عناصر الخطبة
تأملات حول حديث: \"أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ\"اقتباس
تصور معي لو أخبرك ثقة أنه حضر مجلسًا كان فيه الملك وثلاثة من الوزراء وولد صغير، فاستأذن الملك من الولد أن يبدأ بإعطاء الوزراء قبله فامتنع الولد! ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله شهدت بوجوده آياته الباهرة, ودلت على كرم جوده نعمه الباطنة والظاهرة، وسبّحت بحمده الأفلاك السائرة، والسحب الماطرة، وأشهد أن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا محمدا عبدُ الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه..
يا خيرَ من دفنتْ بالقاع أعظمهُ *** فطاب من طيبهنّ القاع والأكمُ
أنت النبي الذي ترجى شفاعته *** عند الصراط إذا ما زلت القدمُ
أنت البشير النذير المستضاء به *** وشافع الخلق إذ يغشاهم الندمُ
صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، والاستزادة من أبواب البر والطاعة والبعد عن معصية العظيم سبحانه، فالمعاصي طرق تسوق إلى الجحيم، أجارنا الله وإياكم، ونحن اليوم -عباد الله- عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ) [آل عمران: 30].
إخوة الإيمان: موقف نبوي يسير، ولكن في طياته معاني عالية وأخلاق راقية؛ فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال أُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدح فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم والأشياخ عن يساره، فقال: "يا غلام! أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ"؟، قال: "ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله فأعطاه إياه" (أخرجه الشيخان).
أخي الكريم: وقبل أن نتذاكر بعض فوائد هذا الموقف الكريم من نبينا -عليه الصلاة والسلام- تصور معي لو أخبرك ثقة أنه حضر مجلسًا كان فيه الملك وثلاثة من الوزراء وولد صغير، فاستأذن الملك من الولد أن يبدأ بإعطاء الوزراء قبله فامتنع الولد!
معشر الكرام: من الدروس في هذا الموقف النبوي الكريم: أن مجلس أعظم البشرية -عليه الصلاة والسلام- كان مفتوحًا للجميع يحضره الكبير والصغير، بل وقد يكون الصغير أقرب مكانا من بعض الكبار.
ومن دروس هذا الموقف: التواضع للصغار بالجلوس معهم ومحاورتهم واستئذانهم إذا كان لهم حق، وانظر في المستأذِن هنا! إنه خير البشر والمستأذَن غلام! فيا أيها المعلم ويا أهل المربي: ما أحسن أثر استأذانك من الصغير في حقوقه ولو كانت قلما أو ورقة من دفتر!!
ومن الفوائد: أن الصغير إذ اطمأن إلى الكبير ولم يخشَ شيئا يكرهه أبدى رأيه ولو كان جوابه على غير رغبة السائل.
ومن الفوائد: رعاية الموهوبين؛ إن الغلام الذي حضر هذا المجلس هو ابن عباس الذي دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام-: "اللَّهمَّ فقِّهْهُ في الدِّينِ وعلِّمْه التَّأويلَ" (صحيح ابن حبان).
ومما يبين ذكاء الغلام وبراعته روعة جوابه اللطيف: "ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله"، فلم يقل: لا.
إنّ الهلالَ إذا رأيت نموَه *** أيقنت أن سيكون بدرًا كاملاً
ومن دروس هذا الموقف النبوي: مراعاة مشاعر الآخرين، وكسب قلوبهم "أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ"؟ فيه تطييب لخواطر الكبار، وإظهار الاهتمام بهم وإكرامهم.
ومن الدروس المستفادة: طهارة نفوس الصحابة -رضي الله عنهم- فلم يكن هناك اعتراض أو نقد أو لمز. ومن أراد اختبار أخلاقه فلينظر في تعامله مع من دونه من صغير أو خادم أو غيره.
نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة وبما فيهما من الآي والحكمة، واستغفروا الله إنه كان غفارًا..
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد: فمن الدروس المستفادة: أن الاحترام للآخرين هدي نبوي نبيل، فهنا احترامه للغلام شيء ظاهر، بل -والله- إن المرء ليعجب من الاحترام الذي شُرع للميت، فمع أن الميت جثة قد فارقت روحه جسده إلا أنه له حرمة عظيمة ففي الحديث "كسرُ عَظْمِ الميِّتِ ككسرِه حيًّا" (أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه وصححه الألباني).
وبعد تغسيله وقبل دفنه جاء الأمر بالقيام عند مرور الجنازة "إذا رأيتمُ الجنازةَ فقوموا" (أخرجه الشيخان)، وجاء فيما بعد الدفن الحديث الذي أخرجه مسلم "لأن يجلسَ أحدُكم على جمرةٍ فتُحرقَ ثيابَه، فتخلُصَ إلى جلدِه، خيرٌ له من أن يجلسَ على قبرٍ".
ومن دروس هذا الموقف: حفظ الحقوق لأهلها وإن كانوا ضعفاء؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- استأذنه لأنه هديه -صلى الله عليه وسلم- إعطاء من على يمينه، كما في الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أتانا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في دارِنا، فاستسقى، فحلبْنا له شاةً. ثم شِبتُه من ماءِ بِئري هذه. قال: فأعطيتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فشرب رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكرٍ عن يسارِه، وعمرُ وِجاهَه، وأعرابيٌّ عن يمينِه. فلما فرغ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- من شُربِه. قال عمرُ: هذا أبو بكرٍ. يا رسولَ اللهِ ! يُريه إياه. فأعطى رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الأعرابيَّ. وترك أبا بكرٍ وعمرَ. وقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الأَيمنونَ، الأيمنون، الأيمنونَ"، قال أنس: فهي سُنَّةٌ، فهي سُنَّةٌ، فهي سُنَّةٌ.
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب: 21].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم