عناصر الخطبة
1/أحكام الغصبِ 2/أحكامُ الشُّفعَةِ 3/أحكامُ الوديعة 4/أحكام اللقطةِ 5/أحكام العاريَّة.اقتباس
وَمَنْ وَجَدَ حيَوانًا جَازَ لهُ أنْ يفعَلَ بهِ أحدَ ثلاثةِ أُمورٍ: الأول: أنْ يَأَكُلهُ بعَد أَنْ يَحْفَظَ صِفَتَهُ، وَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهُ فَوَصَفَهُ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ...
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله -عز وجل-، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ، أما بعدُ: فحَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوع بعنوان: «أحكام الغصب، والشُّفعةِ، والوديعةِ، واللقطة، والعارية». وسوف ينتظم موضوعنا مع حضراتكم حول خمسة محاور:
المحور الأول: أحكام الغصبِ.
المحور الثاني: أحكامُ الشُّفعَةِ.
المحور الثالث: أحكامُ الوديعة.
المحور الرابع: أحكام اللقطةِ.
المحور الخامس: أحكام العاريَّة.
واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ.
المحور الأول: أحكام الغصبِ:
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أنه لا يجوز لأحدٍ أن يستولي على مال غيره بِغَيْرِ حَقٍّ؛ قال الله -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29].
ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ جابرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا».
ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرْضِينَ»؛ أي يُكلَّف أن يطيق حمل مثل ما أخذ من سبع أراضين.
ويَجِبُ عَلى الغَاصِبِ رَدُّ مَا غَصَبَهُ؛ رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عنْ سَمُرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «عَلَى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ».
ورَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه-ما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ لَاعِبًا أَوْ جَادًّا، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ، فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ».
ورَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ زَرَعَ في أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَلَهُ نَفَقَتُهُ».
وإِنْ زَادَ المَغْصُوبُ فِي يَدِ الغَاصِبِ كَشَجَرَةٍ أَثْمَرَتْ، أَوْ طَالَتْ؛ فَالزِّيَادَةُ لِلْمَالِكِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الغَاصِبِ.
وإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ المَغْصُوبِ، كَثَوْبٍ تَخَرَّقَ، وَإِنَاءٍ تَكَسَّرَ، أَوْ شَاةٍ ذُبِحَتْ، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَدَفعُ قِيمَةِ نَقْصِهِ؛ رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ».
ومَنْ أَتْلَفَ مَالًا لِغَيْرِهِ بِلَا إِذْنِ مَالِكِهِ، أَوْ تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ كَأَنْ يَفْتَحَ قَفَصَ طَائِرٍ فَيَطِيرَ، أَوْ يَحُلَّ دَابَّةً فَتَشْرُدَ، ضَمِنَ مَا أتلفه، وَلَوْ كَانَ الإِتْلَافُ خَطَأً، أَوْ سَهْوًا. رَوَى البُخَارِيُّ عن أنسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ»، ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ.
المحور الثاني: أحكامُ الشُّفعَةِ:
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أن من حقوق الجار على جاره، والشريك على شريكه في الإسلام ألا يبيعَ أحدهما نصيبه حتى يعرضه على الآخر، فإن رضي أن يشتريَهُ أخذهُ، وإن أبى باع لغيره، وهَذا يسمى بحقِّ الشُّفعَةِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ».
وَلَا تَصِحُّ الشُّفْعَةُ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ خَمْسَةِ شُرُوطٍ: الأول: كَوْنُ الجُزْءِ المُنْتَقِلِ عَنِ الشَّرِيكِ مَبِيعًا، فَلَا شُفْعَةَ فِيمَا انْتَقَلَ مِلْكُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كالهِبَةِ، والوَصِيةِ، والوَقْفِ؛ فلو أوصى، أو وهب، أو وقف الشريك نصيبه لم يثبت حقُّ الشفعة للشريك الآخر.
الثاني: كَوْنُ الجُزْءِ المُنْتَقِلِ عَنِ الشَّرِيكِ عَقارًا مُشاعًا غَيْرَ مَفْرُوزٍ، أوْ بَيْنَهُما حَقٌّ مُشتركٌ كَالأَرْضِ وَالجَارِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيمَا لَيْسَ بِعَقَارٍ كَشَجَرٍ، وَحَيَوَانٍ، وَجَوْهَرٍ، وَكُلِّ مَنْقُولٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ، وَلَا يَدُومُ ضَرَرُهُ.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما-، قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ».
ورَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ سَمُرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ الجَارِ، أَوِ الأَرْضِ».
ورَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنه-ما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا».
الثالث: أَنْ يُطَالِبَ بالشُّفْعَةِ عَلَى الفَوْرِ عِنْدَ عِلْمِهِ بِالبَيْعِ وَإِلَّا بَطَلَتْ.
الرابع: أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ المَبِيعِ، فَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ بَعْضَ المَبِيعِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ بإِجماعِ أَهْلِ العِلِمِ.
الخامس: أَنْ يَمْلِكَ جُزْءًا مِنَ النَّصِيبِ المَشْفُوعِ فِيهِ قَبْلَ البَيْعِ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ مِلْكُ أَحَدِهِمَا كَشِرَاءِ الِاثْنَيْنِ دَارًا صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ.
المحور الثالث: أحكامُ الوديعة:
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أَنَّه يُستحبُّ لنَا قبولُ الوَدِيعَةِ لحفْظِهَا إِذا علِمنَا من أَنفُسِنَا الأَمَانَةَ، وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ حِفْظِهَا، أَوْ خَائِفًا مِنْ نَفْسِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا؛ قال الله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].
وإذَا تَلفتِ الوَدِيعَةُ فَلا ضَمانَ عَلى المُودَعِ الذِي تَكَفَّلَ بحفظِها بِإجمَاعِ أَهلِ العِلمِ؛ رَوَى ابن ماجهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبدِ اللهِ بن عَمرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ»، ولَكِنَّهُ يَضْمَنُ إِذَا تَعَدَّى كَأَنْ يَضَعَ الوَدِيعَةَ فِي غَيْرِ مَكَانٍ آمِنٍ، أَوْ فَرَّطَ كَأَنْ يُودَعَ بَهِيمَةً فَلَمْ يَعْلِفْهَا، وَلَمْ يَسْقِهَا حَتَّى مَاتَتْ.
المحور الرابع: أحكام اللقطةِ:
اعلموا -أيُّهَا الإخوة المؤمنون- أَنَّ مَنْ وَجَدَ شيئًا في الطَّريقِ لا يَهتمُّ غالبُ الناسِ بالبحثِ عنهُ إِذا ضَاعَ مِنهُم كَالمالِ القليلِ، وَالرَّغِيفِ، وَكِسْرَةِ الخبزِ، وَالتَّمْرَةِ، وَالعَصَا، وَالحَبْلِ جازَ لهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِلا تَعرِيفٍ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عن أَنسٍ -رضي الله عنه-قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ: «لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا».
ومَنْ وَجَدَ ناقةً، أَوْ خَيلًا لَمْ يَجُزْ لهُ أَخْذُهُ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عن زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ، فَقَالَ: «مَا لَكَ وَلَهَا؟ دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ المَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا».
ومَنْ وَجَدَ حَيَوانًا يُخَافُ عليهِ كالغَنَمِ، أوْ وَجَدَ ذَهَبًا، أَو مالًا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إِذَا كَانَ أَمِينًا قَادِرًا عَلَى تَعْرِيفِهِ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عن زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ اللُّقَطَةِ الذَّهَبِ أَوِ الوَرِقِ، فَقَالَ: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ، فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ، فَأَدِّهَا إِلَيْهِ»، وَسَأَلَهُ عَنِ الشَّاةِ؛ فَقَالَ: «خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ».
وَمَنْ وَجَدَ حيَوانًا جَازَ لهُ أنْ يفعَلَ بهِ أحدَ ثلاثةِ أُمورٍ: الأول: أنْ يَأَكُلهُ بعَد أَنْ يَحْفَظَ صِفَتَهُ، وَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهُ فَوَصَفَهُ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ.
الثاني: أَنْ يَبيعَهُ، ويَحفظَ ثَمَنَهُ لصَاحِبِهِ، وَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهُ أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ.
الثالث: أنْ يَحْفَظَهُ بإطعامه، وسقايته، ورعايته، وَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهُ، فَوَصَفَهُ أَعْطَاهُ إيَّاه، وأَخَذَ منهُ النَّفَقَةَ الَّتِي أَنْفَقَهَا عليه.
وَمَنْ وَجَدَ شيئًا يخاف على فَسَادِهِ بِإِبْقَائِهِ كَالخَضْرَوَاتِ جَازَ لهُ أنْ يفعَلَ فيهِ أحدَ أَمرينِ:
الأول: أنْ يَأَكُلهُ بعَد أَنْ يَحْفَظَ صِفَتَهُ فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهُ، فَوَصَفَهُ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ.
الثاني: أَنْ يَبيعَهُ، ويَحفظَ ثَمَنَهُ لصَاحِبِهِ، ومَتَى جَاءَ صَاحِبُهُ أَعْطَاهُ ثَمَنَهُ.
ومَنْ وَجَدَ شَيئًا وَجَبَ علَيه أَنْ يُعَرِّفهُ سَنَةً مِنْ حِينِ التِقَاطِهِ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهُ، فَوَصَفَهُ بِصِفَاتِهِ لَزِمَ دَفْعُهُ إلَيْهِ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عن زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ اللُّقَطَةِ؛ فَقَالَ: «عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْتَرَفْ، فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ كُلْهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَأَدِّهَا إِلَيْهِ».
ويَكُونُ التَّعْرِيفُ أَوَّلَ كُلِّ يَوْمٍ لِمُدَّةِ أُسْبُوعٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ فِيهِ أَكْثَرُ، ثُمَّ مَرَّةً مِنْ كُلِّ أُسْبُوُعٍ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، ثُمَّ مَرَّةً فِي كُلِّ شَهْرٍ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ كَالأَسْوَاقِ، وَأَبْوَابِ المَسَاجِدِ، وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَيَقُولُ: مِنْ ضَاعَ مِنْهُ كَذَا، يَذْكُرُ جِنْسَ مَا وَجَدَ.
فَإِذَا عَرَّفَهُ سَنَةً، وَلَمْ يَأْتِ صَاحبُهُ، جَازَ لواجِدِهِ أَنْ ينتَفِعَ بهِ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهُ بَعدَ ذَلِكَ دَفَعَهُ إِلَيْهِ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: وَجَدْتُ صُرَّةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: «عَرِّفْهَا حَوْلًا»، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُ، فَقَالَ: «عَرِّفْهَا حَوْلًا»، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ: «عَرِّفْهَا حَوْلًا»، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: «اعْرِفْ عِدَّتَهَا، وَوِكَاءَهَا، وَوِعَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا».
أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي، ولكُم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، وبعد..
المحور الخامس: أحكام العارية:
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أنه يجب على من استعارَ شيئًا أن يردَّه، وعليهِ الضمانُ إن أتلفَهُ؛ رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَعَارَ مِنْهُ أَدْرَاعًا يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: «لاَ، بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ».
رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «العَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ»؛ أَيْ: مَرْدُودَةٌ مَضْمُونَةٌ، وَوَاجِبَةُ الرَّدِّ عَلَى مَالِكِهَا إِلَى صَاحِبِهَا عَيْنًا حَالَ الوُجُودِ، وَقِيمَةً عِنْدَ التَّلَفِ.
ولَا ضَمَانَ عَلَى المُستَعِيرِ إِذَا أَتْلَفَ العَارِيَّةَ إِذَا كَانَتْ أَحَدَ أَربَعَةِ أَشْيَاءَ: الأول: إِذَا كَانَتْ وَقْفًا كَكُتُبِ عِلْمٍ، وَسِلَاحٍ؛ فمن استعار كتب علم، أو سلاحٍ موقوفة، فتلفت فلا ضمانَ عليه.
الثاني: إِذَا اسْتَأْجَرَ إِنْسَانٌ عَيْنًا، كَدَابَّةٍ، فَأَعَارَهَا، فَتَلِفَتْ عِنْدَ المُسْتَعِيرِ بِلَا تَفْرِيطٍ، فَلَا ضَمَانَ، لِقِيَامِهِ مَقَامَ المُسْتَأْجِرِ فِي اسْتِيفَاءِ المَنْفَعَةِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ المُسْتَأْجِرِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ؛ فإذا استأجر زيدٌ من عمرٍو سيارة، فأعارها زيدٌ لبكر، فتلفت عند بكر، فلا ضمان عليه.
الثالث: إِذَا بَلِيَتْ فِيمَا أُعِيرَتْ لَهُ، كَأَنْ يتلفَ الثَّوْبُ، أَوْ تَنْقُصَ قِيمَةُ العَارِيَّةِ؛ فمن استعار إناء، فتلف عنده بدون تعدٍّ منه، ولا تفريط، فلا ضمان عليه.
الرابع: إِذَا شَرَطَ المُسْتَعِيرُ نَفْيَ الضَّمَانِ لَمْ يَضْمَنْ؛ كأن يقول المستعير لصاحب العارية: أستعير منك هذه بشرط ألا أضمن إذا تلفت، فإذا تلفت العارية، فلا ضمان على المستعير رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». أَمَّا مَنْ تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ في هذِهِ الأشيَاءِ الأَربَعَةِ فإِنَّهُ يَضْمَنُ.
الدعـاء...
اللهم أوزعنا أن نشكُر نعمتك التي أنعمتَ علينا وعلى والِدِينا، وأن نعمل صالحًا ترضاه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
اللهم نجِّنا من القوم الظالمين.
اللهم انصُرنا على القوم المفسدين.
اللهم هبْ لنا ذرية من الصالحين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن دخل بيوتنا مؤمنًا، وللمؤمنين والمؤمنات، ولا تزد الظالمين إلا تبارًا.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.
---------
[1] متفق عليه: رواه البخاري (67)، ومسلم (1679).
[2] متفق عليه: رواه البخاري (2452)، ومسلم (1612).
[3] حسن: رواه أبوداود (3563)، والترمذي (1266)، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (2400)، وأحمد (5/ 12)، وحسنه الأرنؤوط.
[4] حسن: رواه أبوداود (5005)، والترمذي (2160)، وحسنه الألباني.
[5] صحيح: رواه أبوداود (1366)، والترمذي (2644)، وصححه الألباني.
[6] صحيح: رواه أبو داود (3075)، والترمذي (1378)، وصححه الألباني.
[7] انظر: «الكافي» (3/ 499)، و«شرح المنتهى» (4/ 170-171).
[8] صحيح: رواه البخاري (5225).
[9] رَبْعَةُ: المَنْزِلُ، وَدَارُ الإِقَامَةِ. [انظر: «النهاية في غريب الحديث» (2/ 189)].
[10]الحَائِطُ: البُسْتَانُ. [انظر: «النهاية في غريب الحديث» (1/ 462)].
[11] صحيح: رواه مسلم (1608).
[12] متفق عليه: رواه البخاري (2214)، ومسلم (1608).
[13] صحيح: رواه أبو داود (3519)، والترمذي (1368)، وقال: «حسن صحيح»، وصححه الألباني.
[14] صحيح: رواه أبوداود (3520)، والترمذي (1369)، وابن ماجه (2494)، وصححه الألباني.
[15] انظر: «الإجماع»، رقم (572).
[16] انظر: «الكافي» (3/ 529-530، 534)، و«المغني» (7/ 438)، و«شرح المنتهى» (4/ 192-195، 207-208، 213)، و«كشاف القناع» (9/ 377).
[17] انظر: «الكافي» (3/ 479)، و«شرح المنتهى» (4/ 233).
[18] انظر: «الإجماع»، رقم (622).
[19] حسن: رواه ابن ماجه (2401)، وحسنه الألباني.
[20] انظر: «الكافي» (3/ 480، 485)، و«كشاف القناع» (9/ 404-405).
[21] متفق عليه: رواه البخاري (3431)، ومسلم (1071).
[22] متفق عليه: رواه البخاري (2427)، ومسلم (1722).
[23] متفق عليه: رواه البخاري (2427)، ومسلم (1722).
[24] متفق عليه: رواه البخاري (91)، ومسلم (1722).
[25] متفق عليه: رواه البخاري (2437)، ومسلم (1723).
[26] صحيح: رواه أبوداود (3564)، والنسائي في «الكبرى» (5779)، وصححه الألباني.
[27] صحيح: رواه أبوداود (3566)، والترمذي (1265)، والنسائي في «الكبرى» (5781)، وابن ماجه (2398)، وصححه الألباني.
[28] انظر: «التيسير بشرح الجامع الصغير»، للمناوي (2/ 151).
[29] انظر: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح»، لعلي القاري (5/ 1978)، و«فيض القدير»، للمناوي (4/ 369).
[30] انظر: «شرح المنتهى» (4/ 113-114)، و«كشاف القناع» (9/ 216)، و«فتح الوهاب» (2/ 295-296).
[31] صحيح: رواه أبوداود (3596)، والترمذي (1352)، وقال: «حسن صحيح»، وصححه الألباني.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم