأمانة التي علقها ولاة الأمر في رقابنا؟ وهل بذلنا الجهد اللازم الذي يخدم المصلحة العامة ويجلب النفع للمجتمع؟.
فمن أدى الأمانة فليبشر بخير عظيم على ما قدم للمسلمين من خدمة ونفع، والويل ثم الويل لمن وُلِّيَ أمراً من أمور المسلمين ومصالحهم ثم فرط فيه، أو أهمل في واجباته!.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ أَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ"
فالذي يحرص على جمع المال وتولي المنصب؛ إذا لم يتق الله في ماله ومنصبه كان مفسدا لدينه.
وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ! وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ! وَيْلٌ لِلْأُمَنَاءِ! لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيَّا يَتَذَبْذَبُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَلَى شَيْء".
عباد الله: اعلموا أن المشاريع التي تنفذ، والوظائف التي تُشغل، بشتى أصنافها وأنواعها، كلها من أجل مصلحة المواطنين في البلاد، وهي أمانةٌ في عنق من يتولى أمرها، فالأمانةَ الأمانة! والحذرَ من الغدر والخيانة! فالله -عز وجل- يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء:85]، وحذر من الخيانة فقال: (وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) [يوسف:52].
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنكم مسؤولون أمام الله -جل وعلا- عن كل ما أُوكل إليكم من أعمال، فأنتم مؤتمنون عليها، فكما أنكم لا ترضون التفريط ولا التقصير في مصالحكم الخاصة؛ فكذلك ولاةُ الأمر والمجتمعُ لا يرضون بالتفريط والتقصير في المصالح العامة.
ومن واجبات المسؤولين أن لا يولُّوا الأمر إلاَّ لأهل القوة والأمانة، وأهل الخير والصلاح والاستقامة، وأهل الصدق والنزاهة والورع، المعروفين بحسن السيرة والإخلاص في العمل، قال -تعالى-: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص:26].
فما فسدت مجتمعات المسلمين إلا يوم ضُيِّعت الأمانة؛ ورُوعِيَت المحسوبيات في تولية الأمور، وقُدِّمت المصالح الخاصة، وحُوِّلت المسؤوليات إلى منحٍ وهدايا.
عباد الله: استمعوا إلى هذه الرسائل النبوية: قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا مُحَابَاةً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا حَتَّى يُدْخِلَهُ جَهَنَّمَ". وقال: "مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِى أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لاَ يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ إِلاَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ". وقال: "أيما رجل استعمل رجلًا على عشرة أنفس، علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل، فقد غشَّ الله ورسوله، وغشَّ جماعة المسلمين".
وقال الفاروق -رضي الله عنه-: "من قلَّد رجلًا على عصابةٍ وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين".
واحذروا -عباد الله- من أكل الحرام، فكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به، وقد حذرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يَنْتِنُ مِنَ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ".
واعلموا أن الأموال العامة أشد خطرا من غيرها، فالتفريط فيها من أعظم الموبقات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ الله بغَيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ".
ومن ذلك أيضا تعاطي الرشوة، تلك الجريمة النكراء التي جعلت الحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً، فقد لُعن أصحابها على لسان المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي".
فويلُ لمجتمع تنتشر فيه الرشوة، ولا يتعاون أهله على محاربتها! قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرِّبَا إِلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ، وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرّشَا إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ".
ومن الجرم العظيم والإثم المبين: استغلالُ المناصب للمصالح الشخصية، والاختلاسُ من الأموال العامة. قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران:161].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولاً يَأْتِى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْبَلْ عَنِّى عَمَلَكَ. قَالَ: "وَمَا لَكَ؟" . قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: "وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى".
فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا التهافت على الحرام، فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من زمان كزماننا هذا، فقال: "ليَأْتِيَنَّ على النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالي المرْءُ بما أَخَذَ المَالَ: أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَام؟",
أسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكفينا بحلاله عن حرامه، وأن يرزقنا القناعة بما رزقنا، وأن يبارك لنا فيه.
هذا، وصلُّوا وسلِّمُوا على خير البرية، وأزكى البشرية، فقد أمركم الله بذلك، فقال -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم