عناصر الخطبة
1/سرعة مرور رمضان وانقضائه 2/أقسام الناس عند وداع رمضان 3/فوائد المداومة على العمل الصالح بعد رمضان 4/حرص السلف على المداومة على العمل الصالح 5/بعض الأمور التي يتعلمها الصائم من رمضان 6/التذكير ببعض العبادات المشروعة في نهاية رمضان وبعدهاهداف الخطبة
اقتباس
عباد الله:ما أسرع ما ينقضي الزمن، وما أعجل ما تمضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان، ونحن اليوم نودعه، ونبكي عليه، ولم يكن بين استقبالنا ووداعنا إلا أيام قلائل مرت مرور الطيف، ولمعت لمعان البرق الخاطف، ثم غادرتنا مُقَرّبة إلينا آجالنا مُقَصّرة من آمالنا، وعما ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: ها نحن نودع رمضان ولم يبق منها إلاّ ساعات قلائل.
نعم، بالأمس القريب كان معنا، كنا نستنشق عطره، ونسعد في أفيائه، ونتقلب في ضروب نعمائه.
بالأمس القريب كنا نغترف من بركاته، ونخوض في بحار حسناته، ونرجع كل ليلة بجر الحقائب بما حملنا من خيراته.
بالأمس القريب كنا نقطف من روضه زهور الإيمان، ونجد في رحابه الأنس والاطمئنان، كانت تحلق فيه الأرواح، وتطير من غير ما جناح.
واليوم أين هو شهر رمضان؟ ألم يكن منذ لحظات بين أيدينا؟ ألم يكن ملء أسماعنا وأبصارنا؟ ألم يكن هو حديث منابرنا، زينة منائرنا، بضاعة أسواقنا، مادة موائدنا، سمر أنديتنا، حياة مساجدنا، فأين هو الآن؟ أين حرق المجتهدين في نهاره؟ أين قلق المتهجدين في أسحاره؟ أين خشوع المتهجدين في قيامهم؟ ورقة المتعبدين في صيامهم؟ أين أقدامٌ قد اصطفت فيه لمولاها؟ أين أعين جادت فيه بجاري دمعها؟ أين قلوب حلقت فيه بجناحين من خوف ورجاء؟ وسارعت إلى مرضاة ربها تلتمس النجاء؟ أين أيام كانت حياة للحياة؟ وليال كن قلائد في جيد الزمان؟
لقد تولت كما تولى غيرها، وتقضّت بما فيها ولم يبق إلا الندم والأسى.
تذكرت أياماً مضت وليالياً *** خلت فجرت من ذكرهن دموعُ
ألا هل لها يوماً من الدهر عودةٌ *** وهل لي إلى يوم الوصال رجوعُ
وهل بعد إعراض الحبيب تواصلٌ *** وهل لبدورٌ قد أفلن طلوعُ؟
أتَذكُر -أيها الأخ الحبيب- سويعات كانت من الصفاء أصفى؟ ومن الشّهد أحلى؟ أما يحن فؤادك إلى دمعات كنتَ سكبتها؟ وعبرات من خشية الله قد أذريتها؟ أما يهتز قلبك شوقاً إلى لحظات صَفَت فيها نفسك، وحلقت روحك، حتى كأنك تجاوزت الأرض وترابها، وتنشّقت روائح الفردوس وعطرها؟ أما يعظم أسفك على أيام رفعت فيها يديك مناجياً مولاك؟ فأطرق رأسك ذُلاً، واغرورقت بالدمع مقلتاك؟
لقد مضى ذلك كله، وطوي بساطه، ومر كأن لم يكن، وعاد ذكرى في النفس بعد أن كان واقعاً يشهده الحس، وبقيت في النفس حزازاتُ أسى، وألم على فراق راحل عزيز.
