أحكام المساجد

خالد خضران الدلبحي العتيبي

2024-11-01 - 1446/04/29 2024-11-27 - 1446/05/25
عناصر الخطبة
1/أهمية المساجد 2/فضل بناء المساجد وعمارتها 3/نظافة المساجد وتطهيرها 4/مخالفات شرعية في بناء المساجد 5/أهم أحكام المساجد.

اقتباس

وقد همَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحرق بيوت مَن تخلَّفوا عن صلاة الجماعة، ولم يسأل هل هم يصلون جماعة في بيوتهم أو لا؛ فهذا يدل على أن صلاة الجماعة واجبة في المسجد...

الخطبةُ الأولَى:

 

 إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد: عباد الله: إن للمسجد شأنًا عظيمًا في الإسلام، ولذلك فإن أول عمل عمله النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قدم مهاجراً للمدينة أنه بنى مسجد قُباء، ثم بعد ذلك بنى المسجد النبوي، وأحبّ البقاع إلى الله هي المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق؛ لأن المساجد تُعمر بالصلاة وقراءة القرآن وذِكْر الله، وأما الأسواق فيكثر فيها الكذب والغش والمعاملات المحرمة؛ فيبغضها الله.

 

وليس المعنى أن الأسواق محرمة أو البيع والشراء محرم؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أحبُّ البلادِ إلى الله مساجدها وأبغض البلاد أسواقها".

 

وقد أمر الرسول -صلى الله وعليه وسلم- ببناء المساجد في الأحياء؛ ففي حديث عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "أَمَرَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بِبِنَاءِ المسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ"(أخرجه الإمام أحمد).

 

وجاء الفضل العظيم في بناء المسجد والمشاركة في ذلك؛ ففي الصحيحين من حديث عثمان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن بنَى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة".

 

وأثنى الله -سبحانه وتعالى- على الذين يعمرون المساجد، وشهد لهم بالإيمان؛ فقال –تعالى-: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[التوبة : 18].

 

وعلى المسلم الذي يريد أن يبني مسجداً أو يشارك في بناء مسجد عليه أن يختار المكان الذي تعظم الحاجة لبناء المسجد فيه، فلا يأتي إلى مكان المساجد قريبة منه، ولا تزدحم بالمصلين، ثم يبني مسجداً؛ فهذا فيه تفريق للمسلمين، ومن مقاصد المسجد: اجتماع المسلمين فيه خلف إمام واحد وليس تفرقة المجتمعين.

 

وعليه أن يحذر من المخالفات الشرعية التي تكون في بناء المساجد، ومن أخطرها: بناء المساجد على الأضرحة والقبور، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في البخاري ومسلم أنه قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

 

ومن المخالفات المشهورة: زخرفة المسجد خاصة قِبْلَة المصلين، وفي هذا مفاسد منها مشابهة اليهود؛ فقد جاء في الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ المسَاجِدِ"(أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ)، ومعنى التشييد هنا: تزيينها، زاد ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لتزخرف كما زخرفت اليهود والنصارى معابدهم".

 

ومن المفاسد: إشغال المصلين وإذهاب خشوعهم عن الصلاة بسبب هذه الزخارف. ويكثر هذا في آخر الزمان حتى يتباهى الناس بالمساجد؛ فقد جاء في مسند أحمد وعند أبي داود وغيرهم من حديث أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ، حَتَّى يَتَباهَى النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ".

 

وهذه المساجد -عباد الله- لها أحكامٌ كثيرة:

فمن هذه الأحكام: أن نحرص على نظافتها وتطييبها؛ فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تُنظَّف وأن تُطيَّب.

 

ومن يقوم بنظافتها أو دفعِ مالٍ لمن يقوم بذلك؛ فهذا له أجر عظيم، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُجِلّ صاحب هذا العمل؛ فقد جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ -أي: تُنظِّف المسجد-، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقَالُوا: مَاتَت، قَالَ: "أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي -أي: أخبرتموني- قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا -يعني ما رادوا يشغلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذه المرأة السوداء خاصةً أنها ماتت ليلاً- فَقَالَ: "دُلُّونِي عَلَى قَبْرِها"، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ".

 

ومن الأحكام المهمة للمسجد: أنه ينبغي لنا عمارة المساجد، ويدخل في عمارتها: إقامة صلاة الجماعة فيها، وقراءة القرآن والذكر؛ قال -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النور: 36-37].

 

وقد همَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحرق بيوت مَن تخلَّفوا عن صلاة الجماعة، ولم يسأل هل هم يصلون جماعة في بيوتهم أو لا؛ فهذا يدل على أن صلاة الجماعة واجبة في المسجد.

 

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلني وإياكم ممن يعمرون مساجد الله.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد: عباد الله من أحكام المساجد أنه لا يجوز لمن كانت معه رائحة كريهة أن يدخل المسجد، بل عليه أن يزيل هذه الرائحة، ويذهب للمسجد، فإن كان الوقت ضيّقاً فيصلي في بيته؛ ففي البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ".

 

ومن أحكام المساجد -عباد الله- أن من دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وتُسمى تحية المسجد، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"، ويكفي عنها السنة الراتبة كمن دخل المسجد لصلاة الفجر فلا نقول تصلي ركعتين تحية المسجد، ثم تصلي ركعتين السنة الراتبة للفجر، بل يصلي ركعتين سنة الفجر، وتكفي عنها، ويكفي عنها كذلك صلاة الفريضة لمن دخل ووجدهم يصلون الفريضة.

 

ومن أحكام المساجد: أنه لا يجوز البيع والشراء في المسجد؛ قال -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا رَأيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أوْ يَبْتَاعُ فِي المَسْجِدِ، فَقُولُوا لهُ: لاَ أرْبَحَ اللهُ تِجَارَتَكَ"؛ ويدخل في المسجد البيع والشراء في فناء المسجد، فهو من المسجد، والبيع غير صحيح فالنهي يقتضي الفساد.

 

ومن أحكام المساجد أنه لا يجوز إنشاد الضوال يعني الأشياء الضائعة؛ ففي صحيح مسلم َعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي المسْجِدِ، فَلْيقُلْ: لاَ رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّ المسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا"(رَوَاهُ مُسْلِم)، والطريقة الصحيحة أن يسأل عن ضالته خارج المسجد.

 

ومن أحكام المساجد: أن المسلم إذا دخل يدخل برِجْله اليمنى، وإذا خرج يخرج برجله اليسرى، ويقول الذكر الوارد، ومن ذلك يقول إذا دخل: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، وإذا خرج يقول: "اللهم إني أسألك من فضلك".

 

ومن أحكام المساجد: أنه لا بأس بدخول الصبيان المسجد، ولو كانوا لا يحسنون الصلاة؛ بشرط أن لا يصدر منهم أذية للمصلين، والصبيان كانوا يدخلون المسجد في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وربما بعضهم بكى فيخفّف النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة شفقةً على أمه.

 

وأوصي إخواني أئمة المساجد والمؤذنين أن يحرصوا على أداء الأمانة، وأن يطبقوا السنة ويصبروا على الناس ويتألفوهم، ويحرصوا على تطبيق السنة.

 

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا وإياكم ممن يعمرون مساجد الله..

 

المرفقات

أحكام المساجد.doc

أحكام المساجد.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات