أحكام النذر

ناصر بن محمد الأحمد

2013-05-20 - 1434/07/10
التصنيفات: المعاملات
عناصر الخطبة
1/ حكم النذر 2/ أقسام النذر 3/ الفرق بين النذر واليمين 4/ شروط الناذر 5/ مسائل في النذر

اقتباس

النذر مشروع في شريعة الإسلام، لكنه غير مستحب، والنذر نوع من أنواع العبادة التي هي حق لله وحده، لا يجوز صرف شيء منها لغيره، فمن نذر لغيره فقد صرف نوعًا من أنواع العبادة التي هي حق الله تعالى لمن نذر له، وهذا يعتبر شركًا..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله…………..

 

أما بعد: كثيرا ما يُسأل أئمة المساجد من قِبَل عامة الناس عن مسائل تتعلق بالنذر... نذرت إن أنا شُفيت من المرض أن أصوم شهرًا،  أو نذرت أن أتصدق بمبلغ كذا، ثم يعجز بعد ذلك عن الوفاء بنذره، فما الحكم؟ فرأيت أنه من المناسب أن نخصص بين كل فترة وأخرى، خطبة، نذكر فيها أحكام باب معين يحتاجه الناس، ويكثر السؤال عنه، فهذه، خطبة مختصرة في أحكام النذر.

 

ذكر الله جل وتعالى عن أم مريم أنها نذرت ما في بطنها لله، فقال سبحانه: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران: 35]، وأمر الله مريم فقال: (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم: 26]، وذكر الله جل وتعالى عن أهل الجاهلية، ما كانوا يتقربون به إلى آلهتهم من نذور، طلبًا لشفاعتهم عند الله، وليقربوهم إليه زلفى، فقال عز وجل (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [الأنعام: 136].

 

أيها الأحبة: النذر مشروع في شريعة الإسلام، لكنه غير مستحب، انتبه، وهناك فرق بين أن يكون مشروعًا وبين أنه غير مستحب. قال الله تعالى في مشروعية النذر: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) [البقرة: 270]، وقال سبحانه: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج: 29]، وقال جل وتعالى: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) [الإنسان: 7] وقد حرمه طائفة من أهل العلم، وأما كونه لا يستحب، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر كما في حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم وقال: "إنه لا يأتي بخير، وإنما يُستخرج به من البخيل".

 

فالقول بأنه مشروع، يعني أنه لو نذر الإنسان نذرًا صحيحًا لزمه الوفاء به، والقول بأنه لا يستحب، أي أنه لا يستحب للمسلم أن ينذر؛ لأنه كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام لا يأتي بخير، وهو إنما يستخرج من البخيل. [فقه السنة 3/33].

 

أيها المسلمون: النذر نوع من أنواع العبادة التي هي حق لله وحده، لا يجوز صرف شيء منها لغيره، فمن نذر لغيره فقد صرف نوعًا من أنواع العبادة التي هي حق الله تعالى لمن نذر له، وهذا يعتبر شركًا، ويكون صاحبه داخلاً تحت عموم قول الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة: 72]، ومن اعتقد من المسلمين المكلفين، جواز النذر لغير الله، فاعتقاده هذا شرك أكبر مخرج عن الملة، يستتاب صاحبه ثلاثة أيام ويُضيق عليه فإن تاب وإلا قُتل. [اللجنة الدائمة 1/110].

 

إن كثيرًا من الناس إذا مرض نذر إذا شفاه الله تعالى أن يفعل كذا وكذا، أو إذا ضاع له شيء نذر أن يفعل كذا وكذا إن وجده، ثم يقدر الله جل وتعالى أن يشفى المريض، أو يجد الضائع، فيعتقد بأن الذي أتى له بذلك هو النذر، وهذا ليس بصحيح، بل إن ذلك من عند الله عز وجل، والله أكرم من أن يحتاج إلى شرط فيما سُئل، فعليك أن تسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي هذا المريض، أو أن يأتي بهذا الضائع، أما النذر فلا وجه له. فتنبهوا لهذا. [فتاوى إسلامية 3/484].

 

ثم إن كثيرًا من الذين ينذرون، إذا حصل لهم ما نذروا، فإنهم يتكاسلون عن الوفاء فيما نذروه، وربما تركوا الوفاء به، وهذا أمر خطير وعظيم، استمع إلى قول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [التوبة: 75 - 77] وعلى هذا لا ينبغي للمؤمن أن يدخل هذا الباب وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتي بخير. [فتاوى إسلامية 3/484].

 

أيها المسلمون: اعلموا وفقني الله وإياكم، بأن النذر خمسة أقسام: القسم الأول: النذر المطلق: مثل أن يقول الرجل: لله عليّ نذر، ولم يسم شيئًا، فهذا يلزمه كفارة يمين؛ لما روى عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفارة النذر إذا لم يسمَّ كفارة يمين" رواه ابن ماجه والترمذي. فدل هذا الحديث على وجوب الكفارة إذا لم يسمّ ما نذر لله عز وجل.

 

القسم الثاني: نذر اللجاج والغضب: وهو تعليق نذره بشرط، لكن قصده المنع أو التصديق، أو التكذيب، كان يقول: إن كلمتك، فعليّ الحج أو إن لم يكن هذا الخبر صحيحًا، فعليّ صيام شهر ونحو ذلك، ففي هذه الحالة، يخيّر العبد بين التزام ما نذره أو كفارة يمين، لحديث عمران بن حصين، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين" رواه سعيد في سننه.

 

القسم الثالث: النذر المباح، كما لو نذر أن يلبس ثوبه أو يركب سيارته، فهذا يخيّر بين فعله وبين كفارة اليمين إن لم يفعله كالقسم الثاني، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا شيء عليه في نذر المباح؛ لما روى البخاري: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم، فقال عليه الصلاة والسلام: "مروه، فليتكلم وليستظل، وليجلس، وليتم صومه".

 

القسم الرابع: نذر المعصية والعياذ بالله، كان يقول عليّ نذر أن أشرب الخمر، أو تقول المرأة: علي نذر أن أصوم أيام الحيض، ونحو ذلك، فهذا نذر محرم لا يجوز الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه"، فدل هذا الحديث على أنه لا يجوز الوفاء بنذر المعصية؛ لأن المعصية لا تباح في حال من الأحوال. لكن ماذا على الشخص لو نذر معصية؟ ذهب بعض أهل العلم إلى أن عليه كفارة يمين، لكن الصحيح أنه لا كفارة عليه، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

 

القسم الخامس: نذر الطاعة، سواء كان هذا النذر مطلقًا كنفل صلاة أو صيام أو صدقة، أو كان معلقًا على حصول شرط، كقوله: إن شفى الله مريضي فلله عليّ كذا، فكل هذا يلزمه الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" رواه البخاري، ولقول الله تبارك وتعالى: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) [الحج: 29]. [الملخص الفقهي 2/485].

 

أيها المسلمون: يخلط بعض الناس بين اليمين وبين النذر، ويظن أنهما شيء واحد، وليس كذلك، فإن بينهما فروقًا. منها: أن النذر التزام جازم لله تعالى، فيلتزم الناذر طاعة لله، قاصدًا به التقرب من ربه والوصول إلى ثوابه، بينما اليمين، عقدها بالله وقصد بها مجرد تأكيدها حلفاً على فعله أو على تركه، فالنذر عقده لله، واليمين عقدها بالله.

 

ومن الفروق بينهما، أن النذر الشرعي لا بد من فعله سواء أطلقه أو علقه على حصول شيء فلا ينفع فيه كفارة، أما اليمين، فتحله الكفارة ولهذا سماها الله تحلة فقال: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) [التحريم: 2].

 

ومن الفروق: أن عقد الحلف واليمين غير منهي عنه، بل قد يكون واجبًا أو مسنونًا بحسب أسبابه، أما عقد النذر فإنه مكروه، وقد حرمه بعض أهل العلم، وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عنه وقال: "إنه لا يأتي بخير، وإنما يُستخرج به من البخيل".

 

ومن الفروق أيضًا: أن الوفاء بالنذر محمود بل واجب، أما الوفاء بموجب اليمين، ففيه تفصيل بحسبه.

 

ومن الفروق: أن علم النذر من غرائب العلم، كما ذكر هذا بعض أهل العلم، ومن غرائبه أنه كان عقدًا منهيًّا عنه، لكن الوفاء به محمود، بل واجب، والقاعدة الأصولية في جميع الأمور أن الوسائل لها أحكام المقاصد، إلا في هذه المسألة. [الإرشاد للسعدي ص ( 204 )]

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين … أما بعد:

 

أحكام النذر، أيها الأحبة كثيرة، وتفريعاتها، يصعب حصرها، لكن نختار في هذه العجالة، بعضها:

يشترط في الناذر الأهلية من العقل والبلوغ، فلا ينعقد نذر المجنون والصبي، لأن هؤلاء غير مكلفين بشيء من الأحكام الشرعية، فليسوا أهلاً للالتزام.

 

ويصح النذر من الكافر، إذا نذر عبادة، ويلزمه الوفاء به إذا أسلم؛ لحديث عمر رضي الله عنه قال: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك". [الملخص الفقهي – الفوزان ج (2)].

 

وإذا نذر الإنسان شيئًا ثم رأى أن غيره أفضل منه وأقرب إلى الله وأنفع لعباد الله فإنه لا حرج عليه أن يغيّر وجهة النذر إلى الموقع الفاضل، ودليل ذلك أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس: فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "صل ها هنا"، ثم أعاد الرجل فقال: "صل هنا" ثم أعاد، فقال: "شأنك إذن"، فدل هذا على أن الإنسان إذا انتقل من نذره المفضول إلى ما هو أفضل فإن ذلك جائز. [فتاوى إسلامية 3/484].

 

وإذا نذر الشخص ثم لم يلتزم فإنه آثم وعليه التوبة إلى الله والوفاء بنذره الشرعي، ولو نذر مثلاً أن يذبح شاة لله، ثم احتاج إلى قيمتها فباعها، فإنه يلزمه ذلك، وعليه بعد التوبة أن يذبح بدلاً منها لا تقل عنها، بل تكون مثل ما نذر أو أحسن منها.

 

ومن علق النذر على حصول شيء في المستقبل، ولم يحصل فإنه لا يلزمه الوفاء ولا كفارة عليه، فمتى ما حصل المعلق وكان النذر نذر طاعة وجب عليه الوفاء.

 

ومن نذر أن يصوم عددًا من الأيام، ثم أصابه بعد ذلك مرض لا يرجى زواله، فإنه يطعم عن كل يوم مسكينًا بعدد الأيام التي نذر. ولا يصام عنه لأن الحي لا يصام عنه، وإنما يصام عن الميت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه"، رواه البخاري ومسلم.

 

ولو نذر أن يذبح شاة معينة، ثم ماتت هذه الشاة دون تفريط منه ولا تعدٍّ، فإنه لا شيء عليه، ولا يلزمه بدلها.

 

وإذا كان الشخص معتادًا أن يتصدق على أسرة فقيرة، ثم نذر إن حصل له كذا أن يتصدق، ثم حصل فإنه لا يجوز أن يدفعها لمن كان معتادًا أن يتصدق عليهم، بل يلزمه أن يتصدق على غيرهم. [ابن إبراهيم 12/242].

 

وإذا نذر شخص إن شفاه الله من مرضه أن يذبح ناقتين جميعًا في وقت واحد. ثم شفاه الله وكان فقيرًا، فإنه يبقى في ذمته، كالدَّيْن، حتى يغنيه الله من فضله ويوفي بنذره. [ابن إبراهيم 12/242].

 

وإذا قال: إن شفى الله مريضي فلله عليّ صوم شهر، فله تعجيل الصوم قبل الشفاء لوجود النذر. [الاختيارات ص 329].

 

وإذا نذر الشخص لو نجح في الاختبار فإنه سيصوم ثلاثة أيام من شهر، وبعد ما نجح وبدأ في الصيام الشهر الأول ثم الثاني ثم السادس ثم العاشر ثم أحس بالندم وشعر بالإرهاق نظرًا لانشغالاته وأعماله خصوصًا أيام الصيف، وأن هذا سيستمر معه مدى الحياة، فما الحل؟

 

الحل: أن هذا شيء أوجبه هو نفسه وليس له الرجوع عنه، ونسأل الله أن يعينه على ذلك وأن يعظم له الأجر والمثوبة، ونوصيه وغيره من إخواننا المسلمين، بألا يعودوا إلى النذر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنذروا، فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئًا، وإنما يستخرج به البخيل". متفق عليه.

 

 

 

 

 

المرفقات

النذر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات