عناصر الخطبة
1/ اجتناب معاصي القلوب 2/ الرياء وكيفية علاجه 3/ أماراتٌ لسلامة القلباهداف الخطبة
اقتباس
بعض المؤمنين يعلم أن الرياء حرام، ومحبط للأعمال، لكنه يحب أن يُرى عمله، ويثنى عليه به، وإن كان الدافع وراء عمله من حيث الأصل الطمع فيما عند الله -تعالى-، لكنه يحب أن يُرى فيلجأ إلى أن يلحن لحناً غير صريح لأِن ينبه الآخرين أن يطلعوا على عمله، أو يوحى إيحاءً خفياً بأن يتساءل الناس: من ..
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فالخطبة في الجمعة الماضية كانت عن عمل من أعمال القلوب الإثمية؛ وهو الحسد، وتناول الحديث بيانَ بعض مظاهره لمن ابتلي به، وشيئاً من آثاره، والوسائل الشرعية لعلاجه لمن أراد أن يخلص نفسه من داء الحسد لما يترتب عليه من عقوبة دنيوية وأخروية.
والأمراض الباطنة -غيُر الحسد- متعددة، منها: الشك، والنفاق، والعجب، والرياء، والغرور، والكبر، والله -عز وجل- يأمرنا بترك الذنوب كافة، ظاهرِها وباطنها، قال الله -تعالى-: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) [الأنعام:120].
[والمراد بالإثم: جميعُ المعاصي التي تؤثم العبد؛ أي توقعه في الإثم والحرج من الأشياء المتعلقة بحقوق الله وحقوق عباده. ولا يتم للعبد ترك المعاصي الظاهرة والباطنة إلا بعد معرفتها والبحث عنها، فيكون البحث عنها، ومعرفة معاصي القلب، والبدن، والعلم بذلك، واجباً متعيناً على المكلف. وكثير من الناس، يخفى عليه كثير من المعاصي، وخصوصاً معاصي القلب، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يحس به ولا يشعر، وهذا من الإعراض عن العلم، وعدم البصيرة].
عباد الله: بعض المؤمنين يعلم أن الرياء حرام، ومحبط للأعمال، لكنه يحب أن يُرى عمله، ويثنى عليه به، وإن كان الدافع وراء عمله من حيث الأصل الطمع فيما عند الله -تعالى-، لكنه يحب أن يُرى فيلجأ إلى أن يلحن لحناً غير صريح لأِن ينبه الآخرين أن يطلعوا على عمله، أو يوحى إيحاءً خفياً بأن يتساءل الناس: من المتصدق بالمبلغ الفلاني -مثلاً- حتى يصلوا إلى معرفة اسمه. فهذا من باطن الإثم.
وعلاجه: أن يعلم المسلم الفاعلُ للخير من صدقةٍ أو غيرها من ألوان البر أن الناس لن يغنوا عنه من الله شيئاً، ولن يجلبوا له خيراً إذا اطلعوا على عمله، ثم كم هم الناس الذين يمكن أن يطلعوا على عمله؟ عدد قليل.
ويعلمَ كذلك أن ما عند الله خيرٌ وأبقى، وأنَّ ذكْر الملأ الأعلى لاسمه، وتردّد اسمه عند الله -تعالى- وبين الملائكة خير منه عند الناس، وأن تسطير اسمه في علِّيِّين خير من أن يسطر في أوراق المخلوقين من بشرٍ مثله: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) [المطففين:18-21].
فاحرص -أيها المسلم- على إخفاء عملك، لأن الأصل في الأعمال الصالحة إخفاؤها إلا في حالات معينة: إذا أمِن الإنسان على نفسه من الرياء، وتلكم حالات قليلة، وأمثالنا قد تضعف نفوسهم أن يتجردوا لله حين تظهر أعمالهم، فاحذروا باطن الإثم كما تحذرون ظاهره.
"والإثم ما حاك في النفس وكرِهْتَ أن يطَّلِع عليه الناس"، وأنت -أيها المؤمن- تكره أن يعلم الناس أنك تراءي بعملك؛ لأنك تعلم أن الرياء إثم، فإظهار العمل بطريقة خفية فيها حيلة إذاً إثم، لكنه إثم باطن، فاحذروا باطن الإثم كما تحذرون ظاهره.
معاشر المسلمين: أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُتي ليلة أسري به بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما فأخذ اللبن، فقال جبريل: "الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذْتَ الخمر غوت أمتك".
تلاحظ -أيها المسلم- في هذا الحديث فرح جبريل -عليه السلام- عندما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- اختار اللبن وترك الخمر، وهذا مثَلٌ في سلامة قلب المؤمن وفرحه بالخير للمسلمين حتى لو لم يعرفهم؛ بل حتى الذين لم يولدوا! وقد ترجم فرحه بحمد الله -تعالى- حين أقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- على اللبن، وأعرض عن الخمر؛ مشفقاً -عليه السلام- على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يختار نبيها الخمر فتنهمك بالضلال والجهل.
إن المشروع للمسلم إذا رأى نعمة وخيراً أنعم الله بها على أحد من عباده سواءً في دينه أو دنياه حَمْدُ الله تعالى على ذلك وخاصة في أمور الدين، ولا يجوز له أن يتبادر إلى ذهنه الحسد المحرم الذي يدل على سوء الطوية.
كان القاضي المعافى بن زكريا بحراً من العلوم، وكان يقال عنه: إذا حضر المعافى فقد حضرت العلوم كلها؛ لغزارة علمه، وسعة إطلاعه، لكن حسده بعض الناس على ذلك فأنشد:
ألا قل لمن كان لي حاسِداً *** أتدري على مَن أسأْتَ الأدَبْ
أسأتَ على الله في فعله *** لأنَّكَ لم ترضَ لي ما وهب
فجازاك عني بأن زادني *** وسدَّ عليك وجوه الطلَب
فسلامة القلب مطلب مهم للمسلم، والله تعالى يحب الحمد، ويحب أن يُحمَد، ويجازي عليه -سبحانه- أفضل الجزاء، فعن أنس -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله لَيَرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها" رواه مسلم.
اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم أعِذنا من شرور أنفسنا...
التعليقات