عناصر الخطبة
1/قصة عجيبة 2/سرد قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة 3/أبرز الدروس والعِبَر المستفادة من القصة.اقتباس
فِي الْحَدِيث مُعْجِزَةٌ عَظِيمَة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث كفى قدحٌ من اللبن أهلَ الصُّفَّة كلّهم. وَفِيهِ كَرَمُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَإِيثَارُه عَلَى نَفْسه وَأَهْله. وَفِيهِ مَا كَانَ بَعْض الصَّحَابَة عَلَيْهِ فِي زَمَن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- مِن ضِيق الْحَال..
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي خلَق الإنسان وعلَّمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادةً تبوِّئ قائلها دارَ الأمان، وأشهد أن محمداً عبده ورسولُه، المبعوثُ بأوضحِ حجةٍ وأظهرِ برهان، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وتابعيهم بإحسان.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3]، فمن يتق الله يجعل له مخرجًا من كلّ ضيق، وفرجًا من كلّ شدة.
معاشر المسلمين: قصّ علينا أبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ- قصة عجيبة وقعت له مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وفيها عِبَرٌ ودروس كثيرة نافعة، فلنستمع لها:
قال -رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-: واللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَن آيَةٍ مِن كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَن آيَةٍ مِن كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَدَخَلَ دَارَهُ وَفَتَحَهَا عَلَيَّ، فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ.
ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو القَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا هِرٍّ" قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "الحَقْ"، وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلَ، فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: "مِن أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟" قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَوْ فُلاَنَةُ.
قَالَ: "أَبَا هِرٍّ" قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "الحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي"، قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ، لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذَلِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ. أي: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا قَدْره بالنسبة لأَهْلِ الصُّفَّةِ؟
قال: كُنْتُ أَنَا أَحَقّ أَنْ أُصِيبَ مِن هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِن هَذَا اللَّبَن؟ أَيْ ماذا سيبقى لي بَعْد أَنْ يَشربوا مِنْهُ؟
قال: وَلَمْ يَكُنْ مِن طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ البَيْتِ، قَالَ: "يَا أَبَا هِرٍّ"، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "خُذْ فَأَعْطِهِمْ"، قَالَ: فَأَخَذْتُ القَدَحَ، فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ -الَّذِي إِلَى جَنْبه- فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ.
حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ رَوِيَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ: "أَبَا هِرٍّ" قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "اقْعُدْ فَاشْرَبْ" فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: "اشْرَبْ" فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: "اشْرَبْ" حَتَّى قُلْتُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا، قَالَ: "فَأَرِنِي" فَأَعْطَيْتُهُ القَدَحَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَسَمَّى وَشَرِبَ الفَضْلَةَ.
وإنما حَمِدَ اللَّه لأجل مَا مَنَّ بِهِ عليه مِن الْبَرَكَة الَّتِي وَقَعَتْ فِي اللَّبَن مَعَ قِلَّته، حَتَّى رَوِيَ الْقَوْم كُلّهمْ، وبقيت فضْلةٌ منه.
نسأل الله -تعالى- أنْ يجمعنا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وأنْ يُثبّتنا على الحق حتى نلقاه، إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، أوضح الحقَّ ومعالمَ الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: معاشر المسلمين: فِي الْحَدِيث مِن الْفَوَائِد غيرِ ما تقدَّم: مُعْجِزَةٌ عَظِيمَة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث كفى قدحٌ من اللبن أهلَ الصُّفَّة كلّهم.
وَفِيهِ جَوَاز الشِّبَع أحيانًا، وَلَوْ بَلَغَ أَقْصَى غَايَته؛ لقول أَبِي هُرَيْرَة: "لَا أَجِد لَهُ مَسْلَكًا".
وَفِيهِ كَرَمُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَإِيثَارُه عَلَى نَفْسه وَأَهْله.
وَفِيهِ مَا كَانَ بَعْض الصَّحَابَة عَلَيْهِ فِي زَمَن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- مِن ضِيق الْحَال.
وَفِيهِ فَضْل أَبِي هُرَيْرَة وَتَعَفُّفه عَن التَّصْرِيح بِالسُّؤَالِ، وَاكْتِفَاؤُهُ بِالْإِشَارَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَتَقْدِيمه طَاعَة النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حَظّ نَفْسه مَعَ شِدَّة اِحْتِيَاجه.
اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتّبع أحسنه، إنك على كل شيء قدير.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى، فقد أمركم بذلك -جل وعلا- فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم