أحقية الله وحده بالعبادة

عبدالمحسن بن محمد القاسم

2025-01-31 - 1446/08/01 2025-02-01 - 1446/08/02
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/الغاية من خلق العباد توحيد الله وعبادته 2/بيان أن لله تعالى العلم والقدرة والغنى 3/ضلال من يدعو من دون الله أحدا 4/العبادة حق خالص لله تعالى وحده دون سواه

اقتباس

خلَق اللهُ -تعالى- الخلق لعبادته وحدَه، وأمرَهم بتوحيده ونهاهم عن الإشراك به، وقرَّر هذا الأمر وبرهَن عليه وضرَب له الأمثالَ لتقريب المعاني للأفهام، وعامة القرآن في تقرير هذا الأصل العظيم الذي هو أصل الأصول، وأولُ الدينِ وآخِرُه، وباطِنُه وظاهرُه...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، ورَاقِبُوه في السِّرِّ والنَّجْوَى.

 

أيها المسلمون: خلَق اللهُ -تعالى- الخلق لعبادته وحدَه، وأمرَهم بتوحيده ونهاهم عن الإشراك به، وقرَّر هذا الأمر وبرهَن عليه وضرَب له الأمثالَ لتقريب المعاني للأفهام، وعامة القرآن في تقرير هذا الأصل العظيم الذي هو أصل الأصول، وأولُ الدينِ وآخِرُه، وباطِنُه وظاهرُه، وقد بيَّن -سبحانه- في كتابه كمال صفاته لتصرف العبادة له وحده؛ إذ العبادة لا يستحقها إلا من كان متصِفًا بصفات الكمال، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وصفات الكمال ترجع إلى ثلاثة: العلم والقدرة والغنى".

 

وأول الرُّسل نوح -عليه السلام- نفى هذه الثلاثة عن نفسه فقال: (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ)[هُودٍ: 31]، وأمر الله نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ)[الْأَنْعَامِ: 50].

 

وأما الله -سبحانه- فعلمه محيط بكل شيء، ومفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في الصدور، والمخلوق لا يعلم ما سيكون في الغد، ولا يعلم ما غاب عن بصره، ولا يعلم عدد شعرات رأسه.

 

وأما قدرته -سبحانه-: فخلق كل شيء وحده دون كل آلهة ومعبود، والخلق متفقون على ذلك؛ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)[لُقْمَانَ: 25]، قال ابن القيم -رحمه الله-: "دلَّ القرآنُ والسُّنَّةُ والفطرةُ وأدلةُ العقولِ أنَّه -سبحانه- خالقُ كلِّ شيءٍ".

 

إذا أراد -سبحانه- شيئًا يقول له كن، فيكون على وفق ما أراد كطرف العين؛ (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)[الْقَمَرِ: 50]، ومن كمال قدرته تدبير الأمور؛ فبيده -سبحانه- النفعُ والضرُّ، وهو الذي يَهدي مَنْ يشاء من عباده ويُطعِمُهم ويسقيهم، ويشفيهم ويميتهم ويحييهم، قال إبراهيم -عليه السلام-: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ)[الشُّعَرَاءِ: 78-81].

 

وله الملكُ الكاملُ والتصرفُ المطلقُ في السماوات والأرض بغير شريك ولا نديد، يفعل فيها ما يشاء، ولتمام قدرته سجَد له مَنْ في السماوات ومَنْ في الأرض طوعًا وكرهًا.

 

وأمَّا غِنَاهُ -سبحانه- فهو الغني بذاته عمن سواه، العرش فما دونه مفتقِر إليه، وملكه لا يزيد بطاعة الطائعين، ولا ينقص بمعصية العاصين، في الحديث القدسي: "‌يَا ‌عِبَادِي ‌لَوْ ‌أَنَّ ‌أَوَّلَكُمْ ‌وَآخِرَكُمْ ‌وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ في مُلْكِي شَيْئًا، ‌يَا ‌عِبَادِي ‌لَوْ ‌أَنَّ ‌أَوَّلَكُمْ ‌وَآخِرَكُمْ ‌وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا"(رواه مسلم).

 

وبيده -سبحانه- أرزاق العباد؛ (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 17]، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يد الله ملأى لا تغيضها -أي: لا تُنقِصُها نفقةٌ- سحَّاء الليل والنهار -أي: كثيرة الصب بالعطاء، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا في يَدِهِ -أي: لم ينقص ما في يده"(مُتفَق عليه).

 

وكما بيَّن -سبحانه- كمال صفاته بين أن الآلهة من دونه لا تستحق العبادة؛ إذ ليس فيها من أوصاف الربوبية شيء؛ فهي لا تخلق ولا تغير شيئًا مما أراده الله، قال إبراهيم -عليه السلام- للنمرود الذي أدعى الربوبية: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)[الْبَقَرَةِ: 258]، ولا تملك شيئًا، قال -تعالى-: (لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ في السَّمَاوَاتِ وَلَا في الْأَرْضِ)[سَبَأٍ: 22]، ولا تتكلم ولا تهدي أحدًا لأي أمر؛ (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا)[الْأَعْرَافِ: 148]، ولا تسمع ولا تستجيب؛ (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ)[النَّحْلِ: 21]، (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ)[فَاطِرٍ: 14]، ولا تنفع ولا تكشف الضر، ولا تقدر على تحويله من موضع إلى موضع، أو نقله من مخلوق لآخر، قال -عز وجل-: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا)[الْإِسْرَاءِ: 56]، ولا تنصَّر غيرها ولا تنصَّر نفسها، قال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ)[الْأَعْرَافِ: 197]، ولا تمنع أحدًا من العذاب أو تنقذه منه؛ (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ)[هُودٍ: 101]؛ أي: غير خسار وهلاك.

 

ولو اجتمعت جميع الآلهة التي تُعبَد مِنْ دونِ اللهِ على خلق ذباب واحد لم يقدروا، بل لو سلَبَهم الذبابُ شيئًا من حقير المطاعم لَمَا استطاعوا إنقاذَ ذلك منه، قال -سبحانه-: (ضَعُفَ الطَّالِبُ)[الْحَجِّ: 73]؛ أي: طالب الذباب وهو المعبود من دون الله، (وَالْمَطْلُوبُ)[الْحَجِّ: 73]؛ وهو الذباب، قال ابن القيم -رحمه الله-: "‌وَهَذَا ‌المَثَلُ ‌مِنْ ‌أَبْلَغِ ‌مَا ‌أَنْزَلَهُ اللهُ -سُبْحَانَهُ- في بُطْلَانِ الشِّرْكِ".

 

والآلهة من دون الله لا تملك تفريج كرب الناس وقضاء حوائجهم، واللجوء إليها كمن يلجأ إلى أضعف بيت وهو بيت العنكبوت؛ لذا قال إبراهيم -عليه السلام-: (أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 67].

 

ومَنْ جعَل الأموات أو الأولياء والصالحين واسطة بينه وبين الله في الدعاء فقد أضاع معنى العبودية ومقتضيات الربوبية؛ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)[يُونُسَ: 18]، ولم يحصل له إلا ضد مقصوده؛ (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)[مَرْيَمَ: 81-82]، وقعد نادما على فعله، مذموما مدحورا على شركه، مخذولا لا ناصر له ولا ولي، قال -سبحانه-: (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا)[الْإِسْرَاءِ: 22]، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ما رجا أحدٌ مخلوقًا أو توكَّل عليه إلا خاب ظنُّه فيه، وحالُه كمن سقَط من السماء فتخطفه الطير فتُقَطِّعُه، أو تهوي به الريحُ في مكان بعيد مُهلِك"، قال -تعالى-: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ في مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الْحَجِّ: 31].

 

وإذا حضَر المشركينَ الأجلُ وسألتهم الملائكةُ: أين ما كنتم تعبدون من دون الله؟ قالوا: (ضَلُّوا عَنَّا)[الْأَعْرَافِ: 37]؛ أي: ذهبوا عَنَّا فلا نرجو نفعهم ولا خيرهم.

 

وإذا قامت القيامة يجمع الله الناس، فيقول: "‌مَنْ ‌كَانَ ‌يَعْبُدُ ‌شَيْئًا ‌فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ"(مُتفَق عليه).

 

وتنقلب المودَّة بين العابد والمعبود من دون الله إلى عداوة؛ (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ)[الْأَحْقَافِ: 6]، وتتبرَّأ المعبوداتُ من عابديها؛ (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا)[الْبَقَرَةِ: 166]، ويتبرأ منهم الشيطان الذي أمَرَهم بالشرك وزيَّنَه لهم؛ (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ)[إِبْرَاهِيمَ: 22].

 

وإذا وُقفوا على النار أعادوا الندامةَ؛ (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[الْأَنْعَامِ: 27].

 

وبعد، أيها المسلمون: فجنابُ الألوهيةِ متينٌ لو ادعاه مَلَكٌ -ولن يكون- فجزاؤُه جهنمُ، قال -سبحانه-: (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 29]، ومَنْ أشرَك ولو كان نبينا -ولم يكن- حَبِطَ عملُه، قال -جلَّ شأنُه-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزُّمَرِ: 65].

 

ورُسُلُ اللهِ لم يأمروا أحدًا بعبادتهم أو عبادة غيرهم من دون الله؛ قال -عز وجل-: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 79]، ومَنْ عبَد غيرَ اللهِ أو عُبِدَ وهو راضٍ أو دعَا الناسَ لعبادة نفسِه فقد توعَّدَه اللهُ بجهنم، قال -تعالى-: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 98].

 

وعبادةُ غيرِ اللهِ مبنيَّةٌ على الجهل؛ (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)[الْأَعْرَافِ: 138]، ولا برهانَ لهم على عبادتهم مع الله غيرَه، قال -سبحانه-: (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ)[النَّجْمِ: 28]، وإنَّما هو التقليد؛ (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 72-74].

 

ولِيَقِينِهِمْ ببُطلانِ عبادتِهم إذا ألمَّتْ بهم الخطوبُ لجؤوا إلى اللهِ وحدَه؛ (فَإِذَا رَكِبُوا في الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 65].

 

والمؤمن يدعو ربه في السراء والضراء، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[لُقْمَانَ: 30].

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

 

أيها المسلمون: العبادة حق خالص لله وحدَه، لا تُصرَف لمخلوق وإن عظمت خِلقتُه، قال -تعالى-: (لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[فُصِّلَتْ: 37]، ولا يملك أحد النفع ودفع الضر ولو علت عند الله منزلته، قال الله لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا)[الْجِنِّ: 21]، والعاقل لا يدعو مخلوقًا مثله، قال -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الْأَعْرَافِ: 194]، والله وحده هو من يجيب الدعاء ويكشف البلاء، ويحقق الأماني؛ (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ)[الرَّعْدِ: 14].

 

ثم اعلموا أن الله أمرَكم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهمَّ عن خلفائه الراشدينَ، الذين قَضَوْا بالحقِّ وبه كانوا يعدلونَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، وعنَّا معَهم بجودكَ وكرمكَ يا أكرمَ الأكرمينَ.

 

اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودَمِّر أعداءَ الدِّينِ، واجعل اللهمَّ هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا رخاءً وسائرَ بلاد المسلمينَ، اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجعل ديارهم ديار أمن وأمان واصرف عنهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهمَّ وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى، وخُذْ بناصيتهما للبِرِّ والتقوى، وانفع اللهمَّ بهما الإسلامَ والمسلمينَ يا ربَّ العالمينَ، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23].

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكُرُوه على آلائه ونعمه يزدكم؛ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

المرفقات

أحقية الله وحده بالعبادة.doc

أحقية الله وحده بالعبادة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات