أدركوا المآذن .. عن الحسبة والمحتسبين

عاصم محمد الخضيري

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/من علامات أشراط الساعة الصغرى 2/انقلاب الموازين 3/دجاجلة كثر في آخر الزمن 4/تحريش الشيطان بين المصلين 5/ماذا ينقمون من رجال الحسبة؟ 6/الثبات في طريق الاحتساب 7/من مفاسد ترك الاحتساب 8/استمرار الصراع بين الحق والباطل 9/صبرا صبرا يا رجال الحسبة 10/كيد المنافقين لرجال الحسبة 11/من محاسن وإنجازات رجال الحسبة 12/الحسبة وظيفة الجميع 13/إذا وئدت الحسبة 14/اختيار الله لبعض الأزمنة وتفضيلها لها 15/أهمية عشر ذي الحجة وفضائلها

اقتباس

إذا وئدت الحسبةُ، وجُفِّفتْ منابعها من قلوب الأجيال، فستغرق السفينة، وسيهلك القبطان، وتتخرقُ الأشرعة، وتنكسر المجاديف. إذا وئدت الحسبة من قلوبنا ومن حياتنا ومن أبناءنا فسيتصالح ندامى ألحان، ويتشاكس إخوان المسجد، وعندئذ ستنكسر المأذنة، ويستولي السكارى على المحراب. إذا وئدت الحسبة، وأحجم المحتسبون، وتخلى الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وربطوا ذلك برجل أو جهاز، فسُيسكب...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].

 

وماذا بعد والولدان شابوا *** وباض الديك وابيض الغراب!؟

وكان الناس تسترهم ثيابٌ *** فصار الناس تفضحهم ثياب

سكارى يعبرون على سكارى *** ولا كأس هناك ولا شراب

وأبطال على لحم الضحايا *** لهم ناب وللطاغوت ناب

 

وماذا بعد؟

 

وقد عير الطائيَّ بالبخل مادرٌ *** وعير قساً بالفهاهة باقلُ

وقال السهى للشمس أنت كئيبة *** وقال الدجى للبدر لونك حائل

وطاولتِ الأرضُ السماء سفاهة *** وفاخرتِ الشهبَ الحصى والجنادلُ

 

وماذا بعد؟

 

وأشراط الساعة الصغرى تتصرم،، وكل يوم مضى يدني من الأجل.

 

وماذا بعد؟

 

وقد أتت على الناس هذه السنونُ الخداعات، فأتمن الخائن، وخُوِّن الأمين، وكُذِّب الصادق، وصُدق الكذوب.

 

وماذا بعد؟

 

وقد نطقت الرويبضة،، وصُدِّر فينا الرجل التافه ليتكلم في أمر العامة والخاصة، بل والأمة جمعاء.

 

وماذا بعد؟

 

وأسعد الناس فينا لكع بن لكع،، ولا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس لكع بن لكع!!

 

وماذا بعد؟

 

وقد ارتفع الأسافل، ولا تقوم الساعة حتى يرتفعَ الأسافل.

 

إذا استوت الأسافل والأعالي *** فقد طابت منادمة المنايا

 

إذا ضيعت الأمانة، فانتظر الساعة، قيل: كيف إضاعتُها يا رسول الله، قال: "إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة".

 

إذا صار الخَصْمُ هو الحَكَمُ العَدْلُ، وصار الجاهل عالما، والعالم متطرفا، والمجتهدُ مغفلا، والمغفل مجتهدا، وصار الأمينُ خائنا، وصار الخائنُ أمينا، والمظلوم ظالما، والظالم مظلوما، وصار الآمر بالمعروف مجرما، والمجرمُ آمرا بالمعروف، وصار الرجل التافه متكلما في أمر العامة، ولم لا تقم الساعة؟

 

فماذا بعد، لكيلا تقوم الساعة؟!

 

أبقي الدجال؟! "فشر غائب يُنتظر".

 

لقد خرج دجاجلة ملأوا الأرض فسوقا وظلما وكذبا

 

دجاجلة قد غبروا الأفق ظلمة، وظلما وإفسادا ومينا وإجراما.

 

دجاجلةٌ لو أن مواخير الفساد أقسمت للفساد، أنه لا أنتنَ منهم في الأرضين ما حنثت.

 

كيف تحنث، وهي تُحدِّثُ عن ضرابين، والضرابين ليس يُهدين عطرا

 

والضرابين لا يقلن سلاما *** والضرابين ليس يلفظن دُرا

 

آخر ما يمكن أن يفكر الدجال به، هو قول الحقيقة، حتى وهو يقولها فإنه يأتي بها عوراء، حتى تكون مسيحة دجالة.

 

لما أيس الشيطان أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش بينهم.

 

ما فتئ شياطين كل زمان أن يقتدوا به، فإنهم قد أيسوا من وئد هذا الدينِ في قلوب الناس، فأقاموا دور الإغواء والتبديل والقولبة والتمثيل، حتى يتم تمريرها في وجوه الخلائق من كل أحد،

 

ليس ثمة مانع أن يتحدثوا عن الشرف، ويفتخروا به، حتى ولو كانت عظامهم نبتت من مَهْر بغي، فأسهل شيء هي الدعاوى!.

 

وإذا كان سفيان الثوريُّ -رضي الله عنه- يقول: "إني أرى المنكر فلا أستطيع تغييره، فأرجع إلى البيت فما أبول إلا دما".

 

فإن هؤلاء يبولون الدماء حين يرون منكرا ينكر عليه، أو معروفا يُأمر به؟!

 

فما الذي أغاضهم من هذه الشعيرة العظيمة؟! فما الذي يغيظهم من هذه الفريضة ورجالها؟! أينقمون منها أنها حملت الجموع في سفينتها؟! أم ينقمون منها حين كانت الشاطئ القريب من محيطات موت؟! وبحار ظلمات، وأنهار هلاك؟! أينقمون من هذه الشعيرة ورجالها أن سُقينا الغيث بها وبهم؟ أم ينقمون أن ضَمنَّا بقاءنا بإحيائها؟ أينقمون من هذه الشعيرة أن كانت سببا في خيرية هذه الأمة في حين شقاء الأمم؟ أم ينقمون منها أن تجاب بها دعواتنا أو تعلوَ راياتنا؟!

 

قفوا واستوقفوا ظلما وبغيا *** وإلا فهو من طوفان نوح.

 

قسما برب الفلق، وبرب الغسق، وبمنزِّل الأعلى وسورة نون، ومنزل الفرقان والماعون.

 

قسما بأن بلادنا ما أمِّنت، إلا بحبل من هداه متين.

 

قولوا لهم: ليرحِّلوا أهوائهم إلى بلادهم حيث شاءوا، فإننا سنبقى هنا بشعيرتنا، ودونها ودون انتزاعها منا خط القتاد.

 

إن كان لديهم استعدادٌ فإننا نعلن أنه ليس لدينا استعداد، أن نُلعن كما: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)[المائدة: 78- 79].

 

ليس لدى هذه الامة استعداد أن يُصدِّر البغاة لها تجربة شهواتهم.

 

ليس لدى هذه الأمة استعداد أن يكون لديها في كل تسعين ثانيةً حادثةَ اغتصاب، وإجهاضا في كل دقيقتين، وقتلا في كل خمس، وسرقة في كل عشر.

 

ليس لدى هذه الأمة استعداد أن تضحي ببلدانها الإسلامية وبشعائرها الدينية لأبناء الدهاليز وأولاد السكك.

 

روموا كما شئتم فما رمتم سوى *** الفحشاء واللخناء والنكراء

روموا كما شئتم فما رمنا سوى *** حب الهدى ومحبة الشرفاء

 

إن تعجبوا فعجب أمرهم، إذا احتسب المحتسبون، قالوا: لم الافتئات على جهاز رسمي؟

 

وإذا احتسب الجهاز، قالوا: إن الله فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل أحد، لسنا في حاجةٍ لجهاز، ولو نطقوا لقالوا فصدقوا: انزعوا سورة آل عمران من القرآن.

 

ويا أيها المحتسب: دونك هذه الوقفات:

 

الوقفة الأولى: إن الصراع بين الحق والباطل باق إلى قيام الساعة، وإن المدافعة باقية، فلا تظننَّ أن الحروب الشعواء على الخير وأهله هي من محض الصدفة، بل هي جزء من قسم إبليس الذي أنفذه عندما قال: (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص: 82].

 

ومن لم يوطِّن نفسه على البليَّات يوشك أن يلقى الله مفلسا من جزاء الصابرين.

 

سيرى المؤمن في هذه الحياة جورا *** وسيرى تزويرا وتبديلا

 

(فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر: 8].

 

صبرا -أيها المحتسب- وإن جاروا عليك، صبرا وإن شوَّهوك، صبرا وإن أوجعوك، صبرا وإن دبروا ليلا لخلعك من سواعد الطهر في داج الملمات.

 

صبرا -أيها المحتسب-: فإنهم وإن أنكروك فقد عرفناك، وإن اتهموك فقد تبينَّاك، وإن كرهوك فقد أحببناك، وإن سلقوك بألسنة حداد، فما لك إلا الحب والعز والفداء، وما لك منا غيرُ عهد وفاء

 

صبرا -أيا نسل الكرام ابنَ الكرام-، فمهنتك خيرُ مهنة، مهنة الأنبياء، ودأب الأتقياء الأنقياء النبلاء الصلحاء.

 

صبرا، فنبيك الذي اتهموه بالسحر والكهانة والجنون، لن تنتظر بعده أن يُربت على كتفك، وتصنعَ لك الأكنافُ، وتفرش النمارق، وتنادي عليك النساء:

 

نحن بنات طارق *** إن تقبلوا نعانق

ونفرش النمارق

 

هذا السبيل عسير، ما سلم منه نبيك وأعقابه تدمى يوم الطائف من غلمان صغار، أفتسلم أنت؟!

 

هذا السبيل عسير، ولا سلمت رباعيته أن تكسر، ولا سلم رأسُه أن يشج، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" أفتسلم أنت؟!

 

هذا السبيل عسير في توقده *** فيه اللظى وبه وشوك وسعدان

 

هذا السبيل هو سبيل التضحيات.

 

إن كنت ظننت أنك لا تلقى في سبيلك بلاء، فشك في عقلك، وإن كنت لم تلق في سبيلك بلاءً، فشك في السبيل.

 

هذا السبيل، ما سلمت منه رقبة أبي بكرِ النابلسي، حين قال له الأمير الرافضي العبيدي: بلغنا عنك يا أبابكر أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرةُ أسهم، وجب أن يرميَ في الروم سهماً، وفينا تسعة، قال: ما قلت هذا أيها الأمير، بل قلت: إذا كان معه عشرةُ أسهم، وجب أن يرميَكم بتسعة، وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً؛ فإنكم غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهية، فما كان من ذلك الطاغية إلا أن شهَره وضربه، ثم أمر يهوديا فسلخه، أفتسلم أنت؟!

 

هذا سبيل التضحيات، ومن يحد عنها فليس بكفؤ حب الدين، أفتسلم أنت؟

 

ما سلم كبار المحتسبين من هذه الحروب، فمن كتب الضمانة أن تسلم!.

 

ومن ظن ممن يلاقي الحروب *** بأن لا يصاب فقد ظن عجزا

 

ما سلم أبناءُ الكهف وهم ملوك وأبناء الملوك من هذا السبيل، بل رحلوا كارهين.

 

وما سلم إبراهيم -عليه السلام- من أبيه، بل هُدد بالرجم إن لم ينته.

 

وما سلمت نساء محضيات عند فرعون من هذا السبيل، بل رمين بقدر مُحمى ليلقين الهلاك من أجل كلمة واحدة.

 

أيها المحتسب: صبرا فلو شربوا دمك، فقل: لن أحيد هذي فريضة ربي لا أوفيها جزاً جزيلا، ولكن طاعة وجهاد.

 

صبرا، فما نقموا منك إلا أن شهواتِهم تراق على يدك، وأحلامَهم تبدد على يقظتك.

 

لو كنت عرافا على دار، بغي لأوقدوا لك الشموع، ولكنك محتسب.

 

يريدون منك مَلَكا لا تخطئ، ونبيا معصوما مسددا، ورجلا آليا لا روح فيه.

 

أيها المحتسب: سيتهارشون في سبيلك ككلاب تهارشت يومَ طلٍّ.

 

فاصبر -أيها المحتسب- سيخلقون في طريقك الإجرام والعذاب والأتعابا.

 

فاصبر.

 

أيها المحتسب: ستلقى أثرة في طريقك، فاصبر.

 

أيها المحتسب: من أي فئة أنت؟

 

قل: الله أكبر من كل أذىً، ماضون في هذا العهد، ولو تخطفتنا كلاليب الظلام والظُلاَّم.

 

أيها المحتسب: أنت أنت.

 

يا شجاعا يرى الشوامخ سهلا *** جئتني تزدهي فجئتك رملا

 

رجل الحسبة الصبورَ أيامن *** حل فيه الجميل قولا وفعلا

صح فيك المديح حين تسامى *** فيك معنى أراه أسمى وأعلى

 

أنت روض به يغرد طيرٌ *** وبه نرجس يعانق فلّا

لم تهب والذي يهاب صعودا *** في معالي الأمور يسكن وحلا

بين جنبيك من حنانك قلب *** أبيض الجانبين يخفق نبلا

في تقاسيم وجهك البش شيء *** ليس أنقى وليس أرقى وأحلا

أنت يا أنت ندرة من رجال *** جعلوا الدعوة العظيمة حملا

أيها الليث لن يوفيك شعري *** بعض شيء فكيف يُوفِيك كلا

يا رعى الله فيك قلبا شجاعا *** قال للمعضلات أهلا وسهلا

لم تهب والذي يهاب صعودا *** في معالي الأمور يسكن وحلا

سنظل نذكركم ونذكر فضلكم *** فلقد بنيتم في القلوب قواعدا

 

الوقفة الثانية: إذا كان منهج المنافق التصيد، فإن منهج المؤمن التجرد، والمؤمن متبيِّن لا متخوِّن، ومتثبتٌ لا مُبيِّت.

 

ومثل هذه الأحداث تدعوا المسلمَ إلى مراجعة أصول السلوك والأخلاق في منهج أهل السنة والجماعة، فإذا زوَّر المزورون فلا نزور، وإذا كذب الكاذبون فلا نكذب، فالأخطاء لها نصابها، فخطأ فرد لا يُستعتب به قبيلة، وخطأ قبيلة لا يحسب على أمة، وفرد لا يُحل به جهاز، وإذا كانت القسمة الضيزى هي العليا، فسنحل كل جهاز لعدم عصمة أفراده، فاتقوا الله: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8].

 

إن الأخطاء الفردية لا يمكن لها أن تمحوَ أصل هذا الاحتساب العظيم، ولا جهازا نصبه ولاة أمر هذه البلاد.

 

"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمة ما دام للإسلام قائمةً في هذه الأرض، فهو ركن أساسي للدولة الإسلامية"[التوقيع: نايف بن عبد العزيز].

 

يضبطون كل ليلة مئاتَ القضايا التي تتعلق بالخلوات والاعتداء على الأعراض، قبضوا حتى الآن على أكثرَ من خمسين ألف ساحر ومشعوذ.

 

أغلقوا حتى الآن مئاتَ الآلاف من المواقع الإباحية، وآلافا من المواقع المخالفة للعقيدة الإسلامية.

 

أغلقوا حتى الآن آلاف المصانع للخمور وغيرها، ساهرون وغيرهم نائمون، يعملون خارج الدوام باختيارهم، كم من ساحر وحانوتَ دعارة ومصنعِ فسوق داهموه، وكم فتاة أنقذوها وستروا عليها وعلى أهلها.

 

العدل العدل، و"إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث".

 

الوقفة الثالثة والأخيرة:

 

هيئاتنا إكليلنا المعقود *** عقد على جيد السها منضودُ

حسدوا نضالكِ والجهاد *** فغبروا والبدر في كبد السماء محسود

هل ضرهم منها كريم خصائل *** طهر وبذل في الخلال وجود

قد جمعت خُلَلَ الهدى أوصافُهم *** جمعا عليه ينبني التوحيد

هيئاتَنا سيروا ودربكم هدى *** وعيون حسدنا بهن العودُ

 

كلنا محتسبون، لا وقوف.

 

إن جاهدونا بإغلاق الجهاز، فرئاتنا أجهزة تتنفس الحسبة.

وإن أوقفوا محتسبا فإنا هاهنا محتسبون!!

 

صرنا تحركنا رغبات القوم وشهواتُهم، كقطع الشطرنجِ، فكل حدث أو حديث نريد الإفاقة منه، أو إصلاح نقوم به، أشغلونا عنه، وسيوفُنا بعدُ ما جفت من أعداء الدين من اليهود والنصارى والرافضة.

 

فمن المسؤول عن اشتعال هذا الاحتراب الاجتماعي، وصرفِ أنظارنا عن قضايا الأمة العظمى

 

كلنا محتسبون: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

 

كلنا محتسبون، لا نريد أن تقفَ حياتُنا بأحد، ولا أن نربط تنفيذ شعيرتنا بجهاز.

 

كلنا محتسبون، من كان منكم يعبد جهازا فسيموت الجهاز طال الزمن أم قصر، ومن كان يعبد ربه فإنه حي لا يموت: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[آل عمران:104].

 

يقول البغوي -رحمه الله-: "إن (مِّنكُمْ) في هذه الآية ليست تبعيضية، وإنما لبيان الجنس".

 

ويقول ابن حزم -رحمه الله-: "أجمع علماء الإسلام على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل أحد".

 

ثم يقول الجويني: "ولم يخالف في ذلك أحد إلا الرافضة، ولا يعتد بخلافهم؛ لأن الأمة أجمعت على ذلك قبل أن ينبغ هؤلاء".

 

كلنا محتسبون، إذا تعطلت الفريضة أو الشعيرة تعطل الخير، وشاعت الضلالة، وحيت الفتنة.

 

كلنا محتسبون، إذا وئدت الحسبة من قلوبنا فسيكون الحلال حراما، والحرام حلالا، وسيكون المندوب مكروها، والمكروهُ مندوبا إليه.

 

إذا وئدت الحسبةُ، وجُفِّفتْ منابعها من قلوب الأجيال، فستغرق السفينة، وسيهلك القبطان، وتتخرقُ الأشرعة، وتنكسر المجاديف.

 

إذا وئدت الحسبة من قلوبنا ومن حياتنا ومن أبناءنا فسيتصالح ندامى ألحان، ويتشاكس إخوان المسجد، وعندئذ ستنكسر المأذنة، ويستولي السكارى على المحراب.

 

إذا وئدت الحسبة، وأحجم المحتسبون، وتخلى الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وربطوا ذلك برجل أو جهاز، فسُيسكب لبن الأخلاق، ويتناثر أبناء الخطيئة في الطرقات، وعندئذ نقول الصيف ضيعت الأخلاق، ثم انتظر الفساد، وانتظر بعدها سوط عذاب.

 

كلنا محتسبون.

 

اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، واهدنا سبل السلام، وانصر أهل الصلاح واقمع أهل الفساد.

 

اللهم من أراد بشعيرتك سوءا فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واكفناه بما شئت وكيف شئت، واجعلنا من أنصار شريعتك وملتك، وطهر بلادنا من كل سوء ومكروه.

 

اللهم صل وسلم على نبيا محمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

 

إن الله -عز وجل- يخلق ما يشاء ويختار، خلق السماواتِ واختار منها السابعة، وخلق الجناتِ واختار منها الفردوس، وخلق الملائكة واختار منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وخلق البشر واختار منهم المؤمنين، واختار من المؤمنين الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسلَ، واختار من الرسلِ أولي العزم، واختار من أولي العزم الخليلين، واختار من الخليلين محمدًا -عليهم الصلاة والسلام أجمعين-، وخلق الأرض واختار منها مكةَ، وخلق الأيام واختار من أشهُرِها شهرَ رمضان، ومن أيامها يومَ الجمعة، ومن لياليها ليلةَ القدر، ومن ساعاتها ساعةَ الجمعة، ومن عشرها عشرَ ذي الحجة.

 

إن هذه العشر لها المنزل الأسمى عند الله، تدلّ على محبته لها، وتعظيمه لها، فهي عشر مباركات، كثيرة الحسنات، قليلة السيئات، عالية الدرجات، متنوعة الطاعات.

 

ألا إن الله لا يقسم إلا بعظيم، وإنها لعظيمة: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1- 2].

 

أكمل الله فيها الدين، واجتمعت فيها العبادات كلُّها، وبكمال الدين تنتصر السنة، وتنهزم البدعة، ويقوى الإيمان، ويموت النفاق.

 

أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، دقائقها وساعاتها وأيامها وأسبوعها.

 

أحب الأيام إلى الله -تعالى-، وفيه يوم عرفة الذي يحتسب نبينا -عليه الصلاة والسلام- أن "يكفر بصيامه السنة التي قبله، والتي بعده".

 

والعمل الصالح فيها أحب إلى الله -تعالى- من كل يوم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله -تعالى- من هذه الأيام" يعني: أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".

 

وهذا يدل على أن العمل الصالح في أيام العشر أفضل من الجهاد بالنفس، وأفضل من الجهاد بالمال، وأفضل من الجهاد بهما، والعودة بهما أو بأحدهما؛ لأنه لا يفضل العمل فيها إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع بهما بشيء.

 

حتى متى يا قلب تسبح في *** لجج الهوى إن الهوى بحر

فاطلب من الرحمن مغفرة *** طرقت رحابك هذه العشر

 

اللهم بارك لنا في أيامنا، وتقبل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

 

اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.

 

اللهم صل وسلم...

 

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين...

 

اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا...

 

 

 

المرفقات

المآذن .. عن الحسبة والمحتسبين1

المآذن عن الحسبة والمحتسبين- مشكولة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات