عناصر الخطبة
1/خطر الفتن 2/ الأمر بطاعة أولياء الأمور 3/التحذير من الخروج على جماعة المسلمين وإمامهم 4/لا تستقيم حياة الناس بلا إمارة 5/ما يترتب على الخروج عليم من مصائب وفتن.اهداف الخطبة
اقتباس
المصالح الدينية والدنيوية لا انتظام لها إلا بالإمامة والجماعة، تبيَّن أن الخروج عن طاعة ولي الأمر، والافتيات عليه بغزو أو غيره معصية، ومشاقة لله ورسوله، ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة. وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام، فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، وإتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الملك القهار القوي العزيز الجبار, ذلت لعظمته الصعاب, وحقرت عن بلوغ غاية حكمته اللباب, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والكبرياء والاقتدار, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المختار, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار, وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار, وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل- ملاذكم وحصنكم في الدنيا , وهي نجاتكم وفوزكم في الأخرى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102], (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
أيها المسلمون: إن الفتن مهلكة للأمم, مُزيلة للنعم, جالبةٌ للنقم, قال علي -رضي الله عنه- داعيا إلى اجتناب الفتن: "فلا تكونوا أنصاب الفتن، وأعلام البدع، والزموا ما عُقد عليه حبل الجماعة، وبنيت عليه أركان الطاعة، واقدموا على الله مظلومين، ولا تقدموا عليه ظالمين، واتقوا مدارج الشيطان، ومهابط العدوان". انتهى كلامه -رضي الله عنه-.
أيها الأحبة: لا تزال الفتن تظهر في الأمة ومن تأملها وجد مصدرها أعداء الملة, يأججون نار الفتنة بصبيةٍ أو جهلةٍ أو خونةٍ؛ حتى طعنوا في الإسلام وعقيدة السلف التي مرتكزها طاعة الله ثم طاعة ولاة الأمور في المعروف, فغدت طاعة ولاة الأمور مذلة ومنقصة وخوف وجُبن, فمن أطاع الولاة أسقطوه ومن خالف الولاة رفعوه؛ ليخالفوا عقيدة سلفنا وكتاب ربنا وسنة نبينا (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59].
أيها المؤمنون: عقيدة أهل السنة والجماعة وجوب طاعة ولاة الأمور, والصلاة والحج والجهاد معهم, قال الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله-: "قد عُلم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، وأن الخروج عن طاعة ولي الأمر والافتيات عليه من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد". انتهى كلامه.
وقال الحسن في الأمراء: "وهم يَلُوْنَ من أمورنا خمسًا: الجمعة، والجماعة، والعيد والثغور والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم؛ وإن جاروا وظلموا، والله لَماَ يُصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغيظ، وإن فرقتهم لكفر".
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 58، 59]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في السياسة الشرعية: "قال العلماء: نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، ونزلت الآية الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا ولاة الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك إلا أن يأمروا بمعصية الله، فإذا أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسول الله، وإن لم يفعل ولاة الأمور ذلك أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله؛ لأن ذلك من طاعة الله وطاعة رسوله، وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بالعدل، فهذا جماع السياسة العادلة، والولاية الصالحة, وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "دعانا رسول الله فبايعنا، وكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة، في مكرهنا ومنشطنا وعسرنا، وألا تنازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفراً، عندكم فيه من الله برهان".
وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي أنه قال: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عُمِّية يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية فقُتل، فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه".
وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: "الغزو غزوان: فأما من ابتغى به وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، فإنه نومه ونبهته أجر كله، وأما من غزا فخراً ورياء، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لم يرجع بالكفاف" [رواه أبو داود والنسائي], وعن ابن عمر مرفوعاً: "الأمير يُسمع له ويُطاع، فيما أحب وكره، إلا أن يأمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" [أخرجاه], ولمسلم عن حذيفة مرفوعاً: "تكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، وسيكون فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس" قال: قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع".
وفي حديث الحارث الأشعري الذي رواه الإمام أحمد أن النبي قال: "وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإن من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"، قال الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن -رحمهما الله تعالى-: "وهذه الخمس المذكورة في الحديث ألحقها بعضهم بالأركان الإسلامية، التي لا يستقيم بناؤه ولا يستقر إلا بها، خلافاً لما كانت عليه الجاهلية من ترك الجماعة والسمع والطاعة".
أيها الناس: لقد بيّن سلفنا أهمية وجود ولي أمر والضرر المترتب في حال عدم جود ولاة الأمر, وما حال العراق إلا خير شاهد, فكيف حال إخواننا قبل الاحتلال الأمريكي وحالهم الآن، فرق بين الحالتين كما الفرق بين السماء والأرض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة الشرعية: "يجب أن يُعرف أن ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس", إلى أن قال: "فإن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجب الله تعالى من الجهاد والعمل, وإقامة الحج والجّمَع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود، لا يتم إلا بالقوة والإمارة".
ولهذا رُوي: "أن السلطان ظل الله في الأرض" ويقال: "ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان", والتجربة تبيِّن ذلك, ولهذا كان السلف؛ كالفضيل بن عياض، وأحمد بن عقيل، وغيرهما يقولون: "لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان". إلى أن قال: "فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يتقرَّب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات. وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة والمال". انتهى كلامه -رحمه الله-.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر, وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد البشر, الشافع المشفع في المحشر, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر, وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور, وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله.
قال ابن رجب -رحمه الله- في شرح الأربعين "وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم, كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر، إن كان فاجراً عَبَدَ المؤمن فيه ربه وحُمل الفاجرُ فيها إلى أجله".
وقال ابن مفلح في الآداب: "قال حنبل: اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبدالله -يعني الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى- وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا -يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ولا نرضى بإمارته ولا سلطانه، فنهاهم في ذلك، وقال: "عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، لا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر، ويُستراح من فاجر, وقال: ليس هذا -يعني نزع أيدهم من طاعته- صواباً، هذا خلاف الآثار".
إذاً فهم ما تقدم من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وكلام العلماء المحققين في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر، وتحريم منازعته والخروج عليه، وأن المصالح الدينية والدنيوية لا انتظام لها إلا بالإمامة والجماعة، تبيَّن أن الخروج عن طاعة ولي الأمر، والافتيات عليه بغزو أو غيره معصية، ومشاقة لله ورسوله، ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة.
وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام، فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، وإتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نوَّر الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح، وأئمة الدين.
وصلوا وسلموا على نبي الرحمة كما أمركم الله بهذا
اللهم صلي وسلم وزد وبار على نبي محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وأرضى اللهم عن الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي, وعن أصحاب الشجرة وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحبه وترضه واجعل عمله في رضاك اللهم وفقه وسائر ولاة المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم ادفع عنا الربا والغلاء والزنا والزلال والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها عن بلد هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الرحمين .
التعليقات