أترحل لا الصحب منك ارتووا *** ولا امتلأت منكم المقلتان
أترحل والقلب بعد مشوق *** له لغة من هوى وحنان
فيا لفؤادي إذا حركته *** رؤى ذكريات لطاف حسان
وأصداء ماض تولى حبيب *** وأطياف شهر طواه الزمان
أيها المسلمون: لقد كان ما كان وانقضى الشهر، وخرج الناس من رمضان، وهم فريقان:
فريق نصح فيه لنفسه، وقام بحق ربه، فصامه إيماناً وقامه احتساباً، وتحرى فيه مراضي مولاه، وتجنب مظان سخطه، لم يفرط في دقائقه، ولا أرخى لنفسه زمام هواها، قد اغتسل فيه من ذنوبه وتطهر من أوزاره وخرج منه يترنم:
اليوم ميلادي الجديد وما مضـى *** موت بليت به بليــــل داج
أنا قد سريت إلى الهداية عارجـاً *** يا حسن ذا الإسراء والمعراج
وفريق آخر: تمنى على الله الأماني، واتبع نفسه هواها، فأمضى نهاره في سهو، وليله في لهو، أطلق لبصره العنان، وأرهف سمعه لمساخط الديان، لم يرع للشهر حرمته، ولا عرف له حقه، وكم نُصح فما قبل النُصح، ودعي إلى المصالحة فما أجاب إلى الصلح، شَاهَد الواصلين فيه وهو متباعد، ومرت به زمر السائرين وهو قاعد، حتى إذا ضاق به الوقت، وخاف المقت، ندم على التفريط حين لا ينفع الندم، وطلب الاستدراك في وقت العدم، وهيهات هيهات.
وما أحوج الفريقين -أيها الأحبة- إلى المحاسبة الدقيقة، والوقفة الصادقة.
فأما المفرط المقصر فيندم ويتوب، ويستغفر ويؤوب، فعساه إن لم يدرك الخير كله أن يدرك بعضه، وعسى أن يعيش قابل أيامه في طاعة وبر منتظراً عاماً جديداً ورمضان آخر.
وأما المطيع المجد، فيهتم لقبول عمله، ولقد كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده، وهؤلاء الذين وصفهم الله –سبحانه- بقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)[المؤمنون: 60].
روى الترمذي عن عبد الرحمن بن سعيد أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات".
وعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[المائدة: 27].
وقال مالك بن دينار: الخوف على العمل ألا يُتقبل أشد من العمل.
وقال عبد العزيز بن أبي رواد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل أم لا؟
وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور، فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا.
ومثل هذه المحاسبة، ومثل هذا الشعور مما ينبغي أن يكون لدى المسلم الصادق، وإن العجب كل العجب أننا ما إن نخرج من شهر رمضان حتى نكون كالذي ضمن القبول، فلا يفكر أحد في عمله ولا يراجعه ولا يتأمل مدى إخلاصه فيه ولا يلح على ربه أن يتقبل منه، حتى ذلك الدعاء الذي كنا نقوله كل ليلة في رمضان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[البقرة: 127] (وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[البقرة: 128]. حتى هذا الدعاء لم يعد له نصيب وحظ، وشتان ما بيننا وبين أسلافنا في هذا، فلقد كانوا يدعون الله ستة أشهر بعد رمضان أن يَتقبل منهم!.
رَأى وهيب بن الورد أقواماً يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء تَقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يَتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين.
أيها المسلمون: إنها ليست دعوة للقنوط واليأس، ولكنها دعوة إلى محاسبة النفس؛ لأن محاسبة النفس على العمل، والخوف من عدم قبوله من صفات المؤمنين وسمات أهل الصلاح المتقين، ومما ينبغي أن يكون في مثل هذه الأيام.
أيها المسلمون: ولئن كان قبول العمل من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فإن لكل أمر علامة، ولكل تجارة أمارة، ولقبول العمل علامات تدل عليه، وإن من علامة قبول العمل الصالح الاستمرار عليه والمداومة على أدائه، فقد قال بعض السلف: ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
وفي الحديث: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".
وعن علقمة قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها- هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يختص من الأيام شيئاً؟ قالت: "لا، كان عمله ديمة وأيكم يطيق ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطيق"[رواه البخاري].
اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن للمداومة على العمل الصالح فوائد عظيمة:
منها: أن هذا كان من دأبه عليه الصلاة والسلام، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملاً أثبته، وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة"[رواه مسلم].
ومنها: دوام اتصال القلب بخالقه مما يعطيه قوة وثباتاً، وتعلقاً بالله.
ومنها: تعهد النفس عن الغفلة وترويضها على لزوم الخيرات، حتى تسهل عليها، وتصبح ديدناً لها.
ومنها: أن المداومة سبب لمحبة الله، وفي الحديث القدسي: "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"[رواه البخاري].
ومنها: أن المداومة سبب للنجاة من الشدائد، وفي الحديث: "احفظ الله يحفظك، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة"[رواه الإمام أحمد].
ومنها: أن المداومة سبب لحسن الختام.
أسأل الله لي ولكم حسن الختام.
قالالله-تعالى-:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69].
ومنها: أنها صفة عباد الله المؤمنين، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)[المعارج: 23].
أيها المسلمون: وكان السلف -رحمهم الله- في غاية الحرص على دوام العمل وإثباته وعدم تركه، فكانت عائشة -رضي الله عنها- تصلي الضحى ثماني ركعات، ثم تقول: "لو نشر لي أبواي ما تركتهن".
وحين عَلّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علياً ما يقوله عند نومه، قال علي: "والله ما تركتها بعد، فقال له رجل: ولا ليلة صفين؟ قال علي: ولا ليلة صفين".
وقال عفان: قد رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة، ولكن ما رأيت أشد مواظبة على الخير وقراءة القرآن، والعمل لله -تعالى- منه.
أيها المسلمون: أما إنه يقبح بالمسلم أن يبني في رمضان صرح إيمانه، ويجمله ويزينه ثم إذا انقضى الشهر عاد فهدم ما بنى، وأفسد ما شيّد: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا)[النحل: 92].
فالله ينهانا أن نكون كهذه المرأة الحمقاء التي تنسج غزلها حتى إذا أبدعته وأحكمته نقضته، ثم عادت تغزل من جديد!.
وهذا -وللأسف- حال أكثرنا في كل عام، يعمل ويعمل ويعمل في رمضان، حتى إذا بلغ من الخير مبلغاً، وبدأ يحس طعم العبادة ولذة الخشوع، هدم كل ذلك بعد رمضان، فإذا جاء رمضانٌ آخر شرع يبني من جديد، فلا يكاد يبلغ منزله الأول حتى ينتكس!.
والتأمل في هذا كله يقتضي من المؤمن أن يستمر على ما كان عليه من طاعة في رمضان وأن يواصل كفُّه عما كف عنه من معاصي في هذا الشهر الكريم، وما أقبح الحور بعد الكور، وما أقبح أن يتدنس بذنوب المعاصي من قد تطهر منها، وما أشنع أن يرجع التائبون إلى حمأة الرذيلة، وأن يتلطخوا بأوحال المعصية بعد أن توضؤوا بنور الطاعة.
يا رجال التوبة لا ترجعوا إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام، فالرضاع يصلح للأطفال لا للرجال، ولكن لا بد من الصبر على مرارة الفطام، فإن صبرتم تعوضتم عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في القلوب، ومن ترك شيئاً لله لم يجد فقده.
يا عبد الله: لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل، يا من وفَّى في رمضان على أحسن حال، لا تتغير بعده في شوال، يا من أصلح في رمضان، وعزم على الزلل في شوال: ويحك، فإن ربُّ الشهرين واحد!.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
أما بعد:
أيها المسلمون: لقد علّمنا شهر رمضان: أننا نستطيع أن نبكي من خشية الله، وأن نذرف الدمع بين يديه، وأن نجهش في صلاتنا بالبكاء.
