عناصر الخطبة
1/تربية الشباب بطريقة المثالية 2/تربية الشباب بالإفراط في التسلط 3/ترك التوجيهات الإرشادية للشباب 4/ تربية الشباب بأسلوب التحقير والتقليل من الشأن 5/ترك معالجة السلوكيات الخاطئة للشباب.اقتباس
أَيُّهَا الْآبَاءُ الْكِرَامُ: الِاسْتِقَامَةُ التَّامَّةُ مَطْلُوبَةٌ، لَكِنْ غُضُّوا الطَّرْفَ عَنْ بَعْضِ الْهَفَوَاتِ، كَأَنَّكُمْ لَمْ تَرَوْا وَلَمْ تَعْلَمُوا، وَسَامِحُوا وَاعْفُوا عَنْ بَعْضِ الزَّلَّاتِ؛ فَرُبَّ عَفْوٍ كَانَ أَبْلَغَ مِنْ عِقَابٍ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]؛ أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ التَّرْبِيَةَ عَلَى مَعَانِي الْخَيْرِ وَالْبِنَاءِ رِسَالَةُ الدِّينِ، وَمُهِمَّةٌ عَظِيمَةٌ يَضْطَلِعُ بِهَا أَفْذَاذٌ مِنَ الرِّجَالِ الْمُصْلِحِينَ، وَهِيَ وَظِيفَةٌ سَامِيَةٌ لَا تَسْهُلُ فِي كُلِّ حِينٍ، وَلَا تَتَيَسَّرُ مَعَ جَمِيعِ الْمُسْتَهْدَفِينَ، خَاصَّةً فِي الزَّمَنِ الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ مَعَاوِلُ الْهَدْمِ الَّتِي تَعْمَلُ لَيْلَ نَهَارَ عَلَى تَصْدِيعِ حُصُونِ الْفَضِيلَةِ وَالْخَيْرِ فِي الْأَفْرَادِ وَالْأُسَرِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ.
لِهَذَا كَانَ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ يَزْدَادَ الْمُرَبُّونَ الْمُصْلِحُونَ، وَأَنْ يَكُونُوا عَلَى مَعْرِفَةٍ كَافِيَةٍ بِهَذِهِ الْوَظِيفَةِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي يَقُومُونَ بِهَا؛ حَتَّى يُثْمِرَ عَمَلُهُمْ صَلَاحًا وَجِدًّا فِي الَّذِينَ يُرَبُّونَهُمْ وَيَسْعَوْنَ فِي تَقْوِيمِ مَسِيرِهِمْ مِنَ الْأَطْفَالِ وَالشَّبَابِ.
غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ قَدْ تُرَافِقُهُ أَخْطَاءٌ مِنَ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ أَدَبِيَّاتِ هَذِهِ الْمُهِمَّةِ الْعَظِيمَةِ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، أَوِ الْإِخْوَةِ الْكِبَارِ وَالْأَخَوَاتِ؛ وَمِنْ تِلْكَ الْأَخْطَاءِ الَّتِي تُمَارَسُ فِي تَرْبِيَةِ الشَّبَابِ:
الْمِثَالِيَّةُ الْمُفْرِطَةُ مِنْ بَعْضِ الْمُرَبِّينَ وَأَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ؛ طَمَعًا فِي الْوُصُولِ إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الْكَمَالِ فِي الصَّلَاحِ وَالسَّلَامَةِ مِنَ الضَّعْفِ وَالْأَخْطَاءِ؛ فَتَجِدُهُمْ يُخْطِئُونَ فِي هَذِهِ الْغَايَةِ حِينَ يُبَالِغُونَ فِي طُرُقِ الْوُصُولِ إِلَيْهَا؛ وَذَلِكَ بِالْإِسْرَافِ فِي كَثْرَةِ الْمُتَابَعَةِ وَمُوَاتَرَةِ الْأَوَامِرِ وَكَثْرَةِ النَّوَاهِي وَعَدَمِ غَضِّ الطَّرْفِ عَنْ بَعْضِ الْأَخْطَاءِ الَّتِي يَفْرِضُهَا الضَّعْفُ الْبَشَرِيُّ، أَوْ قِلَّةُ الْخِبْرَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ: (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ)[التَّحْرِيمِ: 3].
أَلَا يَتَذَكَّرُ أُولَئِكَ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَالْمُرَبُّونَ نِقَاطَ الضَّعْفِ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ كَمَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النِّسَاءِ: 28]، وَقَوْلِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ).
نَعَمْ -أَيُّهَا الْآبَاءُ الْكِرَامُ- الِاسْتِقَامَةُ التَّامَّةُ مَطْلُوبَةٌ، لَكِنْ غُضُّوا الطَّرْفَ عَنْ بَعْضِ الْهَفَوَاتِ، كَأَنَّكُمْ لَمْ تَرَوْا وَلَمْ تَعْلَمُوا، وَسَامِحُوا وَاعْفُوا عَنْ بَعْضِ الزَّلَّاتِ؛ فَرُبَّ عَفْوٍ كَانَ أَبْلَغَ مِنْ عِقَابٍ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قَوْلُهُ: "مَا اسْتَقْصَى كَرِيمٌ قَطُّ"، وَقَالَ سُفْيَانُ: "مَا زَالَ التَّغَافُلُ مِنْ فِعْلِ الْكِرَامِ".
وَمِنْ وَصَايَا الْمُرَبِّي الْأَوَّلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّرْبِيَةِ: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَتَذَكَّرُوا -مَعْشَرَ الْآبَاءِ- أَنَّ الْإِفْرَاطَ فِي إِرَادَةِ الْمِثَالِيَّةِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى نَتَائِجَ عَكْسِيَّةٍ لَا تَحْمَدُونَهَا وَلَا تُرِيدُونَهَا، وَكَمَا قِيلَ:
رَامَ نَفْعًا فَضَرَّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ** وَمِنَ الْبِرِّ مَا يَكُونُ عُقُوقَا
فَاعْتَدِلُوا وَلَا تُغَالُوا، وَأْمُرُوا وَانْهَوْا وَلَكِنْ لَا تَسْتَقْصُوا؛ وَرُبَّ مَكْرُوهٍ -مِمَّنْ تُرَبُّونَ- فِي أَوَّلِيَّتِهِ، يَغْدُو مَحْبُوبًا بِحُسْنِ عَاقِبَتِهِ؛ (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النِّسَاءِ: 19].
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنَ الْأَخْطَاءِ فِي تَرْبِيَةِ الشَّبَابِ: الْإِفْرَاطُ فِي التَّسَلُّطِ؛ وَهَذَا الْخَطَأُ مَوْجُودٌ لَدَى كَثِيرٍ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْمُرَبِّينَ؛ بِسَبَبِ شَهْوَةِ الِاسْتِبْدَادِ، وَنَزْعَةِ الْقَسْوَةِ الْمُفْرِطَةِ فِي تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِمْ خَاصَّةً الشَّبَابَ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ يَوْمَ أَنْ يُغْلِقُوا كُلَّ الْمِسَاحَاتِ الْمَشْرُوعَةِ أَمَامَ أَوْلَادِهِمْ؛ فَلَا يَدَعُونَهُمْ يَفْعَلُونَ أَوْ يَقُولُونَ إِلَّا حَسَبَ مَا يُوَجِّهُونَهُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ؛ فَيَتَحَكَّمُونَ فِي نَشَاطِهِمْ وَرَغَبَاتِهِمْ، وَيَمْنَعُونَهُمْ مِنْ مُمَارَسَةِ هِوَايَاتِهِمْ وَسُلُوكِيَّاتِهِمُ الْمُبَاحَةِ فِي أَوْقَاتٍ وَأَمَاكِنَ وَأَحْوَالٍ لَا مَضَرَّةَ فِيهَا، بَلْ رُبَّمَا أَرْهَقُوهُمْ بِكَثْرَةِ الْوَاجِبَاتِ الْأَمْرِيَّةِ الَّتِي تَفُوقُ قُدُرَاتِهِمْ وَإِمْكَانِيَّاتِهِمْ.
وَمَا عَلِمَ هَذَا الصِّنْفُ مِنَ الْمُرَبِّينَ أَنَّ مَنْهَجَ الْإِسْلَامِ يَدْعُو إِلَى الِاعْتِدَالِ وَالْوَسَطِيَّةِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)[الْبَقَرَةِ: 143]، كَمَا تَرْوِي عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، زَوْجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنْ سَيِّدِ الْمُرَبِّينَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
أَلَا تَرَوْنَ -أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ- أَنَّ الْأَبَوَيْنِ إِذَا أَفْرَطَا فِي التَّسَلُّطِ أَنْتَجَ ذَلِكَ فِي الْأَوْلَادِ أَضْرَارًا عَلَى شَخْصِيَّاتِهِمْ وَصِحَّتِهِمُ النَّفْسِيَّةِ؛ حَيْثُ يَصِيرُ الشَّابُّ أَوِ الشَّابَّةُ مُلَازِمًا لِلْخَوْفِ وَالْقَلَقِ وَالِارْتِبَاكِ فِي اتِّخَاذِ الْقَرَارِ، بَلْ يُصْبِحُ تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَشَخْصِيَّةً اعْتِمَادِيَّةً عَلَى سِوَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ لَهُ ثِقَةٌ بِنَفْسِهِ، فَتُوأَدُ أَفْكَارُهُ، وَتُدْفَنُ تَطَلُّعَاتُهُ، وَيَصِيرُ عَالَةً عَلَى غَيْرِهِ.
وَالْمُرَبِّي الْعَاقِلُ هُوَ الَّذِي يُعَامِلُ أَوْلَادَهُ إِذَا كَبِرُوا كَإِخْوَةٍ وَأَصْدِقَاءَ، وَيَكُونُ تَعَامُلُهُ مَعَهُمْ بَيْنَ الْحَزْمِ وَاللِّينِ، وَالْجِدِّ وَالسُّهُولَةِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَمِنَ الْأَخْطَاءِ فِي تَرْبِيَةِ الشَّبَابِ: تَرْكُ التَّوْجِيهَاتِ الْإِرْشَادِيَّةِ لَهُمْ دَائِمًا وَفِي كُلِّ شَيْءٍ؛ فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ مُفْرِطُونَ فِي تَرْبِيَةِ الشَّبَابِ بِغُلُوِّهِمْ، فَهُنَاكَ يُقَابِلُهُمْ مُرَبُّونَ مُفَرِّطُونَ، يَدَعُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ يَفْعَلُونَ مَا يَشَاءُونَ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ وَلَا تَوْجِيهٍ، وَالْحَقُّ هُوَ الْوَسَطُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، كَمَا قِيلَ:
وَلَا تَغْلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْرِ وَاقْتَصِدْ ** كَلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمُ
فَلَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ -مَعْشَرَ الْآبَاءِ، وَكَذَا الْخِطَابُ لِلْأُمَّهَاتِ- أَنْ تَتْرُكُوا أَوْلَادَكُمْ مِنَ الْفِتْيَانِ وَالْفَتَيَاتِ بِدُونِ تَوْجِيهَاتٍ إِرْشَادِيَّةٍ تُنِيرُ لَهُمْ طَرِيقَ الْحَيَاةِ، فَأَنْتُمْ قَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ عَلَى هَذَا الدَّرْبِ، وَلَدَيْكُمْ خِبْرَةٌ فِيمَا يَنْفَعُ فِيهِ وَيَضُرُّ، فَدُلُّوهُمْ عَلَى مَا يَنْفَعُهُمْ بِتَوْجِيهَاتِكُمْ، وَحَذِّرُوهُمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ بِنُصْحِكُمْ.
وَتَذَكَّرُوا أَنَّ هَذَا وَاجِبُكُمْ، وَلَيْسَ تَفَضُّلًا، وَهُوَ مِنْ مَضَامِينِ مَسْؤُولِيَّتِكُمْ؛ الدَّاخِلِ فِي قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التَّحْرِيمِ: 6].
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ).
وَإِذَا كَانَ رَسُولُنَا الْكَرِيمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ بِإِرْشَادِ الْأَوْلَادِ وَهُمْ فِي سِنِّ السَّابِعَةِ -إِذْ هُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ- فَكَيْفَ بِالشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ فِي سِنِّ التَّكْلِيفِ؟!
يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ).
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ فِي التَّرْبِيَةِ مِنَ الْحُكَمَاءِ، وَفِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنَ السُّعَدَاءِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ الْأَوْفِيَاءِ. أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنَ الْأَخْطَاءِ فِي تَرْبِيَةِ الشَّبَابِ: تَرْبِيَتُهُمْ بِأُسْلُوبِ التَّحْقِيرِ وَالتَّقْلِيلِ مِنَ الشَّأْنِ؛ فَالْإِنْسَانُ الْكَرِيمُ يَعْرِفُ أَقْدَارَ النَّاسِ، وَيُنْزِلُهُمْ مَنَازِلَهُمْ، وَيَحْفَظُ لَهُمْ مَقَامَاتِهِمْ؛ صَوْنًا لِمَشَاعِرِهِمْ، وَحِفَاظًا عَلَى مَوَدَّتِهِمْ، وَأَمَّا السُّخْرِيَةُ وَالِاحْتِقَارُ لِلْآخَرِينَ فَلَيْسَتْ مِنْ سِمَاتِ الْمُرَبِّينَ، وَلَا مِنْ أَخْلَاقِ الدُّعَاةِ وَالْمُصْلِحِينَ؛ فَهَذَا الْمَعْرُورُ بْنُ سُوَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهَا، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَذَكَرَ أَنَّهُ سَابَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ، قَالَ: فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ... "(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبَّابًا، وَلَا فَحَّاشًا، وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: "مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
أَرَأَيْتُمْ كَيْفَ وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ هَذَا الْفِعْلَ بِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِمُرِبٍّ يُرِيدُ صَلَاحَ مَنْ يُرَبِّيهِ وَاسْتِجَابَتَهُ لَهُ؛ أَنْ يَسْخَرَ مِنْهُ، أَوْ أَنْ يَحْتَقِرَ مِنْ شَأْنِهِ بِأَقْوَالِهِ أَوْ أَفْعَالِهِ، أَوْ مُقَارَنَتِهِ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَفْضُلُونَهُ.
إِنَّ هَذِهِ الشِّيمَةَ الذَّمِيمَةَ تَجْعَلُ الشَّابَّ أَوِ الشَّابَّةَ يَشْعُرُ بِالْقَهْرِ، وَحُبِّ الِانْتِقَامِ، وَيَجْعَلُهُ عَنِيدًا يُحِبُّ الْمُخَالَفَةَ لِتَوْجِيهَاتِ الْمُرَبِّينَ، مِنْ آبَاءٍ وَأُمَّهَاتٍ وَمُعَلِّمِينَ وَمُعَلِّمَاتٍ.
وَالطَّرِيقُ التَّرْبَوِيُّ الصَّحِيحُ: أَنْ يُعْلِيَ الْمُرَبِّي مِنْ شَأْنِ مَنْ يُرَبِّيهِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ مَادِحًا لَهُ وَمُعَزِّزًا كَمَا كَانَ دَأْبُ الْمُرَبِّي الْأَوَّلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ).
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ التَّرْبَوِيَّةِ فِي تَرْبِيَةِ الشَّبَابِ: تَرْكُ السُّلُوكِيَّاتِ الْخَاطِئَةِ لِلشَّبَابِ دُونَ مُعَالَجَةٍ وَلَا تَصْحِيحٍ؛ وَمَتَى اسْتَمَرَّ الشَّابُّ عَلَى هَذِهِ الْأَخْطَاءِ دُونَ تَقْيِيمٍ وَنُصْحٍ صَارَتْ سُلُوكًا لَا يَنْفَكُّ، وَثَقَافَةً لَا تُنْسَى، وَطَبْعًا يَصْعُبُ عِلَاجُهُ؛ وَمَا أَكْثَرَ الْأَخْطَاءَ السُّلُوكِيَّةَ الَّتِي نُشَاهِدُهَا مِنَ الشَّبَابِ الْيَوْمَ، خُصُوصًا وَوَسَائِلُ الِانْحِرَافِ فِي مُتَنَاوَلِ الْجَمِيعِ تَدْعَمُ هَذَا الِانْحِرَافَ وَتُشَجِّعُ عَلَى هَذَا الْمَيْلِ.
وَمِنَ الْأَخْطَاءِ التَّرْبَوِيَّةِ فِي تَرْبِيَةِ الشَّبَابِ: التَّصْرِيحُ دَائِمًا وَالتَّعْبِيرُ الْمُسْتَمِرُّ، وَهَذَا لَيْسَ أُسْلُوبًا نَاجِحًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاقِفِ بَلْ يَصْلُحُ فِي خَطَأٍ وَلَا يَصْلُحُ فِي غَيْرِهِ وَيَصْلُحُ مَعَ مُخْطِئٍ وَلَا يَصْلُحُ مَعَ آخَرَ، وَمِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ أَنَّ التَّعْرِيضَ هُوَ الْأُسْلُوبُ الْفَاعِلُ وَالطَّرِيقَةُ النَّاجِحَةُ، وَهُوَ الْأُسْلُوبُ الَّذِي كَانَ يُمَارِسُهُ كَثِيرًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعُرِفَ عَنْهُ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ يَقُولُ كَذَا؟، وَلَكِنْ يَقُولُ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا؟"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
يَا أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: عَالِجُوا الْخَطَأَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَفْحِلَ خَطَرُهُ، وَأَطْفِئُوا لَهِيبَ الِانْحِرَافِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَاظَمَ شَرَرُهُ؛ وَلَكِنْ كُونُوا حُكَمَاءَ فِي الْمُعَالَجَةِ، أَنْقِيَاءَ اللِّسَانِ فِي تَصْحِيحِ الْخَطَأِ، وَاعْتَدِلُوا فِي تَوْجِيهِهِمْ وَلَا تَطْلُبُوا أَنْ يَكُونُوا مَلَائِكَةً بِلَا أَخْطَاءٍ، وَعَالِجُوا أَخْطَاءَهُمْ بِالنُّصْحِ وَالْحِكْمَةِ وَالرِّفْقِ وَالْقَوْلِ السَّدِيدِ، وَاسْتِشَارَةِ أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ فِي الْأَسَالِيبِ التَّرْبَوِيَّةِ، وَانْتَقُوا مِنْهَا النَّافِعَ الَّذِي يُعِينُكُمْ عَلَى تَرْبِيَةِ أَبْنَائِكُمْ وَيُسَاهِمُ فِي تَرْبِيَتِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ؛ وَلْيَكُنْ لَكُمْ فِي نَبِيِّكُمْ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قُدْوَةً فِي حِكْمَتِهِ فِي مُعَالَجَةِ الْأَخْطَاءِ، بِأَسَالِيبَ مُتَعَدِّدَةٍ وَطُرُقٍ مُهَذَّبَةٍ حَسَبَ الْحَاجَةِ تَلْمِيحًا وَتَعْرِيضًا وَتَصْرِيحًا وَإِشَارَةً.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
التعليقات