وقفات مع آيات

ناصر بن محمد الأحمد

2015-02-14 - 1436/04/25
عناصر الخطبة
1/ارتكاب اليهود للجرائم والموبقات وانتقام الله لحرماته 2/الحث على استغلال واغتنام الحياة في طاعة الله 3/خطر السياحة والسفر إلى بلاد الكفار
اهداف الخطبة

اقتباس

اعلم أن أبواب الخير تأخذ بعناق بعضها البعض، فما أن تلج باباً من أبواب الخير بإخلاص إلا وفتح لك أبواب تلو أبواب.وكذلك من توانى وتشاغل، وضيّع على نفسه فرصة، فإنه قد تفوته فرص أخرى، لماذا؟ لأنه فرّط في الأولى، فعوقب بحرمان الثانية، فـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله …

 

أما بعد:

 

فهذه وقفات مع آيات متفرقة من كتاب الله -تعالى-، دون أي ترتيب.

 

وقفتنا الأولى: مع آية النساء: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)[النساء: 160- 161].

 

هذه الآية، وإن كانت في حق اليهود، لكنها خطاب لهذه الأمة، وتحذير لها أن تعمل عمل يهود، فيصيبها ما أصابهم، فماذا فعلت يهود حتى نزل بهم لعائن الله ما الذي انتشر في مجتمعات اليهود، حتى تنزل عليهم كل هذه القوارع، فعلوا أشياء كثيرة، منها: أربعة أشياء ذكرت تخصيصاً في آيات النساء.

 

جرمهم الأول: الظلم: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ).

 

جريمتهم الثانية: الصد عن سبيل الله: (وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا).

 

جريمتهم الثالثة: الربا: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ).

 

جريمتهم الرابعة: بخس حقوق الناس: (وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ).

 

لقد حذر الله اليهود من الظلم، لكنهم لم ينتهوا، فوقع الظلم في مجتمعاتهم.

 

وحذّر الله اليهود من الصد عن سبيل الله، والوقوف في طريق الخير أن ينتشر، وحذرهم من منع أنبياء الله من نشر دين الله، لكن يهود كانت لهم مواقف مخزية ذكرت في مواضع متفرقة من القرآن، يجمعها إطار الصد عن سبيل الله، ومنع انتشار الدعوة بين الناس، والوقوف في طريق الإصلاح، ومحاربة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.

 

وحرم الله على اليهود أكل الربا، فأكلوه، وأخذوه وانتشر بينهم، ولهم في ذلك طرق ملتوية، بل واشتهروا به، حتى صار اليهود هم أرباب الربا في العالم.

 

أما اليوم، فما من درهم ربا يُتناول في بلد أو مجتمع إلا ولليهود فيه مصلحة، كيف لا يكون ذلك، ولهم نفوذ في جميع بنوك العالم.

 

وحذر الله اليهود من بخس حقوق الناس، وأكل أموال الناس بالباطل، فبخسوا وأكلوا وظلموا، فحلّ عليهم غضب الله: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)[النساء: 160- 161].

 

ماذا كان مصير يهود بعدما فعلوا هذه المحرمات؟ ماذا حصل لمجتمعات اليهود؟ وماذا حل بهم بعدما انتهكوا حرمات الله -عز وجل-؟!

 

نزل عليهم بلاء من الله عظيم، سلط الله عليهم فرعون دهراً من الزمن يسومهم سوء العذاب يذبح أبناءهم، ويستحي نساءهم، مُسخوا قردة وخنازير، وغيرها.. وغيرها، من العقوبات الإلهية التي ذكرت في القرآن، ذكرت في القرآن تحذيراً لهذه الآية أن تقع في شيء مما حرم عليها، فيصيبها ما أصاب يهود.

 

فتأمل -أخي المسلم- في مجتمعات المسلمين اليوم شرقيها وغربيها، شماليها وجنوبيها، ولم يسلم منها إلا من سلمه الله هل هذه الأمور الأربعة واقعة وحاصلة عند المسلمين: الظلم، الصد عن سبيل الله، الربا، أكل أموال الناس، وبخس حقوقهم.

 

لا أحد يشك ولا عاقل ينكر من عدم خلو مجتمع من مجتمعات المسلمين من هذه الأربعة، ومن غيرها، لكن النسب متفاوتة، فما يزيد هنا قد ينقص هناك، وما يقل هنا قد يكثر.

 

فعلى هذه الأمة: الحذر ثم الحذر من نهج منهج يهود، والاستخفاف بتعاليم الشريعة، وانتهاك الحرمات؛ لأن العاقبة وخيمة، وخيمة في الدنيا، وشديدة مؤلمة في الآخرة.

 

الوقفة الثانية: مع قول الله -تعالى- في سورة الأنعام: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الأنعام: 110].

 

الله -جل وتعالى- بمنِّه وكرمه قد يفتح عليك -أيها المسلم- باباً يأتيك منه الأجر، فتقصر أنت يا عبد الله من الأخذ والتزود من هذا الباب، فتعاقب، فتعاقب بأن تحرم هذا الباب حتى تموت، إلا أن يعفو الله عنك: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ)[الأنعام: 110].

 

فهؤلاء لم يؤمنوا به أول مرة، ولم يأخذوه أول مرة، ولم ينتهزوا فرصة حصولهم عليه أول مرة، فعاقبهم الله -جل وتعالى- بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم -نسأل الله العافية-.

 

إليك -أخي المسلم- بعض الأمثلة:

 

أنت قد يفتح الله لك باب طلب علم، ويتيسر لك ذلك، أو باب دعوة، أو باب صدقة، وإنفاق في سبيل الله، أو أي باب من أبواب الخير، فتقصر أنت .. أنت الذي تقصر في طلب العلم، وأنت الذي تقصر في الدعوة والمشاركة في الأنشطة الدعوية، وأنت الذي تمسك يدك من الصدقة والبذل في وجوه البر والإحسان.

 

ثم بعد زمن تعلم أنك كنت أنت المخطئ، وأنت المقصر، فتريد أن تقبل الآن على طلب العلم، وتريد الآن: أن تدعو إلى الله -عز وجل-، والآن تريد أن تتصدق، وأن تبذل من مالك، فتعاقب.

 

فيعاقبك الله -عز وجل-، وتحرم هذا الباب، وربما إلى أن تموت: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).

 

القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

 

فاغتنم الفرصة -يا عبد الله-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)[الحديد: 21].

 

(فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ)[البقرة: 148].

 

(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)[الذاريات: 50].

 

(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين: 26].

 

"اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك".

 

إنك الآن -أخي المسلم- تدعى إلى صلاة ركعة أو ركعتين، أو تدعى لإنفاق ريال أو ريالين، أو تدعى للمشاركة في قليل من وقت، وقليل من بذل ومع هذا تمسك وتبخل.

 

فلا تلومن بعد ذلك إلا نفسك إذا حُرمت وأغلقت دونك الأبواب.

 

قال بعض السلف: من فتح له باب خير فليسارع إليه، فإنه لا يدري متى يغلق.

 

ثم اعلم أيضاً: بأن أبواب الخير -أخي المسلم-: تأخذ بعناق بعضها البعض، فما أن تلج باباً من أبواب الخير بإخلاص إلا وفتح لك أبواب تلو أبواب.

 

وكذلك من توانى وتشاغل، وضيّع على نفسه فرصة، فإنه قد تفوته فرص أخرى، لماذا؟ لأنه فرّط في الأولى، فعوقب بحرمان الثانية، فجزاء الحسنة الحسنة بعدها، وعقوبة السيئة السيئة بعدها.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الأنعام: 110].

 

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

الوقفة الثالثة: قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)[التحريم: 6].

 

هذه الوقفة -أيها الأحبة- نقفها بمناسبة بدأ عطلة الصيف.

 

فيا أيها الآباء: اتقوا الله -تعالى- في أنفسكم وأهليكم في هذه الإجازة، فإن عدم تقوى الله عاقبته ناراً وقودها الناس.

 

فهناك عدد ليس بالقليل اعتادوا السفر في عطلة الصيف، فكما يقولون نصطاف في الخارج، وغالب سفر هؤلاء يكون إلى ديار الكفر، أوربا وأمريكا، وغيرها.

 

ومع الأسف أن هؤلاء لا ينفع معهم فتاوى العلماء في هذه المسألة؛ لأن مسألة الحلال والحرام أصبحت شبه متساوية، فيقدم ويعمل المسلم الحرام وهو يعلم أنه حرام، والأمر عادي جداً.

 

والدليل أننا نقرأ ونوزع سنوياً في مثل هذا الوقت الفتاوى الرسمية الصادرة من العلماء في هذه المسألة، لكن لا تفيد معهم، فهو يعلم بأن سفره إلى تلك الديار لأجل النزهة، لا يجوز، لكن لا يبالي.

 

فهؤلاء قد عرضوا أنفسهم لسخط الله، وعقاب الجبار، وعرضوا أنفسهم وأهليهم لنار وقودها الناس، وكثير منهم قد جنى على أولاده وبناته عندما يعرضهم لمشاهدة التبرج والسكر والدعارة والزنا علانيةً، هناك فهؤلاء شباب وفي سن المراهقة ماذا يتوقع منهم؟ بل ماذا نتوقع أن يفعلوا هنا إذا رجعوا من تلك الديار وقد أقاموا بها مدة ثلاثة أو أربعة أشهر وهم في مثل تلك الأوبئة العفنة؟!

 

ولا تدري أيضاً طول تلك الفترة كيف كانت محافظة العائلة هناك على الصلاة، وهل هي في أوقاتها؟!ثم ماذا حملوا معهم من أفكار ودخلوا فيها إلى البلاد؟!

 

المفاسد -أيها الأحبة- في السفر إلى بلاد الكفار لغير ضرورة كبيرة وكبيرة جداً.

 

ولعل أن مجتمعنا يكتوي بنار هذه القضايا التي كان يتساهل فيها سابقاً الآن، ومع كل أسف مازلنا كالنعامة التي تدفن رأسها وجسمها ظاهر.

 

وإلا، فبماذا نفسر؟ وكيف نبرر هذه التسهيلات العجيبة والعجيبة جداً والمغرية التي تقدمها مكاتب السياحة لمن أراد السفر إلى الخارج في هذه الإجازة؟ تذاكر مخفضة، وسكن مخفض، وتنافس عجيب بين مكاتب السياحة، ودعايات وإعلانات توزع في كل مكان؟

 

وقد اطلعت واطلع غيري، وأنتم بالتأكيد قد شاهدتم شيئاً من هذا، مبلغ أربعة آلاف ريال، وبعضها خمسة آلاف، لمدة عشرة أيام في دول معروفة بالزنا والدعارة، يتحرج المسلم من ذكرها فوق المنبر.

 

بل إن بعض المكاتب تعطي التسهيلات بالتقسيط، تكاد تجزم بأن وراء انتشار هذه المغريات وهذه التسهيلات، ودفع الناس إليها دفعاً، تكاد تجزم بأن وراءها أيدي خفية، هدفها نشر الرذيلة والفساد في مجتمعات المسلمين، ويدعم هذا التيار الخبيث ما تعرض وسائل الإعلام الخارجية من صور وألوان مغرية لتلك البلاد لجلب السواح إليهم.

 

فهناك عرض من الخارج، ودفع من الداخل، بل وترتيب وتسهيل وتحفيز من الداخل، كل هذا إذا تزامن مع ضعف الإيمان -والله المستعان- ورقة الدين، وضغط الزوجة والأولاد على هذا الأب المغلوب على أمره، والعائلة الفلانية قد ذهبت، والجيران قد سافروا والقريب الفلاني، ونحن لسنا بأقل منهم ثم يجد التسهيلات المالية فيقع -والعياذ بالله- في المحرم، ويوقع أهله معه ويتحمل وزره ووزر من معه.

 

فيا أيها المسلمون، ويا أولياء الأمور: اتقوا الله -تعالى-، واقبلوا نصيحة مشفق عليكم، ولا أريد أن أقرأ عليكم كالعادة فتاوى العلماء.

 

لكن خطر في ذهني قضية لها تعلق بالأوضاع الراهنة، وهو أن الذي لا يهمه الحلال والحرام، ولا يجد فرقاً كبيراً بينهما، بالتأكيد تجد فرقاً بين الحياة والموت فقط، ليضع في ذهنه قضية القتل، واحتمالية الاعتداء عليه، وعلى أولاده، في تلك الديار الإباحية والفوضوية لا بتوجيه من حكام تلك البلاد، لكن بانتقام ومقابلة المثل بالمثل من بعض الشعب الأهوج، فكما قتل منهم أفراد في أي مكان، فربما يدبر مجموعة هوجاء، ويعتدوا على نفس جنسيات تلك البلاد الذين قتل منهم فيه أفراد، فقد ينتقمون لبني جنسهم، وقد ينتقمون لبني ملتهم، والكفر ملة واحدة.

 

فيا أيها الأب، ويا ولي أمر الأسرة: إذا كان لا يهمك الحلال والحرام، فإنني أظن أنه يهمك الحياة والموت، فضع هذا في حسابك وأنت تقطع تذاكر السفر.

 

فنسأل الله -جل وتعالى- أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا.

 

بقي -أيها الأحبة-: أن نقرأ عليكم بيان هيئة كبار العلماء بخصوص التفجير، كما ورد إلينا.

 

 

 

 

 

المرفقات
وقفات مع آيات.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life