وعلّمنا: أننا نستطيع أن نقوم الليل ونصوم النهار، ونكثر من قراءة القرآن.
وعلّمنا: أننا نستطيع أن نديم المكث في المساجد.
وعلّمنا: أننا نستطيع أن نترك كثيراً من شهواتنا ورغباتنا.
لقد فضحنا هذا الشهر، وكشف كذب دعاوى الكثيرين ممن يزعم أنه لا يستطيع البكاء، أو الصلاة أو قراءة القرآن أو البقاء في المسجد، فهل نتعلم هذا الدرس؟ هل ندرك أننا نقدر على فعل الكثير عندما نريد فعله؟ هل نتذكر أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأن في وسعنا أن نفعل الشيء الكثير؟.
عباد الله: ما أسرع ما ينقضي الزمن، وما أعجل ما تمضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان ونحن اليوم نودعه ونبكي عليه، ولم يكن بين استقبالنا ووداعنا إلا أيام قلائل مرت مرور الطيف، ولمعت لمعان البرق الخاطف، ثم غادرتنا مُقَرّبة إلينا آجالنا مُقَصّرة من آمالنا.
وعما قريب تنقضي الأيام المقدّرة، وتدنو الآجال المكتوبة، ويفارق المرء دنياه، غير حامل زاداً إلا زاد العمل الصالح، ولا لابسٌ لباساً إلا لباس التقوى، فأيّنا أعد لذلك اليوم عدته، واتخذ له أهبته؟ (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)[النساء: 78].
قال الله -تعالى-: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ)[الجمعة: 8].
وقال سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[آل عمران: 185].
فالله الله في ساعة لا شك في مجيئها، واجعلوا في تصرّم شهركم عبرة تذكركم بتصرم أعماركم.
أيها المسلمون: أذكركم بزكاة الفطر: فقد شرعه الله طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وشكراً لله على توفيقه، وهي زكاة عن البدن، يجب إخراجها عن الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، ويجب إخراجها على كل مسلم غربت عليه الشمس ليلة العيد، وهو يملك ما يزيد عن قوت يومه وليلته، ويجب عليه أن يخرج عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من زوجته ووالديه وأولاده، ويخرج زكاة الفطر في البلد الذي وافاه تمام الشهر وهو فيه، وتدفع زكاة الفطر إلى من يجوز دفع زكاة المال إليه، كالفقراء والمساكين، فيدفعها إلى المستحق ويتحرى في ذلك.
ووقت الإخراج يبدأ بغروب الشمس ليلة العيد، والأفضل ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين جاز، وإن أخرها عن صلاة العيد أثم وأجزأت، وإن فات يوم العيد ولم يخرجها، فإنه يقضيها ولا تسقط عنه، ويجوز للفقير إذا قبض صدقة الفطر أن يخرجها عن نفسه.
وأذكّركم أيضاً بالتكبير، فإنها سنة، قال الله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)[البقرة: 185].
فيسن التكبير ليلة العيد والجهر به في المساجد والبيوت والأسواق، تعظيماً لله، وشكراً له على تمام النعمة.
وأيضاً أذكّركم بصلاة العيد، فإنها من تمام ذكر الله، قال الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)[الأعلى: 14 - 15].
قال بعض السلف: أي أدى الزكاة، (فَصَلَّى)قيل: المراد به صلاة العيد، فاحرصوا -رحمني وإياكم عليها فقد ذهب بعض العلماء إلى وجوبها.
وأذكّركم أيضاً بصيام ستة أيام من شوال، فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر"[رواه مسلم].
وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:
منها: أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله، كما سبق الحديث.
ومنها: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص.
ومنها: أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده.
ومنها: أن صيام رمضان يوجب مغفرة الذنوب، والصائمون يوفون أجورهم يوم الفطر، فتكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهاره صائماً، ويجعل صيامه شكراً للتوفيق للقيام.
اللهم تقبل منّا...
اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة...
التعليقات