عناصر الخطبة
1/شكر الله على نعمة المطر 2/آداب وأحكام المطراقتباس
من الناس من يستغل وقت نزول الأمطار للنزهة والترفيه عن النفس، فيخرجون إلى البراري بعوائلهم، فيسرفون في المآكل، ويضيعون الصلوات، ويزاولون أنواعاً من الملاهي والأغاني والدفوف والمزامير، وربما يشربون المسكرات والمخدرات، ويختلط الرجال والنساء، وتحصل أنواع من ....
الحمد لله المتفرد بالعظمة والكبرياء والجلال، المتوحد بالربوبية والوحدانية وصفات الكمال، الذي أسبغ على عباده النعم الجزال، وتعرف إليهم بآياته ومخلوقاته فهي براهين على الحق دوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق في كل الخلال، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله وأطيعوه، واذكروا آلائه وتحدثوا بنعمه واشكروه، فما بكم من نعمة ظاهرة أو باطنة إلاَّ من الله، وما دفع عنكم السوء والضراء أحد سواه، ألم تروا كيف أنزل عليكم سحاباً، فروى به أودية وهضاباً، وسقى به زروعاً وأشجاراً، وأغدق به عليكم نعماً غزارا، ذلكم الله ربكم فاعبدوه، واعترفوا بنعمه واشكروه، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7].
عباد الله: اذكروا حالكم السابق إذ كنتم أزلين، قد حسبتم للجدب كل حساب، فأصبحتم مغتبطين بمنة الملك الوهاب، فاشكروه بالقلب واللسان والعمل.
معاشر المسلمين: لنا وقفات مع المطر:
أولاً: أخرج مسلم في صحيحه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم الريح والغيم عُرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سرَّ به وذهب عنه، ذلك قالت عائشة فسألته، فقال لي: "إني خشيت أن يكون عذاباً سُلِّط على أمتي".
ثانيا: إنزال الغيث لا يعلمه إلاّ الله، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)[لقمان: 34].
فتضاف نعمة المطر إلى الله، وأنها منه وحده لا شريك له، فبعض الناس ينسب المطر للطبيعة، ويقول: هذا يرجع للمناخ والموقع الجغرافي، وبعضهم ينسبه إلى النجوم والطوالع، أو الانخفاض الجوي كما يسمونه، وينشرون في بعض الصحف أن هذا العام ستكثر الأمطار، أو تقل نظراً لكذا وكذا، وهذا من الجرأة على الله وادعاء علم الغيب، ويُقال لهم، يقول تعالى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة: 82].
ففي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء، أي نزول المطر كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، قال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: "قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" [أخرجه مسلم].
فالواجب أن ينسب المطر وجميع النعم إلى الله –تعالى-: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ)[النحل: 53].
ثالثا: يُشاهدَ بعض الناس في الحرم المكي عن نزول المطر التسابق إلى ميزاب الكعبة؛ لأخذ ما يسقط منه من المطر والتبرك به شرباً أو اغتسالاً، وهذا عمل خطير، وإحداث في الدين، ومن البدع في الدين، فاحذروا وحذِّروا.
رابعاً: من السنة أن يقال عند هطول المطر: "مطرنا بفضل الله ورحمته"، "اللهم اجعله صيباً نافعاً"، أو "اللهم اجعله صيباً هنيئاً" والصيِّب المنهمر المتدفق.
خامساً: يندب مع نزول المطر أن يحسر الإنسان شيئاً من ملابسه حتى يصيبه المطر تأسياً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه -تعالى–"[أخرجه مسلم].
سادساً: من الأوقات التي يستجاب فيها دعاء الداعي وقت نزول المطر؛ فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثنتان ما تردان الدعاء عند النداء وتحت المطر"[أخرجه الحاكم وصحح إسناده].
سابعاً: عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليست السنة بأن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئاً"[أخرجه مسلم].
قال النووي: المراد بالسنة القحط.
ثامناً: قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا)[الفرقان: 48].
فماء المطر يرفع الحدث ويزيل الخبث، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد نص الأئمة على أن ماء المطر يطهر الأرض التي يصيبها.
تاسعاً: يجوز أن يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء في المطر على الصحيح.
قال الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى -: "لا حرج في الجمع بين المغرب والعشاء ولا بين الظهر والعصر في أصح قولي العلماء للمطر الذي يشق معه الخروج إلى المسجد، وهكذا السيول الجارية في الأسواق لما في ذلك من المشقة".
قال ابن قدامة: "والمطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب، وتلحق المشقة بالخروج فيه، فأما الكل والمطر الخفيف فلا يبيح لعدم المشقة، والثلج والبرد في ذلك كالمطر؛ لأنه في معناه، وقد تساهل أناس في الجمع بين الصلاتين لعذر المطر".
وقد قالت اللجنة الدائمة: "الذين يسارعون إلى الجمع لمجرد وجود غيم أو مطر خفيف، لا يحصل منه مشقة، أو لحصول مطر سابق، لم ينتج عنه وحل في الطرق، فإنهم قد أخطأوا خطأً كبيراً، ولا تصح منهم الصلاة التي جمعوها، إلى ما قبلها؛ لأنهم جمعوا من غير عذر، وصلوا الصلاة قبل دخول وقتها، وأيضاً لا يجوز الجمع بين الجمعة والعصر؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم -؛ ولأن الجمعة ليست من جنس العصر، فمن جمع بين الجمعة والعصر فعليه أن يعيد صلاة العصر، لكونه صلاَّها قبل وقتها، لغير مسوغ شرعي".
عاشراً: سئل الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى-: قد يحصل في الجمع بين المغرب والعشاء، فيدخلون مع الإمام ظانين أنه يصلي المغرب فماذا عليهم؟
فأجاب -رحمه الله تعالى-: "عليهم أن يجلسوا بعد الثالثة، ويقرؤوا التشهد والدعاء، ثم يسلموا معه، ثم يصلوا العشاء بعد ذلك تحصيلاً لفضل الجماعة، وأداء للترتيب الواجب، وإن كان سبقهم بواحدة صلوا معه الباقي بنية المغرب وأجزأتهم عن المغرب، وإن كان سبقهم بأكثر صلوا معه ما أدركوا، ثم قضوا ما بقي عليهم، وهكذا لو علموا أنه في العشاء، فإنهم يدخلون معه بنية المغرب، ويعملون ما ذكرنا ثم يصلون العشاء بعد ذلك في أصح قولي العلماء".
الحادي عشر: يقال عند خشية التضرر بالمطر مع رفع اليدين: "اللهم حوالينا ولا علينا ولا علينا، اللهم على الآكام أو الضراب وبطون الأودية، ومنابت الشجر"[رواه مسلم].
قال النووي: "في هذا الحديث استحباب طلب انقطاع المطر على المنازل والمرافق إذا كثر وتضرروا به، ولكن لا تشرع له صلاة ولا اجتماع في الصحراء".
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أجزل لعباده الفضل والإنعام، وغمرهم بجوده وإحسانه العام، فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28].
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله حق تقواه، واشكروه على نعمه وكرمه وآلائه.
الثاني عشر: الملائكة الموكلون بالقطر والنبات والأرزاق، قال ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية: "ميكائيل موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق منهما الأرزاق في هذه الدار، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه، يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب -جلَّ جلاله-، ومن الملائكة ما هو موكل بالسحاب، ففي سنن الترمذي عن ابن عباس أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرعد ملك من الملائكة، موكل بالسحاب معه مخاريق من نار، يسوق بها السحاب حيث شاء الله".
والمخاريق: آلة تزجر بها الملائكة السحاب.
الثالث عشر: من الناس من يستغل وقت نزول الأمطار للنزهة والترفيه عن النفس، فيخرجون إلى البراري بعوائلهم، فيسرفون في المآكل، ويضيعون الصلوات، ويزاولون أنواعاً من الملاهي والأغاني، والدفوف والمزامير، وربما يشربون المسكرات والمخدرات، ويختلط الرجال والنساء، وتحصل أنواع من المعاصي والفسوق، ويقابلون نعمة الله بكفرها، ويستغلونها في معاصيه.
فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الخروج إلى البر للفسحة، ومشاهدة السيول مع المحافظة على طاعة الله، والابتعاد عن فعل المحرمات أمر لا بأس به، ولكن قليل من الناس من يتقيد بذلك، فاتقوا الله في أنفسكم، واحذروا أن تكونوا ممن قال الله فيهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ)[إبراهيم: 28- 29].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم