يوم الجمعة: فضائل وآداب

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-06-26 - 1445/12/20
التصنيفات: الجمعة
عناصر الخطبة
1/فضائل يوم الجمعة 2/السعي لصلاة الجمعة والتبكير إليها 3/حكم البيع بعد الأذان الثاني للجمعة 4/ساعة الإجابة يوم الجمعة 5/ الدعاء يوم الجمعة 6/السعي للحاجات بعد صلاة الجمعة.

اقتباس

فما بال الكثيرين من النَّاس يفرّطون في الصَّلَاة؟! وربما اهتموا بيوم الجمعة فَقَطْ حَتَّى ربما يأتي زمانٌ -ولا أظنه بالبعيد- يكون من المسلمين من يهتم بصلاة العيدين، ويهمل الصلوات كلها، حَتَّى يوم الجمعة! ولكم عبرةٌ بمن قبلكم من اليهود والنصارى، تركوا...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ -عباد الله- فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فـ(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا المؤمنون: هذَا يوم الجمعة أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيه سورةً من سور القرآن، من طوال مفصله، قَالَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- في آية منها؛ (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيعَ)[الجمعة: 9]؛ في هذِه الآية أمرٌ بترك الانشغال بالدنيا ولو كان الأمر مباحًا، فكيف بمن ينشغل بالحرام المكروه؟ فَهذَا آكد في وجوب ودع ذلك في كل زمانٍ وأوان، (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ)؛ أي: لصلاة الجمعة يجب السعي إِلَى المساجد.

 

 وحثَّ الله -جَلَّ وَعَلَا- المؤمنين عَلَى المبادرة والتبكير، ففي الصحيحين عن النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: "من جاء في الساعة الأولى يوم الجمعة فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا، وَمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيضَةً".

 

وَهذَا كله -يا عباد الله- تأكيد عَلَى السعي والتبكير، ومبادرة الساعي إِلَى الجمعة والماشي إليها، حَتَّى إذا خرج الإمام طوت الملائكة صحفها، وجلسوا يستمعون الخطبة، وأكثر المسلمين -للأسف- ما حصلوا هذِه البيضة، يقربونها إِلَى الله -جَلَّ وَعَلَا-، ويا سعد من قربوا بدنة في أول الساعات من يوم الجمعة.

 

(إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، وَهذَا الأمر بالسعي عَلَى الوجوب، لكنه لا يجب إِلَّا عَلَى المقيمين من الرِّجَال المقيمين، فلا يجب عَلَى النساء، ولا يجب عَلَى الأطفال الصغار، وَإِنَّمَا هو في حقهما سنةٌ، ولا يجب عَلَى المرضى، ولا يجب عَلَى من كان مسافرًا يطوي الأرض، وَإِنَّمَا هو في حقه مستحبًّا.

 

فإذا نُودي للصَّلَاةِ فاسعوا إِلَى ذِكر الله وذروا البيع، فلا يصح البيع في يوم الجمعة بعد الأذان الْثَّانِي، حَتَّى بيع المساويك عند أبواب المساجد لا يصح، ولا يصح أَيضًا غيره من العقود: عقود النِّكَاح، ونحوها، وعقود الاستئجار، وما جرى مجراها، فجميع العقود بعد الأذان الْثَّانِي لا تصح أبدًا، لِمَ؟ لأننا نُهينا عن هذِه العقود: (وَذَرُوا الْبَيعَ).

 

 وَهذَا اليوم يوم الجمعة -يا عباد الله- يوم فضيل عظيم، هو عيد الأسبوع، أضل الله عنه من قبلنا من اليهود والنصارى، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، ونحن أهل الإسلام خصَّنا الله بهذه الجمعة، وبأداء هذِه الشعيرة فيها.

 

 فما بال الكثيرين من النَّاس يفرّطون في الصَّلَاة؟! وربما اهتموا بيوم الجمعة فَقَطْ حَتَّى ربما يأتي زمانٌ -ولا أظنه بالبعيد- يكون من المسلمين من يهتم بصلاة العيدين، ويهمل الصلوات كلها، حَتَّى يوم الجمعة!

 

ولكم -يا عباد الله- عبرةٌ بمن قبلكم من اليهود والنصارى، تركوا صلواتهم إِلَّا في يومي السبت والأحد، ثُمَّ تركوهما جميعًا إِلَى الاحتفال برأس السنة، ومن المسلمين من سيمشي مشيهم، ويجري عَلَى مجراهم.

 

 قَالَ نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لتتبعن اليهود والنصارى، حذو القذة بالقذة، حَتَّى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه"، وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "والله لو كان فيمن كان قبلكم من أتى أمه علانية"؛ أي: بالفعل القبيح فعل الزنا أمام النَّاس؛ "لوجد في هذِه الأُمَّة من يفعله"، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ!

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبعهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مزيدًا.

 

أَمَّا بَعْدُ -يا عباد الله- من فضائل هذَا اليوم -يوم الجمعة-: ما جاء في الصحيحين، وَاللَّفْظ لمسلم: في قول النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وإِنَّ فِيه لَسَاعَةً" أي: جزء من الوقت، "لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، قَائِمٌ يُصَلِّي" أي: قائم يدعو "إِلَّا غفر الله له"، وفي وراية: "إِلَّا استجاب الله دعوته".

 

 ولقد اهتم العلماء بساعة الإجابة يوم الجمعة، اهتموا بها اهتمامًا عظيمًا، حَتَّى ذكروا فيها أقوالاً كثيرة، أرجحها وأولاها قولان؛ فَأَمَّا أولهما: فمن حين دخول الخطيب إِلَى انقضاء الصَّلَاة، فَهذَا وقتٌ فاضل للْدُّعَاءِ يا عباد الله، فيه دعوة المسلمين، وهي تحيط بهم من روائهم.  والآخر ما ذهب إليه الإمام أحمد في جماعة من المحققين إِلَى أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.

 

فأنت يا صاحب الحاجة، ويا أَيُّهَا المهموم، ويا ذا المكروب! انتبهوا لهذا الوقت؛ فبادروا إليه، واعرضوا فيه حوائجكم عَلَى ربكم، وأمِّلوا بربكم خيرًا، وأحسنوا به الظَّنّ أنه يجيب دعاءكم.

 

وفي يوم الجمعة من الفضائل: أنه إذا قُضيت الصَّلَاة، وانتشرتم في الأرض فابتغوا من فضل الله، وابتغائكم من فضل الله له معانٍ عظيمة، ومعانٍ كثيرة جليلة، منها: أن يسعى الإنسان إِلَى أن يشتري لأهله ما ييسر الله له، فإنَّ الله يجعل فيه هذِه البركة؛ لأنه سعى في الأرض يبتغي من فضل الله بعد انقضائه من هذِه الصَّلَاة.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن بلاد المسلمين عامة، يا ذا الجلال والإكرام اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا.

 

اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين.

 

اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَى أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَى أعدائك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ انصر به دينك، اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك، اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِينَ يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life